موسيقى “موازين” أم مأساة غزة؟.. المغرب أمام اختبار إنساني حاسم

12

طباعة

مشاركة

من تحت القصف الإسرائيلي والإبادة المتوحشة، صوّر عدد من أهالي قطاع غزة، نداء إلى منظمي مهرجان "موازين" الموسيقي في المغرب مطالبين بإلغاء أو تأجيل المهرجان احتراما لمشاعرهم وتضامنا معهم.

وفي وقت يعاني فيه قطاع غزة من عدوان همجي وتهجير قسري وإبادة جماعية للشهر الثامن، تأتي هذه الخطوة اللافتة من أهالي غزة لأشقائهم في المغرب لـ"التقدير الكبير والمتبادل" بينهما.

من أجل غزة

وأظهر المقطع الذي جرى تداوله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من الفلسطينيين يناشدون المغاربة مقاطعة فعاليات النسخة الـ19 لمهرجان “موازين” الدولي المقرر تنظيمها خلال الفترة بين 21 و29 يونيو/ حزيران 2024، تضامنا معهم، مرددين عبارة “كيف تفرحون ونحن نعاني؟”

وتضم المقاطع رسائل مؤثرة من نساء وشباب وفتيات وأطفال وشيوخ من قبيل، “لا ترقصوا على أحزاننا”، “قاطعوا من أجل أهل غزة"، "من أجل كل طفل فقد أهله"، و"نحن إخوانكم كيف تحتفلون ونحن نموت قهرا؟"، “من أجل كل الشهداء قاطعوا”، “أحقا يهون عليكم أن تفرحوا ونحن بين قتيل وجريح؟”.

الفيديو تصدر "الترند"، حيث طالب نخبة من النشطاء المغاربة، وزير الثقافة مهدي بنسعيد بالتدخل وإلغاء المهرجان.

فيما دعت فئة أخرى الجماهير المغربية لعدم حضور سهراته وجعل المسارح فارغة، بدعوى أن تنظيمه جاء في فترة صعبة، تزامنت مع الأوضاع التي تعيشها فلسطين.

من جهته، طالب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، بإلغاء دورة مهرجان موازين أو على الأقل تأجيلها، وذلك بسبب ما يقع للفلسطينيين.

وأضاف بنكيران، في بث مباشر على صفحته في 22 مايو، "لست مسرورا من برمجة إقامة حفلات موازين مرة أخرى بالمغرب في هذه الظروف، فهذه القضية عيب وعار".

وشدد على أن "إسرائيل لا تعادي حماس فقط، بل الأمة العربية والإسلامية، ويعادون المغرب أيضا".

وقال بنكيران: “تقديري أن المملكة يجب أن تتراجع عن تنظيم هذا النشاط، وأنا أيضا تعجبني أنواع من الموسيقى النظيفة، لكن من غير المعقول أن نفرح ونغني في الوقت الذي تُقطع أطراف إخواننا، ولا يجدون علاجا، ومستشفياتهم دُمرت عن آخرها، ولا يجدون الصرف الصحي، كما لا يجدون الغذاء والطعام”.

واستطرد: “في هذه الظروف يجب على الأقل ألا نُظهر الفرح والسرور”.

وقال بنكيران إن “كان أهلنا في القدس والضفة والقطاع يُقتلون ويُجوعون ويُعطشون.. الخ، ونحن هنا نفرح وكأننا لا نبالي بكل هذا، فإنما نقول لإسرائيل استمري فيما تقومين به من جرائم.”

وشدد على أن “عدونا واحد، وأن الصهاينة يريدون الخراب للأمة الإسلامية جمعاء، بل يريدونه للإنسانية كلها”، مسترسلا “يكفي أن نتذكر أنهم وصفوا الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأنهم مجرد حيوانات بشرية لنفهم جزءا من نظرتهم لنا”.

وتابع: “أطالب بتأجيل هذه الأنشطة، إلى أن تتوقف هذه الحرب على الأقل”، منبها إلى أن “الشعب المغربي ليس عاديا، بل هو شعب متميز، إذ إن لنا حارة المغاربة وحي المغاربة في القدس، وكان المغاربة لا يرون تمام حجهم إلا بزيارة المسجد الأقصى”، مشيرا إلى أن “هذا دأبهم إلى حين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية”.

وأبرز أن "علاقة المغاربة بفلسطين متميزة، كما أن المساعدة التي قدمت غير كافية ولا تناسب حجم ارتباط المغرب بهذه القضية، والآن حتى إذا لم نستطع القيام بشيء فعلى الأقل يجب ألا نظهر الفرح والسرور والاحتفال، وتشييد المنصات واستدعاء شذاذ الآفاق ممن ينشرون الفاحشة بكلامهم".

وخلص بنكيران إلى القول: “ندائي إلى من يهمهم الأمر في الوطن العزيز، أن يلغوا هذه الدورة من المهرجان، أو على الأقل تأجيلها إلى أن تتوقف الحرب الإسرائيلية، وساعتها لكل حادث حديث”.

مقاطعة المهرجان

وأطلق نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة لمقاطعة مهرجان "موازين" الموسيقي، بسبب ميزانيته المالية الضخمة والأجور الخيالية التي يتقضاها الفنانون.

"لا ترقص على جرح إخوانك"، هو الوسم الذي اعتمده مجموعة النشطاء في هذه الحملة، داعين إلى مقاطعة المهرجان، الذي ينتظر أن يشهد حضور كبار نجوم الموسيقى والغناء العرب والأجانب، وإلى جعل المسارح فارغة من الجماهير.

ويعتقد المنخرطون في حملة المقاطعة أن الأولوية يجب أن تكون لتوجيه الأموال لمساعدة ضحايا زلزال الحوز ولتحسين جودة التعليم والنهوض بقطاع الصحة والبنية التحتية، بدل إنفاقها على الغناء والرقص وعلى الطائرات الخاصة والفنادق الفخمة للمشاركين، إلى جانب الأجور التي يتقاضونها لإحياء الحفلات.

وفي مظاهرة مسائية حاشدة في 5 مايو بمدينة طنجة شمال المغرب، ردد المحتجون شعارات بينها " اسمعوا اسمعوا يا مسلمين.. انقلبت الموازين في بلاد المطبعين.. إخواتنا في غزة يبادون ماذا ستقولون يا مطربين..".

من جانبه، قال صانع المحتوى، زهير متيم: “من العيب والعار أن تعلو أصوات الحق في دول الغرب من أجل إخواننا ونحن نتجادل فيما بيننا ونطلب من المواطنين أن يقاطعوا موازين”.

وأضاف في سلسلة تدوينات عبر فيسبوك: "حتى لو كنت تاركا للصلاة ومدخنا، لكن اتركه يغني لوحده، كن رجلا، الكثير يراقب حملة المقاطعة هذه الحملة ستنجح بكم ، حذارِ لا تذهب وكن رجلا".

واستطرد: "لا يحضر مهرجان موازين إلا من اختلت عنده الموازين، وسيوزن يوم الموازين".

وشدد متيم على أن "حملة مقاطعة موازين هي معركة الوعي، انظروا إلى العالم ذلك الذي لا يجمعنا بهم لا منهج ولا عقيدة ويساندون إخواننا في غزة، ونحن المسلمين تريدون أن نهب للرقص في المهرجان".

من جهته، قال الصحفي يونس مسكين “لا يمكننا في سياق كل ما تموج به الدنيا من حولنا أن ندسّ رؤوسنا في التراب ونتصرّف كأننا في جزيرة لا يأتيها من الخارج سوى النسيم والطيور المهاجرة”.

وأضاف في مقال نشره عبر موقع “صوت المغرب” في 27 مايو، “ما يعتمل حاليا من مخاض في رحم مجتمعنا بخصوص دورة هذه السنة من مهرجان موازين الموسيقي، لا يمكن أن نتجاهله أو نعامله كما كنا نفعل قبل سنوات حين كان الأمر مجرّد تصريف لأجندات أيديولوجية”.

ورأى أن “ما يجري هذه السنة مختلف وعلينا أن نقرأه في سياقه، لأن الأمر يتعلق باختيار الدول والشعوب والأمم لمواقعها التاريخية، والمهرجان المبرمج لم يعد شأنا داخليا صرفا، بل بات بعدما خرجت أصوات مغربية وفلسطينية لتطالب بالامتناع عن الرقص والفرح فوق جثث ضحايا المحرقة الجديدة، جزءا مما سيجيب عن سؤال من نحن؟ في المستقبل القريب”.

وشدد مسكين على أنه “لابد أن ننتبه إلى ما نقدم عليه حاليا، من توقيع على اختيارات سترهن مستقبلنا جميعا، لأنها سترسّخ في أذهان أجيال كاملة كيف “تصرّفنا” في لحظة إنسانية فارقة، وكيف تصرّفت دولتنا”.

وتابع: “لابد أن ننتبه إلى أننا نوظف اسم وثقل ورمزية الملك، (محمد السادس) أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، في حفلة سوف يسجّلها علينا القريب والبعيد، حفلة تنكرية للرقص فوق أشلاء الفلسطينيين”.

ولفت إلى أن “الموازين الحقيقية ليست هي التي سنرقص على إيقاعاتها في منصات مدينتي الرباط وسلا، بل هي تلك التي تصنعها مقاومة شعب صامد هناك في فلسطين، ينصب الكمائن للغزاة تحت الأرض، ويعانق حمم النيران والقنابل فوقها”.

وأكد أنه “علينا أن ننتبه لأن ما يمكن تعديله أو تصويبه أو تصحيحه الآن، قد لا يكون ممكنا غدا.. الموازين الحقيقية تُصنع في غزة، لا في (مدينتي) تازة ولا في الرباط!”.

من جانبه، قال الكاتب أحمد فطري: "يتزامنِ مهرجان موازين هذه السنة مع معاناة الشعب الفلسطيني المجاهد في غزة، حيث لم تتوقف آلة الدمار الصهيوني منذ شهور عن تقتيل وإبادة وتجويع وتهجير هذا الشعب الأبي؛ مقابل ردود أفعال دولية رسمية غريبة في عمومها، تتوزع بين المشاركة والمباركة واللامبالاة والإدانة الصامتة!!".

وأضاف في مقال نشره عبر موقع "حزب العدالة والتنمية" في 26 مايو أنه "في ظل هذه الأجواء القاتمة، ودماء إخواننا الفلسطينيين تُسفك يوميا،… فإننا ننتظر ممن بأيديهم زمام الأمور أن يتّقوا الله، ويستجيبوا لِوخزات ضمائرهم، ولِدعوات مواطنيهم، ولِرغبات إخوانهم من العرب والمسلمين والمتعاطفين؛ ويعلنوا عاجلا عن إلغاء المهرجان الذي اختلّت موازينه".

واستطرد: "على أمل أن تتمّ إعادة النظر -على الأقل- في العديد من مكوناته الشكلية والموضوعية مستقبلا، إن لم يتم إلغاؤه بالمرة…".