مجلة أميركية: لهذه الأسباب لن يكون رئيس السنغال الجديد مجرد خادم للغرب

5 months ago

12

طباعة

مشاركة

توترات شهدتها السنغال خلال فبراير/شباط ومارس/آذار 2024، وذلك حين أقدم الرئيس السابق، ماكي سال، المنتهية ولايته الدستورية، على تأجيل الانتخابات، وبدا أنه على وشك البقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته.

لكن الاحتجاجات في الشارع السنغالي، وتنديد الداخل والخارج، أجبرت "سال" على عقد الانتخابات التي أجريت في 24 مارس 2024.

وفي تطور مثير، لم يسمّ موعدا للانتخابات فحسب، بل أطلق أيضا سراح اثنين من معارضيه الرئيسين، عثمان سونكو، وباسيرو ديوماي فاي، من السجن.

ومُنع سونكو، المنافس الرئيس لسال، من الترشح للرئاسة بسبب معركة قانونية طويلة الأمد، لكن في 24 مارس، حقق فاي فوزا ساحقا من الجولة الأولى بنسبة تزيد على 54 بالمئة من الأصوات.

تغيير سياسي

وحول مآلات فوز "فاي"، سلطت مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية الضوء على احتمالية أن تتغير السياسات الخارجية للسنغال، خاصة تجاه الدول الغربية.

وفي مقال نشرته المجلة، أكد الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة سينسيناتي الأميركية، أليكس ثورستون، أن رئيس السنغال الجديد "لن يكون مجرد خادم للغرب".

وأشار ثورستون إلى أن بعد إعلان نتيجة الانتخابات، "كان بوسعه أن يسمع تنهدات الارتياح في العواصم الغربية".

وتعد السنغال، إلى جانب غانا، إحدى الديمقراطيتين الرائدتين في غرب إفريقيا.

وشهدت المنطقة خمسة انقلابات عسكرية ناجحة بين عامي 2020 و2023.

كما أن العديد من الرؤساء المدنيين المنتخبين، مثل سال، لديهم ميل إلى حبس المعارضين والسعي لولاية ثالثة (أو رابعة أو خامسة).

وبدون أن تأتي على ذكر سال، هنأت وزارة الخارجية الأميركية السنغال ورئيسها الجديد، قائلة: "نُثني على الملايين من المواطنين السنغاليين الذين صوتوا، إلى جانب المؤسسات الانتخابية والقضائية التي حافظت بأمانة على دستور وقوانين السنغال".

وأضافت أن "قيادة السنغال ضرورية لحل العديد من التحديات التي تواجه المنطقة اليوم".

ومع ذلك، فإن مواقف فاي السياسية وتوجهاته العامة -بجانب موقف سونكو، الذي عينه فاي رئيسا للوزراء- لا تتماشى بالضرورة مع ما كانت واشنطن وباريس والحكومات الغربية الأخرى تبحث عنه تقليديا في "شركائها" الأفارقة، وفق وصف ثورستون.

وأكد ثورستون أنه "يجب على المسؤولين في واشنطن وأوروبا أن يمنحوا فاي مجالا واسعا للمناورة".

وبرر ذلك بأن "فاي يواجه العديد من الخيارات الصعبة على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، وسيكون من الأفضل للجميع أن ينجح بشروطه الخاصة، حتى لو كانت تلك الشروط تتعارض جزئيا مع ما قد تريده الحكومة الأميركية".

تقرير المصير

وقد وصف سونكو وفاي -وكلاهما مفتش ضرائب سابق- نفسيهما ليس فقط كمكافحين للفساد، ولكن أيضا كمنتقدين لعلاقة فرنسا مع مستعمراتها الإفريقية السابقة.

وفي مايو/أيار 2024، وخلال مناسبة مع السياسي الفرنسي اليساري، جان لوك ميلينشون، علق سونكو قائلا: "أريد أن أؤكد على رغبة السنغال في تقرير المصير، وهو ما يتعارض مع الوجود طويل الأمد للقواعد العسكرية الأجنبية في السنغال".

والجدير بالذكر أنه حتى قبل الانتخابات الأخيرة، كانت فرنسا قد بدأت بالفعل في تقليص وجودها في السنغال وبعض الدول الإفريقية الأخرى.

كما دعا زعماء البلاد الجدد إلى زيادة حق تقرير المصير في المجال الاقتصادي، وشككوا في الوضع الراهن للفرنك الإفريقي، والاتفاقيات مع أوروبا في قطاعات مثل صيد الأسماك.

ويعد الفرنك الإفريقي عملة ذات أصول استعمارية، ولا تزال احتياطاتها محفوظة إلى حد كبير في فرنسا.

وقال ثورستون إن "مثل هذه المواقف تظهر أن فاي وسونكو ليسا بالضرورة نقيضين للطغمات العسكرية التي كثيرا ما يعلنان معارضتها في وسائل الإعلام".

وخلال السنوات الأخيرة، وصلت المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى السلطة، من خلال الإطاحة بساسة نظر إليهم المواطنون على نطاق واسع على أنهم غير فعالين وخاضعين لفرنسا.

وفي الخطاب والسياسة، أكدت تلك المجالس العسكرية على رؤية معينة للسيادة، وطرد القوات الفرنسية، وأعربت النيجر عن غضبها من محاولات واشنطن إملاء شروط الشراكة الأمنية.

وتابع المقال أن "فاي وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لكن خطابه وخطاب سونكو يتداخلان أحيانا مع خطابات الضباط في باماكو وواغادوغو ونيامي".

وأردف أنه "في مختلف أنحاء غرب إفريقيا، يبدو المواطنون الشباب مهتمين بحدوث تغييرات شاملة في سياسات البلاد، والعديد منهم مهتمون بالتغييرات ذاتها أكثر من اهتمامهم بما إذا كانت هذه التغييرات تحدث عن طريق الاقتراع أو الانقلابات".

علاقة معقدة

ووصف الكاتب العلاقة الناشئة بين فاي والمجالس العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي، التي يقودها ضباط أغلبهم أصغر منه سنا- بأنها "علاقة معقدة".

وخلال سفره أخيرا إلى مالي وبوركينا فاسو، وأثناء جولاته في غرب إفريقيا، سعى الرئيس السنغالي إلى إقناع دول الساحل -التي يقودها عسكريون- بعدم التخلي عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).

و"إيكواس" عبارة عن كتلة إقليمية عمرها نصف قرن من الزمن، وقد سعت، من حين لآخر، إلى تمكين الحكم المدني والمعايير الديمقراطية في المنطقة.

واشتبكت "إيكواس" مع المجالس العسكرية الثلاثة في منطقة الساحل الأوسط، وكذلك مع المجلس العسكري في غينيا.

لكنها في جميع الحالات "لم تتمكن من الضغط على العسكريين لحملهم على ترك السلطة".

وفي المقابل، تعمل دول الساحل الوسطى الثلاث التي أعلنت انسحابها من "إيكواس"، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، على بناء هيكل بديل يسمى "تحالف دول الساحل".

ويرى الكاتب أنه "من خلال الدفاع عن إيكواس، فإن فاي لا يرضي كبار الشخصيات الإقليمية مثل الرئيس النيجيري بولا تينوبو فحسب، بل وأيضا صناع السياسات في واشنطن وأوروبا، الذين يفضلون إيكواس بصفتها المستجيب الأول للأزمات في غرب إفريقيا".

ويعتقد أن "جولات فاي إلى منطقة الساحل ربما تكون موجهة جزئيا إلى الحكومات الأوروبية، كي يطمئنها إلى أنه يريد وضع نفسه كزعيم إقليمي ووسيط للاستقرار".

واستدرك أن "مع ذلك، فإن مشاهد فاي جنبا إلى جنب مع رئيس مالي عاصمي غويتا ورئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري كانت تذكيرا بأن فاي من غير المرجح أن يجمد علاقاته مع هاتين الدولتين دبلوماسيا أو اقتصاديا".

وأردف أن "حتى مع استمرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر في إثارة غضب واشنطن وباريس من خلال علاقاتهما مع روسيا، يؤكد فاي على ارتباط السنغال جوهريا بجيرانها".

وتشكل قضية روسيا "نقطة توتر محتملة أخرى" بين حكام السنغال الجدد وواشنطن، وفق ثورستون.

وأردف أنه "حتى اللحظة، لا يبدو أن موسكو تحتل مكانة بارزة على رادار فاي، وفي المقابل، لم يتوقف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي كان يقوم بجولة في إفريقيا في أوائل يونيو/حزيران، ليزور السنغال".

واستدرك أن "مع ذلك، يبدو أن الدبلوماسيين الروس مفتونون بخطاب فاي، كما أعرب سفير موسكو لدى السنغال، ديمتري كوراكوف، أخيرا عن حرصه على تعميق العلاقات الاقتصادية".

وأوضح ثورستون أن "هنا يلوح في الأفق الفارق بين السنغال ودول الساحل الأوسط بشكل كبير".

واستطرد: "فالسنغال لا تشهد تمردا جماعيا على أراضيها، وبالتالي لا تحتاج إلى مرتزقة روس أو اتفاقيات دفاع كبرى".

ويوصي ثورستون واشنطن بـ"ألا تبالغ في ردة فعلها، إذا انتهى الأمر بفاي إلى اتخاذ خطوة أو خطوتين في اتجاه روسيا".

ورأى أن موقف واشنطن هذا سيكون "مقتضى الحكمة"، لأن فاي شريك دبلوماسي ذو قيمة كبيرة في منطقة مضطربة للغاية.