مغريات كثيرة.. كيف تجند روسيا المرتزقة الأجانب للقتال في أوكرانيا؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل روسيا استقطاب المرتزقة الأجانب وتجنيدهم للقتال في أوكرانيا، وذلك عبر مغريات جديدة وصلت حد منحهم الجنسية الروسية.

ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 4 يناير/كانون الثاني 2024 مرسوما بشأن منح الجنسية الروسية للأجانب الذين وقعوا عقدا للخدمة في القوات المسلحة الروسية.

وجاء في المرسوم: "لدى المواطنين الأجانب الذين أبرموا، خلال فترة العملية العسكرية الخاصة، عقدا للخدمة في القوات المسلحة أو التشكيلات، أو الذين يخضعون للخدمة العسكرية الحق في التقدم بطلب للحصول على الجنسية الروسية".

وأضاف المرسوم الذي نشرت وثيقته على بوابة الإنترنت الرسمية للمعلومات القانونية: "الحق نفسه، متاح للمواطنين الأجانب الذين استقالوا من القوات المسلحة الروسية خلال العملية الخاصة، وكذلك لأزواجهم وأطفالهم".

تجنيس مقابل التجنيد

ويلاحظ أن أفراد عائلة هؤلاء الأجانب - الأزواج والأطفال والآباء - يمكنهم أيضا الحصول على الجنسية، بشرط إبرام عقد الخدمة لمدة سنة واحدة على الأقل.

وبدأت روسيا في 24 فبراير/شباط 2022، غزوا عسكريا شاملا على جارتها أوكرانيا، مما دفع الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة للوقوف مع كييف لصد الجيش الروسي ومرتزقته.

واعتمد الجيش الروسي على المقاتلين المرتزقة في التقدم نحو مناطق بجنوب وشرق أوكرانيا وفي مقدمتهم مليشيا "فاغنر" شبه العسكرية الروسية.

ولعبت هذه الأخيرة دورا رئيسا في تجنيد المرتزقة الأجانب قبل تفكيكها عقب مقتل قائدها يفغيني بريغوجين عن عمر 61 عاما، في 22 أغسطس/آب 2023.

وتقول روسيا إن قواتها أفشلت "الهجوم المضاد" الأوكراني، على الرغم من الدعم المالي والعسكري الكبير، الذي قدمه حلف شمال الأطلسي "الناتو" وعدد من الدول الغربية والمتحالفة مع واشنطن، لنظام كييف.

قبيل تشريع التجنيس مقابل التجنيد للقتال في أوكرانيا التي تسعى روسيا لسلخ المزيد من أراضيها وتنصيب حكومة تابعة للكرملين فيها، راجت تقارير صحفية عن بدء موسكو موجة جديدة من عمليات التجنيد للمرتزقة الأجانب بشكل موسع.

ونشرت شبكة "السويداء 24" السورية مقطعا مصورا، في 2 يناير 2024 من داخل أحد مراكز التجنيد التابعة للجيش الروسي، في موسكو، أظهر شبانا سوريين وعربا جندتهم روسيا، ويوثق لحظة تسلمهم اللباس العسكري قبيل إرسالهم إلى حدود أوكرانيا للمشاركة في القتال.

وذكرت الشبكة أن السوريين فور وصولهم إلى روسيا حصلوا على جوازات سفر روسية وأصبحوا يحملون الجنسية.

وظهر في التسجيل شبانا يتكلمون اللهجة المصرية وهم يرتدون أقنعة من الصوف داخل المركز الذي بدا فيه بشكل واضح ضباط من الجيش الروسي.

 

وبحسب الشبكة، جرى تسيير رحلات جوية من اللاذقية إلى موسكو، تضم عشرات السوريين من محافظات مختلفة، وبعضهم من السويداء، بعد توقيعهم على عقود تجنيد، بواسطة مستقطبين يعملون مع شركات أمنية.

وخضع هؤلاء لدورات تدريبية على استخدام السلاح في معسكرات تابعة للجيش الروسي، ترافقت مع دورات لتعليم الأساسيات في اللغة الروسية. 

وقال أحد المنضمين للجيش الروسي، في اتصال مع "السويداء 24"، إنه شاهد أشخاصا من جنسيات مختلفة التحقوا بالجيش الروسي، منهم من دول عربية، ومن أفغانستان، والهند، ودول أخرى.

وتشير مصادر "السويداء 24" إلى أن مئات السوريين يتجهزون للسفر إلى روسيا في الفترة المقبلة، وهناك إقبال على تسجيل الأسماء عبر المستقطبين.

ويشترط على الراغب بالسفر، ألا يكون مطلوبا للخدمة الإلزامية في سوريا، أو موظفا حكوميا، حيث يحتاج المتطوع لإذن سفر من شعبة تجنيده، وورقة غير موظف، مع الأوراق الشخصية.

سد الجبهات 

في محاولة لتعزيز قواتها المتضائلة في أوكرانيا، أفاد موقع "ديفينس إكسبريس"، بأن روسيا أنشأت حديثا "الفيلق الإفريقي" ويتراوح بين 50 إلى 100 جندي وضابط جرى تدريبهم في منطقة كورسك الروسية.

ويشير هذا التطور إلى تحول محتمل في الإستراتيجية الروسية واستبدال مرتزقة مجموعة فاغنر بمجندين أفارقة لنشرهم في منطقة الحرب الأوكرانية، حسبما أفاد مركز المقاومة الوطنية في أوكرانيا.

بحسب تقرير "ديفينس إكسبريس" المنشور بتاريخ 25 ديسمبر 2023، تظهر بوركينا فاسو كمنطقة مستهدفة لحملة التجنيد غير التقليدية هذه. 

ويبدو أن الهدف الأساسي هو إنشاء مناطق تدريب للمقاتلين المحليين وتسهيل تدفق موجات جديدة من المرتزقة لمواصلة الحرب في أوكرانيا.

وبحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقاتل حاليا 244 ألف مجند في أوكرانيا من أصل قوة إجمالية قوامها 617 ألفا. هذا عدا عن أعداد المرتزقة على طول جبهة قتال هناك تبلغ ألف كيلومتر.

كما أشار بوتين أخيرا إلى أن روسيا تمكنت من تجنيد 486 ألف جندي طوعيا في الجيش عام 2023.

ووعد بوتين بمواصلة تعزيز القدرات العسكرية للجيش، في وقت حولت روسيا اقتصادها نحو المجهود الحربي.

ولا تنشر موسكو بيانات عن عدد الأجانب الذين يقاتلون إلى جانبها في أوكرانيا.

ويبدو أن مرسوم التجنيس للمقاتلين الأجانب يهدف إلى خلق حوافز إضافية للأجانب ذوي الخبرة العسكرية لتقديم طلبات للانضمام إلى صفوف الجيش الروسي.

كما تعد خطوة استباقية من روسيا، للتهرب من تهمة تجنيد المرتزقة ضمن صفوف جيشها، في حال قتلهم أو أسرهم.

وكان مجلس الدوما الروسي، صادق في 20 سبتمبر/أيلول 2022 على قرار تسهيل منح الجنسية الروسية للمقاتلين الأجانب في صفوف الجيش بعد إتمامهم سنة واحدة ضمنه.

ويؤكد خبراء عسكريون أن روسيا تسعى في المرحلة المقبلة لتحقيق مكاسب سهلة ميدانيا في أوكرانيا من خلال تجنيد المرتزقة، لا سيما مع ارتفاع فاتورة الخسائر البشرية في صفوف الجيش الروسي. 

وضمن هذا السياق أكد الجنرال كريستيان فرودينغ، الذي يشرف على دعم كييف داخل الجيش الألماني، أنه "وفقا لأرقام أجهزة الاستخبارات الغربية والأميركية، فإن 300 ألف جندي روسي قتلوا أو أصيبوا بجروح خطيرة منذ بداية غزو أوكرانيا، لدرجة أنه لم يعد بإمكانهم المشاركة في الحرب".

وأضاف الجنرال، الذي يعد أيضا أحد المستشارين الرئيسيين لوزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريس، أن الجيش الروسي سيخرج "أضعف" من الصراع، وفق ما قال في مقابلة مع صحيفة "سودديتشه تسايتونغ" الألمانية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وأشار إلى أن "الروس لا يزالون قادرين على تجنيد أفراد، عن طريق اللجوء إلى السجناء، من بين أمور أخرى".

ونوه إلى أنه في ما يتعلق بالمعدات "نعتقد أن الروس فقدوا عددا من الدبابات والوحدات المدرعة يصل عددها إلى الآلاف".

إستراتيجية المجابهة

وخلال الفترة الماضية، تراكمت المعطيات، التي أعطت دلائل واضحة حول عمل موسكو على توسيع قاعدة تجنيد المرتزقة، والتي تسمح لها بالمضي في إستراتيجية المجابهة الطويلة مع المعسكر الغربي في أوكرانيا.

إذ أفادت وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية "HUR" في 3 يناير 2024 بتجنيد الحزب الحاكم الروسي، "روسيا الموحدة"، أعضاء في "جيشه الخاص" للقتال إلى جانب تشكيلات المرتزقة ضد أوكرانيا.

وبحسب ما ورد، كان الحزب الحاكم، الذي يرأسه رسميا الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، يضخ الأموال إلى المجموعة وبدأ البحث بنشاط عن أعضاء جدد.

وفقا لـ "HUR"، تتكون الوحدة من مشجعي كرة القدم والمتطرفين والمتعاطفين مع النازيين الجدد، ولكنها تجند أيضا مواطنين من المناطق الروسية الفقيرة والأراضي المحتلة في أوكرانيا.

ففي مراكز تجنيد "هيسبانيولا" داخل أوكرانيا، يعرض على المتطوعين 220 ألف روبل (2400 دولار) شهريا للمشاركة المباشرة في الأعمال العدائية لمدة نصف عام على الأقل.

وقالت المخابرات العسكرية إن المجندين وعدوا أيضا بمبلغ يتراوح بين 1 و3 ملايين روبل (10920 إلى 32760 دولارا) كتأمين ضد الإصابات و5 ملايين روبل (54600 دولار) في حالة الوفاة.

كما ذكر مركز المقاومة الوطنية في أوكرانيا، أن القوات الروسية تواصل استغلال ضعف الشباب في الأراضي التي احتلها من أوكرانيا وتجنيدهم بنشاط للقتال ضد وطنهم.

وتشمل الجهود الأخيرة تنظيم دورات تدريبية لمشغلي الطائرات بدون طيار FPV في شبه جزيرة القرم المحتلة، حيث إن قبول الانتساب مشروط بالتجنيد اللاحق في الحرب المستمرة ضد أوكرانيا.

وتشكل هذه الممارسة انتهاكا صارخا للقانون الدولي، حيث إنها تجند المدنيين قسرا من الأراضي المحتلة في الجيش الروسي.

ومن الشواهد أيضا على حملة روسيا لتجنيد المرتزقة، إعلان كوبا في سبتمبر 2023، أنها ألقت القبض على 17 شخصا لتورطهم في شبكة للاتجار بالبشر تجند الشباب للقتال لصالح موسكو. وبعد ثلاثة أشهر، اعتقلت الشرطة في نيبال 10 أشخاص بتهمة خداع الشباب العاطلين عن العمل للانضمام إلى الجيش الروسي.

وفي الداخل الروسي يواجه الكرملين ضغطا شعبيا للسماح للجنود الروس على الجبهات الأوكرانية بالعودة لعوائلهم.

فقد وضعت زوجات روس مجندين للقتال بأوكرانيا في 6 ديسمبر 2024 زهورا على نصب الجندي المجهول أمام مقر الكرملين، تعبيرا عن احتجاجهن، للمطالبة بعودة أزواجهن من الجبهة.

ويتزايد الغضب منذ أشهر بين أقارب جنود الاحتياط الذين جرى تجنيدهم بناء على أوامر بوتين في سبتمبر 2022، وهو موضوع حساس بالنسبة للسلطات التي كانت حتى الآن حريصة على عدم قمع هذا التحرك الاحتجاجي.

في حين يحرص الكرملين على إظهار جبهة موحدة حول بوتين قبل إعادة انتخابه المحسومة في الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار 2024.

ولايزال الكرملين يعمل على تقديم مشروع عسكري متماسك ضد أوكرانيا حتى ولو كان بالاعتماد بشكل متزايد على المرتزقة الأجانب في ظل محافظة القوات الروسية راهنا على خطها في أجزاء من جنوب وشرق أوكرانيا.

ولهذا فإن بوتين، أعلن في خطابه بمناسبة رأس السنة - 2024 أن بلاده "لن تتراجع أبدا"، في إشارة إلى الحرب التي تخوضها في أوكرانيا.

وقال في خطابه: "أثبتنا مرارا أن بإمكاننا الاضطلاع بأصعب المهمات، وأننا لن نتراجع أبدا، لأنه لا يمكن لأي قوة أن تقسمنا"، مشددا على أن "العنصر الرئيسي الذي يجمع الروس هو مصير الوطن".