"الإخوان" كلمة السر.. ما دلالات اعتراف جيش الاحتلال بصعوبة تدمير حماس؟
"عمر حماس وعمقها الإخواني أكبر من عمر هذا الكيان الزائل"
كان لافتا في اعتراف وتأكيد المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، أن هدف إنهاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “غير ممكن”، لكن الأكثر لفتا للأنظار كان تفسيره لصعوبة تدميرها، حيث ربطه بالفكر الذي تعتنقه الحركة، وهو فكر جماعة الإخوان المسلمون؟
وفي سلسلة تصريحات خلال مقابلات مع قنوات عبرية في 19 يونيو/ حزيران 2024، قال هاغاري إن "حماس فكرة، وأولئك الذين يعتقدون أنه من الممكن اختفاؤها (كفكرة) مخطئون، إنهم (حماس) الإخوان المسلمون".
وأضاف أن "حماس هي حزب سياسي، هي الإخوان المسلمون، وهي جماعة موجودة في المنطقة منذ سنوات ومزروعة في قلوب الناس".
وشدد هاغاري على أنه "لا يمكنك تدمير فكرة، يجب على المستوى السياسي (حكومة نتنياهو) أن يجد بديلا لها وإلا فستبقى".
لذا رأى تصريحات القيادة السياسية عن تدمير حركة “حماس” ليست إلا محاولة لـ"ذر الرماد في عيون الإسرائيليين"، على حد قوله، لأنهم "إخوان".
ودفع هذا صحيفة "هآرتس" للقول في عنوان مقال نشرته في 19 يونيو إن "الوعود الفارغة بأن إسرائيل ستتمكن من تدمير حماس وإعادة لبنان إلى العصر الحجري انكشفت".
3 رسائل
تصريحات هاغاري كانت بذلك تحمل 3 رسائل سياسية أكثر منها تصريحات عسكرية.
الأولى، تقول للإسرائيليين ضمنا "لا تسمعوا للوهم الذي يسوقه لكم نتنياهو بأنه قادر على اقتلاع حماس في بضعة أشهر، هذا ذر الرماد في العيون".
والثانية، تقول لنتنياهو إن الجيش "لن ينوب عنك في هذه المهمة الفاشلة وهي تدمير حماس".
والثالثة، أن عقيدة حماس الدينية النابعة من فكر جماعة الإخوان المسلمين تغلبت سابقا، وستتغلب حاليا على محاولات الجيش الإسرائيلي تدميرها بدعم من 5 دول غربية، وستبقى.
ويرى باحثون إسرائيليون أن "الإخوان المسلمين هم الخطر على دولتهم، لذا يروجون مع باحثين غربيين لضرورة صناعة حزب سياسي إسلامي شعبي لا يؤمن بالشريعة الإسلامية ويكتفي بالطقوس الدينية، ويكون صديقا لإسرائيل".
فكر مزروع
ما قاله هاغاري بدا كأنه تقييم عسكري وسياسي إسرائيلي عن عمق حماس الأيديولوجي، كحركة محسوبة على فكر جماعة الإخوان المسلمين، والتي يزيد عمرها على (96 عاما) عن عمر دولة الاحتلال (76 عاما).
بدا أيضا كأنه اعتراف بأن دور ومحاولات إسرائيل، دعم الانقلابات في الدول العربية، لإبعاد الاخوان المسلمين الذين فازوا في الانتخابات الحرة بعد الربيع العربي، لم تنجح، وظل فكر الجماعة ملهما للمقاومة في فلسطين وغيرها.
كما بدا، ثالثا، كعتاب أو رسالة نقد لنتنياهو وحلفائه من المطبعين العرب تؤكد أنهم "فشلوا جميعا، وعلى مدار عقود في اقتلاع الإخوان وحماس من قلوب شعوبهم".
وعلق الصحفي الفلسطيني أدهم أبو سلمية على ربط هاغاري بين صعوبة تدمير حماس، واعتناقها فكر جماعة الإخوان المسلمين قائلا: "هاغاري كان يرغب في إخباركم أن عمر حماس وعمقها الإخواني أكبر من عمر هذا الكيان الزائل".
وأضاف أن ما قاله متحدث جيش الاحتلال، يحمل "رسالة مُبطنة"، بعث بها إلى نتنياهو المفتون بالتطبيع، ولحلفائه المطبعين سرا وعلانية مفادها "لقد فشلتم على مدار عقود في اقتلاع الإخوان وحماس من قلوب شعوبكم".
لم يكن ما قاله متحدث جيش الاحتلال، جديدا أو مفاجئا، إذ إن فكر الإخوان المسلمين مزروع في فكر حماس والشعب الفلسطيني الذين يحاربون إسرائيل عن عقيدة راسخة، لا يكفي السلاح وتكالب الغرب لدعم كيان الاحتلال لردعه.
وأشار إلى هذا العديد من المحللين السياسيين الذين أكدوا أنه "لولا العقيدة الدينية والإيمان الذي تربي عليه جنود كتائب الشهيد عز الدين القسام ما صمدت غزة كل هذه الأشهر أمام آلة الحرب الصهيونية الغربية".
ولفت إلى هذا "الرعب الصهيوني" من الإخوان المسلمين، اللواء أركان حرب جمال حماد في شهادته ببرنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة.
وأكد أن "اليهود كانوا يخافون خلال حرب 1948 من المواقع التي يحارب فيها متطوعو جماعة الإخوان المسلمين مع الجيش المصري لأنهم عقائديون".
وقال حماد إنهم كانوا يخشون الإخوان أكثر من العسكريين العرب لأن مقاتلي الإخوان – مثل حماس الآن- "طالبو شهادة"، عكس الآخرين، وكان بعضهم يرتدي الأكفان وهم يهجمون على اليهود لقتلهم، حتى يستشهدوا.
وقبل اعتراف هاغاري بقوة حماس وصمودها بحكم أنها تنتمي لـ"فكرة" جماعة الإخوان المسلمين، والذي ينطوي ضمنا على اتهام المطبعين العرب بأنهم فشلوا في الحملة ضد الجماعة، أطلقت فضائيات خليجية برامج مفاجئة ضد الإخوان.
قناة "العربية" التابعة للنظام السعودي، أطلقت بالتزامن مع صمود حماس في غزة، هجوما على جماعة الإخوان المسلمين في ثلاثة برامج كلها تحاول إظهار خطأ فكر الجماعة وتستضيف ضيوفا للحديث عن "مراجعات" لفكر الجماعة.
أولها برنامج "ساعة حوار"، والثاني برنامج "مراجعات" الذي يقدم ما يقول إنه مراجعات ورصد شهادات وقصص من داخل التنظيم، والثالث برنامج "مراجعات مع ضياء رشوان" الذي يقدمه رئيس هيئة استعلامات رئاسة النظام المصري.
وهو ما ربطه الحقوقي هيثم أبو خليل بتصريحات هاغاري، مقدرا أن هذه البرامج الثلاثة "ليس صدفة، بل توجه يخدم العدو ويفت في عضد المقاومة".
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قال المدير التنفيذي السابق لـ"هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث، إن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي "متعاطف بشكل خاص مع محاولات إسرائيل لسحق حماس لأنه هو نفسه استخدم العنف الرهيب ضد الإخوان المسلمين، شقيقة حماس الأكثر سلاما".
روس، وهو حاليا أستاذ زائر في جامعة برينستون الأميركية، أكد للتلفزيون الألماني "دويتشه فيله" أن “السيسي ارتكب مذبحة عام 2013 التي راح ضحيتها 817 متظاهرا في ميدان رابعة في القاهرة، لذا فهو يدعم مجازر إسرائيل ضد حماس”.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، أحرج مذيع “سي إن إن” وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان مؤكدا له: "هناك من يعتقد أن الحكومة السعودية لا تحب حماس، وأنكم ترونها دائما جزءا من جماعة الإخوان المسلمين".
وتابع: "لذلك لا تشعرون بالحزن كثيرا لسحق إسرائيل لهم، وتتمنون فقط أن يفعلوا ذلك بشكل أسرع".
أيديولوجية وفكرة
رغم وضوح تصريحات الناطق باسم جيش الاحتلال حول صعوبة القضاء على حماس لأنها فكرة وحزب سياسي نابع من فكر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست عام 1928 ولم تفلح محاولات القضاء عليها طول هذه السنين.
إلا أن تقارير وصحفا عبرية ودولية ربطت بين تصريحاته وما يتردد عن خلافات وصراع بين جيش الاحتلال ونتنياهو.
وعدت مسارعة مكتب نتنياهو للرد على ما قاله هاغاري "دليلا على وجود هذا الخلاف والصراع".
وردا على تصريحات هاغاري، أصدر مكتب نتنياهو بيانا جاء فيه أن "كابينيت الحرب حدد أن أحد أهداف الحرب هو تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، والجيش ملتزم بالطبع بهذا الهدف".
وفي رد على البيان الصادر عن مكتب نتنياهو، أصدر الجيش بيانا شدد فيه على أنه "ملتزم بتحقيق أهداف الحرب كما حددها الكابينيت، ويعمل على ذلك طوال فترة الحرب ليلا ونهارا وسيواصل القيام بذلك".
لكن بيان الجيش قال إن الناطق باسمه "تحدث عن تدمير حماس كأيديولوجية وفكرة، بطريقة واضحة وصريحة"، في إشارة للخلاف الذي أشار له هاغاري في حديثه للقنوات العبرية ومنها "القناة 13".
ولم يكن هذا مجرد سجال غير مسبوق يخرج للعلن بصورة إعلامية، رغم الخلافات السابقة، لكنه ظهر أشبه بتمرد عسكري رسمي على الحكومة المتهالكة، وفق صحف عبرية.
فقد اتهم هاغاري نتنياهو ضمنا بأنه لا يضع خططا للمستقبل ومن ثم يورط الجيش في حرب طويلة بلا هدف، وانتقد امتناع حكومة نتنياهو عن "الدفع بتشكيل جهة سلطوية بديلة لحركة حماس في قطاع غزة".
وقال إن الحديث عن تدمير حماس هو "بمثابة ذر للرمال في عيون الجمهور، وإذا لم نأت بشيء آخر (بديل) فسنحصل في نهاية المطاف على حماس"، أي ستبقي الحركة تحكم غزة كما هي ولم تتحقق الأهداف التي يتحدث عنها نتنياهو.
وقالت صحيفة "فلسطين كونيكل" في 19 يونيو، إن الجيش الإسرائيلي كان محبطا دائما من نتنياهو، حتى قبل بدء (العدوان)، لكن منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصل الخلاف بين المؤسستين العسكرية والسياسية إلى آفاق جديدة".
وأشارت إلى تراجع وتناقض تصريحات هاغاري الأخيرة مع ما كان يقوله حول "تدمير منهجي لقدرات حماس العسكرية"، وزعم نتنياهو "تحقيق النصر الكامل".
وأكدت الصحيفة أنه "يمكن بسهولة أن تعزى هذه التناقضات إلى الصراع المتنامي بين الجيش والمؤسسة السياسية لنتنياهو ووزرائه اليمينيين المتطرفين في تل أبيب".
وفي واقعة أخرى غير مسبوقة، تدل على هذا الخلاف، أعلن جيش الاحتلال في 16 يونيو "وقفا تكتيكيا" في جنوب غزة دون التشاور مع قيادته السياسية، وهو القرار الذي أثار حفيظة نتنياهو وحلفائه.
وقال نتنياهو وهو غاضب ردا على ذلك خلال اجتماع لمجلس الوزراء: "لدينا دولة لها جيش، وليس جيش لديه دولة".
وكشف استطلاع حديث للرأي العام في مصر أجرته شركة تجارية إقليمية في نوفمبر وديسمبر 2023 بتكليف من "معهد واشنطن" أن ثلاثة أرباع المصريين ينظرون إلى الحركة بشكل إيجابي.
ورأى المعهد –الإسرائيلي التوجه- أن هذا "يظهر تأثير الحرب بين إسرائيل وحماس على الرأي العام المصري".
مدرسة الإخوان
ومطلع مايو/أيار 2017 أصدرت حركة “حماس” وثيقتها الجديدة التي تختلف عن "ميثاق 1988"، وأشيعت تكهنات أن الحركة ستتخلى فيها عن انتمائها لجماعة الإخوان، لتلافي الضغوط التي واكبت "الثورة المضادة".
ولكن جاء إعلان الحركة للوثيقة الجديدة بمثابة استدراك، وتوضيح لبعض النقاط التي لم تتطرق لها وثيقة 1988، وأعاد قادة حماس التأكيد بوضوح "نحن جزء من المدرسة الفكرية للإخوان".
وضمت الوثيقة الجديدة 42 بندا، تحت 12 محورا، وهي “تعريف الحركة، وأرض فلسطين، وشعب فلسطين، والإسلام وفلسطين، والقدس، واللاجئون وحق العودة”.
والمشروع الصهيوني، والموقف من الاحتلال والتسوية السياسية، والمقاومة والتحري، والنظام السياسي الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية، والجانب الإنساني والدولي.
بحسب قراءة "الاستقلال" لوثيقة حماس، لم يختلف أي بند منها تقريبا عن نفس البنود الواردة في ميثاق الحركة الصادر عام 1988، سوى في أنها لم تشر للإخوان صراحة.
فقد ذكرت في ميثاق 88 (المادة الأولى) "صلة حركة المقاومة الإسلامية بجماعة الإخوان المسلمين"، وفي (المادة الثانية) أن "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين".
لكن فور صدور الوثيقة أكد رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، خالد مشعل، أن حركته "جزء من المدرسة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين ولا تتنكر لتاريخها أو فكرها".
وقالت مصادر في الحركة لـ"الاستقلال" أنه لم يتم تكرار ما ورد في ميثاق عام 1988، عن علاقة الحركة بالإخوان، لأنه لم يتم إلغاؤه، وبصفته أمرا ثابتا معروفا ولا حاجة لإعلانه مكررا، ولعدم إعطاء الأنظمة المعادية للجماعة ورقة تحارب حماس بها.
وسبق أن أكد مؤسس الحركة الراحل، الشيخ أحمد ياسين، في يوليو 2003، لمراسل وكالة الأنباء الألمانية بمدينة غزة، أن حماس لم تعد تحتاج إلى تعريف نفسها على أنها فرع من الإخوان المسلمين كما جاء في ميثاق 88.
وأكد أن "هذا بات معروفا، فضلا عن أن قادتها لا يزالون يؤكدونه"، ما يعني أن عدم تطرق الحركة لعلاقتها مع الإخوان في وثيقة 2017، لا يعني إنكارها لعلاقتها مع الاخوان.
وهناك فارق جوهري بين "ميثاق حماس" المعلن عام 88، ويتضمن أربعة أبواب هي، التعريف بالحركة، والأهداف، والإستراتيجية، وموقف الحركة من بعض الأمور.
وبين "وثيقتها" السياسية الجديدة، التي أصدرتها أول مايو 2017 بعنوان "وثيقة المبادئ والسياسات العامة"، والتي تتضمن 42 بندا، تحت 12 محورا.
فالأولى صدرت لتحدد مبادئ حركة مقاومة تحاربها إسرائيل والسلطة الفلسطينية معا.
والثانية سعت لتحدد المبادئ والسياسات العامة لحركة مقاومة حاكمة تحكم غزة، ولكنها لا تنسق مع الاحتلال ولم توقف مقاومتها وحروبها معه.
وفي الوثيقة الجديدة لم تعترف الحركة بالكيان المحتل ولا بسيطرته على الأرض، وأكدت أن الدولة الفلسطينية ستقام على كل أراضي فلسطين.
وشددت على أنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، ومرجعتيها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها".
وحددت الحركة حدود فلسطين من نهر الأردن شرقا إلى البحر المتوسط غربا، ومن رأس الناقورة شمال فلسطين التاريخية، وحتى أم الرشراش (إيلات) جنوب فلسطين التاريخية.
وجددت الحركة تأكيدها على عدم "تنازلها عن أي جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال، وترفض أي بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا، من نهرها إلى بحرها".
المصادر
- 'Hamas cannot be destroyed، it's an idea،' says IDF spokesman
- Netanyahu Says Israeli Army 'Obligated' to Goals Set by Gov't after IDF Doubts on Hamas Destruction
- Israel-Gaza: Neighboring Egypt's tricky tightrope act
- ‘Dust in the Eyes’ – What Did Hagari Mean by ‘Destroying Hamas is Not Possible’?
- Hamas softens stance on Israel, drops Muslim Brotherhood link
- نص الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس