بأدلة دامغة.. هكذا يطارد الضحايا السوريون جلاديهم في أولمبياد باريس

5 months ago

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الضحايا من السوريين وأقاربهم في الخارج الذين تعرضوا للتعذيب أو فقدوا أبناءهم يقدمون إفاداتهم حول جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحقهم قادة ومسؤولون في نظام بشار الأسد.

وتسهم شهادات هؤلاء وتوثيقهم للجرائم التي حصلت عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011 وتقديم الأدلة ضد الشخصيات المتورطة، للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، بوضع دوائر حمراء حول مرتكبيها لملاحقتهم ومنع إفلاتهم من المساءلة والعقاب.

وأثبتت الأيام أن بعض المتورطين من نظام الأسد بجرائم ضد السوريين، يتحركون بحرية ويتنقلون حتى داخل دول الاتحاد الأوروبي، بل ومنهم من يعتزم المشاركة في أولمبياد باريس المقررة من 26 يوليو/ يوليو إلى 11 أغسطس/ آب 2024.

ملاحقة الجناة

وكشف تقرير جديد أن "الاتحاد الوطني للطلاب السوريين" في جامعة دمشق ارتكب أعمال اعتقال وتعذيب وعنف على أساس النوع الاجتماعي خلال السنوات الأولى من الثورة السورية.

ووفقا لتقرير صادر عن المجلس السوري البريطاني (SBC)، والذي كان نتيجة تحقيق استمر لمدة عام، فقد ارتكب “اتحاد الطلبة” بجامعة دمشق جرائم تنتهك القانون الدولي بين عامي 2011 و2013، وبحسب ما ورد يعمل هذا الاتحاد كفرع لجهاز أمن الدولة التابع للنظام في الجامعة.

ويؤكد التقرير الذي نشر في 20 يونيو/ حزيران 2024 بالاعتماد على الأدلة المستمدة من الأبحاث مفتوحة المصدر وشهادات الشهود، بما في ذلك 20 مقابلة متعمقة مع الطلاب السابقين والأساتذة كشفوا أن الجسم الطلابي يقوم بدوريات في حرم الجامعة وقاعات المحاضرات ومساكن الطلاب في محاولة للإبلاغ عن المعارضة المحتملة للطلاب والأساتذة والموظفين. 

ويحتجز أعضاء الاتحاد بعد ذلك الطلاب المعارضين، وغالبا ما يقومون بتعذيبهم جسديا في الحرم الجامعي، ثم يسلمونهم إلى أجهزة الأمن، التي من المفترض أن تقوم بإخفاء الطلاب قسرا في السجون.

وخلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة، جرى اعتقال أكثر من 35 ألف طالب في جميع أرجاء سوريا، وفقا للتقرير الذي استشهد بإحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” (SNHR).

واللافت أن عضوا في هذا الاتحاد الذي تحول لجهاز استخبارات مصغرة لتعقب طلاب الجامعات عقب اندلاع الثورة، يستعد للمشاركة في أولمبياد باريس 2024.

وذكر التقرير أن إحدى الشهادات وردت بشأن شخصية عملت في الاتحاد الوطني لطلبة سوريا وهو "عمر العاروب" الذي يشغل "رئيس اللجنة البارالمبية السورية" الحالية التابعة لنظام الأسد.

وذكرت مصادر إعلامية أن العاروب سيقود الوفد الرياضي السوري إلى أولمبياد باريس.

ومنتصف ديسمبر/ كانون الأول 2023 تأهل الفارس عمرو حمشو إلى أولمبياد باريس 2024 بعد أن حقق النقاط المطلوبة للتأهل عن المجموعة المنضمة إليها سوريا حسب تصنيف الاتحاد الدولي للفروسية.

وجاء تأهل "حمشو" بعد النتائج التي حققها في بطولة السعودية لقفز الحواجز حيث توج بالمركز الثاني.

وسلط تقرير "المجلس السوري البريطاني"، الضوء على دور "اتحاد الطلبة" في قمع الطلاب الجامعيين المشاركين في الثورة.

واستعرض التقرير حالة طالب الماجستير في طب الأسنان بجامعة دمشق، ويدعى أيهم غزول، الذي عانى من التعذيب الشديد في الحرم الجامعي على يد أعضاء الاتحاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بعد تعرضه للضرب بقضيب حديدي وقلع أظافره وسكب الماء المغلي عليه، ثم نقله إلى المخابرات الجوية التابعة وسرعان ما قضى تحت التعذيب في سجونها.

أما الطالبة السابقة في جامعة دمشق "نور التل" فقد أكدت تعرضها للاحتجاز والضرب من قبل “الاتحاد” في الجامعة قبل تسليمها إلى فرع أمن الدولة.

تقول نور في شهادتها لـ"المجلس السوري البريطاني" إنه "كان من المفترض أن تكون الجامعة خطوة نحو المستقبل، ومكانا لكتابة قصتنا، والالتقاء بأصدقاء مدى الحياة، لكنها تحولت إلى مكان للكوابيس، لقد تم احتجازي من قبل اتحاد الطلبة والاعتداء علي جسديا".

وأضافت: "أنا حاليا في أوروبا مع عائلتي واعتقدت أنني سأكون بعيدة عن مجرمي الحرب هنا، ولكن سيكون مسؤول من الاتحاد جزءا من أولمبياد باريس 2024. يتم الترحيب به كما لو أنه لم يرتكب أي جريمة".

ويشير التقرير إلى أن المسؤول الذي أشارت الشهادة إليه هو عمر العاروب، وهو عضو كبير سابق في قيادة الاتحاد بحلب، حيث ورد أنه أشرف على الانتهاكات، وقام بتجنيد الطلاب لقمع الاحتجاجات، وتسليحهم وإصدار تعليمات لهم برمي الطالبات المعارضات من نوافذ الطابق الرابع.

ويشغل العاروب منصب نائب رئيس الاتحاد الرياضي العام السوري، وكذلك رئيس "اللجنة البارالمبية السورية".

مجرم في الأولمبياد

وعلق تقرير المجلس السوري البريطاني على مشاركة العاروب في أولمبياد باريس بقوله: "يبدو الأمر كما لو أن النظام يقول: انظروا إلينا لقد ارتكبنا جرائم ضدكم ومازلنا نرتكب جرائم ضد سوريين آخرين، لكن العالم يوافق علينا ويسمح لنا بالوجود هنا في الأولمبياد، وعندما تنتهي الألعاب سنعود إلى سوريا لارتكاب المزيد من الجرائم".

وتأتي مشاركة العاروب رغم دعوة وزير الداخلية الفرنسي غابرييل أتال اللجنة الأولمبية إلى "الدفاع عن حقوق الإنسان ومنع مجرمي الحرب من المشاركة في الألعاب الأولمبية".

والعاروب هو نائب رئيس "الاتحاد الرياضي العام"، ورئيس اللجنة الوطنية السورية للألعاب البارالمبية في "الاتحاد الرياضي العام، الذي يعد بدوره أعلى سلطة رياضية في سوريا. 

ويتهم العاروب بتورطه بارتكاب جرائم خلال عمله في الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، إذ شغل منصب عضو قيادة فرع "الاتحاد" في مدينة حلب بين عامي 2000 و2010، ومن ثم رئيسا للفرع، وعضوا للمكتب التنفيذي للاتحاد، بصفة رئيس لمكتب العمل الوطني والتطوعي حتى عام 2019.

 وهو نائب قائد فصيل "كتائب البعث" المسلح الذي أسسه نظام الأسد إبان اندلاع الثورة وسلحه لقمعها.

ورغم أن "اتحاد طلبة سوريا"، يستخدم حاليا كأداة لتلميع وتحسين حكومة النظام السوري في الخارج، إلا أن العاروب، الذي يشغل أيضا نائب قائد مليشيا "كتائب البعث" المتهمة بارتكاب جرائم حرب، سبق أن أجرى زيارة إلى العاصمة باريس نهاية أغسطس 2023 حيث تمت استضافته بصفته رئيس اللجنة الوطنية السورية للألعاب البارالمبية. 

ونشر العاروب، وهو مقرب من عائلة رئيس النظام، في 31 أغسطس 2023، صورة عبر حسابه على موقع “فيسبوك” تظهره أمام برج إيفل.

وهناك صور تظهر العاروب مسلحا ومرتديا لزي عسكري يظهر عليه شعار مليشيا "كتائب البعث".

كما أن مقربين سابقين للعاروب يؤكدون دوره في قمع المظاهرات المناهضة للنظام في حلب عام 2011.

بالإضافة إلى صور العائلة الحاكمة التي ينشرها العاروب على حسابه في فيسبوك، فإن صورة رسمية التقطت عام 2019 تظهره جنبا إلى جنب بصحبة رئيس النظام السوري.

ورغم كل هذه الأدلة على تورط العاروب في الدم السوري، إلا أنه سيشارك للمرة الثانية في دورة الألعاب الأولمبية في باريس، حيث مثل سوريا في أولمبياد طوكيو عام 2021.

لكن مع ذلك، فقد أسهمت شهادات الضحايا وأقاربهم في جر عدد من مسؤولي نظام الأسد إلى المحاكم الأوروبية سواء حضوريا أو غيابيا.

بمعنى أن المنظمات الحقوقية عبر شهادات الضحايا ضد جلاديهم نجحت في دفع عدد من رموز نظام الأسد للمحاكمة أمام العالم.

وآخر خطوة في هذا الإطار، أصدر القضاء الفرنسي في 25 مايو/ أيار 2024، حكما غيابيا بالسجن مدى الحياة على مستشار شؤون الأمن الوطني لدى النظام السوري، اللواء علي مملوك، والمدير السابق لشعبة المخابرات الجوية، اللواء جميل الحسن، ومسؤول التحقيق في الفرع، اللواء عبدالسلام محمود، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتورطهم بقتل مواطن فرنسي ونجله تحت التعذيب في سجون النظام.

"شجاعة الضحايا"

ولهذا تلعب إفادات وشهادات الضحايا دورا كبيرا في طريق تحقيق المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، وفق الخبراء القانونيين.

لا سيما أن أفرادا من النظام السوري يلاحقون في الوقت الراهن قضائيا في دول عدة، أبرزها ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا، وتطبق هذه البلدان مبدأ "الولاية القضائية العالمية" الذي يسمح بمحاكمة منفذي أخطر الجرائم المرتكبة ضد رعايا أجانب خارج أراضي الدولة.

وبسبب ذلك، أخذ ضحايا نظام الأسد والمحامون المتخصصون بحقوق الإنسان يركزون جهودهم في الدول التي تقبل "الولاية القضائية الشاملة"، في مطاردة الجناة وجرهم للمحاكمة.

لكن النقطة الجوهرية في تلك المحاكمات في أوروبا، هي كما يصفها المحامون "شجاعة الضحايا وإصرارهم على ملاحقة الجناة بحقهم" طارحين أي هواجس للخوف من آلة القمع الكبيرة في سوريا، ومركزين على النواة الصلبة لتفعيل مبدأ العدالة ضد أولئك الذين ارتكبوا الفظائع بحق السوريين إبان الثورة.

ولهذا دلت السنوات الأخيرة على الجهود الكبيرة التي خاضها ضحايا نظام الأسد في إيصال صوتهم للمحاكم المحلية وتقديم كل ما بحوزتهم من أدلة تثبت جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد.

ومن أبرز تلك الجهود، استماع قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا وهي الوجهة الثانية بعد ألمانيا لطلب اللجوء من قبل السوريين، خلال أكتوبر 2023 إلى شهادات معتقلين سوريين وصفوا فيها عمليات اغتصاب جماعي وتشويه وطريقة عقاب "موحدة" تنطوي على وضع الأشخاص في إطار سيارة وضربهم بشكل "مبرح" من قبل أفراد أجهزة النظام السوري إبان إخماد الثورة.

وقاد إصرار الضحايا من اللاجئين على ملاحقة المتورطين بجرائم ضد السوريين إلى جر عدد من ضباط نظام الأسد إلى المحاكمات بعد جمع الأدلة الكافية وتقديمها إلى محاكم في دول أوروبية بعد تعاون كبيرة من قبل فريق من المحامين السوريين والأجانب. 

وفي محاكمة غير متوقعة شجعت المزيد من الضحايا لتقديم إفاداتهم دون أي تحفظ أو خوف، حكم في كوبلنتس غرب ألمانيا في يناير/ كانون الثاني 2022 بالسجن المؤبد على العقيد السابق في الاستخبارات السورية أنور رسلان (58 عاما) بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية إبان قمع المتظاهرين.

وكانت هذه أول محاكمة في العالم على انتهاكات ارتكبها مسؤولون في النظام السوري عقب اندلاع الثورة.

ووقتها الذين قادوا أنور رسلان الذي كان يضطلع بمهام في فرع الخطيب الأمني سيئ الصيت بدمشق، إلى قفص الاتهام ومن ثم انتزاع حكم تاريخي، هم الضحايا أنفسهم.

وقالت لينا محمد التي أدلت بشهادتها حول اعتقالها عام 2012 في الفرع الذي كان رسلان مسؤولا عنه: "سؤالي هو: هل تلك هي العدالة التي ننشدها؟ إن العدالة التي أنشدها بصراحة تتمثل بمحاكمة بشار الأسد فسه وأعوانه الذين ما يزالون يرتكبون جرائم مروعة".

كما قال وسيم مقداد الذي اعتقل أربع مرات في بداية الثورة وقام رسلان بالتحقيق معه بنفسه: "يمثل ذلك بداية الطريق الطويل الذي يتجه نحو إحلال العدالة بسوريا".

وأصدرت محكمة فرنسية في 14 نوفمبر 2023 عن قضاة تحقيق من وحدة الجرائم ضد الإنسانية التابعة لمحكمة في باريس، مذكرة توقيف دولية بحق الأسد، لثبوت استخدامه الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية عام 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص.

وأسهم عدد من الناجين من هجمات بأسلحة كيماوية في سوريا عام 2013 برفع دعوى جنائية أمام القضاء الفرنسي على مسؤولين في النظام.

وفي يناير 2023، رفع عبادة مزيك وهو مواطن أميركي يحمل أيضا الجنسية السورية، ويقول إنه عذب في سوريا عام 2012 عندما كان طالبا دعوى قضائية بحق حكومة نظام الأسد أمام محكمة أميركية.

وعن تلك المرحلة التي قضاها عبادة لأقل من شهر في سجن مطار المزة العسكري سيئ السمعة والصيت: "أخذوا يضربونني ويعذبونني، كما علقوني من رقبتي، وكادوا أن يقتلوني قبل أن ينزلوني إلى القبو حيث كانت حفلة الاستقبال بانتظاري، وهناك قاموا بتجريدي من ملابسي، ثم فتشوني، وبعدها أخذوا يضربونني بالسياط ويعذبونني".

وأضاف مزيك: "وبما أن حفلة الاستقبال التي أقاموها لي لم تكن عنيفة كما يجب، فقد أعادوها من أجلي، حيث جعلوني أستلقي ثم رفعوا ساقي، وظلوا يضربونني على قدمي إلى أن تورمتا فلم يعد بوسعي أن أقف عليهما، فكانت تلك حفلة الاستقبال التي أقاموها لي بعد مرور عشرة أيام على اعتقالي ".

وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فإن عبادة مزيك هو شخص واحد من ضمن قرابة 135 ألف شخص مازالوا قيد الاعتقال التعسفي في سجون النظام السوري. 

وتؤكد الشبكة أن قاعدة بياناتها تتضمن تفاصيل هؤلاء بالاسم وتاريخ الاعتقال، والجهة التي قامت بالاعتقال، وغير ذلك من معلومات.

وقالت الشبكة في بيان لها في أبريل/ نيسان 2023: “نعتقد أن جميع هؤلاء يتعرضون لتعذيب وحشي، فقد وثقنا مقتل قرابة 15038 مواطنا سوريا تحت التعذيب بينهم 94 امرأة و190 طفلا، ونؤكد أن التعذيب الممارس من قبل النظام السوري يشكل ”جرائم ضد الإنسانية".

وتؤكد شبكات حقوقية سورية أن أكثر من نصف مليون مواطن قتل تعذيبا أو بالقصف الجوي والمدفعي من قبل النظام عقب عام 2011.

وهجرت آلة نظام الأسد العسكرية 13 مليون سوري من مدنهم، منهم ستة ملايين ونصف المليون فروا إلى الخارج، من أصل عدد السكان البالغ 23 مليون نسمة.