مخدر "الفنتانيل" الصيني يقتل الشعب الأميركي.. حقيقة أم تسييس؟
“الأميركيون يستهلكون 80 بالمئة من المواد الأفيونية في العالم”
شن موقع صيني هجوما لاذعا على الولايات المتحدة الأميركية، على وقع اتهامها بكين بشن "حرب أفيون جديدة" ضدها.
وتأتي تلك الاتهامات على خلفية تضاعف أعداد الوفيات في أميركا، بسبب تناول مخدر “الفنتانيل”.
و"الفنتانيل"، هو بالأساس أفيونية صناعية تُستخدم بشكل قانوني لعلاج الألم الشديد، ولكن عند إساءة استخدامه، يمكن أن يكون فتاكا حتى بجرعات صغيرة جدا.
وأعادت تلك المشكلة إلى الأذهان سنوات “حرب الأفيون” في القرن التاسع عشر، حين حاولت الصين إيقاف عمليات تهريب الأفيون داخل البلاد بعد انتشارها بشكل كبير.
وقد أثارت تلك الخطوة غضب الحكومة البريطانية التي كانت تتربح من وراء بيع التجار البريطانيين الأفيون، وقد تصاعدت الأزمة حتى اندلعت حرب الأفيون الأولى بين الصين وبريطانيا بين عامي 1839-1842.
حرب جديدة
ويرى موقع "الصين نت" أن واشنطن تعيد الكرة مرة أخرى، لكن بطريقة عكسية، حيث يروج بعض الأشخاص في الولايات المتحدة لـ"نظرية مسؤولية بكين عن قضية الفنتانيل"، زاعمين أن "الصين تشن حرب أفيون جديدة، بهدف إضعاف الولايات المتحدة من الداخل".
ويفسر الموقع الدوافع الحقيقية وراء الاتهامات الأميركية للصين، مدافعا عن بكين ومستعرضا جهودها في الحد من تجارة المخدرات، كما يستعرض أسباب تصاعد أزمة الفنتانيل في أميركا.
كذلك دعا الولايات المتحدة إلى التخلي عن "تسييس" قضية الفنتانيل، محذرا من عواقب هذا النهج على العلاقات بين البلدين.
ووجه الموقع اللوم للولايات المتحدة في حدوث التوترات بينها وبين الصين قائلا: "كلما حقق التعاون بين بكين وواشنطن تقدما فعليا، غالبا ما تكون هناك حجج للتراجع في أميركا، والحرب ضد الفنتانيل هي أحدث مثال على ذلك".
وأضاف أن “الكونغرس الأميركي افترى بشكل مباشر على الصين”، عادّا إياها "المحرك الرئيس لأزمة الفنتانيل".
ومن وجهة نظر الموقع، فإن تلك الادعاءات تعود بالسلب على أميركا نفسها ومكانتها العالمية، إذ "تتيح هذه الأصوات للناس أن يروا بوضوح من الذي يقوض التعاون في مكافحة الفنتانيل".
وواصل الموقع الهجوم على المسؤولين الأميركيين قائلا: "يبدو أن السياسيين هناك، الذين يبالغون في ترويج هذه الحجة، سمعوا عن الضرر الكبير الضخم الذي لحق بالصين جراء حرب الأفيون التي شنها الغرب عليها سابقا، ولذا يحاولون حاليا وضع أنفسهم في موضع الضحية".
ومن وجهة نظر هؤلاء السياسيين، فإن "مشكلة الفنتانيل الحالية التي تواجهها الولايات المتحدة تمثل سعيا صينيا للانتقام".
ووفق ما أورد الموقع، يستخدم السياسيون الأميركيون عبارات مثل: "الولايات المتحدة لم تشارك في حرب الأفيون" و"ضرر الفنتانيل للولايات المتحدة يتجاوز بكثير تكلفة حرب الأفيون الصينية".
وعقّب على تصريحات السياسيين الأميركيين قائلا: "إنها ذات منطق مربك، ومليئة بالمغالطات التاريخية السخيفة للغاية في نظر المجتمع الصيني".
ورأى أن السبب الفعلي وراء هذه الاتهامات ينبع من عقدة الذنب التي تسيطر على الغرب، فقال: "وربما تكون وظيفة التصريحات الوحيدة هي عكس الضمير المذنب للنخب السياسية الغربية بشأن القضايا التاريخية".
واستبعد الموقع فرضية مشاركة الصين في إغراق السوق الأميركي بمخدر الفنتانيل، كونها "ضحية لحرب الأفيون، ولا يمكن للغرب فهم وتقدير مدى كراهية المجتمع الصيني -الذي شهد حرب الأفيون- للمخدرات".
وتابع: "وعلى نحو ما، تشكل حرب الأفيون مصدرا مهما لنفور المجتمع الصيني اليوم من المخدرات، وعدم التسامح معها على الإطلاق".
جذور المشكلة
وحلل الموقع أسباب أزمة الفنتانيل في أميركا قائلا إن "الصين ليست سبب المشكلة، تكمن المعضلة الأساسية في أن الطلب الشعبي الأميركي على المخدرات والمؤثرات العقلية، لا يمكن ضمانه من خلال قنوات الدواء القانونية والآمنة والفعالة".
وتابع موضحا: "بدأت أزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة مع الإفراط من قبل المواطنين في استخدام العقاقير الطبية، وخاصة المواد الأفيونية".
ويبرهن على حديثه بإشارته إلى المقال الذي نشره مركز الإدمان الأميركي عام 2022، وجاء فيه "أنه حتى المرضى الذين يتناولون الفنتانيل حسب تعليمات طبيبهم، قد يصبحون مدمنين، لأن بعض الأطباء يصفون جرعات قاتلة من الفنتانيل للمرضى".
وأردف: "كما تشير دراسة حول علاج السرطان، إلى أن ما يصل إلى نصف المرضى في الولايات المتحدة، لم يكن عليهم أبدا استخدام الفنتانيل في المقام الأول".
وألقى المقال بالمسؤولية على النخبة الأميركية الحاكمة قائلا: "وهذا مجرد غيض من فيض من فشل الإدارة في قضية الفنتانيل في الولايات المتحدة".
وأردف: "هذه كارثة خلقتها الولايات المتحدة نفسها".
ووفق التقرير، "تعود جذور المشكلة إلى الثمانينيات، حين دخل الفنتانيل غير القانوني إلى السوق الأميركية، وصودر آنذاك العديد من المختبرات غير القانونية في الولايات المتحدة، ومع ذلك، غالبا ما يتجنب السياسيون الأميركيون ذكر هذه الحقائق التاريخية".
وتابع: "إن الأميركيين، الذين يمثلون 5 بالمئة من سكان العالم، يستهلكون 80 بالمئة من المواد الأفيونية في العالم".
وأكمل: "وبناء على تلك النسب، يمكن للأشخاص العاديين الحكم -وفق المنطق السليم- أن هذا أمر غير طبيعي للغاية".
وأشار الموقع إلى أن "الطلب الكبير على المواد الشبيهة بالفنتانيل في الولايات المتحدة هو السبب الجذري للأزمة؛ حيث إن ما يدفع إلى تطوير سوق الفنتانيل غير القانوني، هو الطلب المحلي المرتفع للغاية على هذه الأدوية".
علاوة على ذلك، تساءل الموقع عن "سبب تحول نفس المادة الكيميائية، التي تعد في العديد من البلدان مجرد مادة خام للإنتاج الصناعي والصيدلاني، مصدرا لمشاكل ضخمة في الولايات المتحدة؟"، مشددا على أن "هذه هي القضايا التي يتعين على ساسة أميركا أن يواجهوها".
تعزيز التعاون
وقال الموقع "يجب على الولايات المتحدة أن تكون (تلميذا) متواضعا يتعلم من الصين".
ومن هذا المنطلق، أكد أن "الصين صادقة وعملية في دعم الولايات المتحدة في مكافحة تعاطي الفنتانيل، وأنها على استعداد لتعزيز التعاون في مكافحة المخدرات، والمشاركة بنشاط في مكافحة المخدرات على مستوى العالم، وهذا هو أداء الصين كدولة كبرى مسؤولة".
ووفق الموقع، فإنه يجمع كلا من بكين وواشنطن، تاريخ ممتد في مكافحة المخدرات استمر لأكثر من 30 عاما من التعاون المهني، في ظل أطر ثنائية ومتعددة الأطراف.
وأخيرا، استأنفت الإدارات المعنية في الجانبين، التعاون بشكل كامل في مكافحة المخدرات وحققت تقدما كبيرا، وذلك بعد الاجتماع بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ بولاية سان فرانسيسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وأكمل: "وابتداء من الأول من سبتمبر/ أيلول 2024، بدأت الصين في إدراج قائمة ثلاث مواد كيميائية مهمة تستخدم في تصنيع الفنتانيل، والتي حددتها آلية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، في لائحتها الخاصة".
وعد الموقع أن هذه "خطوة قيمة إلى الأمام، للتعاون الصيني الأميركي في مكافحة المخدرات"، مضيفا: "لقد تم تحقيق هذه الإنجازات بشق الأنفس، ويجب على الولايات المتحدة أن تعتز بتلك الخطوة".
ودعا الولايات المتحدة إلى "احترام جهود التعاون الثنائي في مجال مكافحة المخدرات، وأن تتوقف عن تسييس قضية الفنتانيل، إذا كانت ترغب حقا في حل المشكلة".
ويكمن الحل عمليا، بحسب الموقع، في "تخلي واشنطن عن الممارسات غير المسؤولة، المتمثلة في ممارسة الضغوط من خلال التلاعب بالرأي العام، وتقليل الاستنزاف النفسي الذي تعانيه الولايات المتحدة بشأن قضية الفنتانيل، والعودة بصدق إلى التعاون العملي".