منطقة نفوذ جديدة.. ماذا يفعل الخبراء العسكريون الروس في توغو؟
تنبع أهمية جمهورية توغو الإستراتيجية كونها تطل على خليج غينيا في غرب إفريقيا
تواصل توغو البلد الواقع غرب إفريقيا تمتين علاقاتها مع روسيا، حيث تتطلع لومي لتسريع عملية شراء المعدات العسكرية لجيشها لإحكام قبضتها على البلاد.
وفي أحدث مؤشر على تبادل المصالح بين موسكو ولومي، شيد الجيش التوغولي معسكرا جديدا له تزامنا مع وصول فريق من الخبراء الروس إلى البلاد لمساعدته، وذلك لتعزيز عمليات مكافحة التمرد على الحدود مع بوركينا فاسو.
دخول الخبراء الروس
ووفقا لما نشرته مجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، فإنه وعلى مشارف الحدود مع بوركينا فاسو، يجري إنشاء قاعدة عسكرية جديدة على بعد حوالي 30 كلم إلى الغرب من مدينة مندوري.
وأوضح تقرير المجلة المنشور في 19 فبراير/شباط 2024 أن الحكومة التوغولية عوضت أصحاب الأراضي في ديهياجا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل بدء أعمال الهدم.
ومن المفترض أن توفر هذه القاعدة الجديدة للجيش التوغولي نقطة دعم عملياتية في مقاطعة كبندجال، التي تواجه غارات من الجماعات المسلحة.
ففي يوليو/تموز 2023، قتل 12 جنديا من الجيش التوغولي المتمركز في منطقة سانكورتشاغو الحدودية إثر هجوم تعرضوا له.
وينفذ الجيش التوغولي عملية لمكافحة التمرد هناك تحت اسم "كوندجواري" يقودها القائد السابق لكتيبة التدخل السريع الثانية العقيد لاتيمبي كومباتي، الذي عينه الرئيس فور جناسينجبي كقائد للعملية في نوفمبر 2023 ليحل محل الجنرال كاساوا كوليماغا.
وفي الوقت نفسه، رقي العقيد ماليبادا جناسينجبي لقيادة المنطقة العسكرية الثانية التي تغطي منطقتي السافانا وكارا في الشمال.
كما أنه كثيرا ما تتبنى جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التحالف الرئيس في منطقة الساحل والمرتبط بالقاعدة، مسؤوليتها عن الهجمات في توغو.
وكانت حركات عدة تنشط في منطقة الساحل واتحدت في 2017 مع "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التي أعلنت مبايعتها لتنظيم القاعدة.
وتشهد مالي وبوركينا فاسو والنيجر هجمات من تلك الجماعات، وتخشى دول مجاورة مثل غانا وتوغو وساحل العاج تمددها إلى حدودها.
ويتزامن بناء هذه القاعدة مع وصول الخبراء العسكريين الروس إلى توغو، لتعزيز المواقع الدفاعية للجيش.
ففي أوائل يناير/كانون الثاني 2024، شوهد حوالي 30 فنيا روسيا يرتدون ملابس مدنية في شوارع لومي، قبل إعادة نشرهم في الجبهة الشمالية.
كما تتواجد مفرزة صغيرة من المدربين والفنيين الروس منذ عام 2023 في شمال البلاد، لدعم القوات الجوية التوغولية في قاعدة نيامتوغو الجوية.
وتوغو، التي تواجه هجمات متكررة بشكل متزايد من قبل متمردين من منطقة الساحل حصلت على طائرات هليكوبتر هجومية من روسيا، كما تحصل أيضا على المساعدة من واشنطن ولندن، الأمر الذي يثير استياء فرنسا.
وتنبع أهمية جمهورية توغو الإستراتيجية من إطلالها على خليج غينيا غرب إفريقيا، وتوفر فرصا مهمة للمستثمرين الأجانب من خلال مينائها في العاصمة لومي وبحثها عن شركاء جدد.
ويبلغ عدد سكان هذه الدولة نحو 8 ملايين نسمة ولغتها الرسمية هي الفرنسية، إلى جانب وجود أكثر من 40 لغة محلية.
في توغو، يشكل المسيحيون حوالي 43 في المئة من السكان، إلى جانب 14 بالمئة من المسلمين، و35.6 بالمئة من أتباع الديانات المحلية.
ورغم أن النفوذ الفرنسي في توغو لا يزال مستمرا لأنها القوة الاستعمارية الأخيرة التي حكمت البلاد، إلا أن لومي ما فتئت تبحث عن شركاء جدد لتعزيز تعاونها التجاري والاقتصادي مع دول العالم.
توسيع النفوذ الروسي
وبشكل عام، تخطط روسيا للحصول على موطئ قدم في دول الساحل، بما في ذلك ليبيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وتوغو وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث كانت قوات فاغنر العسكرية الروسية تنشط سابقا.
ومثل هذا النمو السريع للوجود الروسي في القارة الإفريقية يهدف إلى جر هذه الدول إلى تحالف القوى المناهضة للديمقراطية.
إذ تبذل القيادة العسكرية والسياسية الروسية جهودا كبيرة لتوسيع وجودها في القارة، عبر تشكيل "فيلق الاستطلاع الإفريقي"، ليحل محل مرتزقة "فاغنر" الروسية شبه الخاصة، بحسب تقرير لصحيفة "فيدوموستي" الروسية .
ونقل التقرير عن مصدرين مقربين من وزارة الدفاع الروسية، أن الفيلق الإفريقي سيتم تفعيله في صيف 2024، وسيعمل في خمس دول: بوركينا فاسو وليبيا ومالي والوسطى وجمهورية إفريقيا والنيجر.
وقالت المصادر إن الفيلق الإفريقي سيكون تابعا مباشرة لوزارة الدفاع، وسيشرف عليه نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف، الرئيس الأسبق لجمهورية إنغوشيا الروسية.
ومع ذلك فإن الارتباط المباشر بوزارة الدفاع الروسية سيجعل من الصعب على روسيا أن تزعم أن حكومة أجنبية طلبت خدمات شركة عسكرية روسية خاصة دون تدخل الكرملين.
وبينما تستخدم روسيا المجندين والأسرى في الحرب ضد أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، يجرى إرسال جزء من قواتها النظامية إلى غرب إفريقيا، وفق موقع "مركز المقاومة الوطنية" الأوكراني الذي انطلق مطلع عام 2022.
ويضيف الموقع: يشرف على هذا البرنامج هيئة الأركان العامة الروسية، التي أنشأت مركز تدريب مقره اللواء 45 قوات خاصة في كوبينكا بالقرب من موسكو.
وسيتم تجهيز هذا الفيلق من خلال تجنيد جنود متعاقدين من الوحدات العسكرية والأمنية الروسية ومسلحين من شركات عسكرية خاصة.
وتحدثت مواقع صحفية عن عزم روسيا إرسال الدفعة الأولى من هؤلاء الجنود خلال مارس/آذار 2024 إلى توغو لدعم الدكتاتور المحلي فور جناسينجبي.
وستوفر هذه الوحدة الأمن المعزز خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية لضمان إجرائها بطريقة مواتية لغناسينغبي، الذي انتزع السلطة في عام 2005.
وتعتزم روسيا أيضا إنشاء قواعد بحرية على ساحل توغو لتلبية احتياجات وحداتها بشكل أكبر، وستكفل هذه القواعد تصدير المواد الخام الحيوية من البلدان التي سيتم نشر "الفيلق الإفريقي" فيها، وفق موقع "مركز المقاومة الوطنية" الأوكراني.
وتتألف مجموعة أخرى من أعضاء إحدى الشركات العسكرية الخاصة الروسية التي توفر الأمن لزعيم المجلس العسكري في بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري.
ويجري توسيع العمل في هذا البلد لتحويله إلى مركز لوجستي بين الشمال والجنوب من ليبيا إلى توغو.
وتفيد تقارير بوجود عدد صغير وربما متزايد من المستشارين العسكريين الروس في توغو.
إذ تعمل روسيا وتوغو على توثيق علاقاتهما، في وقت تتزايد المصالح المتبادلة وحاجة كل طرف للآخر.
وبينما يهدف الكرملين إلى توسيع نفوذه خارج منطقة الساحل في غرب إفريقيا، من المرجح أن تسعى روسيا إلى استخدام توغو كعقدة لوجستية لدعم عملياته الأخرى في إفريقيا.
وربما يكون لدى روسيا أيضا هدف طويل الأمد يتمثل في تأمين ميناء على المحيط الأطلسي في توغو، وهو ما من شأنه أن يدعم الجهود الإستراتيجية التي يبذلها الكرملين لزيادة تهديده لجناح حلف شمال الأطلسي "الناتو" من خلال قواعده في إفريقيا.
حاجة لروسيا
وسيتعين على روسيا أن تعوض الشراكات المتنافسة مع شركاء توغو الغربيين غير الفرنسيين المتبقين، مثل الولايات المتحدة، لكن زيادة عدم الاستقرار في المستقبل قد تدفع الحكومة التوغولية إلى زيادة علاقاتها مع روسيا.
وضمن هذا السياق، قال تقييم مركز المقاومة الأوكراني إن روسيا تهدف إلى تأمين القاعدة البحرية في توغو كجزء من ممر لوجستي.
ومع ذلك، سعت موسكو إلى توسيع قاعدتها البحرية العسكرية في أجزاء أخرى من إفريقيا في السنوات الأخيرة.
وتهدف هذه الجهود إلى توسيع بصمتها العسكرية وتعويض إغلاق تركيا لمضيقي البوسفور والدردنيل منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، والذي يمنع أسطول البحر الأسود الروسي من دعم النشاط الروسي في البحر الأبيض المتوسط وسورياK وفق تقرير نشره موقع "criticalthreats" في 29 فبراير 2024.
في المقابل، من الممكن أيضا أن تدفع الضغوط السياسية الداخلية رئيس توغو إلى فلك الكرملين، حيث تزيد الميول الاستبدادية للرئيس التوغولي فور جناسينجبي من تحالفه مع روسيا.
وسيسعى جناسينغبي إلى ولايته الخامسة - والأخيرة من الناحية القانونية - في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2025، وهو الذي بقي في منصبه منذ أن عينه الجيش خلفا لوالده في عام 2005.
وقد أكدت شخصيات معارضة حدوث تزوير واسع النطاق في الانتخابات الأخيرة في عام 2020.
كما قمعت السلطات التوغولية الحريات الصحفية في المناطق المتضررة من المعارك في شمال توغو من خلال مضايقة الصحفيين منذ عام 2022.
ولهذا يرى الخبراء أن إرسال عملاء لدعم محاولة إعادة انتخاب جناسينجبي يتطابق مع أنواع الدعم الأخرى التي قدمتها روسيا للقارة.
على الجانب الآخر، فإن توغو تحرص أيضا على بقاء العلاقات نشطة مع الحلفاء الغربيين.
إذ حاولت تحقيق التوازن في العلاقات مع الشركاء الغربيين غير الفرنسيين، وخاصة أنها هي واحدة من خمس دول ساحلية في غرب إفريقيا تتلقى الدعم من قانون الهشاشة العالمية الأميركي (GFA)، الذي يدعم خططا طويلة المدى بقيادة محلية لزيادة قدرة المجتمع على الصمود ومعالجة الأسباب السياسية الجذرية لعدم الاستقرار.
وبينما تسعى الولايات المتحدة لمواصلة عملياتها في النيجر، قال الجنرال مايكل لانغلي، الذي يرأس العمليات العسكرية الأميركية في إفريقيا إن وزارة الدفاع "تستكشف أيضا خياراتها" لإبرام اتفاقيات أمنية جديدة مع دول غرب القارة الأخرى، بما في ذلك غانا وتوغو وبنين وساحل العاج.
وأشار إلى أن تلك البلدان بدأت تعاني آثار العنف في منطقة الساحل داخل حدودها.
وقال جيه بيتر فام، المبعوث الأميركي الخاص السابق لمنطقة الساحل، إن الولايات المتحدة عاجزة في المفاوضات مع الدول الإفريقية، وخاصة تلك التي تقودها مجالس عسكرية، لأنها لا تستطيع تقديم أكبر قدر ممكن من الدعم الأمني الذي تستطيع روسيا تقديمه، بما في ذلك الأسلحة والإمدادات والموظفون على الأرض.