مهلة قصيرة بالعراق.. لماذا تلوح المليشيات باستئناف هجماتها ضد قوات أميركا؟

يوسف العلي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

تلوح المليشيات العراقية المرتبطة بإيران بإنهاء المهلة التي منحتها لحكومة محمد شياع السوداني من أجل إخراج القوات الأميركية من البلاد، مؤكدة أن استئناف العمليات العسكرية ضد الأخيرة أمر "لا عودة عنه"، في ظل استمرار "مماطلة" واشنطن في الانسحاب.

ومنذ يناير/ كانون الثاني 2024، أوقفت المليشيات هجماتها على القوات الأميركية، وذلك بعد مقتل اثنين من قادة "كتائب حزب الله"، بمسيّرة أميركية في بغداد، ردا على هجوم استهدف قاعدة عسكرية بالأردن قتل فيها ثلاثة جنود أميركيين في 28 من الشهر نفسه.

وفي 30 يناير 2024، أعلنت "كتائب حزب الله" العراقية -التي تتهمها واشنطن بالوقوف وراء الهجمات- إيقاف عملياتها ضد القوات الأميركية في العراق من أجل "عدم إحراج حكومة السوداني"، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".

"استئناف العمليات"

لكن، يبدو أن الهدوء لن يستمر طويلا، فقد أعلنت ما تسمى تنسيقية "المقاومة العراقية" (مجموعة مليشيات موالية لإيران) خلال بيان لها في 19 يونيو، ضرورة الاستمرار بالسير لتحقيق سيادة العراق بعد مماطلة واشنطن وتعنتها.

وبينت أنها عقدت اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأحداث بالمنطقة عموما، والعراق على وجه الخصوص، مبينة أن الجيش الأميركي "يحتل أرضنا ويستبيح سماءنا، ويتحكم بالقرار الأمني والاقتصادي ويتدخل بالشأن العراقي بكل استهتار وغطرسة، وكأنه لا يعلم ما ينتظره بعد هذه الفرصة".

واختتمت التنسيقية بالقول: "إن الشعب العراقي ومقاومته الأبية والمخلصين من السياسيين ورجال العشائر ونواب الشعب، قادرون ومصرون على إنهاء هذا الملف وإغلاقه باستعمال السبل المتاحة كافة لإعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السيادة الكاملة".

وبحسب تقرير نشرته وكالة "شفق نيوز" العراقية في 6 يونيو، فإن المليشيات منحت السوداني مهلة مدتها 40 يوما (لم يعرف تاريخ بدايتها)، لحسم ملف إخراج القوات العسكرية الأميركية من البلاد، وتوعدت أنها بخلاف ذلك ستستأنف هجماتها ضد الأخيرة.

ونقلت الوكالة العراقية عن المتحدث باسم مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، كاظم الفرطوسي، قوله إن "وجود القوات الأميركية المحتلة في العراق مرفوض بشكل قاطع، وليس مؤقتا، أو مرهونا بوقت وظرف معين".

وأوضح أن “العمل على إخراج تلك القوات من خلال عمليات الفصائل وغيرها له ظروفه وخصوصيته”.

ولفت إلى أن "الفصائل أعطت فرصة للحكومة ورئيسها، ولجنة التفاوض العراقية العسكرية والفنية لإخراج القوات الأميركية وفق اتفاق معين وجدول زمني معلن".

وكانت وزارة الخارجية العراقية، قد أعلنت مطلع العام 2024، عن نجاح المفاوضات مع واشنطن والاتفاق على تشكيل "لجنة عسكرية عليا"، لصياغة جدول زمني محدد وواضح يحدد مدة وجود مستشاري قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق.

توسيط طهران

وبخصوص إجراءات الحكومة تجاه تلويح المليشيات باستئناف العمليات المسلحة، أفادت صحيفة "الأخبار" اللبنانية التابعة لحزب الله، بأن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، توسّط لدى طهران لمخاطبة حلفائها بعدم التصعيد".

وقالت الصحيفة في 24 يونيو، إن "الحكومة العراقية تسعى إلى إيجاد مساحة من التفاهم مع المقاومة الإسلامية في العراق، لاحتواء الموقف بعد انتهاء مهلة الهدنة التي التزمت بها الفصائل تجاه القواعد الأميركية في سوريا والعراق، والتلويح باستئناف العمليات العسكرية".

ونقلت عن مصدر حكومي عراقي، قوله إن "السوداني يجري اتصالات مستمرة مع الجانب الإيراني، لمناقشة الأحداث والتصعيد الذي تشهده المنطقة، وأنها لم تخل من الحديث عن نشاط فصائل المقاومة، وأن إيران تؤيد الحكومة في موضوع التهدئة وعدم التصعيد". 

وأشارت إلى أن "رئيس الوزراء العراقي طلب بالفعل من الإيرانيين مخاطبة حلفائهم بعدم الانجرار وراء ما يحدث في المنطقة، خاصة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني".

ولفتت الصحيفة إلى أن "رئيس الحكومة العراقية طلب من فصائل المقاومة أن تلتزم الحياد والهدوء وعدم التصعيد ضد المصالح الأميركية، مراعاة لحساسية الأوضاع التي تمر بها المنطقة". 

وذكرت أن “بعض الفصائل، لا سيما كتائب حزب الله، غير راضية تماما عن أداء السوداني في ملف إخراج القوات الأميركية، وأبلغته أكثر من مرة بأنها غير ملتزمة بالهدنة”.

كما بينت الفصائل أن "تعليق عملياتها العسكرية داخل العراق جاء بناءً على طلب إيراني وليس من السوداني"، بحسب ذات المصدر. 

ومع تصعيد المليشيات لهجتها والتلويح باستئناف الضربات ضد القوات الأميركية، ألمح رئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، إلى احتمالية انطلاق عمليات جديدة على غرار تلك التي يقودها الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان حسن نصر الله تجاه إسرائيل.

وكتب عبدالمهدي تدوينة على منصة "إكس" في 20 يونيو، قال فيها: "سيدخل الناس أفواجا، مع الطوفان الثالث أو الرابع. كان الأول طوفان الأقصى. ثم الوعد الصادق (في إشارة إلى الرد الإيراني على استهداف قنصلية طهران في دمشق) وينتظرنا طوفان نصر الله والفتح".

ويقصد هنا التصعيد الذي انطلق في المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية طوفان الأقصى في عمق المستوطنات الإسرائيلية.

"أزمة مصلحية"

وعن توقيت الحديث عن مهلة الـ40 يوما، والتلويح باستئناف العمليات، استبعد الباحث في الشأن العراقي، مؤيد الدوري، أن تقدم المليشيات الموالية لإيران على أي استهداف ضد القواعد العسكرية التي توجد فيها القوات الأميركية في العراق أو سوريا.

ورأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "الحديث عن المهلة والتلويح باستئناف العمليات العسكرية يأتي في معرض الرد على خطاب السفيرة الأميركية المحتملة في العراق، تريسي جاكوبسون، والتي توعدت بالحد من نفوذ المليشيات وإيران بالمرحلة المقبلة".

ولفت إلى أن "هذه المليشيات تضغط أيضا على السوداني للحصول على مكاسب من خلال التلويح بورقة زعزعة الاستقرار، خصوصا أن الأخير يطمح للحصول على ولاية ثانية في الانتخابات البرلمانية المقرر في العام 2025".

ورأى الباحث أن "خطاب المليشيات يدل على وجود أزمة سياسية مصلحية بحتة مع الحكومة، لأنها في عهد السوداني تقلّمت مخالبها، بعدما توحشت في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي (2020 إلى 2022)، كونه مصلحيا وضعيفا وكان مستفيدا من الدعم الإيراني له".

وأوضح الدوري أن "رئيس الوزراء الحالي، استطاع سحب أراضٍ ومصالح كانت مغتصبة من المليشيات، وذلك بحجة إقامة المشاريع، فهو يحاول كسب شعبية جماهيرية، فضلا عن بحثه عن حاضنة عربية تدعم خططه الاستثمارية وتعطيه مصداقية في تنفيذها".

وأشار إلى أن "خطاب سفيرة واشنطن المحتملة أحرج المليشيات، خصوصا أنها غير قادرة على إطلاق رصاصة واحدة لأن الرد سيكون تصفية قادتها، وفي الوقت نفسه وعدوا وعدا لا يستطيعون تنفيذه، وهو إخراج القوات الأميركية بقوة السلاح، خصوصا كتائب حزب الله".

في 14 يونيو 2024، قدمت تريسي جاكوبسون، مرشحة الرئيس الأميركي جو بايدن لمنصب سفيرة الولايات المتحدة في العراق، كلمتها الافتتاحية أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية، والتي أوضحت فيها رؤيتها للتعامل مع الأوضاع في هذا البلد. 

وأكدت جاكوبسون أهمية تعزيز العراق لعلاقاته مع جيرانه، مشيرة إلى أهمية الخطوات الإيجابية التي اتخذها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في هذا الاتجاه.

وأشارت إلى أن وجود التنمية الاقتصادية، وحكومة قادرة على تقديم الخدمات لشعبها، يقلل من جذب الإرهاب ومن نفوذ المليشيات المتحالفة مع إيران والتي تشكل خطرا كبيرا على مستقبل البلاد، وفق تعبيرها.

ووصفت جاكوبسون، طهران بأنها "ممثل خبيث" في ‎بغداد ومزعزع لاستقرار المنطقة، مشددة على أن التهديد الرئيس للبلاد هو "المليشيات المتحالفة مع إيران".

وشددت على أنها لن "تسمح لإيران باستخدام الغاز" المورد لتشغيل المحطات كسلاح ضد العراق، محذرة في الوقت نفسه من "نوايا طهران الشريرة ودورها المستمر في تعكير الأوضاع الأمنية في المنطقة".

وأكدت أن “المليشيات المدعومة من إيران تشكل خطرا كبيرا على استقرار العراق”، وأنها ستعمل بكل الوسائل السياسية المتاحة للتصدي لهذا التهديد وتحجيم النفوذ الإيراني.