محاولة انقلابية فاشلة بالكونغو الديمقراطية.. خطر حقيقي أم تصفية حسابات؟
"أي مواطن أميركي يثبت تورطه في هذه الأحداث عليه أن يدفع ثمنها"
سرعان ما عاد الهدوء إلى كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد أن اندلعت فجر 19 مايو/ أيار 2024، اشتباكات مسلحة بالقرب من القصر الرئاسي، وإعلان الجيش إحباط ما سماه "محاولة انقلابية فاشلة".
وبحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية، قال قائد الجيش الجنرال سيلفان إيكينجي في رسالة مقتضبة بثها التلفزيون الرسمي حينها: "أحبطت قوات الدفاع والأمن محاولة انقلاب في مهدها، شارك فيها أجانب وكونغوليون، وقد تم تحييدهم جميعا بما في ذلك زعيمهم".
فما هي المجموعة التي حاولت الانقلاب؟ وكيف أصبح المشهد في البلاد؟ هذا ما تجيب عنه المجلة في هذا التقرير.
غموض عام
ورغم أن المشهد لا يزال يشوبه بعض الغموض، ولم تتضح الصورة بشكل كامل، تذكر المجلة الفرنسية أن المعلومات الأولية تشير إلى أن "مجموعة مسلحة هاجمت مقر إقامة وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، فيتال كاميرهي".
وبحسب ما ذكرته المجلة، يوجد في هذا المكان أيضا القصر الرئاسي المعروف محليا باسم "قصر الأمة"، والدي يقيم فيه الرئيس فيليكس تشيسيكيدي.
وبعد الهجوم، كتب سفير اليابان في الكونغو الديمقراطية، هيديتوشي أوغاوا، منشورا على منصة "إكس"، أوضح فيه أن "وزير الاقتصاد لم يُصب في الهجوم، ولكن في المقابل قُتل شرطيان وأحد منفذي الهجوم".
من جهتها، نشرت السفارة الفرنسية في كينشاسا رسالة تنبيه عبر موقعها الإلكتروني، وجهتها إلى الرعايا الفرنسيين في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
حيث قالت: "إن أعيرة نارية من أسلحة رشاشة سُمعت صباح اليوم في شارع النهر، وننصح بشدة بعدم التوجه نحو هذا الحي، وتجنب محيط القصر الرئاسي خلال الساعات المقبلة".
كما طلبت السفارة الفرنسية من رعاياها متابعة الأخبار وتطور الأوضاع، وكل ما يُنشر من تحذيرات على موقع السفارة، وفق ما ورد عن المجلة.
في بداية الأمر، تحدثت وسائل الإعلام المحلية عن تورط "مسلحين كونغوليين" في الهجوم. ولكنها، بحسب المجلة، عادت بعد ذلك لتتحدث عن وجود أجانب من بين المسلحين، وهو ما جرى تداوله على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تورط أميركي
وتنقل "جون أفريك"، عن وسائل إعلام محلية، أنباء عن "وجود مسلحين من منفذي الهجوم يحملون جوازات سفر أميركية".
وبحسب المجلة الفرنسية، فإن وسائل الإعلام نشرت صورا -غير مؤكد مصداقيتها حتى الآن- لهؤلاء المسلحين الأميركيين وجوازات سفرهم.
وهو ما دفع السفيرة الأميركية في كينشاسا، لوسي تاملين، إلى كتابة منشور على منصة "إكس" تعلق فيه على المعلومة.
حيث قالت السفيرة الأميركية: “أنا مصدومة بعد الأحداث التي وقعت وقلقة جدا حيال التقارير التي تربطها بمواطنين أميركيين، وتفترض أنهم متورطون فيها”.
وأضافت: "كونوا متأكدين أننا سنتعاون مع السلطات في جمهورية الكونغو الديمقراطية في كل الإجراءات الممكنة للتحقيق في هذه التصرفات الإجرامية".
وتابعت السفيرة: "أي مواطن أميركي يثبت تورطه في هذه الأحداث الإجرامية عليه أن يتحمل مسؤولية تصرفاته وأن يدفع ثمنها".
أزمة سياسية
وفي إطار هذه الأحداث، تسلط المجلة الفرنسية الضوء على أن هذا الهجوم المسلح، يأتي وسط أزمة سياسية خانقة تعيشها البلاد منذ أشهر عدة.
وبشأن هذه الأزمة، تقول المجلة إنها "بدأت منذ أن أُعيد انتخاب تشيسيكيدي رئيسا، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، في انتخابات رفضت نتائجها المعارضة وطالبت بإعادتها بسبب ما قالت إنه (عمليات تزوير واسعة)".
وفي غضون ذلك، تنوه المجلة إلى أن الحزب الحاكم، الذي يقوده الرئيس تشيسيكيدي، يعيش أزمة خانقة بشأن انتخاب رئيس للبرلمان الجديد والذي يهيمن الحزب على أغلبيته الساحقة.
جدير بالذكر أنه كان من المفترض انتخاب رئيس البرلمان خلال الأيام القادمة، ولكن أُجل ذلك بسبب ما تمر به البلاد.
وتربط المجلة الهجوم المسلح بالأزمة السياسية، وتفسر ذلك بأن منفذيه كانوا يرتدون ملابس عسكرية واستهدفوا في البداية مقر إقامة وزير الاقتصاد الذي يعد أحد أبرز المرشحين لرئاسة البرلمان.
مشيرة إلى أن ذلك حدث بعد ساعات من لقاء جمع نواب وقادة الحزب الحاكم من أجل محاولة حل الأزمة التي تعصف بالحزب بسبب انتخابات رئاسة البرلمان وتأخر تشكيل الحكومة لأشهر عدة.
جدير بالإشارة إلى أن الرئيس، خلال هذا الاجتماع، هدد بأنه "لن يتردد في حل البرلمان ووضع الجميع أمام استحقاق انتخابي جديد إذا استمرت هذه الممارسات السيئة"، في إشارة إلى تصاعد الخلاف داخل الحزب بسبب اختيار رئيس للبرلمان الجديد.
وعلى جانب آخر، تلفت "جون أفريك" الأنظار إلى أن بعض الأصوات المعارضة شككت في مصداقية الهجوم وكونه محاولة انقلابية، ووصفته بأنه "مؤامرة" من أجل تصفية الحسابات داخل الحزب الحاكم.
وتختتم المجلة تقريرها بقولها إن "محاولة الانقلاب الفاشلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية تثير التوتر والقلق بشأن انعدام الأمن في الدولة الواقعة وسط إفريقيا".
وتذهب المجلة في النهاية إلى أن "محاولة الانقلاب، والتي جاءت بتحريض من الخارج، قد تزيد من عدم الثقة تجاه الدول الأجنبية المشتبه في رغبتها في زعزعة استقرار البلاد".