نواف سلام.. رئيس حكومة لبنان الجديد بملفات معقدة وعلاقة متأزمة مع إسرائيل
"أمام نواف سلام تحديات اقتصادية والتحول نحو نهضة جديدة للبلاد"
بعد انتظار وترقب، أفرز اليوم الأول من إجراء الرئيس اللبناني جوزيف عون الاستشارات النيابية لاختيار رئيس مكلف لتشكيل الحكومة الجديدة عن تأييد القاضي الذي يشغل رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام لرئاسة الحكومة المقبلة.
وكلف الرئيس عون في 13 يناير/ كانون الثاني 2025 سلام البالغ 71 عاما بتشكيل الحكومة، وهو دبلوماسي مخضرم تبنّت ترشيحه بشكل رئيس قوى سياسية معارضة لـ"حزب الله" الذي أضعفته المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
عملية دستورية
والاستشارات النيابية في لبنان الخاصة باختيار رئيس الحكومة؛ عملية دستورية يجريها رئيس البلاد وفقا للمادة 53 من الدستور.
وتجرى هذه الاستشارات بعد استقالة الحكومة أو انتهاء ولايتها، حيث يدعو رئيس البلاد الكتل النيابية والنواب المستقلين للاجتماع بهم في القصر الجمهوري كلٌ على حدة؛ حيث يُطلب منهم تسمية مرشح لرئاسة الحكومة.
وتسجل نتائج المشاورات، ويُصدر الرئيس مرسوم تكليف للشخصية التي تحظى بالدعم الأكبر من النواب.
وبالفعل، فقد حصل سلام الذي لم يكن في لبنان بحكم عمله في محكمة العدل الدولية على تأييد 85 نائبا من إجمالي 128، في الاستشارات النيابية.
وفاز جوزيف عون (61 عاما) بالرئاسة في الدورة الثانية من الاقتراع من جلسة انتخاب رئيس جمهورية التي جرت في التاسع من يناير/ كانون الثاني 2025 وحصد 99 صوتا من أصل 128 نائبا يشكلون كل أعضاء مجلس النواب.
وتمحورت أسماء المرشّحين لرئاسة الحكومة في عهد جوزيف عون، عند رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والسفير السابق نواف سلام الذي يحظى باحترام في لبنان، إضافة إلى النائب المعارض فؤاد مخزومي الذي أعلن انسحابه من السباق الحكومي.
ويعد فوز سلام ضربة جديدة للأحزاب التقليدية.
كما يمثل وفق الخبراء فرصة لإحداث تغيير في أداء المؤسسات الرسمية وطي صفحة تحكم فيها “حزب الله” بالحياة السياسية، وتنفيذ العناوين العريضة التي أعلنها الرئيس المنتخب عون.
سيرة ومسيرة
ولد نواف سلام عام 1953 ويتحدر من عائلة بيروتية عريقة تعاطت الشأن السياسي منذ بداية القرن العشرين، فجده سليم سلام كان مؤسسا للحركة الإصلاحية في بيروت، وانتخب نائبا عن بيروت في مجلس المبعوثان العثماني عام 1912.
وعمه هو صائب سلام، الذي تولى رئاسة الحكومة أربع مرات بين 1952 و1973، كما تولى ابن عمه تمام سلام رئاسة الحكومة لولاية واحدة بين 2014 و2016.
حصل نواف سلام على الإجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية في بيروت عام 1984.
وعلى ماجستير في الحقوق من كلية الحقوق في جامعة هارفارد عام 1991، وعلى دكتوراه دولة من المعهد الفرنسي للدراسات السياسية في باريس، وأيضا على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون.
وحاضر خلال سنوات في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعات أخرى في الخارج بينها السوربون.
وهو مؤلف لعدد من الكتب والدراسات في مجالات القانون الدولي والدستوري والانتخابي والإسلامي، إضافة إلى دراسات حول المنظمات الدولية والشؤون الدولية.
يتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وله ولدان. متزوج من سحر بعاصيري، التي كانت صحفية وشغلت سابقا منصب سفيرة لبنان لدى منظمة “اليونسكو”.
بعد عودته إلى بيروت عام 1992، عمل محاميا في مكتب تكلا للمحاماة، وبالتوازي مع ممارسته القانون، بدأ تدريس القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت وترأس قسم الدراسات السياسية والإدارة العامة في الجامعة ذاتها خلال الفترة 2005ـ2007.
وانتخب عضوا في المكتب التنفيذي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان ما بين 1999 و2002، وكانت مهمة هذا المجلس هي تقديم المشورة والاقتراحات والتوصيات في المشاريع ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي التي ترده من الحكومة.
عينه مجلس الوزراء عام 2005 عضوا ومقررا في الهيئة الوطنية لإصلاح قانون الانتخابات، حيث أسهم في إعداد مسودة قانون انتخابي جديد بعد إنهاء سوريا وجودها العسكري في لبنان.
وتولى سلام في يوليو/ تموز 2007 حتى نهاية 2017 منصب المندوب الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وشغل كذلك عضوية بعثات ميدانية تابعة لمجلس الأمن الدولي إلى دول عدة بينها السودان وأفغانستان وأوغندا.
انتخب سلام في فبراير/شباط 2024 رئيسا لمحكمة العدل الدولية لثلاث سنوات، بعدما كان عضوا في المحكمة منذ فبراير 2018، وهو ثاني عربي يتولى هذا المنصب بعد الجزائري محمد بجاوي، الذي شغل المنصب مدة 3 سنوات بدءا من عام 1994.
تحديات المرحلة
حينما انتخب نواف سلام رئيسا لمحكمة العدل الدولية، وعدّ ذلك إنجازا لبنانيا في الأوساط المحلية، كان الرجل يتطلع إلى بلده الذي ينخرها الفساد بسبب غياب القضاء.
وقد عبّر عن ذلك عبر منصة "‘إكس" بقوله: “انتخابي رئيسا لمحكمة العدل الدولية مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية وإعلاء القانون الدولي”.
وأضاف "أول ما يحضر إلى ذهني أيضا في هذه اللحظة هو همي الدائم أن تعود مدينتي بيروت أما للشرائع، كما هو لقبها، وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا، وأن يسود العدل بين أبنائه".
وطموح سلام سابقا في أن يقود دفة بلاده أسوة بأجداده، كان يصطدم باعتراض من “حزب الله” في توليه الحكومة.
وكان ينظر إلى سلام المتمرس في أروقة محكمة العدل الدولية، على أنه "مرشح الولايات المتحدة والخليج والأوروبيين، وأن المطلوب منه عزل حزب الله واستبعاده"، وفق ما جاء في تعليق عام 2020 لصحيفة الأخبار المحلية المقربة من “حزب الله”.
وقد كانت العين حمراء من حزب الله على سلام لكونه لم يقف معه في الحملات التي تشن على الحزب في الأمم المتحدة.
وبالفعل، فقد أعاق حزب الله في السابق وصوله لرئاسة الحكومة وهذا ما حدث عام 2021 رغم تأييده من حليف الحزب حينها "التيار الوطني الحر".
وبقي حزب الله على ذات الموقف من سلام في الاستشارات الجديدة لعام 2025 حيث نال الأصوات المطلوبة لتشكيل حكومة لكن دون أصوات "حزب الله" و"أمل" المعروفان بـ“الثنائي الشيعي”.
فيما حاولت كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله في البرلمان إرجاء موعد التصويت المقرر.
وضمن هذه الجزئية، قال موقع “النشرة” المحلي في 13 يناير 2025، إن "طلب كتلة الوفاء للمقاومة إرجاء موعد التصويت عكس دليلا واضحا على عدم رضا الكتلة المذكورة على نتائج التسمية التي رجحت كفة سلام بعد ما سرى من كلام سبق الاستشارات عن رغبة الثنائي الشيعي بعودة ميقاتي إلى الحكومة".
ورغم هذه المشاحنات من الأحزاب اللبنانية قبيل جلسة التصويت، إلا أن سلام سيخوض في الأيام المقبلة مرحلة صعبة في التمثيل الحكومي للحقائب.
تحديات اقتصادية
فاليوم الدبلوماسي ورجل القانون له خبرات تخطت نطاق البلد المتوسطي الصغير، ما يجعله من خارج الطبقة التقليدية الحاكمة في لبنان المتهمة بالفساد وبتغليب منطق المحاصصة على بناء الدولة.
ويرى البعض أن لبنان يحتاج في المرحلة الراهنة لشخصية حيادية تكون قادرة على قيادة البلد بشكل حيادي.
وقد باتت أمام سلام تحديات اقتصادية والتحول نحو نهضة جديدة للبلاد الذي يعاني من انهيار اقتصادي منذ عام 2019، علاوة على نتائج كارثة خلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان.
فقد قدر البنك الدولي الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية الأولية التي مُني بها لبنان جراء عدوان إسرائيل بنحو 8.5 مليارات دولار، في حين أن تقديرات لبنانية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
وخلص التقييم الأولي للأضرار والخسائر في لبنان إلى أن الأضرار المادية وحدها بلغت 3.4 مليارات دولار، وأن الخسائر الاقتصادية بلغت 5.1 مليارات دولار.
وضمن هذا السياق، قال الكاتب اللبناني علي الأمين رئيس تحرير موقع "جنوبية" إن "تسمية القاضي نواف سلام رئيسا للحكومة، يتماهى مع حدث انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ليشكلا اللبنة الأولى لإعادة بناء الدولة وإخراجها من دائرة الدويلة، وترميم المؤسسات لتعبيد الطريق أمام الحرية والسيادة والاستقلال".
وأضاف الأمين في مقال نشره في 13 يناير، أن "دينامية التغيير انطلقت اليوم، من داخل السلطة ومن موقعين دستوريين، أي الرئاسة الأولى ورئاسة الحكومة، وهذا أيضا ما كان ليتم، لولا التحولات التي شهدها لبنان خلال الحرب، من انكفاء السطوة الإيرانية، التي جعلت حزب الله مقررا في انتخاب الرئيس، وتشكيل الحكومات وفرطها”.
وأردف: "وكان سقوط نظام الأسد عنصرا حيويا، في تفعيل دينامية التغيير في لبنان، بعدما تم إخراج إيران فعليا من هذا البلد، وحرر لبنان من سطوة سورية، دامت أكثر من خمسة عقود، وسطوة إيرانية امتدت لربع قرن على الأقل".
مناهض لإسرائيل
ونواف سلام معروف بمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية، وقد قال صراحة إن "استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني".
وأضاف سلام خلال جلسة علنية لمحكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024 أن "المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والنظام المرتبط بها، قد أقيمت ويجرى الإبقاء عليها في انتهاك للقانون الدولي".
وشدد على أن "الضم يعني الاستيلاء القسري من قبل السلطة القائمة بالاحتلال على الأرض التي تحتلها، أي إدماجها في أراضي الدولة القائمة بالاحتلال أو في جزء منها. إذن، فالضم يفترض مسبقا نية دولة الاحتلال لممارسة السيطرة الدائمة على الأرض المحتلة".
ويملك القاضي سلام تاريخا في الإدلاء بتصريحات مناهضة لإسرائيل، ولطالما تحدث عن أن منتقدي إسرائيل يتم وصفهم بأنهم معادون للسامية "بهدف ترهيبهم وتشويه سمعتهم"، وكان ذلك في 22 يناير 2015.
وفي 10 سبتمبر 2015، قال سلام إن "العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي أمر متأخر للغاية".
وفي كلمته بصفته مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة في 24 يناير 2013، دعا سلام الجمعية العامة إلى قبول فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
وقال: "الأهم من ذلك أن فلسطين لا تزال محتلة، ومن واجبنا وواجب المجتمع الدولي أن نساعدها على إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال الحقيقي".
المصادر
- الرئاسة اللبنانية تسمي نواف سلام لتشكيل الحكومة
- نواف سلام... لهذه الأسباب «طُويت الصفحة»
- مفاجأة الاستشارات النيابية الملزمة: السفير نواف سلام رئيسا للحكومة دون أصوات "حزب الله" و"أمل"
- طائر فينيق 17 تشرين يخرج من الرماد.. مع «العماد» و«السلام»!
- إنجاز لبناني غير مسبوق: نواف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدولية