مجلة أميركية: خطة ترامب هدفها دفع السعودية للتطبيع ودفع فاتورة إعمار غزة

"هذه نتيجة لم تكن حكومة نتنياهو نفسها تتوقع تحقيقها"
بعد نحو شهر من وقف إطلاق نار هش، يعيش سكان غزة هدنة مؤقتة بعيدا عن القتل، بينما تستمر عمليات تبادل الأسرى والتفاوض بين الفصائل الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
لكن النقاش حول مستقبل القطاع يعكس مصالح الدول المنخرطة في الأزمة أكثر من اهتمامه بالمعاناة اليومية التي يواجهها الغزيون على أرض الواقع، وفق ما تقول مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية.

خطة ماكرة
ومع انطلاق الهدنة، تراجعت غزة عن صدارة العناوين، إلا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعاد إشعال الجدل بتصريحاته الأخيرة.
فقد أعلن أن الولايات المتحدة ستحتل القطاع، وتنقل سكانه، وتحوله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، قائلا صراحة: "سنأخذها… وسنحتفظ بها".
وقالت المجلة الأميركية، في تقرير لها: “هذه نتيجة لم تكن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو نفسها تتوقع تحقيقها”.
فمع أنها طرحت في بداية الحرب فكرة قبول مصر والأردن لبعض اللاجئين من غزة، إلا أنها استقرت على سياسة التهجير الداخلي.
إذ "أعادت توزيع أعداد كبيرة من السكان داخل القطاع، ما سهّل على الجيش الإسرائيلي رسم خرائط للأنفاق وتدميرها، إلى جانب تنفيذ هجمات تستهدف مقاتلي (حركة المقاومة الإسلامية) حماس المتبقين".
وأضافت أن "ترامب لم يضيع الوقت، فإذا كان الهدف هو القضاء على حماس في غزة، فعلى الجميع الرحيل، ولا مزيد من الحلول الجزئية".
وذكرت أنه بهذه التصريحات، قدّم ترامب لنتنياهو خطة مريحة لمرحلة "اليوم التالي"، وهو ما كان يفتقده في نهجه القائم على القصف أولا والتخطيط لاحقا.
ووصفت المجلة الطريقة التي صاغ بها ترامب طرحه –بتقدير أن الترحيل الجماعي هو السبيل الوحيد للتخفيف من معاناة الفلسطينيين– بأنها ماكرة ومخادعة.
وأضافت: “بالنسبة لمن يرفضون فكرة توسيع رقعة الشتات الفلسطيني، فإن الضرر الحقيقي في مناورة ترامب ليس في احتمال تحققها، بل في كونها صرفت الأنظار عن الجهود الرامية لوضع إستراتيجية حقيقية لمرحلة ما بعد الحرب".

هدف مختلف
وكما طرح الخبير الأميركي بالشرق الأوسط، غريغوري غاوس، أخيرا، فربما تحمل تهديدات ترامب هدفا مختلفا.
إذ إن بطرحه فكرة طرد الفلسطينيين من غزة، يتعمد ترامب إثارة الجدل للضغط على دول الخليج -خاصة السعودية- لدفعها نحو تمويل إعادة إعمار غزة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ووفقا لغاوس، تعكس هذه المناورة تهديد نتنياهو عام 2020 بضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو ما انتهى في المقابل بتطبيع الإمارات علاقاتها مع إسرائيل.
وقالت المجلة: إن تهديدات ترامب بإفراغ الأراضي الفلسطينية قد تكون مجرد مناورة للدفع نحو خطة واقعية لإعادة الإعمار.
وترى أنه "سواء كانت هذه بالفعل إستراتيجية ترامب أم لا، فإن الأكثر أهمية هو أن إعادة إعمار غزة ضرورة ملحة، لأي مفاوضات ذات معنى أو لحل دائم للصراع، ناهيك عن تحقيق اتفاق سلام شامل".
"بل وأكثر من ذلك، فإنها أمر حتمي لتجنب كارثة إنسانية وانهيار اجتماعي متعدد الأجيال بين الفلسطينيين".
وأوضحت المجلة أن الغزيين "ظلوا داعمين إلى حد كبير للكفاح المسلح ضد إسرائيل، مدفوعين بقناعة راسخة بأن فلسطين ستنتصر في النهاية".
"غير أن التدمير الشامل لغزة قد يعزز هذا التفكير الجهادي بين سكانها، الذين قد يشعرون الآن بأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه"، وفق وصفها.
وأشارت المجلة الأميركية إلى أن "ترك غزة غارقة في الفوضى والدمار سيكون خطأ فادحا، وإن كانت إسرائيل لا ترى في هذا الأمر مشكلة على الأرجح، فهي قادرة على منع الغزيين من دخول أراضيها مباشرة من القطاع، مع إحكام السيطرة على المعابر والمنافذ".
وأضافت أن "حماس قد تتمكن من إعادة بناء قدراتها جزئيا، لكن مصير أي زعيم يجرؤ على الظهور مجددا سيكون محفوفا بالمخاطر".
“علاوة على ذلك، يبدو أن كثيرا من الإسرائيليين يتبنون نظرة مشابهة لتلك السائدة في غزة؛ حيث يرون أن المواجهة المسلحة هي الطريق الوحيد لتحقيق النصر في نهاية المطاف”.
وتابعت المجلة: "إذا كنت تحكم دولة عربية مجاورة، فلا بد أن تتوقع أن يجد بعض الغزيين طريقهم للخروج من أتون المعركة إلى بر الأمان في مدنك".
فقد واجهت مصر هذا التحدي لما يقرب من عقدين، ودفع رئيسها حياته ثمنا لذلك، في إشارة إلى اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، بعد توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل.
وبيَّنت أن “الأردن اختبر هذه المعاناة بين عامي 1970 و1971، ثم لبنان منذ منتصف السبعينيات”. لذلك، فإن إعادة إعمار غزة ليست مجرد قضية إنسانية، بل استثمار ضروري في استقرار الدول المجاورة سياسيا واجتماعيا.

الأكثر عرضة للخطر
والواقع أن السعودية تبدو أكثر عرضة للخطر؛ لأن رؤية ولي العهد لعام 2030 -وهي مشروع طموح يسعى إلى تعزيز اندماج المملكة عالميا وترسيخ قيادتها الإقليمية- تعتمد بشكل أساسي على بيئة أمنية مستقرة.
كما أن استمراره السياسي مرهون، على الأرجح، بالحفاظ على النظام الداخلي في بلاده، وفق المجلة.
غير أن "الرهان السعودي إيجابي أيضا، فالتدخل بشكل بناء لمنع وقوع كارثة في غزة من شأنه أن يؤكد ادعاء (ولي العهد) محمد بن سلمان بأنه قائد في الداخل والخارج".
"أما القمة العربية المرتقبة في 4 مارس/آذار -والتي دفعت مصر بالفعل إلى تقديم مقترح لإعادة الإعمار- فتمثل منصة مثالية لترجمة هذا الدور إلى واقع ملموس".
وقالت المجلة: “قد تضطر السعودية إلى التراجع عن شرطها المعلن أو تغليفه بصيغة دبلوماسية -وهو ربط التطبيع والمشاركة في إعادة إعمار غزة بالتزام إسرائيلي بأفق سياسي للفلسطينيين-”.
ولكنها رأت أن على إسرائيل في المقابل، أن تحسم مسألة اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يتضمن 3 مراحل وتحاول تل أبيب عدم استكماله.
“فلا أحد، بما في ذلك السعودية، سيباشر إعادة الإعمار بينما تستمر العمليات القتالية الإسرائيلية”.
ومن هنا، ترى المجلة أن "عرضا سعوديا جريئا للشروع في إعادة الإعمار قد يشكل تحديا لإسرائيل لدفعها نحو إعلان إنهاء القتال" بالكامل.
وفي معرض ردّه على سؤال حول موقف الإمارات من خطة ترامب بشأن غزة، وصف سفيرها لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، المسألة بأنها "صعبة"، مضيفا أنه "لا يعلم إلى أين ستؤول الأمور".
إلا أن مقطعا متداولا خضع للتعديل أظهر العتيبة وكأنه يؤيد خطة ترامب لغزة بصفتها الخيار الوحيد.
بينما توضح اللقطات الأصلية أنه كان يشير إلى رؤية ترامب الأشمل للشرق الأوسط، التي لا تزال غير واضحة، بحسب المجلة.
وقالت: "عند هذه المرحلة، تبدو السعودية الطرف الوحيد القادر نظريا والمحفَّز للتدخل بفعالية".
وأضافت: “لا يمكن الجزم بما إذا كانت إدارة ترامب قد تواصلت بشكل منهجي مع ولي العهد بشأن تهديدها المفترض”.
أو "بالأحرى مناورتها، المتعلقة بدفع ملايين الفلسطينيين المعدمين إلى دول الجوار الهشة في حال امتناع المملكة عن المبادرة بإعادة إعمار غزة والتوقيع على اتفاق مع إسرائيل". وختمت قائلة: "ما هو مؤكد أن الوقت يضيق، والتحدي هائل".