ملاحقة خطط نتنياهو.. ماذا وراء زيارة ملك الأردن الخاطفة إلى رواندا؟
مع فشله في تحقيق أهداف توغله العسكري البري في قطاع غزة، لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى إطلاق دعوات لتهجير الفلسطينيين منه إلى دول أخرى عبر تقديم مساعدات لمن يقبل باستقبالهم.
وهذه الدعوات الإسرائيلية لما يسميها "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من أرضهم قابلتها انتقادات ورفض واسعين من قبل الفلسطينيين أنفسهم ومن دول عربية وإقليمية ودولية.
وضمن مساعي الأردن لقطع الطريق على تهجير الفلسطينيين، توجه الملك عبد الله الثاني، في زيارة غير معلنة إلى دولة رواندا الواقعة في شرق إفريقيا؛ لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطورات الأوضاع في غزة التي تتعرض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لعدوان إسرائيلي ممنهج.
التقى ملك الأردن في 7 يناير/كانون الثاني 2024 الرئيس الرواندي بول كاغامي، وتناول اللقاء مستجدات الأوضاع بالمنطقة، خصوصا ما تشهده غزة من تطورات خطيرة جراء العدوان الإسرائيلي، والوضع الإنساني المأساوي في القطاع.
تحرك أردني
وجدد العاهل الأردني التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل كاف ومستمر.
وعبر عن رفض الأردن للتهجير القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة كما حذر من أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون المتطرفون بحقهم.
وأكد الملك الأردني على أنه "لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، بما يعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة".
وتعالت أصوات المسؤولين الإسرائيليين وأعضاء في الكنيست (البرلمان) في الفترة الأخيرة، الداعية لتهجير أهالي قطاع غزة إلى دول أخرى.
إذ أعلن وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، نهاية عام 2023 دعمهما لـ"التهجير الطوعي للفلسطينيين" من قطاع غزة.
وقال بن غفير زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف في تغريدة على منصة "إكس": "يجب علينا تعزيز الحل لتشجيع هجرة سكان غزة، فهذا هو الحل الصحيح والعادل والأخلاقي والإنساني".
وأضاف: "لدينا شركاء حول العالم يمكننا مساعدتهم (باستيعاب المهاجرين)"، دون ذكر أسماء هذه الدول.
وتابع بن غفير: "إن تشجيع هجرة مواطني غزة سيسمح لنا بإعادة سكان مستوطنات الغلاف، وسكان (مستوطنة) غوش قطيف إلى وطنهم"، وفق تعبيره.
وكانت إسرائيل سحبت قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة عام 2005، بما في ذلك مستوطنة "غوش قطيف" التي يشار إليها دائما حين الحديث عن عودة الاستيطان.
ويعيش راهنا في غزة نحو 2.2 مليون فلسطيني يعانون حتى من قبل العدوان الراهن من أوضاع كارثية، جراء حصار إسرائيلي متواصل للقطاع منذ عام 2006.
وعاد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، ووصف سكان قطاع غزة بـ"النازيين"، مشيرا إلى ضرورة "إعادة الاستيطان" بالقطاع للسيطرة عليه.
وقال زعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف في تصريح للقناة 14 العبرية الخاصة في 8 يناير 2024: "هناك مليوني نازي يعيشون في غزة، إنها قنبلة موقوتة بآلية إبادة تجاه إسرائيل"، على حد تعبيره.
وأضاف سموتريتش: "يجب أن نسيطر على غزة لفترة طويلة، ولن نتمكن من ذلك دون إعادة بناء الاستيطان"، وفق القناة.
وسبق زيارة ملك الأردن الخاطفة إلى رواندا، حديث موقع "زمان إسرائيل" الإخباري الخاص عن أن "مسؤولي الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجي) ووزارة الخارجية يتفاوضون مع رواندا وتشاد لاستيعاب الفلسطينيين الذين يختارون الهجرة من غزة".
وأضاف الموقع: "تقدم إسرائيل للدول حزمة مساعدات يحصل بموجبها أي فلسطيني يقرر الهجرة إلى هناك على منحة مالية سخية، إلى جانب مساعدات واسعة للبلد المستقبل، تشمل مساعدات عسكرية".
ونقل عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع لم يسمه قوله إن "البلدين (تشاد ورواندا) أعربا عن موافقتهما الأساسية على مواصلة المناقشة، على عكس دول أخرى (لم يسمها) رفضت الفكرة من حيث المبدأ، ولم يجر الاتصال بها مرة أخرى".
ولفت إلى أن "العمل معقد جدا، ويجب أن نكون حذرين للغاية من ردود الفعل في العالم، والخوف أيضا من أن يتم تفسيرها على أنها ترحيل وليس هجرة طوعية، ولهذا السبب نعمل بمشورة قانونية وثيقة".
وتابع: "صاغت إسرائيل آلية للمفاوضات مع البلدين، تتمثل في تقديم منحة مالية سخية لأي فلسطيني يرغب في الهجرة من غزة، إلى جانب مساعدة واسعة للبلد المستقبل، بما في ذلك مساعدات عسكرية".
وأشار الموقع إلى أن "إسرائيل قدمت هذا العرض أيضا إلى الكونغو الديمقراطية، لكنها مترددة في قبوله".
وزاد بالقول إن "رواندا وتشاد أكثر انفتاحا على الفكرة"، مشيرا إلى أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على علم بهذه التحركات ولا يوقفها".
"ضربة دبلوماسية"
موقف دولة رواندا الساعية لتقوية اقتصادها من قبول العرض الإسرائيلي ما يزال وفق مراقبين "ملتبس"، لا سيما أنها وافقت عام 2022 على خطة بريطانية لترحيل بعض اللاجئين على أراضيها إلى هذا البلد الإفريقي.
أما تشاد فقد نفت "بشكل قاطع" الادعاءات بوجود محادثات لها مع إسرائیل بھدف استقبال آلاف الفلسطینیین من قطاع غزة، حسب بيان للحكومة التشادية، نشرته وزارة الإعلام عبر فيسبوك.
وأفاد البيان بأن "تشاد تؤكد من جدید موقفھا الثابت المؤید للتعایش السلمي بین الدولتین (فلسطين وإسرائيل)، امتثالا للقانون الدولي".
وأضاف أن الحكومة التشادیة "تنفي بشكل قاطع الادعاءات الأخيرة التي بثتھا قناة i24 (إسرائيلية خاصة) والتي تزعم فیھا بأن المحادثات بینها وبين إسرائيل تجري بھدف استقبال آلاف الفلسطینیین من غزة".
وتابع: "لقد أیدنا دائما موقفنا الدائم لوقف إطلاق النار وضمان حق الشعب الفلسطیني في تقریر المصیر، وفقا للمعاییر الدولیة".
وزاد: "التزامنا بالمبادئ الأساسیة للقانون الدولي یحظر أي موافقة على تھجیر الأشخاص من غزة أو المشاركة في ذلك مما یعد انتھاكا لھذه الحقوق".
ولهذا فإن التحرك الدبلوماسي الأردني نحو رواندا في هذا التوقيت، متسق مع تحذيرات عمّان من الخطط الإسرائيلية للتهجير لسكان قطاع غزة.
فمنذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، يواصل الأردن تحذيراته من عمليات التهجير القسري للفلسطينيين، سواء من غزة أو من الضفة الغربية، ويرى ذلك بمثابة "إعلان حرب".
وضمن هذا الإطار، رأى الصحفي الأردني محمد العرسان في حديث لـ "الاستقلال" أن "الأردن وجه ضربة دبلوماسية للاحتلال الصهيوني بزيارة الملك لرواندا بعد وضع الاحتلال خطة لتهجير أهالي غزة إليها تتضمن مساعدات عسكرية ومالية في حال قبلت على تهجير الغزيين إليها".
وأضاف العرسان: "الحكومة البريطانية قررت عام 2022 ترحيل طالبي اللجوء لديها إلى رواندا، وهذا يشير إلى أنه ليس المرة الأولى التي توافق فيه هذه الدولة على استقبال مهجرين مقابل مساعدات مالية".
وخاصة أن الاقتصاد الرواندي كان قد نهض بسرعة فائقة في إفريقيا لكن خلال الفترة الأخيرة واجه مشكلات كثيرة بسبب التوتر مع جارتها الكونغو وبالتالي هي اليوم تبحث عن أي مساعدات مالية جديدة.
وراح العرسان يقول: "ولذلك اليوم موقف الأردن يسجل عبر إفشال الخطة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين طوعا إلى رواندا".
وفي اليوم الثاني من زيارة ملك الأردن إلى رواندا، توجه إلى صرح كيغالي التذكاري للإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية، وقال من هناك إن العدوان على غزة خلف "جيلا كاملا من الأيتام" في القطاع.
وأضاف في كلمته: "يذكرنا هذا الصرح التذكاري المؤثر بأن وراء كل فرد قُتل في الإبادة الجماعية في رواندا عالم بأكمله، عائلة فقدت أحد أفرادها، أم أو أب أو طفل، حلم تلاشى، وإمكانيات هائلة اختطفت قبل أوانها".
ونوه إلى أن "الفظائع التي شهدت عليها هذه الجدران تذكرنا باستمرار بالتبعات المخيفة لتجريد الآخر من إنسانيته، إنها تذكرنا بأن بث الخوف والمعلومات المضللة، في ظل غياب رد فعل دولي، يقود إلى أبشع أشكال التطرف المميت".
وشدد بالقول: "تجاوز عدد ضحايا الأطفال في غزة مثيله في كل الصراعات والحروب التي شهدها العالم خلال العام 2023 مجتمعا، وفقد العديد من الناجين منهم أحد والديهم أو كلاهما".
وبدت كلمات الملك الأردني تحمل رسالة للحكومة الرواندية حول إعادة التفكير طويلا قبل إبرام أي اتفاق مع إسرائيل يخص الفلسطينيين.
"خطوة ذكية"
وضمن هذه الجزئية أشار الكاتب والمحلل السياسي الأردني "منذر الحوارات"، إلى أن "مخاوف الأردن تتمثل أولا بمحاولات فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، والذي يعني في حال تنفيذه إنهاء فكرة حل الدولتين".
وثانيا فكرة تهجير أهالي غزة من القطاع والتي طرحت على الأردن ومصر وقطر، وجوبهت برفض تلك الدول جميعها.
وأضاف الحوارات خلال تصريح تلفزيوني في 7 يناير 2024 أن "الملك الأردني الآن ذهب إلى رواندا كونها واحدة من الدول التي تتفاوض معها إسرائيل لتهجير أهالي غزة إليها وربما وصلت لحدود الاتفاق معها".
ولهذا فإن التحرك الدبلوماسي الأردني خطوة ذكية عبر ملاحقة الإسرائيليين واستهدافهم في الأماكن التي يذهبون إليها وإبطال مشاريعهم.
وبين أن ذلك "يمثل أجندة براغماتية أردنية تضغط على الولايات المتحدة بأنه ليس هناك حلول سوى بقاء أهالي غزة في أرضهم وبالتالي التحرك الأردني يهدف لقطع الطريق على إسرائيل حول فكرة تهجيرهم".
ومنذ بداية العدوان، تقدم واشنطن لتل أبيب، أقوى دعم عسكري ومخابراتي ودبلوماسي ممكن.
ويعد منتقدون الولايات المتحدة "شريكة" في "جرائم حرب إسرائيلية" بغزة، إلا أن تصريحات بعض مسؤوليها تشير إلى معارضتها لمسألة "التهجير القسري" للفلسطينيين.
ويعد طرد مدنيين من أرضهم أثناء نزاع أو خلق ظروف غير صالحة للعيش تجبرهم على المغادرة، جريمة حرب.
إذ رأت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، أن ما يهدف إليه نتنياهو والنواب الإسرائيليون تحت مسمى "التهجير الطوعي" لسكان غزة بأنه جريمة.
وأكدت ألبانيز أن الذين يخططون لتهجير سكان غزة تحت اسم "التهجير الطوعي" سيجري التحقيق معهم ومحاكمتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست"، قد أشارت في 5 يناير 2024 خلال تقرير لها إلى أن "مصير أهالي قطاع غزة لا يزال غامضا، والعودة إلى شماله محفوفة بالمخاطر، بينما تتعالى أصوات اليمين المتطرف في إسرائيل بتهجيرهم".
وبينت أن المقترحات المثيرة للجدل التي قدمها بعض المسؤولين الإسرائيليين بإجلاء سكان غزة إلى مخيمات في مصر أو دول أخرى، أثارت انقسامات مع واشنطن وأوروبا والأمم المتحدة.
وضمن هذا السياق قال الدبلوماسي الأردني السابق زياد المجالي: "إنه رغم سعي حكومة إسرائيل الحالية المتطرفة للذهاب أكثر بخطوات للوصول إلى التهجير الناعم للفلسطينيين، فإنه لا يمكن لفلسطيني أن يقبل بتكرار فكرة نكبة عام 1948 وأن يهاجر أيا كانت الإغراءات المقدمة".
وأضاف المجالي خلال مقابلة تلفزيونية في 7 يناير 2024: "رواندا لم تصوت لصالح قرار الجمعية العامة الذي طالب بوقف فوري إنساني لإطلاق النار بغزة في ديسمبر/كانون الأول 2023، وهذا يضع علامة استفهام حول طبيعة علاقاتها مع إسرائيل".
ومضى يقول: "الدبلوماسية الأردنية تحاصر كل الجهود الإسرائيلية بقضية تهجير أهالي غزة، وتعمل على التواصل مع واشنطن بكل ما يختص بتحركات المستعمرين في الضفة الغربية".
وكانت الخارجية الفلسطينية قالت إن "التهجير الطوعي" لسكان غزة يستدعي "موقفا دوليا لوقف هذه الجريمة والحرب".
كما وصفت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" في بيان لها مطلع يناير 2024 دعوات تهجير أهالي غزة بأنها "مجرد أحلام يقظة غير قابلة للتنفيذ"، وطالبت المجتمع الدولي بـ"التدخل لمواجهتها".