ما قصة "لواء غولاني" الذي هزم جيوش دول عربية وانهار أمام مقاتلي القسام؟
بعد ساعات من زعم الجيش الإسرائيلي أنه حقق "السيطرة العملياتية" في حي الشجاعية بغزة، في 21 ديسمبر/كانون أول 2023، أعلن أنه سيسحب لواء جولاني، ما أثار تساؤلات حول العلاقة بين الحدثين.
وأعلن الجيش أنه "أحكم سيطرته العملياتية الكاملة على حي الشجاعية في مدينة غزة"، رغم استمرار المواجهات، بالمقابل أعلن متحدث كتائب عز الدين القسام أبوعبيدة، في نفس اليوم، مقتل 17 جنديا إسرائيليا، وإطلاق 35 صاروخا من غزة على تل أبيب.
وفي اليوم ذاته، أعلنت القناة 13 الإسرائيلية، أن جيش الاحتلال سيسحب "لواء النخبة" المعروف بـ"جولاني" من غزة بعد حوالي شهرين من الغزو البري، وزعمت أن جنود هذا اللواء "غادروا لإعادة تنظيم صفوفهم وزيارة أهلهم".
لكن بث قنوات إسرائيلية مشاهد احتفال الجنود بخروجهم من غزة، وظهورهم كأنهم يحتفلون بنجاتهم، كشف حقائق أخرى على أرض المعركة، تؤكد خسارتهم عددا كبيرا من القتلى منذ بدء الغزة البري بالقطاع.
حيث تم الكشف عن مقتل أكثر من 85 جنديا وضابطا من كتائبه، على الأقل، فضلا عن عدد كبير من المصابين، سقط أغلبهم في أكمنة نفذتها المقاومة الفلسطينية.
وتلا قرار سحب لواء غولاني من غزة إخراج قوات المظليين والمدرعات أيضا من القطاع.
فكيف تمت الإطاحة بلواء غولاني على يد "طوفان الأقصى" بعدما ظلت إسرائيل تفتخر به 75 عاما.
انهيار الأسطورة
يُعرف لواء غولاني برقم "1" في إسرائيل، لأنه أول لواء انضم إلى جيش الاحتلال، إذ أُسس في فبراير 1948 عندما تم تقسيم لواء "جفعاتي"، وهو أحد أهم وأقوى ألوية النخبة في إسرائيل.
تنسب كتب التاريخ الإسرائيلية للواء غولاني، النجاح في هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وارتكاب مجازر تسببت في تهجير الفلسطينيين من الأرض المحتلة (إسرائيل الحالية)، وشارك في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
كما شارك في جميع الحروب التي شنتها إسرائيل على الدول العربية عام 1967، ثم خاض معارك مع الفلسطينيين منذ الانتفاضة الأولي، بوصفه اللواء الوحيد الذي بقي مستمرا في عمله منذ تأسيس الجيش عام 1948.
لكن حين برز اسمه مجددا في حرب غزة، ارتبط بكارثة مقتل 10 من ضباطه وجنوده بينهم قائد الكتيبة "تومر جرينبرج" يوم 12 ديسمبر في كمين بحي الشجاعية بغزة، فبدأت تظهر خسائره وتنهار أسطورته التي حطمها مقاتلو القسام.
وتم تشكيل اللواء في 22 فبراير/ شباط 1948 أثناء التطهير العرقي الصهيوني لفلسطين، ولاحقا أصبحت مهمته الأساسية وقاعدته في شمال إسرائيل تجاه هضبة الجولان السورية، ومنها اكتسب اسمه "غولاني".
وكانت عناصر لواء غولاني الأوائل ينتمون إلى العصابات الصهيونية التي كانت موجودة قبل نشأة إسرائيل.
ووفق موقع الجيش الإسرائيلي ينقسم اللواء إلى 4 كتائب رئيسة، ووحدات ملحقة به.
الكتائب هي: كتيبة هبوكيم هراشون، وباراك، وجدعون، وإيغوز الخاصة، إضافة إلى وحدات هي: وحدة العصابات والمدن (لتنفيذ مهام خلف خطوط العدو)، والاستطلاع، والاتصالات الخاصة، والهندسة القتالية، وأوريف المضادة للدبابات.
وكانت آخر معركة شارك فيها لواء غولاني، قبل طوفان الأقصى، في غزة أيضا بمعركة الشجاعية عام 2014، وقد قُتل منه 7 جنود وأصيب قائد اللواء غسان عليان.
وقد جاء في تصريحات قادة اللواء أن مشاركتهم في حرب غزة 2023، لأن لهم ثأرا مع حي الشجاعية وأن عودتهم كانت بهدف القضاء على هذا الحي، لكن الخسارات المتلاحقة التي مني بها أدت إلى إعلان انسحابه.
احتفالات بصفوف جنود الاحتلال بعد سحب لواء غولاني من غزة#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/Amr1aOeGaA
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 21, 2023
تفاصيل خسائره
كان من الواضح أن سحب كتائب من لواء غولاني ولواء المظليين والمدرعات من أرض المعركة في غزة، معناه فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الضخمة المعلنة، وتكبد جنودها خسائر كبيرة حالت دون الاستمرار في القتال، لهذا احتفلوا بخروجهم.
ورغم إخفاء الاحتلال الأرقام الحقيقية لقتلى جنوده، ومنهم لواء غولاني، ذكر موقع "واللا" الإخباري والقناة "12" الإسرائيلية أن جنود اللواء "خرجوا من غزة بعد مقتل 44 منهم، من بينهم قائدهم تومر غرينبرغ، "لالتقاط أنفاسهم".
لكن قائد لواء غولاني السابق، النائب السابق لرئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، موشيه كبلينسكي، أكد في 17 ديسمبر أن "اللواء فقد نحو ربع قواته المقاتلة منذ 7 أكتوبر، قتل منهم 85 ضابطا وجنديا خلال غزو غزة".
ما أثار السخرية من خسائر هذا اللواء هو أن قائد كتيبة الغولاني رقم 13 "تومر غرينبرغ" ظهر في مقطع فيديو، وهو يحفز جنوده لتدمير غزة والقسام قائلا: نحن في انتظارهم، لدينا معهم ثأر منذ عام 2014، في الشجاعية، منذ قتلوا 7 منا.
لكنه قُتل يوم 12 ديسمبر حين حاول إنقاذ جنوده من كمين للمقاومة، مع 15 ضابطا وجنديا آخرين قتلوا أو أصيبوا، وهو ما وصفه القادة الصهاينة بأنه "ضربة مؤلمة"، بحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت".
ووفقا للجيش الإسرائيلي ووسائل إعلام إسرائيلية فقد قتل في هذه المعارك من قوات غولاني، الكولونيل (العقيد)، إسحق بن بسات وهو رئيس فريق قادة لواء غولاني، والمقدم، تومر غرينبرغ قائد "الكتيبة 13" في لواء غولاني.
كما قتل ضابطان آخران برتبة رائد، هما الرائد روعي ملداسي قائد سرية في الكتيبة 13 ضمن لواء غولاني، بالإضافة إلى الرائد موشيه أفرام بار قائد سرية في الكتيبة 51 ضمن اللواء ذاته.
وكانت قوات القسام قد خدعتهم عبر تسجيلات صوتية مفبركة أصوات بكاء باللغة العبرية كأنها لأسرى، يتم بثها بمكبرات صوت قرب مدخل نفق به قنابل معلقة، وكمائن وأفخاخ متفجرة وفقا لصحيفة "واشنطن بوست" في 22 ديسمبر 2023.
وجسد الجندي الإسرائيلي "أفيخاي ليفي" الأهوال التي شاهدها جنود الاحتلال في غزة بقوله في مؤتمر صحفي: "أبول على نفسي في الليل من الخوف، ولا أنام إلا بعد ما أشرب زجاجة خمر كاملة في اليوم".
تحدث بغضب وهلع شديدين قائلا: "مازلت أتخيل الآر بي جي تطير فوق رأسي، وأتخيل نفسي داخل الجرافة أشم رائحة الجثث (بعد قصف القسام لها)، وجمع الجرحى بيدي هاتين"، مشيرا لأعداد كبيرة من الجنود المعاقين بسبب الحرب.
الجندي آڤيحاي ليفي في الكنيست:
"أنا خائف، ما رأيته في غزة جعلني أتبـ ـول على نفسي ليلًا ولا أنام قبل شرب قنينة كحول كاملة".#طوفان_الاقصى pic.twitter.com/VefLib4ZY7— تركي الشلهوب (@TurkiShalhoub) December 22, 2023
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 9 ديسمبر، عن أعداد إصابات كبيرة بين الجنود، وقالت إنه أصيب 5 آلاف جندي، بينهم 2000 أصيبوا بإعاقة.
لكن الصحيفة تراجعت وحذفت التقرير بعد ضغوط الجيش وخفضت الإصابات من 5 ألاف إلى 2000 فقط.
ثم كشفت صحيفة "هآرتس" في 10 ديسمبر وجود فجوة كبيرة بين أعداد الجرحى التي أعلنها جيش الاحتلال وهي 1600 فقط، وقوائم جرحى المستشفيات التي وصلت إلى 4591.
وقد ذكرت القناة 12 الإسرائيلية في 22 ديسمبر أنه جرى تصنيف 3 آلاف من جرحى معركة غزة الحالية بأنهم "أصحاب إعاقات دائمة" في الجيش، ما يؤكد أن العدد أكبر من 3 آلاف.
كما كشفت هيئة البث الإسرائيلية (كان)، عن تلقي 2000 جندي إسرائيلي مساعدة من الطب النفسي منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر.
لماذا غادروا غزة؟
رغم الحديث في إسرائيل عن خروج جنود اللواء وتحديدا الكتيبة 13 التي منيت بخسائر ضخمة من غزة، هدفه إعطاء الجنود إجازة بعدما شاهدوه من أهوال وللتخفيف من صدمة الجنود، يرى محللون عسكريون أنهم خرجوا ولن يعودوا.
يرون أن سحب "غولاني"، معناه ارتفاع خسائره لدرجة عسكرية خطيرة تستدعي ذلك، ومؤشر آخر يُكذب أرقام الاحتلال حول حجم الخسائر، ويؤكد إخفاء حجمها الحقيقي.
فبحسب معايير حلف شمال الأطلسي، إذا فقد اللواء ثلث قوته (أي ما يعادل كتيبة كاملة) فإنه يصبح غير صالح للقتال، حيث لا يعود بإمكانه المناورة أو تشكيل احتياط بقواته.
لهذا يرى خبراء عسكريون أن خروج الكتيبة 13 من اللواء غولاني من الخدمة العملياتية، معناه فقد اللواء القدرة على تشكيل الاحتياط والمناورة وبالتالي أصبح غير صالح للقتال، وقد يكون سحبها مقدمة لإنهاء الحرب.
فقد رأى اللواء فايز الدويري، المحلل العسكري، عبر تويتر، أن سحب جيش الاحتلال كتيبة غولاني من المعركة أثناء الاشتباك، أمر لا يتم إلا لو فقدت 40 بالمائة من قدرتها القتالية في الأفراد والمعدات، وغير قادرة على الاستمرار في القتال.
جيش الاحتلال سحب كتيبة غولاني من الشجاعية ولا تسحب وحدة عسكرية من المعركة أثناء الاشتباك إلا بعد ان تفقد 40% من قدرتها القتاليّة في الأفراد والمعدات وتصبح غير قادرة على الاستمرار في القتال هذه الشجاعية التي تذيق نفس اللواء كأس العلقم بعد أن أذاقته نفس الكأس عام 2014
— Fayez Al-Dwairi I اللواء فايز الدويري (@FayezAldwairi) December 22, 2023
ويقول المحلل السياسي، أحمد رمضان، مدير مركز لندن لإستراتيجيات الإعلام إن لواء غولاني، الذي هو أحد 5 ألوية للنخبة تمتلكها إسرائيل "تحطم وتم إذلاله في حي الشجاعية في غزة، وقُتل كبار ضباطه".
وأوضح أنه عجز حتى عن سحب أشلاء جنوده وجرحاه وآلياته المدرعة، رغم أنه اللواء الذي احتل سيناء في عدوان 1956 والجولان والضفة الغربية عام 1967 وهاجم سوريا في حرب 1973 وكاد أن يصل دمشق لولا أن تصدى له اللواء السادس مدرعات في الجيش العراقي.
ورأى في تحليل عبر حسابه على تويتر أن "العمود الفقري للجيش الإسرائيلي تحطم، وفي تل أبيب جدل محتدم، ثمة من يكابر لمواصلة الحرب، وأصوات ترتفع بقبول الهزيمة ولملمة الجراح والتعامل مع الواقع"، بعدما أذهلتهم شراسة المقاومة.
هل خسرتْ إسرائيل حرب غزة؟
تمتلك إسرائيل ٥ ألوية للنخبة، ٣ منها تقاتل في غزة بكامل قوتها، وخسائرها جسيمة، أحدها لواء غولاني (تأسس عام ١٩٤٨)، ويُصنَّف باللواء رقم (١)، وأسَّسه ديفيد بن غوريون، وقادتُه يرتقون لأعلى الرتب في جيش الاحتلال!
هذا اللواء تحطم الآن وتم إذلاله في حي…— أحمد رمضان Ahmed Ramadan (@AhmedRamadan_SY) December 14, 2023
ويقول تحليل لموقع "فلسطين كونيكل" 21 ديسمبر/كانون أول 2023 أن إسرائيل أعلنت في نفس يوم انسحاب لواء غولاني، أنها حققت نوعا من السيطرة على الشجاعية "لتقليل صدمة الأخبار التي تفيد بأن معظم قواتها من النخبة هُزمت، مما أجبرها على التراجع مبكرا".
وأكد أن "الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة يعكس الخسائر الفادحة التي تكبدها كبار المقاتلين الإسرائيليين على أيدي المقاومة الفلسطينية الصلبة".
وقد اعترف المحلل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد يوم 21 ديسمبر، أن سبب سحب هذا اللواء هو الهلع والرعب والخوف والهروب والحالات النفسية بعد مقتل عدد كبير في الضباط والجنود والآليات.
أما الأهم من دلالات سحب جنود لواء غولاني من غزة فهو تأثير ذلك على بقية جيش الاحتلال هناك، الذين سيعدون هزيمة قوات النخبة وخروجها من غزة مؤشرا سلبيا لأنه إذا كان أفضل الجنود النخبة انسحبوا فماذا سيفعل الأقل منهم كفاءة؟
وقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 22 ديسمبر بعض معالم دهشة جيش الغزاة مما واجههم في غزة على لسان قائد الفرقة 98 وهو يبرر انسحاب غولاني، حيث وصف "كتائب القسام" بأنها "تشكيل حربي كامل ومنظم".
قال: "القسام وراءها تفكير عسكري كبير، يربط الخنادق بالأنفاق، ووسائل قتالية محصنة على الأرض، ونقاط مراقبة، وإطلاق نار، وقنص من أماكن مرتفعة".
أضاف أن "بعض الضباط (الإسرائيليين) ذوي الخبرة اكتشفوا بدهشة التشكيلات القتالية التي بناها جيش حماس هنا على مر السنين"، وأنه لذلك "لن يتم القضاء على حماس خلال الأشهر القليلة المقبلة".
كما أشار المحلل الأمني "عاموس هارئيل" في صحيفة "هآرتس" في 22 ديسمبر إلى أن هذه الانسحابات العسكرية من غزة تشير ضمنا لاحتمال "تقليص" العملية العسكرية في منتصف يناير/كانون الثاني 2024.
وأوضح أن "هناك تفاوتا كبيرا بين الفهم بأن قوات الجيش الإسرائيلي أصبحت بالفعل في خضم انتشارها للمرحلة الثالثة من الحرب في غزة، وبين ما يعرضه صناع القرار السياسي للخارج".
حيث "يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارا أن الحرب ضد حماس ستستمر، ولكن في الوقت نفسه، يبدو أن مراكز القيادة المختلفة لمديرية العمليات في هيئة أركان الجيش والقيادة الجنوبية والقيادة الشمالية تستعد بالفعل لتغيير كبير بتقليص العملية في يناير القادم".
وقد حاول المعلق العسكري لموقع "واللا" أمير بوخبوط في 21 ديسمبر تبرير انسحاب قوات إسرائيلية من غزة، بأن الحكومة والجيش والمخابرات الصهيونية "يدرسون الانتقال من المرحلة الثانية من القتال في غزة إلى المرحلة الثالثة" على حد وصفه.
وقال إن المرحلة الحالية من العدوان على قطاع غزة، تشمل الحرب البرية، والقصف الجوي، وقصف المدفعية والدبابات الكثيف، وتنفيذ الاغتيالات، وهذا يفرض وجود 4 فرق من الجيش في قطاع غزة.
لكن "المرحلة الثالثة"، ستشمل "تسريح جزء من قوات الاحتياط"، وإعادة انتشار قوات الجيش في الشريط الأمني الذي سيتم إنشاؤه داخل الأراضي الفلسطينية في غزة".
"ومن هناك سيقومون بشن غارات على القطاع حسب الحاجة، على أن يواصل الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية في خانيونس حتى هزيمة لواء كتائب القسام هناك، وتفكيك بنيتها التحتية"، وفق زعمه.
وفي مرحلة لاحقة، ستغادر الفرق الثلاث بشكل كامل وتسمح للفرقة 99 بتولي مسؤولية الشريط الأمني بمساعدة قيادة استخباراتية خاصة، وبرفقة فرق قتالية نظامية من الفرقة 98 المخصصة لمواصلة القتال في خانيونس.
وتقول صحيفة "جيروزاليم بوست" في 19 ديسمبر إن "المرحلة الثالثة" للحرب هي النقطة التي تنتهي فيها "الحرب الرئيسة"، ولكن من المتوقع أن يستمر فيها الجيش الإسرائيلي لمدة ثلاثة إلى تسعة أشهر في محاربة قيادة حماس.
غرق "تيتانيك إسرائيل"
لأن سحب أو انسحاب أهم لواء في جيش الاحتلال مؤشر واضح على وجود خلل في تعامل المنظومة العسكرية الصهيونية مع مقاتلي المقاومة في غزة، وفشل عسكري في حسم الحرب، شن سياسيون هجوما حادا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
الانتقادات التي وجهت لنتنياهو لم تكن فقط من محللين إسرائيليين وصحف أجنبية، بل ومن رؤساء الوزراء السابقين إيهود باراك وإيهود أولمرت وكبار القادة العسكريين.
وكانت بمثابة تأكيد واعتراف بالفشل العسكري في غزة، وأن نتنياهو يحارب فقط لحماية نفسه، لأنه بمجرد وقف القتال سيتم محاسبته على هذا الفشل وربما محاكمته.
إيهود أولمرت، قال بوضوح إن هدف تدمير حركة حماس "لن يتحقق"، وتعهدات رئيس نتنياهو بهذا الشأن "متبجحة"، وأنه "يخوض حربا لأجل مستقبله الشخصي".
قال في مقال كتبه على صحيفة "هآرتس"، في 22 ديسمبر: "من الواضح أنه رغم أن الجيش الإسرائيلي يقاتل (..) ورغم تكبّده خسائر فادحة، فإنه لا توجد فرصة لتحقيق التوقعات التي خلقها نتنياهو".
وأضاف: "تواجه إسرائيل الآن الاختيار بين وقف إطلاق النار كجزء من صفقة قد تعيد الرهائن إلى وطنهم، على أمل أن يكون معظمهم على قيد الحياة".
"أو وقف إطلاق النار بدون اتفاق وبدون رهائن وبدون إنجاز واضح، مع الخسارة الكاملة لبقايا الدعم الشعبي الدولي لحق دولة إسرائيل في الوجود"، على حد وصفه.
أيضا تحدث رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك في حوار مع الإذاعة الإسرائيلية في 21 ديسمبر عن غرق ما أسماه "تيتانيك إسرائيل".
أكد باراك: "نتنياهو قاد التيتانيك الإسرائيلية، وأغرقنا ونحن على متنها، وعلينا إسقاطه الآن، فهو عبء وخطر يهدد إسرائيل".
وتحت عنوان "لنعترف بالهزيمة"، كتب المحاضر في جامعة تل أبيب هيليل شوكين مقالا بصحيفة "هآرتس" في 21 ديسمبر، يرصد "دلالات سحب قوات النخب" من غزة، بقوله: "لن ننتصر .. لقد خسرنا بالفعل الحملة العسكرية على غزة".
وأضاف: "كل يوم إضافي من العملية البرية يزيد من الفشل، وعندما تنتهي هذه الحملة العسكرية، كما هو متوقع في غضون أسابيع قليلة بسبب الضغوط الدولية، ستجد إسرائيل نفسها في وضع أصعب من ذلك الذي دخلت فيه".
وقال الصحفي المختص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية "رونين بيرغمان" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 21 ديسمبر إن "الفشل يظهر في عدم تحقيق أهداف الحرب، وعدم الاعتراف الرسمي للمؤسستين السياسية والعسكرية بذلك.
قال: "لا أحد يتحدث عن هذا (الفشل) علنا، لكن هذا هو الواقع، وحتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل جديدة، سيضطر الجيش إلى الانسحاب بشكل كلي من غزة قبل أن يكمل أهدافه العسكرية المعلنة".
واعترف "دانييل ليفي"، وهو مستشار سابق بمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال حديثه لإذاعة "إل بي سي" البريطانية بأن إسرائيل خسرت بالفعل، واقترح التوصل إلى حل سياسي شبيه باتفاق أيرلندا الشمالية لإنهاء الصراع.
وانعكست أجواء اليأس والإحباط والهزيمة الإسرائيلية على تغيير ملحوظ في الموقف الإسرائيلي بشأن ما يزعمون أنه خطط "إدارة غزة" بعد الحرب.
حيث قال مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي للأمن القومي، تساحي هنغبي، إنهم سيقبلون بدور للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، "حال وجود إصلاح جوهري بها"، بحسب مقال تطبيعي نشره بموقع "إيلاف" في 20 ديسمبر.
تحدث فيه عن أن الأمر سيتطلب إصلاحا جوهريا للسلطة الفلسطينية، لخصه في قيامها بـ"تربية الجيل الشاب، في كل من غزة ورام الله وجنين وأريحا، على عدم التحريض على العنف ضد إسرائيل".