إسماعيل هنية.. أُبعد وسُجن وترأس حكومة وحركة حماس حتى نال الشهادة

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

يعد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، من أكثر الشخصيات شهرة وإلهاما في تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.

فالرجل الذي اغتالته إسرائيل في 31 يوليو/ تموز 2024 بإيران، قضى سنوات عمره في مقاومة الصهاينة ودولتهم، على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا.

ومن خلال مواقفه الكثيرة والمتعددة وقيادته لحماس وغزة في أصعب فترات التضييق والعدوان، أصبح هنية رمزا للكفاح من أجل الاستقلال والحرية لفلسطين من البحر إلى النهر، وهو الشعار الذي رفعه في حياته إلى استشهاده.

هنية في سطور 

اسمه بالكامل إسماعيل عبد السلام أحمد هنية، وكنيته "أبو العبد"، تعود أصول عائلته إلى مدينة عسقلان المحتلة.

ولجأت عائلة هنية إلى غزة عقب النكبة الفلسطينية عام 1948، واستقرت بها وهناك نشأ وترعرع "أبو العبد".

وُلِد بمخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة يوم 29 يناير/ كانون الثاني 1963، وبدأ من هناك مسيرته النضالية والدعوية.

كانت البداية من أكناف "الكتلة الإسلامية" التي مثلت سابقا الذراع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين، ومنها انبثقت حركة حماس.

تلقى هنية تعليمه في الجامعة الإسلامية بغزة، وفي عام 1987 تخرج فيها حاصلا على إجازة في الأدب العربي.

ومن الجامعة الإسلامية أيضا حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية عام 2009.

خلال سنوات تعليمه الجامعي سرعان ما ظهرت الملامح القيادية في شخصيته.

فما بين عامي 1983 و1984، عمل كعضو مؤثر في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية، وهو ما أهله لتولي منصب رئيس مجلس الطلبة. 

وكان هنية من الرعيل الأول، وفي طليعة المنضوين تحت لواء حماس بعد تأسيسها رسميا عام 1987.

وفي عام 1989 سجن للمرة الأولى من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدة ثلاث سنوات.

تلميذ الشيخ ياسين 

كان "أبو العبد" ضمن نخبة أعضاء حماس المبعدين إلى مرج الزهور على الحدود اللبنانية الفلسطينية، حيث قضى عاما كاملا في الإبعاد عام 1992.

ولا يغفل أن النفي إلى "مرج الزهور" مثل مرحلة مهمة في حياة هنية، فرغم قصر مدة النفي، لكن تفاصيله أثقلت شخصيته ومهاراته وقربته من قادة حماس التاريخيين، على رأسهم عبد العزيز الرنتيسي. 

بعد عودة هنية إلى غزة، عين عميدا للجامعة الإسلامية بغزة، وفي عام 1997 أصبح رئيسا لمكتب الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس وزعيمها الروحي. 

تعزز موقع "أبو العبد" بقوة داخل الحركة كأحد القيادات الشبابية الصاعدة خلال انتفاضة الأقصى عام 2000.

ويعود الأمر بسبب الثقة المطلقة التي كان يحظى بها لدى الشيخ ياسين وبسبب الاغتيالات الإسرائيلية لقيادة الحركة، وإستراتيجية حماس الرامية إلى تصعيد صفوف جديدة. 

وكان هنية أحد تلامذة الشيخ، وربطتهم الكثير من الروابط منها الانتماء إلى نفس المدينة حيث إن عائلتهما من عسقلان. 

وفي عام 1994 قال هنية في حديث مع وكالة "رويترز" البريطانية، إن الشيخ ياسين نموذجا يحتذى به بالنسبة للشباب الفلسطيني وإنه تعلم منه حب الإسلام والتضحية من أجله وعدم الركوع للطغاة والمستبدين.

وفي عام 2003، أصبح هنية أحد المساعدين المقربين بقوة للشيخ ياسين، حتى إنه التقطت صورة له في منزل الشيخ في غزة وهو يحمل هاتفا بجانب أذن مؤسس الحركة الذي كان مصابا بشلل شبه كامل حتى يتمكن من المشاركة في حديث. 

رئيس للوزراء 

وفي ديسمبر 2005 ترأس هنية قائمة التغيير والإصلاح التي فازت بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية عام 2006.

وفي 16 فبراير/ شباط 2006 رشحته حماس لتولي منصب رئيس وزراء فلسطين وتم تعيينه بالفعل يوم 20 من ذلك الشهر. 

دخل هنية في أول صدام فعلي مع إسرائيل وهو في منصب رئيس الوزراء، في 30 يونيو/ حزيران 2006، عندما هددت حكومة الاحتلال باغتياله ما لم يفرج عن الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط.

في 14 يونيو 2007 أقاله رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس من منصب رئيس الوزراء بعدما عرف بـ "الحسم العسكري".

إذ سيطرت كتائب الشهيد عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس على مراكز الأجهزة الأمنية في غزة على إثر عدم تمكين هنية من الحكم.

رفض هنية قرار عباس بصفته غير دستوري، ووصفه بالمتسرع وشدد "أن حكومته ستواصل مهامها ولن تتخلى عن مسؤولياتها الوطنية تجاه الشعب الفلسطيني".

وفي عام 2012 سأله صحفيون خلال مؤتمر، عما إذا كانت حماس قد تخلت عن النضال المسلح.

فأجاب "أبو العبد" بالنفي القاطع، وقال "إن المقاومة ستستمر بجميع أشكالها الشعبية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية".

محاولات اغتياله 

على مدار سنوات حياته التي بلغت "61 عاما" تعرض هنية للعديد من محاولات الاغتيال، حيث أصيب بجروح في سبتمبر/أيلول 2003 إثر غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي حماس، من بينهم الشيخ أحمد ياسين.

كذلك تعرض موكبه لإطلاق نار في غزة يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2006 أثناء صدام مسلح بين حركتي فتح وحماس.

بعدها بشهرين تحديدا في 15 ديسمبر 2006 تعرض لمحاولة تصفية فاشلة بعد إطلاق النار على موكبه لدى عبوره معبر رفح بين مصر وقطاع غزة.

وفي تلك المحاولة قتل أحد مرافقيه وهو "عبد الرحمن نصار"، بينما أصيب 5 آخرون، من بينهم نجله "عبد السلام" ومستشاره السياسي "أحمد يوسف".

وقتها أعلنت حماس، أن قوات الحرس الرئاسي، وقوات أمن الـ17 التابعة لحركة فتح بقيادة محمد دحلان التي كانت تسيطر على أمن المعبر آنذاك، هي المسؤولة عن الحادث. 

ولطالما كان بيت إسماعيل هنية في غزة هدفا متكررا لغارات قوات الاحتلال الإسرائيلي، تحديدا خلال فترات العدوان. 

وهو ما حدث في 28 يوليو 2014، أثناء معركة العصف المأكول، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية، منزله في مخيم الشاطئ بعدة صواريخ، الأمر الذي أدى إلى تدميره كليا.

المرحلة الأصعب

في 6 مايو/أيار 2017، كان على هنية أن يخوض مهمة مختلفة وشاقة، عندما انتخب رئيسا للمكتب السياسي لحماس، بعد انتخابات أجراها مجلس شورى الحركة.

إذ لعب دورا دبلوماسيا مكوكيا ما بين عواصم العالم من الدوحة إلى أنقرة وطهران والقاهرة وعمان لدعم القضية الفلسطينية خارجيا.

وكان لهنية دور فعال في بناء القدرات القتالية لحماس عبر طرق عدة، منها تعزيز العلاقات مع إيران. 

لكن المرحلة الأصعب في تاريخ هنية وغزة وفلسطين، جاءت مع أحدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما شن مقاتلو المقاومة الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية في عملية "طوفان الأقصى". 

وفي ذلك اليوم قال هنية في تصريحات لقناة الجزيرة "نقول لكل الدول بما فيها الأشقاء العرب: هذا الكيان لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام هؤلاء المقاتلين، لا يقدر أن يوفر لكم أمنا ولا حماية، وكل التطبيع والاعتراف به لا يمكن أن يحسم هذا الصراع".

بعدها بذل هنية جهودا مكثفة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع.

كما التقى بمسؤولين في تركيا ومصر وقطر وإيران، في محاولة لوقف نزيف الدم نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي قتل عشرات الآلاف من أهل غزة على مدار أشهر. 

صمود وثبات

وفي 11 أبريل/ نيسان 2024، الموافق أول أيام عيد الأضحى المبارك ضرب "أبو العبد" أروع الأمثلة في الصمود والثبات، عندما تلقى خبر استشهاد أبنائه وأحفاده نتيجة ضربة جوية إسرائيلية استهدفتهم. 

 ففي ذلك اليوم استشهد 3 من أبناء إسماعيل هنية هم (حازم وأمير ومحمد) و4 من أحفاده (خالد ورزان ومنى وآمال)، بينما كانوا يتنقلون في مخيم الشاطئ غرب غزة، خلال أداء زيارات صلة الرحم في اليوم الأول لعيد الفطر المبارك.

وفور تلقيه الخبر المفجع قال هنية: "أشكر الله على هذا الشرف الذي أكرمنا به باستشهاد أبنائي الـ3 وبعض الأحفاد، بهذه الآلام والدماء نصنع الآمال والمستقبل والحرية لشعبنا ولقضيتنا ولأمتنا".

وأكمل: "أبنائي الشهداء حازوا شرف الزمان والمكان والخاتمة، أبنائي ظلوا مع أبناء شعبنا في غزة ولم يبرحوا القطاع، وما يقرب من 60 من أفراد عائلتي ارتقوا شهداء، شأنهم شأن كل أبناء الشعب الفلسطيني ولا فرق بينهم".

بعدها أكمل هنية جولته التي كان يقوم بها لزيارة مجموعة من مصابي غزة في أحد المستشفيات في قطر. 

 

 وكما ترك إسماعيل هنية سجلا حافلا من المواقف والمآثر، وسطر نفسه كواحد من أهم الشخصيات القيادية الاستثنائية في تاريخ المقاومة الفلسطينية، فإنه ترك مقولات وحِكما ستدرس للأجيال.

ومن مقولاته الآثرة: ما عجزت إسرائيل وأميركا عن فرضه في الميدان لن يؤخذ بمكائد السياسة. 

وتابع: “إسرائيل تعيش اليوم عزلة عالمية غير مسبوقة، لن نعترف بها".

ومن مقولاته أيضا: "لن تسقط قلاعنا، ولن تخترق حصوننا ولن ينتزعوا منا المواقف بإذن الله الواحد القهار”.