مع موجة الانقلابات المناهضة للغرب.. ماذا وراء "مغازلة" بايدن لرئيس كينيا؟
"الزيارة هي الأولى لزعيم إفريقي إلى البيت الأبيض خلال ولاية بايدن"
حظي الرئيس الكيني ويليام روتو باستقبال حافل من قبل نظيره الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض خلال زيارة وصفت بـ"التاريخية".
والزيارة التي أجريت في 23 مايو/ أيار 2024 هي الأولى لرئيس كيني إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين والأولى كذلك لزعيم إفريقي خلال ولاية بايدن.
وجاء في بيان أصدره البيت الأبيض أن زيارة الرئيس روتو تؤكد "مجالات جديدة للتعاون لحماية الحقوق والحريات في مواجهة الاستبداد المتزايد".
وكانت واشنطن قد أعلنت قبل ذلك عن تقديم ما يقرب من 40 مليون دولار لحماية "الديمقراطية وحقوق الإنسان" في كينيا، بالإضافة إلى 700 ألف دولار لدعم “المجتمع المدني” و2.7 مليون دولار للإشراف على عمليات الحوكمة.
كما أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن برنامج إضافي بقيمة 1.3 مليون دولار لتمكين الشباب، و600 ألف دولار لتعزيز دمج ذوي الإعاقة ورصد تمويلات لمكافحة الفساد ودعم التعليم والقطاع التكنولوجي.
وبالإضافة إلى التمويلات الأميركية، وافقت مجموعة البنك الدولي، وهي مؤسسة تتبنى مسودة إجماع واشنطن، على منح كينيا تمويلا بقيمة 1.2 مليار دولار من أجل دعم الاستدامة المالية والنمو المرن، وتعزيز قدرتها على التعامل مع ضغوط الميزانية قصيرة الأجل، وتحفيز النمو الأخضر.
النفوذ المتزايد
وفي تعليقه عن هذا التقارب الكيني الأميركي، أوضح موقع إيطالي أن "موجة الانقلابات المناهضة للغرب" التي اجتاحت بلدانا إفريقية على غرار ما حدث في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وكذلك النفوذ المتزايد للصين وروسيا في إفريقيا، تعد أبزر الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى "مغازلة" كينيا.
وقال موقع "إنسايد أوفر" إن "واشنطن تقيم علاقات ثنائية منذ 60 عاما مع هذه الدولة التي تبنت أخيرا دبلوماسية حيوية إلى حد ما".
ويرى أن "الولايات المتحدة تهدف من خلال هذه السلسلة من الاتفاقيات إلى تعزيز وترسيخ نفوذها في الدولة الإفريقية"، لافتا في نفس الوقت إلى أنها "تمثل شكلا من أشكال الامتنان من جانب بايدن تجاه نيروبي".
وفي هذا الصدد، أشار إلى توقيع الرئيس الكيني ورئيس وزراء هايتي أرييل هنري على اتفاقية أمنية في مارس/آذار 2024 تنص على نشر ألف ضابط شرطة كيني في الجزيرة الكاريبية التي تعاني من أعمال عنف وحالة شديدة من عدم الاستقرار على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
وذلك في إطار بعثة أمنية متعددة الجنسيات تقودها كينيا، صادقت عليها الأمم المتحدة وتدعمها الولايات المتحدة بقوة وانضمت إليها أيضا جزر البهاما وبنغلاديش وبنين وتشاد.
وتم إرسال البعثة الأولى من قوة الشرطة بالتزامن مع زيارة روتو إلى البيت الأبيض، فيما أشاد بايدن بالمبادرة الكينية وأعرب عن امتنانه للرئيس الكيني "لهذا الالتزام متعدد الجنسيات".
وعلق الموقع الإيطالي بالقول "بطبيعة الحال، لن ترسل الولايات المتحدة جنديا واحدا إلى جانب الكينيين، لكن بايدن وعد بتوفير الدعم اللوجيستي والاستخباراتي وتوفير المعدات".
وشرح أن الرئيس الأميركي وفريقه الحكومي "لم يفعلوا الكثير" خلال السنوات التي قضوها في السلطة لتعزيز النفوذ الأميركي في إفريقيا، مرجعا ذلك إلى انشغالهم بجبهات أخرى، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وبحسب قوله، لم تفض قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا التي استضافتها العاصمة واشنطن خلال الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022 ، إلى أي نتائج ملموسة.
علاوة على ذلك، نقل الموقع عن مجلة "ريسبونسيبل سايت كرافت" قولها إن "بايدن فشل في الوفاء بوعده بزيارة إفريقيا خلال فترة ولايته الأولى، وكان بطيئا في تقديم الدعم الدبلوماسي لإنهاء الحرب الأهلية السودانية".
واستنتج بأنها مؤشرات على عدم اهتمام الرئيس الأميركي بـ"الملف الإفريقي" إلى غاية زيارة نظيره الكيني الرسمية للبيت الأبيض.
دبلوماسية المصلحة
ويرى الموقع أن تصنيف إدارة بايدن أخيرا كينيا على أنها "حليف رئيس من خارج الناتو" للولايات المتحدة، يندرج في سياق تأكيد الروابط القوية بين البلدين.
ولاحظ أن الأمر لا يتعلق بإبرام معاهدة عسكرية ولا اتفاقية أمنية، وإنما خطوة نحو تعزيز العلاقات الدفاعية بين الجيشين دون إلزام كلا الطرفين بالدفاع المشترك في حالة تعرض أحدهما لهجوم.
وزاد أن ذلك يمثل "دليلا مهما جدا على ثقة الولايات المتحدة في الدولة الإفريقية التي تعد واحدة من أكثر الدول استقرارا وموثوقية في المنطقة بأكملها".
وبحسب بيان البيت الأبيض الصادر بمناسبة زيارة روتو، أشاد الرئيس الأميركي بـ"العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب التي أدت إلى إضعاف تنظيم الدولة وحركة الشباب في شرق إفريقيا".
وأكد أن "الدعم المتبادل لأوكرانيا حشد العالم للوقوف خلف ميثاق الأمم المتحدة، كما أن عملنا معا في هايتي يساعد في تمهيد الطريق إلى الحد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن".
من جانب آخر، ألمح الموقع الإيطالي إلى أن "كينيا لا تعد دولة متوافقة تماما مع المواقف الأميركية".
ويذكر أن الرئيس روتو كان قد التقى في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، هذا بالإضافة إلى توقيع اتفاقية تجارية مهمة مع الاتحاد الأوروبي والتي ستدخل حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2024.
وكان الرئيس الكيني قد أكد خلال زيارته إلى الصين على "التزام كينيا المستمر بسياسة الصين الواحدة" نافيا الشائعات عن فتح قنوات حوار مع تايوان.
وقال الموقع إن الرئيس الكيني "يتمتع أيضا بعلاقات ممتازة في الخليج العربي"، ذاكرا في هذا الصدد أن سفره إلى واشنطن "كان على متن طائرة بوينغ بيزنس الفاخرة التي تديرها شركة رويال جيت الإماراتية تحت إشراف مستشار الشؤون الخاصّة في ديوان الرئاسة، محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان".
وأكد أن "الدولة الإفريقية تنتهج دبلوماسية مبنية على المصلحة الوطنية تتطلع إلى واشنطن والشرق على حد السواء".