يعزز التكنولوجيا العسكرية.. ماذا وراء الاهتمام التركي بمهرجان "تكنوفست"؟
"تكنوفيست يبشّر ببناء عالم جديد"
في الفترة بين 2-6 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أقيمت فعاليات مهرجان الطيران والفضاء والتكنولوجيا التركي السنوي (تكنوفست) في ولاية أضنة جنوبي البلاد.
وعلى هامش المهرجان قال المهندس التركي سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس إدارة "تكنوفست"، إن العالم يعاني من حالة انهيار تنال جميع مؤسساته المعنية بحماية السلام والرخاء والوئام، وإن "تكنوفست" يبشّر ببناء عالم جديد.
وتفاعلا مع المهرجان، نشرت وكالة الأناضول مقالا للكاتب التركي فاروق أونجل" سلط فيه الضوء على مهرجان تكنوفست وأهميته في تعزيز التقدم التكنولوجي والوعي في صناعة الدفاع في تركيا.
تفكير ابتكاري
وقال أونجل: لقد واصل المهرجان أداء دوره المهم في تعريف الأجيال الشابة بالتقدم الذي حققته تركيا في مجال الصناعة الدفاعية، وفي نشر هذا التقدم على المدى الطويل.
حيث يعد توجيه الشباب نحو التكنولوجيا وتشجيع التفكير الابتكاري واكتساب الخبرة في مجال الهندسة منذ سن مبكرة من بين أهداف تكنوفست الرئيسة.
وبالنظر إلى أهمية الكوادر المؤهلة والوعي التكنولوجي في مجالي الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المدنية من الناحية التاريخية، يمكن عدّ تكنوفست جزءا من هدف تركيا في أن تكون أحد اللاعبين الرئيسين الذين يشكلون مستقبل صناعة الدفاع.
ويتمحور موضوع هذا العام في تكنوفست حول الذكاء الاصطناعي.
ولا يُعد هذا الموضوع مفاجئا نظرا للتقدم الذي تحقق في مجال الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية على المستوى العالمي، وتأثيره المحوري في التطبيقات العسكرية والمدنية.
ففي النظام الدولي، يعتبر الذكاء الاصطناعي ومفهوم الاستقلالية أحد الأولويات الإستراتيجية الرئيسة في وثائق إستراتيجية الناتو.
وبينما يبرز تأثير التشات جي بي تي في مجالات عديدة بما في ذلك البحث والتطوير في القطاعات المختلفة.
يشير تحول الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا في استخدام الأنظمة الذاتية كعناصر أساسية في المعارك إلى التحول القائم على الذكاء الاصطناعي في طريقة تنفيذ الحرب.
فقد أشارت بعض التطورات في سير الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى هذا التحول؛ مثل قدرة المركبات غير المأهولة في أنواع مختلفة على أن تسبب أضرار كبيرة لأنظمة الدفاع الجوي والسفن الحربية المتطورة.
بالإضافة إلى ذلك فهناك القدرة على تعطيل البنية التحتية الحيوية باستخدام هذه الأنظمة.
وقد بدأت أوكرانيا حملة لإنشاء جيش من طائرات الهليكوبتر بدون طيار، بينما بدأت روسيا بتوريد عدد كبير من طائرات الهليكوبتر بدون طيار من إيران ونشرها في الميدان.
وكل هذه الأمور هي مجرد بعض التطورات التي توضح التحول القائم على الذكاء الاصطناعي والاستقلالية في طبيعة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
إستراتيجية وطنية
وذكر الكاتب التركي أنّ تركيا قد أعلنت إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي للفترة من 2021 إلى 2025، وبدأت حملة لزيادة الوعي في هذا المجال.
وقد تم إنشاء لجنة بحثية للذكاء الاصطناعي في البرلمان التركي، مما يشير إلى ضرورة متابعة هذا المجال بعناية.
ويعد استضافة تكنوفست في أضنة للعديد من المشاريع الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي والاستقلالية تطورا إيجابيا.
وعند دراسة تكنوفست في الماضي يمكن ملاحظة وجود اتجاه ثابت نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الصحة والنقل، بالإضافة إلى تكنولوجيا الدفاع.
فعلى الرغم من أنه من الصعب سرد جميع المشاريع القيمة، يمكن ملاحظة وجود روبوتات البحث والإنقاذ الذاتية القادرة على العمل في مناطق الكوارث.
بالإضافة إلى المركبات البحرية والغواصات غير المأهولة، وروبوتات تدمير العبوات الناسفة والألغام، ومجموعة متنوعة من طائرات الهليكوبتر بدون طيار وأنظمة الروبوتات المشاركة في المسابقات.
وبالتالي يمكن القول بسهولة إن هناك اهتماما ملحوظا بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بين الشباب في المدارس الثانوية والجامعات والمجتمع بشكل عام.
وقد أضفى أداء طائرات الهليكوبتر بدون طيار الجديدة التي ستُدخل الخدمة في المستقبل القريب مثل طائرة بايراكتار تب بي 3 وطائرة أنكا - 3 في تكنوفست أهمية إضافية لهذا الاهتمام.
وفي هذا السياق، يمكن أيضا ملاحظة أن جوجل قامت بتنفيذ مشروع أكاديمية الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في تكنوفست أضنة.
صناعة الدفاع
وشدد الكاتب التركي على أن التكنولوجيا هي عملية مستمرة ومتجددة. ويعد التقدم التكنولوجي أحد العوامل الرئيسة في تقييم موقع الدول في النظام الدولي.
ويمكن رؤية ذلك في المنافسة القوية التي حدثت في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حيث لعب سباق التكنولوجيا دورا كبيرا في المنافسة السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية في جميع المجالات.
والمثال على ذلك هو الصدمة التي تسببت فيها روسيا السوفيتية بإطلاق القمر الصناعي سبوتنيك قبل الولايات المتحدة إلى الفضاء.
بالإضافة إلى محاولة الرئيس الأميركي رونالد ريغان بمبادرة حروب النجوم للسيطرة على التفوق التكنولوجي في مجالات الجو والفضاء.
وهذه التطورات قد أثرت بشكل كبير على مسار الحرب الباردة وعلى الإدراك والمعتقدات المتبادلة.
وفي الوقت الحاضر، يمكن ملاحظة أن أنظمة الأسلحة المستقلة والأسلحة الفائقة السرعة وأنظمة مكافحة الأقمار الصناعية أصبحت جزءا لا يتجزأ من المناقشات الإستراتيجية في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.
في هذا السياق، يمكن ملاحظة أن تركيا تهدف إلى تشكيل مستقبل أرض المعركة بدلا من مجرد مواكبة التكنولوجيا الحالية في صناعة الدفاع، وهذا يظهر في وثائق إستراتيجية رئاسة صناعة الدفاع والجهات المعنية.
وفي هذا السياق، فإن بدء تشغيل تركيا لمركبات البحر اللاسلكية المسلحة "مارلين" و "أو ال ا كي" في المنصات البحرية غير المأهولة تعد خطوة مهمة وذات مغزى.
وإذا عُدّت التكنولوجيا عملية مستمرة ومتجددة، فإن مهرجان تكنوفست يوفر ديناميكية في هذا الصدد.
فعند دراسة المهرجانات السابقة، يمكن ملاحظة أن العديد من الفرق التكنولوجية تشارك في المسابقات التالية بمشاريع جديدة استنادا إلى الخبرات التي اكتسبوها.
وبالتالي، يجب أن يُنظر إلى مهرجان تكنوفست كمبادرة إستراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز الابتكار والوعي التكنولوجي والديناميكية في صناعة الدفاع التركية وتسريع التقدم فيها.
بالإضافة إلى تحفيز الابتكار لدى الأجيال الشابة وزيادة الوعي لديهم في هذا الشأن.