"جبل موريا" أخطرها.. خريطة جماعات الهيكل التي تشعل النار بالأقصى

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

نيران كثيفة تشتعل خلف قبة الصخرة الذهبية، أحد أهم معالم المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة، أثارت الرعب في نفوس ملايين المسلمين.

هذا ما أظهره مقطع فيديو يحاكي حريقا كبيرا في المسجد الأقصى، نشرته منظمة "نشطاء جبل الهيكل" اليمينية المتطرفة في الكيان الإسرائيلي.

وسرعان ما أعلنت جماعة "أبناء جبل موريا" الصهيونية المتطرفة، في 12 سبتمبر/ أيلول 2024، أنها هي التي تقف وراء المقطع الذي شاهده ملايين المسلمين حول العالم. 

ونشرت هذه الجماعة المقطع عبر منصات التواصل الاجتماعي مرفقا بتعليق "قريبا في أيامنا هذه"، وبعبارة "النصر المطلق".

بعدها أعادت الجماعة المتطرفة نشر الفيديو، في إطار تحضيراتها لموسم الأعياد الطويل الذي يمتد بين الخميس 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حتى الجمعة 25 من الشهر نفسه.

وفي ذلك الموسم تخطط جماعات الهيكل عموما ومن بينها "أبناء جبل موريا" لأكبر عدوان في التاريخ على المسجد الأقصى، كما أعلنوا في منصاتهم ومواقعهم. 

خاصة أن موسم الأعياد الطويل يأتي هذه المرة موافقا للذكرى الأولى لعملية "طوفان الأقصى".

لذلك من المتوقع أن يكون أعتى مواسم العدوان على الأقصى، بالنظر إلى أن حكومة الاحتلال اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، تتعامل مع الذكرى بوصفها ذكرى مؤلمة، وتخطط لهجوم متعدد الجبهات، ستكون جماعات اتحاد الهيكل على رأسه. 

فما هي جماعة أبناء جبل موريا؟ وما هو اتحاد الهيكل (المزعوم)؟ وما أجندتهم المستقبلية تجاه المسجد الأقصى؟

أبناء جبل موريا 

بدأ تدشين هذه الحركة رسميا في 19 سبتمبر 2023، على يد مجموعة من أفراد "اتحاد الهيكل" المنظمة الصهيونية التي تسعى لإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. 

وكانت باكورة نشاطها عبر مظاهرة حاشدة انطلقت إلى منزل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، في مستوطنة كريات أربع شرق مدينة الخليل المحتلة. 

السؤال الذي طرح نفسه حينها، ماذا يعني تعبير "جبل موريا"؟ ولماذا اتخذته الجماعة اسما وشعارا لها؟ 

الفكرة جاءت من زعم اليهود أن موقع الحرم المقدسي الشريف هو في الحقيقة جبل موريا، الذي صعد إليه النبي إبراهيم لذبح ابنه إسحاق وفق المعتقدات اليهودية. 

وهو أيضا محل وجود هيكل سليمان، لذا يطلق اليهود على الحرم الشريف اسم "جبل الهيكل".

ويعد هذا الموقع هو الأكثر قدسية بالنسبة إليهم، كما أن لمدينة القدس 70 اسما في التقاليد اليهودية، من بينها صهيون ومدينة داود وأرييل وموريا.

وتتخذ منظمة "أبناء جبل موريا" الاستيطانية الشبابية، من الحاخام الصهيوني المتطرف "مائير كاهانا" الذي اغتيل في 1990، مثلا أعلى لها، ومرشدا روحيا وفكريا لطريقها

وتكثر الاقتباس من مقولاته، كما توصف نفسها بأنها تنتمي للجيل الجديد من منظمات الهيكل. 

مائير كاهانا

ولمعرفة مدى خطورة ارتباط تلك الحركة بأفكار الحاخام كاهانا، لابد من الاطلاع على أيديولوجيته.

فهو مؤسس حركة "كاخ" اليمينية التي حملت السلاح، وكاهانا هذا، وسبق أن فاز بمقعد في الكنيست عام 1984 قبل أن تصنف حركته "إرهابية وفاشية".

وعرفت مدرسة كاهانا باسم "الكهانية"، وهي خليط جمع بين المغالاة القومية والتدين السياسي والممارسات العنيفة.

ووفقا لأفكار حركة "كاخ" و"الكهانية"، آمنت حركة "أبناء جبل موريا" ومن على شاكلتها، بفكرة أن العرب في فلسطين أعداء يجب إخراجهم بالعنف ولا يمكن التعايش معهم أبدا.

وأنه على اليهود في أنحاء العالم كافة أن يهاجروا إلى فلسطين، بصفتها أرض الميعاد المقدسة. 

لكن أفكار الحركة الإرهابية "كاخ" لم تقف عند التنظير، بل راحت إلى التطبيق المفزع، عندما ارتكب أحد أعضائها هو "باروخ غولدشتاين" مذبحة الحرم الإبراهيمي التي راح ضحيتها 29 مصليا في 25 فبراير/شباط 1994.

وعلى إثر هذه المجزرة اضطر الكيان الإسرائيلي على حظر حركة "كاخ" وعدتها “إرهابية”.

بينما يصف "أبناء جبل موريا" مرتكب المجزرة أنه "بطل"، واشتهروا بوضع صورته على جدار مقراتهم.

وفي 13 أغسطس/ آب 2024، نشرت الحركة فيديو لحريق واسع في المسجد الأقصى، بالتزامن مع الذكرى العبرية المسماة "ذكرى خراب الهيكل". 

وذلك على تقدير أن خراب الأقصى وتأسيس الهيكل هو الآتي بزعمهم. 

وبعدها بأيام في 28 أغسطس، نشرت مقطعا مصورا آخر لصاروخ حربي مدمر يقصف المسجد الأقصى ليقام الهيكل في مكانه.

جيل جديد (منظمات الهيكل) 

ونشر الباحث الفلسطيني في شؤون القدس "زياد ابحيص" تدوينة عبر حسابه بموقع "إكس" تحدث فيها عن موقع "أبناء جبل موريا" بين اتحاد منظمات الهيكل المتطرفة.

وقال إن “عدد منظمات الهيكل بات يقارب 60 ، وتنقسم إلى مجموعتين على أساس الجيل والآراء السياسية”.

أولها المؤسسات القديمة والتي "تجتمع تحت مظلة (ائتلاف منظمات الهيكل) وهي تتألف من الحاخامين القدامى والأكبر سنا مثل معهد الهيكل ومنظمة تاج الكهنة ومنظمة إلعاد والسنهدرين الجديد".

وأضاف: "يروى هؤلاء (القدامى) ضرورة التعاون مع شرطة الاحتلال، والتأثير البطيء في المجتمع والدولة للتأسيس لأجندة الإحلال الديني وتأسيس الهيكل مكان المسجد الأقصى، ويتحدثون عن (التقاسم) أكثر مما يتحدثون عن إزالة الأقصى من الوجود". 

وأورد ابحيص: "أما المجموعة الثانية وهي الأخطر، تتألف من المنظمات حديثة النشأة، وكوادرها أكثر شبابا وأكثر تطرفا، وتأتلف تحت (ائتلاف الهيكل الثالث) الذي تشكل بداية من نهايات العام 2020".

وتضم تلك المجموعة منظمات "أبناء جبل موريا"، و"جبل الهيكل في أيدينا"، و"عائدون إلى جبل الهيكل" وغيرها.

تلك المجموعات الحديثة التي من ضمنها "أبناء جبل موريا" تمثل الجيل أو النسخة الأحدث لمجموعات اتحاد الهيكل.

ويرون بأن مقاربة الجيل السابق بطيئة ولا يمكن أن تصل للتغيير المطلوب، وبناء على ذلك يلجؤون للضغط على شرطة الاحتلال وانتقاد إجراءاتها بحق حماية الأقصى ويتهمونها بأنها "لا سامية".

ويزيدون بأنها "تميز ضد اليهود" في الأقصى، ويعتقدون بأن إيتمار بن غفير لم يعد كما كان وأنه بات "يساريا مدجنا" ولا يقوم بما يكفي.

ويرون أن الفرصة باتت سانحة اليوم لتأسيس الهيكل بالقوة بعد هدم وإحراق المسجد الأقصى. 

داخل الحكومة

ولا تلعب تلك الجماعات بمختلف توجهاتها دورا خارج نطاق حكومة الاحتلال بشكل كامل.

فمما يؤكد التصاعد التدريجي لمنظومة مؤسسات الهيكل من ناحية العدد والتنظيم والتماسك والقدرة على حشد التمويل، أنها استطاعت التغول والصعود النيابي والحكومي.

كما أنها انتقلت من أسلوب تشكيل المليشيات والتعبير عن نفسها خارج النظام إلى تشكيل مؤسسات وامتلاك النظام نفسه. 

ففي حكومة نتنياهو اليمينية التي تشكلت في 29 ديسمبر 2022،  والمكونة من 31 وزيرا، كان هناك 16 يحسبون على كتلة جماعات الهيكل، وقد أعلنوا صراحة أنهم يتبنون مقولاتها ويعملون على تحقيقها.

أي أنهم يؤيدون بناء الهيكل مكان الأقصى، ويعملون كل ما يستطيعون لتحويله من مقدس إسلامي خالص إلى مشترك، مع توظيف كل إمكانيات الدولة العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية لتحقيق ذلك.

ومن حركات اتحاد الهيكل التي لها تمثيل في البرلمان والحكومة "عائدون لأجل الجبل - طلاب لأجل المعبد - نساء من أجل الهيكل".

طقوس متطرفة

ومن الطقوس التي تستخدمها تلك الجماعات أنها تحاول توسيع مساحة أداء الطقوس التوراتية إلى الجهة الغربية للأقصى مقابل “البائكة الغربية” لتصبح مساحة جديدة للاستفراد.

وذلك مع تجديد تجربة رقص المستوطنين على الأبواب والسيطرة الصوتية عليه. كما يقومون باستعراض نفخ البوق المكرر علنا داخل باحات الأقصى وعلى أبوابه وحول أسواره.

وهم الذين يقتحمون الأقصى بـ "ثياب التوبة" البيضاء التي تحاكي ثياب طبقة الكهنة وأداء صلوات "بركات الكهنة" في الأقصى علنا.

 كما يقدمون على فرض القرابين النباتية أو "ثمار العرش" في المسجد الأقصى، وصولا إلى أداء طقوس "زفاف التوراة" على مرأى ومسمع من المسلمين. 

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الناشط الفلسطيني بالضفة الغربية، جمال حساسنة إن “اتحاد الهيكل وجماعة أبناء موريا وغيرهم فرز طبيعي لكيان تتحكم فيه الصهيونية بشكلها الأكثر تطرفا ودموية”.

وذلك بعد أن شكلوا الحكومة ولعبوا دورا مهما فيما وصلت إليه الأحداث يوم 7 أكتوبر، حيث انفجار طوفان الأقصى العظيم ضد آلة القمع والموت الصهيونية. 

وأضاف حساسنة: أن خطورة تلك الجماعات حاليا أنها صارت جزءا أساسيا من النظام، وتشكل الوجه الأخطر لإسرائيل بدلا من قناع العلمانية التي ارتدته لحقب طويلة.

وبالتالي فإن عملية التهويد للمقدسات على رأسها الأقصى لم تعد مجرد دعوة أو ممارسة أو مبادرة، بل هي استراتيجية وخطة صارت أقرب للتنفيذ من أي وقت مضى، يضيف الناشط الفلسطيني. 

وختم بالتشديد على أن المرابطين المقدسيين لم يعودوا وحدهم قادرين على الوقوف بوجه هؤلاء بالطرق القديمة التقليدية، وأن الأمة العربية والإسلامية عليها واجبات تاريخية ودينية للحد من هذا الإرهاب الصهيوني ومليشياته الصاعدة".