نموذج رواندا.. هكذا تحذو ألمانيا حذو بريطانيا في ترحيل اللاجئين لـ"دولة ثالثة"
الانتقادات الموجهة إلى الحكومة الألمانية بسبب بطء عمليات الترحيل دفعها للتفكير في استنساخ تجربة بريطانيا في رواندا
يبدو أن ألمانيا تدرس جديا استنساخ تجربة بريطانيا بشأن ترحيل طالبي اللجوء لديها إلى دولة ثالثة خارج قارة أوروبا.
يأتي ذلك في وقت لم تحقق فيه خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين إلى رواندا الأهداف المرجوة منها حتى الآن في ظل تدخل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اللحظات الأخيرة لمنع رحلة تقل سبعة مهاجرين من الإقلاع إلى كيغالي.
والعام الماضي صدر قرار من المحكمة العليا في بريطانيا يعد خطة الترحيل إلى رواندا غير قانونية لأنها لا تقدم الضمانات بأن طالبي اللجوء قد يجرى ترحيلهم إلى دولهم الأصلية، وقضت المحكمة بأن رواندا وجهة غير آمنة.
وفي ظل الخلافات المتزايدة حول سياسات اللجوء في ألمانيا، يسلط موقع "تيليبوليس" في مقاله الضوء على التحديات والتكاليف المرتبطة بعمليات ترحيل طالبي اللجوء.
كما يعرض الموقع الألماني الانتقادات الموجهة إلى الحكومة الألمانية بسبب بطء عمليات الترحيل على الرغم من وعودها بتسريع الإجراءات.
وعلى جانب آخر، يناقش الموقع النماذج المختلفة للتعامل مع طالبي اللجوء والتكاليف المرتفعة المرتبطة بها، مشيرا إلى الجدالات الدائرة حول استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني لطالبي اللجوء ونقل إجراءات اللجوء إلى دول أخرى.
خيبة أمل
الموقع أشار إلى تصريح المستشار أولاف شولتز -الحزب الاشتراكي الديمقراطي- خلال مقابلة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي بات يُستخدم الآن لـ "إظهار خيبة الأمل الكبيرة".
وفي ذلك الوقت، في مقابلة مع "دير شبيجل"، صرح شولتز قائلا: "علينا أخيرا أن نقوم بعمليات الترحيل على نطاق واسع".
وبحسب تعقيب الموقع، فإن "هذا التصريح، بقدر ما هو واضح، لم يكن منسقا مع شركائه في الائتلاف، مما ترك مجالا مفتوحا للتفسيرات المختلفة".
فعلى سبيل المثال، يتهم زعيم المعارضة، فريدريش ميرتس، شولتز بالتقاعس في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن أكبر صحيفة شعبية في ألمانيا تتهمه بخرق وعده بالترحيل.
إذ علقت صحيفة "بيلد يوم"، يوم الخميس 20 يونيو/ حزيران 2024، قائلة: "أخيرا على نطاق واسع؟ لا شيء من هذا القبيل". لكنها ذكرت في الوقت نفسه أن "أعداد الترحيلات ترتفع ولكن ببطء شديد، حيث تصبح الترحيلات القسرية صعبة عندما لا تتعاون البلدان الأصلية".
وعلى جانب آخر، أشار الموقع -نقلا عن "بيلد يوم"- إلى عقبات الترحيل مثل نقص الأوراق الثبوتية والهويات غير المؤكدة كـ "أسباب لعدم القدرة على تسريع الترحيل بشكل ملحوظ".
قمة اللجوء
وبمناسبة قمة اللجوء بين الحكومة الفيدرالية والولايات، كان شولتز قد أعلن أنهم "عززوا عمليات التفتيش على الحدود، واتفقوا على نظام لجوء مشترك في أوروبا وعقد شراكات للهجرة".
ولفت إلى أن "عدد طلبات اللجوء ينخفض، وعدد عمليات الإعادة يرتفع"، بحسب ما ورد عن الموقع الألماني.
وفي تلك القمة، ناقش شولتز ورؤساء الوزراء، يوم الخميس 20 يونيو/ حزيران 2024، إجراءات اللجوء في دول ثالثة وبطاقات الدفع، إضافة إلى ترحيل "المجرمين والأشخاص الخطرين" إلى دول مثل أفغانستان وسوريا.
علاوة على ذلك، توضح "تيليبوليس" أن الأمين العام للاتحاد الديمقراطي المسيحي، كارستن لينيمان، لم يكن راضيا عن النتائج بالقدر الكافي قائلا: "لم تحقق هذه القمة أي تقدم لنا. بدلا من ذلك، أُعلن عن موعد جديد بعد ستة أشهر، وهو أمر يعد بحد ذاته وقاحة".
بطاقات الدفع
وفيما يخص بطاقات الدفع لطالبي اللجوء، يشير الموقع إلى الإعلان عن اتفاق بشأن بطاقات الدفع، والذي ينص على أن طالبي اللجوء سيحصلون في المستقبل على حد أقصى 50 يورو نقدا في الشهر لسد احتياجاتهم.
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، وصف رئيس مؤتمر رؤساء الوزراء ورئيس وزراء ولاية هيسن، بوريس راين، هذا الاتفاق بأنه "يحمل إشارة مهمة للغاية".
ومن ناحية أخرى، تلفت "تيليبوليس" الأنظار إلى نقاط أخرى على جدول الأعمال كانت أكثر تعقيدا، إذ طالب رؤساء الولايات الحكومة الفيدرالية بشكل مشترك بتطوير "نماذج ملموسة لإجراء عمليات اللجوء في دول العبور والدول الثالثة".
وأوضحوا -بحسب الموقع- أنه لتحقيق ذلك، يجب أيضا معالجة "التعديلات اللازمة في تنظيم الاتحاد الأوروبي وكذلك في قانون اللجوء الوطني".
وفي بيان بروتوكولي، لإظهار عدم موافقتهم على هذه السياسة للتعامل مع اللاجئين، أشار ممثلو ولايتي تورينغن وبريمن إلى أنهم يعتقدون أنه "من الضروري معالجة أسباب اللجوء بدلا من نقل اللاجئين إلى دول أخرى لفحص طلبات اللجوء".
ورأوا أنه من الوهم الاعتقاد بأنه "يمكن تحسين الوضع العام من خلال سوء معاملة اللاجئين".
ووفق ما ورد عن الصحيفة، وصف رئيس وزراء تورينغن، بودو راميلو "حزب اليسار"، هذه السياسات بـ"الحلول الزائفة".
وحسب البيان البروتوكولي، تسعى كلتا الولايتين أيضا إلى تمكين صرف نقدي يصل إلى 120 يورو لطالبي اللجوء، كما يوضح الموقع.
وفي بداية عام 2024، انتقدت رئيسة حزب اليسار، يانين فيسلر، نظام بطاقات الدفع قائلة إنه "يترك للولايات والبلديات (مساحة كبيرة للمضايقة) بهدف ردع اللاجئين".
نموذج "رواندا"
وفي النقاش الحالي حول نقل إجراءات اللجوء إلى دول ثالثة، أشارت فيسلر إلى حقوق الإنسان وكذلك إلى التكاليف العالية لنموذج "رواندا" بالنسبة لبريطانيا.
ورغم أن حكومة لندن لم تعلن عن عدد الأشخاص الذين ستقوم بترحيلهم لكن شبكة "بي بي سي" البريطانية تحدثت عن ترحيل 52 ألف شخص. على أن تبدأ عملية الترحيل خلال صيف 2024 حسب ما أعلن رئيس الوزراء ريشي سوناك في شهر أبريل/نيسان الماضي.
ووفق تقرير مكتب المحاسبة البريطاني، يمكن أن تتلقى الدولة رواندا الواقعة شرق إفريقيا ما يقرب من نصف مليار جنيه إسترليني من لندن مقابل استقبال 300 طالب لجوء فقط في إطار اتفاقية الترحيل.
وبالتفصيل أكثر في هذا الشأن، تقول "تيليبوليس" إن "المبلغ المحسوب يتكون من مدفوعات سنوية تبلغ إجماليها 370 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى 120 مليون جنيه إسترليني أخرى بمجرد إعادة توطين 300 شخص".
علاوة على ذلك، سيتم دفع 20 ألف جنيه إسترليني لكل شخص، وحسب مدة الإقامة يمكن أن تصل التكاليف إلى 151 ألف جنيه إسترليني، إضافة إلى مبالغ إضافية كبيرة لتغطية تكاليف الموظفين والترحيل.
وبالتالي، يخلص الموقع إلى أن "تكلفة هذه الطريقة للتخلص من اللاجئين تبلغ حوالي 1.8 مليون جنيه إسترليني للشخص الواحد، أي أكثر من مليوني يورو".
وفي هذا الصدد، علقت فيسلر على منصة "إكس" قائلة: "نحن نناقش كل يورو يحصل عليه اللاجئون، لكن هل مبلغ 1.8 مليون لكل ترحيل معقول؟".
وأشارت إلى أن ترحيل بضع مئات من الأشخاص إلى بلد لم يسبق لهم زيارته يعد "انتهاكا لحقوق الإنسان ولا يخفف من عبء البلديات ولا الأنظمة الاجتماعية".
اتفاق ترحيل
في المقابل، تفضل وزيرة الداخلية الاتحادية، نانسي فيزر التي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، في جميع الأحوال ألبانيا كدولة ثالثة لإجراء عمليات اللجوء فيها.
حيث أكدت وزارة فيزر على أن "الفحص الشامل" للدول الثالثة المناسبة مستمر حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، في ختام مؤتمر وزراء الداخلية من الحكومة الفيدرالية والولايات، أكدت فيزر أيضا عزمها على ترحيل "المجرمين" الأفغانيين والسوريين إلى بلادهم.
وبهذا الشأن، صرحت فيزر قائلة: "نحن نتفاوض بسرية مع دول مختلفة لفتح طرق تجعل عمليات الترحيل إلى أفغانستان وسوريا ممكنة مرة أخرى".
وهنا، يلفت الموقع إلى أنه قبل أيام قليلة، أعربت حكومة طالبان في أفغانستان عن "اهتمامها بإبرام اتفاق ترحيل مع ألمانيا وإقامة اتصالات قنصلية طبيعية"، مستندة في ذلك إلى بيان حكومي من شولتز.
وأكدت فيزر، زميلة شولتز في الحزب، نيابة عن زملائها في الولايات أن "جميعهم لديهم نفس المصلحة في تقليل الهجرة غير النظامية في ألمانيا".