"معضلة رمضان" .. لماذا يجرى تسريع التفاوض وحسم غزو رفح قبل حلول الشهر؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

يشكل قرب حلول شهر رمضان "معضلة" للاحتلال الإسرائيلي والغرب والأنظمة العربية سويا، بسبب مخاوف من أن يؤدي استمرار الحرب في الشهر الكريم إلى "ثورة غضب" في الضفة الغربية والقدس ودول عربية.

ويخشى قادة الاحتلال انتقال المواجهات مع الفلسطينيين إلى الضفة الغربية والقدس، مع استمرار العدوان على قطاع غزة، وإشعال انتفاضة جديدة كما جرى في مايو/ آيار 2021.

وفي مايو 2021، وبالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة وإطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" صواريخ على القدس بسبب عدوان الاحتلال والمستوطنين على المصلين، اشتعل الغضب الفلسطيني.

وانزلقت إسرائيل، حينئذ، إلى أخطر مواجهة شهدتها ليس مع غزة فقط، ولكن، لأول مرة، في كل أرض فلسطين التاريخية المحتلة 1948 و1967.

ولأن عملية "طوفان الأقصى" استهدفت بشكل واضح الرد على الجرائم الصهيونية في القدس المحتلة والحرم القدسي، حسبما أعلنت حركة "حماس" عقب تدشين العملية، يخشى قادة الاحتلال مشاركة أهالي القدس والضفة فيها وقاموا بعمليات قمع شديدة، إلا أن صحف الاحتلال تتوقع اندلاع مواجهات كبيرة في رمضان المقبل.

ويزيد من حجم المعضلة، إصرار الاحتلال على اجتياح مدينة رفح، ما يعني إطالة أمد العدوان حتى دخول شهر رمضان، ومن ثم صعوبة احتواء تداعيات انفجار الغضب والمواجهات في كل فلسطين المحتلة والعالم الإسلامي. 

هدنة رمضان

كانت مسارات التفاوض والضغوط المختلفة تشير إلى رغبة أميركية وإسرائيلية في وقف العدوان على غزة خلال شهر رمضان وعيد الفطر، عبر "هدنة طويلة" مؤقتة.

ويهدف ذلك إلى انتظار مرور شهر رمضان والعيد وتهدأ الأمور نسبيا، لكن في ظل استمرار الحصار والاحتلال في غزة، ثم العودة إلى مواصلة العدوان، وهو ما رفضته حركة "حماس".

لهذا تكثفت الاجتماعات واللقاءات في باريس والقاهرة والدوحة، وشارك فيها مدير المخابرات الأميركية، وليم بيرنز، ومسؤولو مخابرات مصر وقطر وإسرائيل.

ووفق هذا السيناريو، أعلنت إسرائيل أن الهدنة ستستمر 35 يوما، تبدأ قبل رمضان، وهي فترة زمنية مُختارة بعناية لتمرير الشهر الكريم، الذي يخشون أن يحدث فيه انفجار شعبي في القدس والضفة ودول العالم حال استمرت الإبادة خلاله.

وبسبب هذه المعضلة أيضا تم تأجيل اجتياح الاحتلال لمدينة رفح، لأن نقل أو تهجير أهلها سواء إلى شمال غزة أو سيناء، سيستغرق وقتا أطول وقد يترتب عليه تداعيات على حدود مصر وغزة، حسبما يرجح محللون.


 

لكن رفض حركة حماس "هدنة رمضان" المؤقتة، واشتراطها الوقف الكامل للحرب والانسحاب التام من غزة، أفسد المخطط الإسرائيلي الأميركي، وبات يهدد بمشكلة كبيرة لو استمرت الحرب في رمضان دون توقف.

ودفع ذلك عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، بيني غانتس، للتهديد بأن العدوان "سيستمر في رمضان، ما لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين".

وذلك رغم كشف تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" في 17 فبراير 2024 أن قادة بجيش الاحتلال "ليسوا متحمسين لعملية اجتياح رفح، بسبب صعوبات لوجيستية ورفض أميركي لتنفيذ العملية دون ضمانات تتعلق بمصير أكثر من مليون نازح".

استفزاز للمسلمين

وفي 9 فبراير/شباط 2024 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن "العملية في رفح يجب أن تنتهي مع بداية شهر رمضان"، وحدد لذلك يوم 10 مارس/آذار 2024، أي قبل حلول شهر رمضان بيوم واحد.

هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، نقلت عن نتنياهو أنه طلب من قيادة الجيش "تنفيذ مخطط تفكيك الجناح العسكري لحركة حماس في رفح جنوب قطاع غزة، قبل حلول رمضان".

وأوضحت أن نتنياهو تمسك بهذا التاريخ حين جادله رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، بأنه يجب "تهيئة الظروف المواتية أولا بإخلاء المنطقة والتنسيق مع مصر"، ورد عليه بأن "الوقت ضيق"، ويجب إنجاز المهمة قبل رمضان".

أيضا أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" في 11 فبراير 2024 أن الرئيس الأميركي جو بايدن حذر نتنياهو في مكالمة هاتفية معه لمناقشة الهجوم المتحمل على رفح، وأعرب عن قلقه بشأن القتال خلال رمضان.

وقالت إن بايدن حذره من أن أي هجوم خلال رمضان "سيكون بمثابة استفزاز بشكل خاص للمسلمين في المنطقة وخارجها"، وفقا لمسؤولين إسرائيليين على علم بما دار في النقاش الهاتفي.

ومع أن عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، بيني غانتس، هدد في 16 فبراير، بأن "إسرائيل لن تتوقف عن القتال في قطاع غزة حتى تتم إعادة جميع الرهائن المحتجزين، حتى لو كان ذلك يعني استمرار العمليات العسكرية خلال رمضان".

وقال غانتس في رسالة مصورة مسجلة نشرها عبر منصة "إكس": "قد نستمر في الحرب خلال رمضان، إما نستعيد مخطوفينا أو نوسع القتال إلى رفح، سنعمل على ذلك مع شركائنا بما في ذلك مصر، وسنجلي السكان".

לא יהיו ערי מקלט בעזה - לא מעל הקרקע ולא מתחת לקרקע. pic.twitter.com/ibOyzTORmp

— בני גנץ - Benny Gantz (@gantzbe) February 16, 2024

ويرى محللون أن هذه التهديدات هي "جزء من المفاوضات" للضغط على المقاومة في غزة.

انفجار "الأقصى"

أخطر معضلة تخشاها إسرائيل في رمضان، هي حدوث تصعيد في الداخل من جانب فلسطينيي 48 و67، بعدما شكل لهم ما جرى عام 2021 صدمة حين توحدت كل الساحات في فلسطين التاريخية لمواجهة الاحتلال.

ويخشون إذا ما تم منع أو تقييد الصلاة في المسجد الأقصى خلال رمضان، مع استمرار العدوان في غزة، أن تحدث اضطرابات، ويشارك فلسطينيو الأرض المحتلة 1948 بقوة في المواجهات مع جيش الاحتلال.

وتقول صحف عبرية إنه حتى لو سمح جيش الاحتلال للمسلمين بالصلاة في الحرم القدسي دون قيود، سيقومون أيضا بمظاهرات لنصرة غزة، قد تتحول لمصادمات مع الاحتلال، أي أن كلا السيناريوهين يشكلان معضلة للاحتلال.

لهذا طالب وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير بمنع الصلاة في الأقصى في رمضان.

لكن جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية "الشاباك" حذر في 17 فبراير 2024 من حدوث اضطرابات بين فلسطينيي الأرض المحتلة وقوات الاحتلال كما جرى في مايو 2021 إذا تم تقييد وصولهم إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك.

وهناك مخاوف إسرائيلية أيضا من انفجار دولي ضدها، بعد الدعوة شبه الرسمية من جانب رئيس هيئة الإغاثة التركية، بولنت يلدريم، لتشكيل أسطول إغاثة لكسر الحصار عن غزة.

وتأكيده أن "وقت الكلام انتهى وسننزل إلى البحر المتوسط بأسطول كبير وسنصل إلى غزة ونكسر الحصار".

رئيس هيئة الإغاثة التركية İHH بولنت يلدريم يعلن، قبل قليل، خلال حشد جماهيري ضخم في إسطنبول، اكتمال التحضيرات لانطلاق أسطول بحري نحو غزة لكسر الحصار عن أهلها: وقت الكلام انتهى سننزل إلى البحر وسنصل إلى غزة وسنكسر الحصار. pic.twitter.com/T944Gsh9mf

— وكالة أنباء تركيا (@tragency1) February 17, 2024

وتدور المخاوف الإسرائيلية والأميركية حول احتمالات أن يتطور الأمر لو كررت قوات الاحتلال ما فعلته مع أسطول الحرية التركي عام 2010، حين منعته بالقوة وقتلت 9 من الناشطين الأتراك والأجانب وأصابت 26 من المتضامنين.

ابن غفير يشعلها

وفي 17 فبراير/شباط 2024 قال المتطرف بن غفير إنه يجب منع السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية من حضور الصلاة في الحرم القدسي خلال شهر رمضان المبارك القادم، والذي يبدأ في 10 مارس 2024.

قال: "ليس من الممكن أن يكون هناك نساء وأطفال رهائن في غزة، ونسمح لحماس باحتفالات النصر في الحرم القدسي خلال شهر رمضان".

وبصفته الوزير المسؤول عن الشرطة، يتمتع بن غفير ببعض السلطة على السياسة في الحرم القدسي، رغم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أبطل قرارات سابقة له بهذا الشأن، حسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 18 فبراير 2024.

وهناك قلق في واشنطن وكذلك داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن تؤدي توجيهات "بن غفير" للضباط بالتشدد أكثر من اللازم مع المصلين، لاشتباكات وإثارة أعمال عنف في القدس والضفة الغربية وخارجها.

وكان مسؤول أميركي ومسؤول إسرائيلي قائلا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 7 فبراير، إن إدارة بايدن قلقة للغاية من أن يحاول بن غفير إثارة التوترات في الحرم القدسي خلال شهر رمضان".

وقال: "تخشى واشنطن أن يؤدي ذلك لجر قضية القدس الساخنة إلى القضية الفلسطينية بينما تسعى إلى احتواء الأزمة"، مثل أن يقوم بن غفير بزيارة الحرم القدسي مرة أخرى خلال رمضان.

وبموجب "الوضع الراهن"، وهو الترتيب الذي ساد لعقود من الزمن منذ احتلال القدس عام 1967، بالتعاون مع الأردن، يُسمح لليهود وغيرهم من غير المسلمين بالقيام بجولة في الحرم القدسي خلال ساعات معينة ولكن لا يجوز لهم الصلاة هناك. 

لكن في السنوات الأخيرة، زار الموقع أعداد قياسية من القوميين المتدينين اليهود المتطرفين وبدأ العديد منهم بالصلاة داخل الحرم القدسي، وتواطأت معهم شرطة الاحتلال، وامتنعت عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذا الانتهاك الواضح. 

وتسمح إسرائيل عادة للفلسطينيين من الضفة الغربية بالصلاة في الحرم القدسي خلال رمضان، وتدعم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأكملها الحفاظ على هذه السياسة لمن تزيد أعمارهم عن 45 عاما خلال رمضان.

وذكرت "القناة 12" في 17 فبراير 2024 أن بن غفير على خلاف مع الشرطة، التي تقول إنه لا بأس بالسماح للفلسطينيين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما بالصلاة في الحرم القدسي، بينما الوزير يريد منع أي فلسطيني أيا كان عمره من الصلاة.

قالت: "تؤيد الشرطة السماح بدخول العرب الإسرائيليين الذين تزيد أعمارهم عن 45 عاما، في حين يقول الشاباك (المخابرات) إنه لا ينبغي أن تكون هناك قيود على المصلين العرب الإسرائيليين".

وقال موقع "المونيتور" الأميركي 7 فبراير/شباط 2024 إن مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين التقوا في تل أبيب "لمناقشة كيفية منع انفجار أعمال العنف في القدس والضفة الغربية خلال شهر رمضان المبارك القادم".

أشار إلى أن تزايد المخاوف من امتداد حرب غزة إلى ساحات أخرى (الضفة والقدس) خلال شهر رمضان، دفع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ورئيس الشاباك رونين بار للقاء مسؤول السلطة الفلسطينية حسين الشيخ في تل أبيب في محاولة لمنع التوترات. 

وقالت "المونيتور" إن حلول رمضان يُقلق المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين بسبب احتمال زيادة التوترات بين اليهود والمسلمين، خاصة في القدس والحرم القدسي الذي يضم المسجد الأقصى.