"رابطة عاطفية".. كيف يتلاعب “البنتاغون” بصناعة السينما في هوليوود؟
البنتاغون يتحكم بسيناريوهات السينما في هوليوود لضمان تصوير الجيش الأميركي بصورة إيجابية
تسيطر وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” على صناعة السينما في هوليوود وتستخدمها كأداة للترويج لأجنداتها العسكرية.
هذا ما توصل إليه موقع "تيليبوليس" الألماني، مستعرضا أمثلة على ذلك كفيلم "توب غن" وسلسلة “مارفل”.
وبين الموقع أن البنتاغون يتحكم بسيناريوهات تلك الأعمال لضمان تصوير الجيش الأميركي بصورة إيجابية.
ويشير إلى أن هذه الممارسة تهدف إلى التأثير على الجمهور بشكل غير واع وغير ملحوظ، وتعزيز دعمهم للتدخلات العسكرية الأميركية.
وفي هذا الإطار، يعكس الموقع تصريحات بعض الخبراء والأكاديميين الذين يدرسون هذا الموضوع، مثل روجر ستال وماثيو ألفورد.
تلاعب خفي
ونقل مقولة لـ“إلمر ديفيس”، أول مدير لمكتب معلومات الحرب الأميركي (OWI)، بأن "أسهل طريقة لغرس فكرة دعائية في أذهان معظم الناس هي نقلها عبر أفلام الترفيه، لأنهم عندها لا يدركون أنه يُتلاعب بهم".
ومن هنا، يشير الموقع إلى أنه في عام 1953، عندما كانت الحرب الباردة في أوجها، علق الرئيس الأميركي حينها، دوايت أيزنهاور، على الشراكة المتزايدة بين هوليوود والبنتاغون بقوله: "يجب أن تكون يد الحكومة مخفية بعناية وتكون غير مرئية".
وأضاف أن المشاركة يجب أن تتم "من خلال اتفاقيات مع جميع أنواع الشركات الخاصة في مجالات الترفيه والدراما والموسيقى وغيرها".
وبالإشارة إلى الصناعة الترفيهية العسكرية، يستدل الموقع بأعمال مثل فيلم "توب غن" وسلسلة "مارفل" وبرنامج “اكستريم ميك أوفر”، فضلا عن أن البنتاغون أثرت على قصص أكثر من 2500 فيلم وبرنامج تلفزيوني.
وفي فيلم وثائقي له يُدعى "Responsible Statecraft"، أشار رئيس قسم علوم الاتصال في جامعة جورجيا روجر ستال، إلى أن "وزارة الدفاع تربط إعارة أنظمة الأسلحة بشرط الوصول الكامل إلى سيناريو العمل الترفيهي من خلال مكتب تواصل الترفيه، الذي يعد خليفة لـ "OWI"".
وفي هذا السياق، يلفت الموقع الألماني إلى أن "السيناريو عندما يُراجع ويُعاد مع ملاحظات أو حتى تغييرات كبيرة في الحبكة، يمكن للاستوديو أن يقبل التغييرات بالكامل أو أن يفقد الوصول إلى الموارد العسكرية".
وهذه العلاقة غير المتكافئة ممكن أن تؤدي إلى دعاية فاضحة، وفق ما ورد عن الموقع.
رابطة عاطفية
وعلى جانب آخر، يظهر أن توم سيكر، الصحفي الذي وصفته وزارة الدفاع الأميركية بأنه "مزعج" بسبب استفساراته المستمرة بموجب قانون حرية المعلومات الأميركي، نشر عقد دعم الإنتاج غير المنشور حتى الآن لفيلم "Dead Reckoning".
ويتضمن العقد ليس فقط إذنا لطاقم الفيلم بتصوير مشاهد على قواعد عسكرية أميركية في الإمارات.
ولكن أيضا إعارة وزارة الدفاع لفريق الإنتاج طائرة "V-22 Osprey" لتصوير مشاهد لا تقل عن اثنتين، تظهر فيها الطائرة من الداخل والخارج.
جدير بالإشارة إلى أن هذه الطائرة هي كارثة كلفت الولايات المتحدة 120 مليار دولار.
كما أنها على بعد خطوة واحدة فقط من الخروج من الخدمة لأنها سببت وفاة 62 عسكريا.
ووفقا لستال، فإن هذه المشاهد مخطط لها بشكل مدروس لتأسيس "رابطة عاطفية بين المشاهد والنظام السلاحي".
ويهدف ذلك -في رأي الموقع- إلى تجنب الانتقادات عندما يدرك المشاهدون العبثية والتكلفة الباهظة للطائرة ولأي أنظمة عسكرية أخرى.
وهنا، يؤكد ستال أن هذا يسهم في "جعل هذا الإنفاق الضخم يبدو طبيعيا".
كما يعتقد أن "إدماج مثل هذه المشاهد يعني أن البنتاغون يمكنها أن تظهر كيف أن منتجاتها الجديدة جذابة ورائعة ومفيدة وهدفها واضح".
وفي غضون ذلك، يقلل هذا من إدراك الجمهور لـ "الجانب القذر والمزعج والقاسي" للصناعة.
وفي هذا الصدد، ينوه الموقع أنه بينما كانت تبرر في السابق أهداف تعاونها مع صناعة الترفيه بمبدأ تعزيز "صدق تصوير العمليات العسكرية" والحفاظ على "معيار مقبول من الكرامة" في تمثيل القوات المسلحة، فإن هذه التوجيهات تغيرت في عام 1988.
إذ تشمل أهداف التعاون الجديدة "تعزيز الفهم العام للقوات المسلحة الأميركية ووزارة الدفاع".
بالإضافة إلى "تحسين برامج التجنيد والتثبيت للقوات المسلحة والامتثال والتعزيز لسياسات الحكومة الأميركية".
وجود مضطرب
وعلى جانب آخر، يلفت الموقع إلى أن الأعمال الترفيهية العسكرية لا تنفك عن "إظهار الولايات المتحدة بحامية الناس من ديكتاتوريي العالم".
فعلى سبيل المثال، في الموسم الثاني من مسلسل "جاك ريان"، يعمل جيم الذي يُحبه الجميع بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية على إسقاط ديكتاتور فنزويلي يحمل أسلحة نووية.
ومن اللافت للنظر أن هذا المسلسل عُرض تقريبا في الوقت الذي قدمت فيه واشنطن خوان جوايدو كزعيم جديد لفنزويلا. ويؤكد الموقع الألماني أن "المشكلة تكمن في مصالح الشعب الأميركي".
ويرى أنه "على الرغم من أن الحكومة تركز على الدعم المالي الحكومي وبرامج الرعاية الاجتماعية، إلا أنها لا تدرك تكاليف الارتباط العسكري الأميركي في العالم".
وتقدر هذه التكاليف بثمانية تريليونات دولار أميركي فقط في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.
ونتيجة لذلك، مع ميزانية عسكرية تقترب بسرعة من تريليون دولار، ونظام جديد للصواريخ الباليستية النووية بعيدة المدى، يقول الموقع إن "تأثير الصناعة الترفيهية العسكرية يَظهر بشكل أكبر وأكثر اضطرابا ووجودا من أي وقت مضى".
وفي هذا السياق، ينقل توصيات ستال في فيلمه الوثائقي، والتي تفيد بأن "كل فيلم أو مسلسل تشارك فيه البنتاغون يحتوي على إشارة واضحة في بدايته، تدل على مشاركة وزارة الدفاع أو وكالة الاستخبارات المركزية أو أي جهة حكومية أخرى في الإنتاج".
ومن وجهة نظره، سيعلم المشاهدون بذلك أن "ما سيرونه على الأقل هو "فكرة دعائية""، كما وصفها إلمر ديفيس.
وفي النهاية، يدعو الموقع إلى مزيد من الشفافية، مقترحا أن تحتوي الأفلام والمسلسلات التي تتدخل فيها البنتاغون على إشعارات واضحة في بدايتها تشير إلى هذه التدخلات، لتمكين المشاهدين من فهم السياق الدعائي للمحتوى الذي يشاهدونه.