طرح تعديلا جديدا.. ما سر معاداة وزير العدل المغربي للمرجعية الإسلامية؟

حسمت كل دساتير المغرب بأن الإسلام هو المرجعية العليا للدولة
يواصل وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي حربه على الهوية الإسلامية ومقتضيات المرجعية الدستورية للبلاد، في عدد من الملفات، ومنها القانون الجنائي.
وخلق وهبي جدلا واسعا بعد إعلانه حذف "المرجعية الإسلامية" من مسودة مشروع تعديل المسطرة الجنائية، مبررا ذلك بأن الأخيرة ليس فيها أحكام شرعية مباشرة، وأن المجتمع المغربي يضم مكونات أخرى غير إسلامية.
جاء ذلك في كلمة للوزير خلال انعقاد لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، 11 مارس/آذار 2025، خصص لمناقشة مشروع قانون تعديل المسطرة الجنائية.
وبخصوص عدم الاستناد بوضوح إلى مرجعية الدين الإسلامي في صياغة الديباجة، قال وهبي: إنه "لا وجود لنص يشير إليها صراحة كي نعتمدها في الإطارات المرجعية المعتمدة في الصياغة".
وأردف: "الديانة تحكُم وتَفصل بين الحق والباطل، كما تحدد الحلال والحرام، لكن المساطر تبقى وضعية وليست مهمة دينية بالأساس".
وضرب مثالا بأن "الله أمَرَنا بالعدل وتحقيقه، لكن كيفية ذلك هي ما تجيب عنه المساطر القانونية، وهي مِن وضع البشر، وهذا ليس تبخيسا للدين بل تفكيرا من الإنسان".
وواصل المسؤول الحكومي متفاعلا مع مقترحات تعديل الديباجة، بأنه "يتم تحويل الأحكام الدينية إلى نصوص وضعية؛ وهُنا يكمن دور التشريع والمشرّع بنِسبيّته حسب اختصاص المجال الديني ومجالات تطبيقه".
وتنص ديباجة النسخة الحالية المعمول بها من المسطرة الجنائية، على أن "التشريع الجنائي المغربي مستمد من مبادئ الشريعة الإسلامية، ومن القوانين الوضعية المعمول بها دوليا، مع احترام خصوصيات المجتمع المغربي".
وبدورها، عبرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المعارض، عن استنكارها ورفضها بقوة لتصريحات وزير العدل، وتراجعه عن الاستناد إلى مرجعية الدين الإسلامي في ديباجة مشروع قانون المسطرة الجنائية.

وعبر الحزب الإسلامي خلال بيان في 15 مارس 2025، عن استنكاره الشديد لحذف عبارة "استحضار تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقيم المجتمع المغربي" ضمن المرجعيات والأسس والثوابت المؤطرة لتوجهات ومعالم السياسة الجنائية الوطنية.
كما انتقد "استخفاف الوزير مرة أخرى بثوابت الأمة وسعيه في كل مناسبة لتهميشها"، منبها إلى "فهمه الخاطئ والقاصر لاستناد واستحضار المسطرة الجنائية والقانون الجنائي لتعاليم الدين الإسلامي".
وذكر حزب العدالة والتنمية بأن "جوهر القوانين ومضامينها يرتبط في كل مجتمع ارتباطا وثيقا بثوابته وبمرجعياته وقيمه".
مخالفة دستورية
وقال الباحث القانوني وعضو لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، عبد الصمد حيكر، إن المشروع الحالي جاء خاليا من الإحالة على المرجعية الإسلامية، وذلك خلافا لديباجة قانون المسطرة الجنائية سارية المفعول.
وذكر حيكر لـ "الاستقلال"، أن حذف وزير العدل للمرجعية الإسلامية من المشروع المعدل، برره بأن مواد المسطرة الجنائية ليس فيها ما يشير مباشرة إلى تعاليم الدين الإسلامي وأحكامه إلخ، وأن المجتمع المغربي لا يضم المسلمين فقط، بل اليهود وغيرهم.
وأوضح أن المطالبة بالإبقاء على المرجعية الإسلامية لا تعني إضافة شيء جديد لقانون المسطرة الجنائية، بل الإبقاء على ما كان منصوصا عليه.
وشدد على أنه ليس هناك ما يبرر الحذف، إذ إن الدستور مازال هو نفسه، وتنصيصه على الدين الإسلامي هو أحد ثوابته. وذكر المتحدث ذاته أن الدستور حسم هذا الموضوع، حينما تحدث عن دين المجتمع والدولة.
ولفت إلى أن الدستور حسم هذا بصيغ جازمة تؤكد أن الإسلام هو دين الدولة، وأنه يحتل الصدارة على كل المرجعيات والروافد الثقافية والدينية الأخرى التي تميز المجتمع المغربي.
وأوضح حيكر أن هذا الثابت كان مقررا منذ أول دستور للمملكة، إذ حسمت كل دساتير البلاد بأن الإسلام هو المرجعية العليا للدولة.
ولذلك رأى الدستور أن الدين الإسلامي أحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية، إضافة إلى الملكية والوحدة الترابية، بل إن المجادلة في هذه الثوابت هي من أسباب إسقاط الحصانة عن البرلمانيين، وفق قوله.
وأردف: "كما أن الدستور المغربي، وتحصينا للمرجعية الإسلامية، رأى أن كل المقتضيات المرتبطة بالدين الإسلامي لا يمكن أن يشملها أي تعديل حين الإقدام على المراجعة الدستورية في أي وقت".
من جانب آخر، ذكر حيكر أن جميع فصول وأبواب المسطرة الجنائية تتعلق بتحديد كيفيات التحري والتتبع ومتابعة مرتكبي الجرائم المختلفة مثل الرشوة والفساد والاعتداء على حياة الأشخاص وأملاكهم، وغيرها؛ في ظل البحث عن إقامة العدل.
و"كلها قضايا نجدها في صلب تعاليم الدين الإسلامي وأحكامه، ولذلك ليس هناك ما يبرر حذف المرجعية الإسلامية من مشروع المسطرة الجنائية".
وخلص النائب البرلماني إلى أن استعراض جميع فصول القانون الجنائي والمسطرة الجنائية لا يمكن إلا أن نجد لها سندا في أحكام الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية.
وهو ما يعني أن حذف وزير العدل للمرجعية الإسلامية من المشروع المذكور تمليه أسباب أخرى، غير التي أعلنها.
خطوة خطيرة
وفي تفاعله مع القضية، انتقد المحامي والأمين العام للحزب المغربي الحر، إسحاق شارية، ربط وهبي، حذف المرجعية الإسلامية من قانون المسطرة الجنائية بضمان حقوق اليهود المغاربة.
وبحسب موقع "هوية بريس"، 12 مارس 2025، قال شارية، إن العذر الذي ساقه وهبي خطير جدا، وتمهيد لقوانين أكثر خطوة.
وأردف: “ادعى الوزير أن في ذلك ضمانا لحقوق اليهود، فهل يقصد الوزير أن اليهود المغاربة كانوا مضطهدين في ظل القوانين ذات المرجعية الإسلامية وهو ما لم يثبت في أي حقبة زمنية في ظل مؤسسة إمارة المؤمنين؟”
وتابع شارية: "إن أخطر ما يفعله الوزير هو سعيه الحثيث لاجتثاث المغرب من عروقه وجذوره التشريعية خدمة لأجندات أصبحت مكشوفة، وهو ما لا يمكن السماح به أو التفريط فيه لأنه باب للفوضى والفتن".
وشدد رئيس الحزب المغربي الحر على أن “المرجعية الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، وسيبقى والمغرب أمة إسلامية”.
وبين أن "الأقليات مرحب بها تحت ظل القانون وإمارة المؤمنين الممتدة أصولها إلى الدوحة المحمدية الشريفة ونور الإسلام المنفتح والمعتدل".
بدورها، انتقدت ربيعة بوجة، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، تصريحات وزير العدل بخصوص ديباجة مشروع القانون الجنائي ومكانة المرجعية الإسلامية في التشريع.
ورأت بوجة في تصريح نقله موقع "العدالة والتنمية"، 13 مارس 2025، أن وهبي أسقط عن قصد وليس سهوا الفقرة المتعلقة بالمرجعية الإسلامية.
وشددت النائبة البرلمانية أن تصريح وهبي لا يمكن وصفه إلا بأنه غير مسؤول، منبهة إلى أن سلوكه المعاكس لإرادة المواطنين وثوابت المجتمع والدولة ليس جديدا.
قراءة قانونية
بدوره، أكد العباس الوردي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "الدستور المغربي يتربع على قمة الهرم التشريعي، وهو المرجع الأعلى الذي يحدد هوية الدولة وطبيعة نظامها".
وقال الوردي في تصريح لجريدة "شفاف"، 13 مارس 2025، إنه في هذا السياق، ينص التصدير الدستوري في فقرته الثانية، على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، كما يؤكد الفصل الأول على أن الإسلام هو دين الدولة.
"وبالتالي فإن وجود الإشارة إلى المرجعية الإسلامية أو حذفها من أي قانون تشريعي، بما في ذلك مشروع قانون المسطرة الجنائية، لا يمكن أن يتجاوز هذا المبدأ الدستوري أو ينال منه، لأنه مرتبط ببنية دستورية ثابتة تحتل المرتبة الأولى في تراتبية القوانين".
ورأى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن تحديث المنظومة الجنائية مطلب مشروع وأساسي في ظل التطورات التي تشهدها آليات العدالة الجنائية، سواء فيما يتعلق بالاعتقال الاحتياطي، أو إدخال آليات حديثة كالسوار الإلكتروني، أو تعزيز العقوبات البديلة.
وأردف أن هذه التعديلات تتسق مع متطلبات العصر والتجارب الدولية الناجحة التي تسعى إلى تحقيق عدالة أكثر فعالية وإنسانية.
وقال: إنه "مع ذلك؛ فإن هذا التحديث لا يتعارض مع المرجعية الدينية، لأنها مضمونة دستوريا بغض النظر عن ذكرها صراحة في ديباجة القانون من عدمه".
وأشار الوردي إلى أن الإسلام هو دين الدولة بموجب الدستور، وهذا الأمر لا يخضع للنقاش أو التأويل.
ورأى أن المغاربة يعيشون في كنف دولة إسلامية تحت قيادة أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، الذي يرعى سير المؤسسات ويضمن وحدتها الوطنية والدينية، وفق تعبيره.
وشدد على أنه لا مجال للمزايدة في هذا الإطار، مقدرا أن الدستور هو الوثيقة العليا التي تسن جميع القوانين وتحدد تراتبيتها، وهو الذي يكفل أن الإسلام هو دين الدولة.
وبالتالي، يقول الأستاذ الجامعي إن "أي نقاش حول هذا الموضوع يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة الدستورية التي لا يمكن تجاوزها، وأن يركز على كيفية تحسين المنظومة الجنائية بما يخدم العدالة ويحترم الهوية الوطنية في آن واحد".
سوابق الوزير
ما صرح به وزير العدل بشأن المرجعية الإسلامية في المسطرة الجنائية ليس أول زلاته، إذ سبق أن أدلى بتصريحات ومواقف لقيت رفضا مجتمعيا وجدلا بالبلاد.
ففي 25 مايو/أيار 2024، ردد الوزير في تجمع خطابي مع عدد من أنصار حزبه "الأصالة والمعاصرة": “سنغيّر كل النصوص الخاصة بالزواج والطلاق ومدونة الأسرة والولاية والحضانة”.
وبنوع من الحماسة الناتجة عن سماعه التصفيقات، قال وهبي: "نحن أسسنا هذا الحزب (الأصالة والمعاصرة)، لنغيّر تاريخ هذه الأمّة، وتغيير وضعية المرأة هو تغيير لوضعية الأمّة نحو الأفضل".
وفي 28 يونيو/حزيران 2023، قال: إن المثليين (الشواذ) أصبحوا قوة سياسية واقتصادية ضاربة، ويتحكمون في زمام الأمور، ويقررون فيها سياسيا واقتصاديا على المستوى العالمي، مضيفا أنهم "يوظفون آلياتهم لكي يفرضوا علينا اختياراتهم، ونحن في الحقيقة عاجزون عن مواجهتهم".
وذكر وهبي الذي حل ضيفا على قناة العربية السعودية، "نحن الآن فقط نناضل وندافع من أجل الحفاظ على قناعتنا وتصوراتنا، لا نريد ولم نكن نفكر في أن نلغي اختياراتهم لأنهم أقوى منا"، وفق تعبيره.
كما دعا في 19 يونيو 2024، إلى عدم استفسار مرتادي الفنادق عن شهادة الزواج في حال الرغبة في غرفة مشتركة بين رجل وامرأة، وهو ما عده منتقدوه دعوة مباشرة للزنا والعلاقات الرضائية، وأنه يخالف بشكل مباشر القانون الجنائي.
وقال وهبي: إن "مستخدمي الفنادق لا يملكون الصفة لاستفسار الأزواج عن عقود الزواج"، مشددا على أن "موظف الدولة، أي رجل الأمن، هو من يملك صلاحية طرح هذا السؤال على المواطنين إذا ما وُجِدوا في مكان جريمة أو في حالة شُبهة".
وكان وهبي على رأس الداعين لتغييرات جذرية في مدونة الأسرة/الأحوال الشخصية، بما يوافق هوى جمعيات نسوانية وعلمانية في البلاد.
كما كان يستجيب لتوجيهات المنظمات الدولية، وخاصة على مستوى تجريم التعدد وزواج أقل من 18 سنة ورفع التجريم عن العلاقات الرضائية أو الزنا وتعديل نظام الإرث.
ورغم إعلان اللجنة المكلفة بتعديل المدونة عن مخرجات تقريرها في ديسمبر/كانون أول 2024، فقد واصل وزير العدل الحديث عن بعض التعديلات بما أثار حفيظة الرأي العام.
ومنها اشتراط سماح المرأة بالتعدد حين كتابة عقد زواجها، في مخالفة صريحة لرأي المجلس العلمي الأعلى والملك محمد السادس.
كما أن اللجنة الملكية أقرت عمر 17 سنة كحد أدنى للزواج، غير أن وهبي صرح في لقاء إعلامي أنه سيتم تمطيط الإجراءات الإدارية إلى أن تبلغ الفتاة 18 سنة، مما دعا متابعين إلى وصف تصريحاته بغير المسؤولية والمخالفة للأعراف المؤسساتية والدستورية.