فورين أفيرز: لهذه الأسباب يجب على إسرائيل إعلان هدنة من جانب واحد بغزة

"عند نقطة ما، سيتعين على نتنياهو الاختيار بين بايدن وبن غفير"
دعا خبيران أميركيان في الدبلوماسية والأمن القومي، الكيان الإسرائيلي إلى إعلان وقف إطلاق النار ولو من جانب واحد في قطاع غزة؛ لأن ذلك “يحقق لها مصالح إستراتيجية”، على حد تعبيرهما.
جاء ذلك في مقال مشترك بمجلة “فورين أفيرز”، للمبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، الذي شغل أيضا مناصب عليا في مجال الأمن القومي في إدارات أميركية سابقة، وديفيد ماكوفسكي، الزميل في "معهد واشنطن" ومدير مشروع كوريت (Koret) للعلاقات العربية الإسرائيلية.
تحالف إقليمي ضروري
وبحسب الباحثين، "كانت الحرب بين إيران وإسرائيل تدور إلى حد كبير في الظل حتى مارس/آذار 2024، لكن قرر الإيرانيون إخراجها من الظل، وهاجموا إسرائيل بشكل علني ومباشر من الأراضي الإيرانية، لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية".
وكان الهجوم الإيراني بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل، في 13 أبريل/نيسان، بمثابة لفتة رمزية. ومع ذلك، وبالنظر إلى كمية الطائرات المسيّرة والصواريخ التي أُطلقت، فمن الواضح أن إيران قصدت إلحاق أضرار جسيمة، بإسرائيل وسمعتها الأمنية.
ورغم أن دفاعات إسرائيل لا تشوبها شائبة، إلا إنها لم تتمكن من صد كامل الهجوم الإيراني بمفردها.
فالهجوم الإيراني كان غير مسبوق، وكذلك كان التدخل العسكري المباشر من جانب الولايات المتحدة وعدد من حلفائها، بما في ذلك بعض الدول العربية.
إذ اعترضت القيادة المركزية الأميركية، بمشاركة المملكة المتحدة والأردن، ما لا يقل عن ثلث الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران على إسرائيل.
كما شاركت السعودية والإمارات المعلومات الاستخبارية التي ساعدت إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وكان استعدادهم للعب هذا الدور لافتا للنظر -بحسب المقال- ذلك أن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تفتقر للشعبية في أوساط الجماهير العربية.
وبعد خمسة أيام، عندما ردت إسرائيل على الهجوم الإيراني، أخذت دعوات واشنطن لضبط النفس في الحسبان، وأطلقت ثلاثة صواريخ على منشأة رادار توجه بطارية الدفاع الصاروخي إس-300 في أصفهان، موقع محطة تحويل اليورانيوم.
ووصف الخبيران الرد الإسرائيلي بأنه "كان محدودا للغاية"، حيث صُمم لتجنب وقوع إصابات، مع إظهار قدرة إسرائيل على اختراق دفاعات إيران وضرب أي هدف تريده.
ويبدو أن إسرائيل أدركت أن أفضل طريقة للتعامل مع التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها هو العمل ضمن تحالف، وهذا أيضا غير مسبوق، بحسب المقال.
وأوضح أن "فكرة اجتماع الأميركيين والأوروبيين والعرب للمساعدة في اعتراض الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز الإيرانية، بدت في الماضي القريب وكأنها خيال، كما أن إسرائيل لم تكن ترغب بها".
"فقد كانت روح الدفاع الإسرائيلية دائما تتمثل في هذه العبارة: "نحن ندافع عن أنفسنا بأنفسنا".
وقال الباحثان إن هذا "كان مبدأ لدى إسرائيل ومصدر فخر في الوقت نفسه، وهو أنه لن يضطر أحد إلى حمل الأسلحة نيابة عن الإسرائيليين".
واستدركا: "لكن الآن بعد أن أصبحت إسرائيل لا تواجه إيران فحسب، بل العديد من الجماعات الوكيلة لها، فإن تكلفة مواجهة كل هذه الجبهات بمفردها أصبحت بكل وضوح مرتفعة للغاية".
ويشير هذا التطور، بالإضافة إلى الاستعداد الذي أبدته الدول العربية في أبريل للانضمام إلى إسرائيل في مواجهة التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها، إلى أن النافذة قد فتحت لإنشاء تحالف إقليمي يتبع إستراتيجية مشتركة لمواجهة إيران ووكلائها.
لكن يؤكد "روس" و"ماكوفسكي" أن "للاستفادة من هذا الانفتاح، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية -وخاصة السعودية- أن تدرك هذه اللحظة الفارقة وأن تغتنمها".
وأضافا أن "تحقيق اختراق أميركي في اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية من شأنه أن يفعل الكثير لتعزيز هذا التحالف الناشئ".
وتابعا أنه "إذا صنع السعوديون -الذين يعدون ملكهم الوصي على أقدس المواقع الإسلامية- سلاما مع إسرائيل، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغيير علاقة إسرائيل مع الدول الأخرى ذات الأغلبية السنية داخل وخارج الشرق الأوسط".
أهمية الهدنة
وتشير إدارة الرئيس جو بايدن، وكذلك القادة الإسرائيليون والسعوديون، إلى أنهم ما زالوا يرغبون في رؤية مثل هذه الصفقة قريبا. لكن لكي تستمر المفاوضات حول التطبيع، تعتقد إدارة بايدن أنه يجب أن يكون هناك هدنة في غزة.
وهناك بعض الأمل في أن تنجح المفاوضات في مصر بشأن صفقة الرهائن بين إسرائيل وحماس، وأن تؤدي إلى وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع على الأقل. لكن ينبغي لإدارة بايدن ألا تضع كل بيضها في تلك السلة"، بحسب المقال.
وشدد على أنه "في حالة عدم التوصل إلى اتفاق في مصر، يتعين على إدارة بايدن أن تلجأ إلى البديل الواقعي الوحيد، وهو تشجيع إسرائيل على إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في غزة لمدة تتراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع".
ويرى "روس" و"ماكوفسكي" أن مثل هذا القرار الإسرائيلي قد يكون السبيل الوحيد لتهيئة الظروف للمضي قدما في اتفاق التطبيع الإسرائيلي-السعودي.
وقالا: "مما لا شك فيه أن وقف إطلاق النار من جانب واحد سوف يكون مثيرا للجدل في إسرائيل؛ وذلك لأنه يفصل بين وقف القتال في غزة وإطلاق سراح الرهائن، ولأنه قد يبدو وكأنه تنازل لحماس بلا مقابل".
لكن يبررا موقفهما بأن "وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أربعة إلى ستة أسابيع من شأنه أن يوفر لإسرائيل العديد من المصالح الإستراتيجية، مع القليل من المآخذ".
وأضافا: "في الواقع، إذا فشلت مفاوضاتهم مع حماس مرة أخرى، فسوف يحتاج القادة الإسرائيليون إلى تبني نهج مختلف إذا كانوا يأملون في إطلاق سراح الرهائن وبعضهم على قيد الحياة".
وتابعا: "إن حقيقة أن إسرائيل استمعت إلى إدارة بايدن عند صياغة ردها على الهجوم الإيراني تظهر أنها منفتحة على السماع للرؤية الأميركية".
"وبالفعل، فإن واقعا جديدا ربما يتشكل في إسرائيل، ويغير طريقة تعاملها مع مسائل الدفاع والردع والمنطقة بشكل عام".
ويؤكد المقال أن "مع اقتراب الهجوم الإسرائيلي على رفح، قد تصبح العلاقات بين بايدن ونتنياهو أكثر توترا".
واستدرك: "لكن اتفاق التطبيع الذي تتوسط فيه الولايات المتحدة بين السعودية وإسرائيل هو أهم شيء يمكن أن يغير مسار العلاقة".
وأضاف أن "بايدن يدرك أنه في حين أن السعوديين يحتاجون إلى تقدم سياسي فعلي للفلسطينيين من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التطبيع، فسيتعين على نتنياهو أن ينحاز إلى قاعدته السياسية التي تعارض بشدة قيام الدولة الفلسطينية".
كما "لا يمكن للمفاوضات أن تحقق تقدما جديا ما لم تخفف الأزمة الإنسانية في غزة، وهو الأمر الذي لا يمكن القيام به بسهولة دون وقف إطلاق النار".
وأردف أنه "ما من شك في أن مثل هذه الخطوة سيكون من الصعب سياسيا على نتنياهو القيام بها، فمن المرجح أن يجادل بأن التوقف المؤقت من شأنه أن يخفف الضغط العسكري عن حماس".
حماس بلا ضغوط
لكن يوضح المقال أنه "بعد أن خفضت إسرائيل بالفعل وجودها العسكري في غزة إلى حد كبير منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فإنها لم تعد تمارس ذلك النوع من الضغوط العسكرية على حماس، كما كان موجودا عندما تم التوصل إلى صفقة للرهائن في ذلك الشهر".
وأضاف أنه "لم يُطلق سراح أي رهائن منذ ذلك الحين، وهي الحقيقة التي تشير إلى أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، لا يشعر بأي ضغوط جدية للإفراج عن المحتجزين".
ووفق المقال، فقد يؤدي التهديد الإسرائيلي بغزو رفح إلى زيادة الضغط على السنوار، لكن عملية رفح لا يمكن أن تتم حتى يفي نتنياهو بتعهده لبايدن بعدم حدوث أي غزو قبل أن تقوم إسرائيل بإجلاء 1.4 مليون فلسطيني متكدسين في هذه المنطقة.
"ونظرا لأن الإخلاء لا يقتصر على نقل الأشخاص فحسب، بل يشمل أيضا ضمان وجود مكان يذهبون إليه يحتوي على المأوى المناسب والغذاء والماء والدواء، فإن عملية الإخلاء في حد ذاتها ستستغرق من أربعة إلى ستة أسابيع، وربما أطول".
ويقول "روس" و"ماكوفسكي": "في ضوء هذه الحقائق، ينبغي على إسرائيل أن تجعل ما هي مضطرة لفعله وكأنه شيء تفضلت به".
وأضافا: "إذا لم تتمكن إسرائيل لعدة أسابيع من الدخول إلى رفح، فإن إعلانها وقف إطلاق النار يعني أنها تتخلى عن القليل ولكنها تكتسب عددا من المزايا".
وتابعا: "من شأن وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين أربعة وستة أسابيع أن يسمح للمنظمات الدولية بتخفيف الأوضاع في غزة ومعالجة مخاوف العالم بشأن المجاعة هناك".
وأردفا: "يمكنهم وضع آليات أفضل لضمان دخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة، وتوزيعها على من هم في أمس الحاجة إليها فعليا".
ويدعي الباحثان أن “وقف إطلاق النار من شأنه أن يعيد تركيز انتباه العالم على تعنت حماس ومحنة الرهائن الإسرائيليين”، على حد تعبيرهما.
ويتابعان ادعاءاتهما بالقول: "ومن شأنه أيضا أن يساعد في تغيير السردية التي تشكك في موقف إسرائيل على المستوى الدولي، وأن يقلل الضغط عليها لإنهاء الحرب دون قيد أو شرط".
وبحسب الباحثين، فإن "من المؤكد أن وزيري اليمين المتطرف في إسرائيل، بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، سيعارضان أي وقف لإطلاق النار من جانب واحد، بغض النظر عن مدته".
"لكن أهدافهما الحربية ليست مثل أهداف نتنياهو أو الجمهور الإسرائيلي، فهما يريدان إعادة احتلال غزة، ومن المؤكد أنهما سوف يعارضان أي انفراجة مع السعودية تتطلب تقديم تنازلات لتحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية".
وعلى هذا، يؤكد المقال أنه "عند نقطة ما، سيتعين على نتنياهو الاختيار بين بايدن وبن غفير".
“ببساطة، فإن وقف إطلاق النار الإسرائيلي من جانب واحد لمدة أربعة إلى ستة أسابيع من شأنه أن يخلق فرصة إستراتيجية، خاصة إذا خلق فرصة لتطبيع العلاقات مع السعودية وتحويل التحالف الإقليمي الضمني الذي ظهر بعد هجوم إيران على إسرائيل إلى واقع أكثر تماسكا”، يختم المقال.