"ممر لوبيتو".. لماذا تتنافس دول كبرى على تمويل خط سكة حديد في أنغولا؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

لموقعه الإستراتيجي ودوره في نقل المعادن، أصبح "ممر لوبيتو" الأنغولي الرابط بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا عبر ميناء لوبيتو في أنغولا محل اهتمام ومنافسة بين الغرب والصين.

ويأخذ "ممر لوبيتو" اسمه من لوبيتو، وهي مدينة تقع على الساحل الغربي لأنغولا وتطل على المحيط الأطلسي. 

وبني أوائل القرن العشرين وتعرض للدمار خلال الحرب الأهلية في أنغولا التي دارت رحاها بين السبعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الـ21 بعد أن حصلت البلاد على استقلالها عن البرتغال عام 1975.

ومثل العديد من شبكات السكك الحديدية الإفريقية الأخرى، لم يجر تطوير "ممر لوبيتو"، ولم يقع استخدامه إلا قليلا، قبل أن تشهد السنوات الأخيرة عودة الاهتمام مجددا باستغلاله. 

واليوم يربط الخط مدينة لوبيتو الأنغولية بمدينة كولويزي الواقعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتفصل بين المدينتين مسافة أكثر من 1600 كيلومتر.

استثمارات ضخمة

وسلطت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية الضوء على أبرز مميزات وعوائد هذا الممر، خاصة مشروع تطوير سكة حديد تربط بين مناطق التعدين الكبيرة وسط إفريقيا بالموانئ ومن ثمة تصدير المعادن الثمينة في أوقات قياسية إلى كل العالم.

وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قاما في الأشهر الأخيرة بضخ استثمارات ضخمة في توسيع هذا الممر.

ووصفت بأنه خط سكة حديد مهم في إفريقيا ينبغي أن يربط البلدان الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي بالبلدان الداخلية غير الساحلية. 

وستسهم الاستثمارات في توسيع وتطوير هذا الخط على نقل المعادن التي تصدرها مختلف البلدان الإفريقية، وخاصة الكونغو، بشكل أسرع وأكثر ثباتا.

كما تظهر هذه الاستثمارات مدى الاهتمام الكبير والمنافسة الدولية حول هذه المنشأة الإفريقية الكبيرة، تؤكد الصحيفة.

وتهدف مشاريع توسيع الممر إلى ربط كولويزي بلومومباشي، الموجودة أيضا في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الجنوب ثم من هناك إلى زامبيا، وهي بلد غير ساحلي يقع في جنوب القارة الإفريقية.

ونوهت الصحيفة الإيطالية إلى أن خط السكة الحديد الممتد يمنح مزايا عديدة ومتنوعة اقتصادية ولوجستية وأيضا بيئية وسياسية كذلك. 

وأوضحت أن موقع الممر يعد إستراتيجيا لتجارة المعادن عبر الحدود، وسيسمح بالنقل السريع لسلسلة من المعادن من تلك المنطقة الإفريقية الغنية بها من المناطق غير الساحلية إلى البحر ومن هناك إلى بقية العالم، مثل النحاس والكوبالت والمنغنيز والزنك، وخاصة الليثيوم. 

ويطلق على الليثيوم أيضا اسم "الذهب الأبيض" نظرا لكثرة طلبه، فهو ضروري لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، لذلك يعد محل طلب هائل من قبل مختلف الحكومات المهتمة بالحصول على دور رائد في هذا النوع من الصناعة، مثل الصين.

ولهذا هناك من يفسر جهود الولايات المتحدة وأوروبا لتمويل بناء وتطوير ممر لوبيتو على أنها وسيلة لمنافسة الصين واستثماراتها في إفريقيا وتحديدا في قطاع التعدين، تشير الصحيفة الإيطالية.

ومن شأن ممر لوبيتو أن يتيح إمكانية إطلاق تدفقات تجارية أكبر وأكثر اتساقا بطريقة أكثر استدامة مقارنة بالنقل بالعجلات ويتيح كذلك ربح الوقت. 

وبطبيعة الحال سيسهم الممر في تسريع التنقل الداخلي في المنطقة وتدفق أكبر وسلس للموارد والسلع، وكذلك حركة عبور الأشخاص.

إمكانات هائلة

وفي الآونة الأخيرة، استثمرت حكومات الدول الثلاث التي يمر عبرها ممر لوبيتو وهي أنغولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في توسيعه. 

كما قرر بنك التنمية الإفريقي، وهو مؤسسة إفريقية غير ربحية تنتمي إليها الدول الإفريقية والأجنبية، الاستثمار في تطوير وتوسيع ممر لوبيتو ووعد في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بتخصيص ما يعادل 460 مليون يورو تقريبا للمشروع.

وكان الممر الأنغولي أيضا موضوع نقاش في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي بالهند في سبتمبر/ أيلول 2023، وهو منتدى دولي يجمع قادة 19 دولة من أكثر الدول الصناعية في العالم، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. 

يذكر أن قادة القمة اتفقوا كذلك على إنشاء مشروع اقتصادي ضخم يربط بين الهند وأوروبا مرورا بمنطقة شبه الجزيرة العربية (السعودية والإمارات) ثم إسرائيل، عرف باسم "الممر الاقتصادي الجديد" عد تحديا لمشروع الحزام والطريق الصيني في المنطقة.

وناقش زعماء الدول الإفريقية خلال نفس القمة مشروع توسيع ممر لوبيتو مع بعض الحكومات الأجنبية، وفي الأشهر التالية استمرت المناقشات ووقعت خلالها بعض التطورات الملموسة.

وكان أحدها المذكرة التي وقعها بنك التنمية الإفريقي بالتعاون مع حكومات أنغولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في أكتوبر 2023. 

وانضمت الولايات المتحدة أيضا إلى المذكرة، بعد أن أعربت بالفعل عن اهتمامها بتمويل الخط بمبلغ 250 مليون دولار في ربيع 2023.

وكذلك المفوضية الأوروبية ومؤسسة التمويل الإفريقية، وهي منظمة مالية تجمع عدة دول إفريقية وتهتم بدعم تطوير البنية التحتية للقارة. 

وتنص المذكرة على التزام مشترك ببناء ما يقرب من 800 كيلومتر من الممر، في كل من زامبيا وفي الدولتين الأخريين التي يعبرهما.

وقد التزمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعم تطوير المشروع بالتمويل الاقتصادي، وكذلك من خلال الاستشارات الفنية لتسريع الأشغال وجعلها أكثر كفاءة، بالإضافة إلى تشجيع استدامة شبكة السكك الحديدية بأكملها. 

وأكدت الصحيفة على ما سمتها "النبرة الحماسية" إلى حد ما في وصف ممر لوبيتو لدى الأطراف المعنية، إذ تحدثت الولايات المتحدة عنه كوسيلة "لإطلاق العنان للإمكانات الهائلة لهذه المنطقة".

بدورها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال توقيع مذكرة تفاهم لتطويره، إن هذا "المشروع سيغير قواعد التجارة الإقليمية والعالمية". 

ومن المنتظر أن تكتمل أشغال توسيع هذا المشروع في غضون خمس سنوات، وفقا لتقديرات الحكومة الأميركية رغم أن تشكيك بعض المشغلين في القطاع في هذه المدة الزمنية وفي الاستدامة الاقتصادية.

وأشارت الصحيفة إلى أن "مفاوضات عديدة تجرى لتحديد من سيستخدم خط السكة الحديد هذا وكيف سيكون ذلك، خصوصا أنه بإمكان تجار وشركات تعدين وشركات النقل الوصول إليه".