"الخوف من مواجهة إسرائيل".. ما الذي يمنع القادة العرب من مساعدة غزة؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خضم العدوان الإسرائيلي على غزة، تتصاعد المشاعر الشعبية في جميع أنحاء العالم العربي، وسط “تجاهل” للقادة العرب في مساعدة حقيقية للأهالي الذين يتعرضون للإبادة منذ نحو 8 أشهر.

وتشهد المنطقة احتجاجات تضامنية ضخمة مع فلسطين، وهو “ما يرعب العديد من النخب الحاكمة" التي تخشى القضية الفلسطينية.

الخوف من التعبئة

وأوضحت مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية، الصادرة عن معهد "كوينسي" الأميركي، أن "تلك الحكومات تنظر إلى القضية الفلسطينية على أنها مزعزعة لاستقرارهم بشكل خطير".

وأردفت أنه "منذ أشهر، بدأت حفنة من الدول العربية، بما في ذلك (نظام) مصر والأردن والسعودية، في تضييق الخناق على النشاط المؤيد لفلسطين على أراضيها".

وأكدت أن "مثل هذه الحملة القمعية في هذه الدول العربية ليست مفاجئة وينبغي فهمها على مستويين".

الأول يتعلق بالاحتجاجات في هذه البلدان بشكل رئيس، والثاني خاص بالقضية الفلسطينية.

وقالت المجلة إن "الأنظمة الاستبدادية تعاني في كثير من الأحيان من أزمة الشرعية، وبالتالي ترى أن تعبئة المواطنين وأي نشاط شعبي بشكل عام يمثل تهديدا محتملا".

وأوضحت أنه "هكذا تسير الأمور بغض النظر عن السبب الذي يجمع الناس حول هذا النشاط".

وتابعت: "ترغب معظم الحكومات العربية في احتواء مثل هذه التحركات وتنظيمها، ومنعها من تحدي السرديات والمصالح التي تتبناها الأنظمة".

بدورها، قالت زميلة أبحاث بجامعة كولومبيا في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، مارينا كالكولي، إن "معظم الدول العربية لديها حساسية عامة تجاه الاحتجاجات الشعبية".

وأضافت أن تلك الدول "تخشى أن يؤدي فتح المجال العام والسماح بالاحتجاجات المتضامنة مع الفلسطينيين إلى تشجيع الاحتجاجات ضد الحكومة وسياساتها في مجالات أخرى".

من جانبه، أوضح زميل السياسة العامة المتميز في الجامعة الأميركية في بيروت، رامي خوري، أن "العالم العربي حوّل مواطنيه إلى مستهلكين قبل كل شيء".

وأضاف: "يمكنك أن تستهلك أي شيء تريده، فهناك 25 نوعا مختلفا من الدجاج المقلي الذي يمكنك شراؤه في معظم العواصم العربية ولا بأس بذلك".

وتابع: "هذا ما تريده الحكومات، أن ينفق الناس وقتهم وأموالهم وأفكارهم على الاستهلاك".

وأردف خوري: "لكن أي شيء يتعلق بالسلطة السياسية والسياسات العامة وتوزيع الثروة يجب أن تسيطر عليه الحكومة".

نقاط الضعف

أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بشكل أكثر تحديدا، "فهي تنحو إلى كشف ضعف العديد من الحكومات العربية"، بحسب تعبير المجلة.

وتابعت: "فمن ناحية، يتعين على الأنظمة العربية تلبية احتياجات الرأي العام من خلال القيام بإشارات ولافتات غالبا ما تكون رمزية لدعم القضية الفلسطينية".

واستطردت المجلة: "ومن ناحية أخرى، لا توجد دولة عربية ترغب في مواجهة إسرائيل".

وتابعت: "بالنسبة للعديد من الدول العربية، فإن هذا الموضوع له علاقة كبيرة بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة التي يعتمدون عليها من أجل الأمن، وفي بعض الحالات، كمصدر للمساعدات المالية الضرورية".

وشددت على أنه "مع كل يوم تتواصل فيه الحرب في غزة، تتزايد الضغوط الداخلية على هذه الأنظمة، وهذا هو السبب الرئيس وراء إجماع هذه الحكومات على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة".

"فالأمر لا يتعلق بدعم الفلسطينيين في حد ذاتهم، بقدر ما يتعلق بالحفاظ على استقرار الأنظمة العربية، وشرعيتها، بل وحتى بقاؤها"، وفق المجلة.

وأضافت أنه "كلما طال أمد هذه الحرب، فسيكون هناك المزيد من المواطنين العرب الذين يطرحون أسئلة واضحة حول السبب الذي يمنع الدول العربية -التي تنفق مبالغ هائلة من المال على التسليح- من إعطاء ولو رصاصة واحدة للمقاومة الفلسطينية".

مثل هذه الأسئلة -بحسب المجلة- تجعل الأنظمة “غير مرتاحة بتاتا، وخاصة تلك التي طبّعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل”.

وقالت: "في هذه اللحظة -التي تتفاعل فيها المجتمعات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع ما يعده معظم العرب والمسلمين إبادة جماعية في غزة- تشعر حكومات عربية بالعار لأنها عملت مع الغرب وإسرائيل لمحاولة دفن القضية الفلسطينية عبر اتفاقيات التطبيع".

وبحسب الباحثة كالكولي، فإن "معظم الأنظمة العربية متورطة بشكل رئيس في محاولة قمع مساعي الفلسطينيين للتحرر، وذلك عبر التطبيع مع الاحتلال، فطالما استخدمت التطبيع كورقة مساومة للحصول على تنازلات من إسرائيل، وخاصة أميركا والدول الأوروبية، في مجالات مثل الأمن والطاقة والاتفاقيات التجارية".

ووفق كالكولي، فإن "هذه الأنظمة تخاطر بأن يُنظر إليها اليوم على أنها متواطئة فيما يحدث في غزة".

اليسار والإخوان

وقالت المجلة: "يجب أن نأخذ في الحسبان أيضا العوامل التاريخية المهمة المتعلقة بسياسات حقبة الحرب الباردة في العالم العربي، وصعود القوميين العرب الشعبويين ولاحقا جماعة الإخوان المسلمين، وكيف كان النضال الفلسطيني مهما لكليهما".

وقال خوري إن "الاحتجاجات في فلسطين تحظى بكراهية خاصة من قبل الحكومات؛ لأنها استُخدمت تاريخيا من قبل القوتين الأكثر تهديدا للحكومات العربية، وهما الحركات الإسلامية والحركات اليسارية".

وأوضح أن "منذ خمسينيات القرن الماضي، كان اليساريون هم الذين استخدموا القضية الفلسطينية لحشد الدعم وتحدي الحكومات، ثم بات الإسلاميون مَن يضطلعون بهذا الدور، مما يمنحهم صدى إضافيا لا تريده الحكومات".

وقالت المجلة الأميركية إن "القضية الفلسطينية هي قضية ترمز إلى نضال أوسع من أجل الحرية والكرامة، وهو ما يضرب على وتر حساس لدى العديد من العرب والمسلمين وشعوب الجنوب العالمي".

فعلى سبيل المثال، هتف مئات السجناء السياسيين البحرينيين، في أبريل/نيسان 2024، دعما لفلسطين ولوحوا بالأعلام الفلسطينية عندما أُطلق سراحهم بموجب عفو ملكي.

وأوضحت المجلة أن "هذا الشعور بالتضامن بين الفلسطينيين والعرب غير الفلسطينيين ليس بالأمر الجديد".

ولفتت إلى ما قاله سجين الرأي البحريني، عبد الهادي الخواجة، للأسرى الفلسطينيين عام 2012 عندما كان مضربا عن الطعام: "حريتكم مرتبطة بحريتنا، وحريتنا مرتبطة بحريتكم".

من جانبه، يرى الأكاديمي في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون، نادر هاشمي، أن "قضية فلسطين هي قضية ظلم، ومن ثم تفسر الجماهير العربية مسألة الظلم هذه على أنها ترمز إلى السعي لتحقيق العدالة في جميع المجالات، وهو ما يتضمن أيضا انتقاد الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي التي تمارس الظلم على نطاق واسع".

وأشار إلى أن "العديد من الحكومات العربية تحرم مواطنيها من الحق الأساسي في تقرير المصير داخل مجتمعاتهم".

"وهذا يساعد في تفسير دوافع النخب الحاكمة في هذه البلدان في النظر إلى القضية الفلسطينية على أنها تهديد تريد "سحقه وخنقه"، بحسب تعبير هاشمي.

وخلص إلى أن "ما تفضّله الحكومات العربية هو شكل من أشكال القومية الفلسطينية المتجسدة في سياسة السلطة الفلسطينية".