السعودية تطلب إجراء مناورات مشتركة مع إيران.. ما سر التوقيت؟

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

في تحرك غير معهود، كشف قائد البحرية الإيرانية الأدميرال شهرام إيراني، عن طلب تقدمت به المملكة العربية السعودية إلى طهران، بإجراء مناورة بحرية مشتركة في منطقة البحر الأحمر، الأمر الذي أثار تساؤلا ملحا عن دلالات هذه الخطوة في الوقت الحالي.

جاء ذلك قبل توجيه إسرائيل ضربات إلى إيران في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد هجوم شنته الأخيرة على الأراضي المحتلة مطلع الشهر نفسه، بنحو 200 صاروخ، انتقاما لاغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في طهران.

وتزامنا مع ذلك، تواصل جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران شن هجمات في منطقتي البحر الأحمر وبحر العرب، ضد سفن تقول إنها مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، وذلك دعما للفلسطينيين في قطاع غزة الذي يتعرض إلى إبادة متواصلة منذ 7 أكتوبر 2023.

"قلق إسرائيلي"

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي تعليق سعودي على تصريحات شهرام إيراني حتى 25 أكتوبر، أوضح الأخير أن القوات البحرية الإيرانية توجد في البحر الأحمر، وأن السعودية ”أبدت رغبتها في تنظيم مناورات مشتركة في تلك المنطقة".

ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن إيراني قوله في 21 أكتوبر، إن "الاقتراح يتضمن إجراء تدريبات ثنائية إلى جانب مناورات بمشاركة دول أخرى"، مشيرا إلى أن "التنسيق بين الجهات المعنية في البلدين جار".

وأكد قائد البحرية الإيرانية أن "وفود البلدين ستجري المشاورات اللازمة حول كيفية تنظيم المناورة"، لافتا إلى أن كليهما دعا بعضهما لزيارة موانئ الآخر.

وفي تعليق مقتضب على المناورات السعودية الإيرانية، وصفت صحيفة "معاريف" العبرية الخطوة بأنها "مقلقة لإسرائيل".

وحسبما أوردت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، في 21 أكتوبر، سبق أن ناقش مسؤولو الدفاع في السعودية وإيران، التعاون العسكري "في علامة على أن الحرب بين إسرائيل وحماس تقرب بين الخصمين السابقين".

وفي 18 و19 أكتوبر، استضافت إيران مناورات "أيونز 2024" البحرية، بمشاركة روسيا وسلطنة عمان وعدد آخر من البلدان، بعضها مطل على المحيط الهندي، في حين شاركت فيها الهند وتايلاند وبنغلادش وباكستان وقطر والسعودية بصفة مراقب.

وتعليقا على تلك المناورات قال الأدميرال الإيراني إن "أيونز 2024" تظهر أنه لا يمكن عزل إيران، مؤكدا أن "هذه المناورات أظهرت أن طهران بنت أسس محاولاتها إحلال السلام والأمن في المجتمع الدولي".

وفي عام 2018، شاركت الدولتان إلى جانب عمان وباكستان في مناورة بحرية مشتركة في المحيط الهندي تحت عنوان "تحالف الصداقة".

وإذا تحققت المناورات التي تحدث عنها إيراني، فإنها تعد الأولى التي تجمع بين السعودية وإيران بشكل مباشر، بعد توتر شكّل السمة الأبرز للعلاقات بينهما منذ قيام نظام ولاية الفقيه في إيران عام 1979.

وقطعت السعودية العلاقات مع إيران عام 2006، على خلفية حرق مقر سفارتها في طهران، بعدما أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.

لكن البلدين استعادا علاقاتهما الدبلوماسية منذ مارس/آذار 2023، بواسطة الصين في اتفاق أنهى القطيعة، ثم أعقبها إعادة فتح السفارات وتبادل السفراء وزيارات دبلوماسية.

"فقدان الثقة"

وبخصوص دلالات توقيت الطلب السعودي، قال تشو وي لي، مدير "معهد دراسات الشرق الأوسط" بجامعة شنغهاي الصينية للدراسات الدولية، إنه "بينما حافظت إيران والسعودية على نهج سلمي للدبلوماسية، من المرجح أن يمتد التعاون بين البلدين إلى المجال العسكري".

وأوضح تشو خلال حديث لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الناطقة بالإنجليزية في 24 أكتوبر أن "ذلك يعني، أن موجة المصالحة ليست راكدة أو معكوسة، بل تتقدم إلى أبعد من ذلك بكثير".

وأعرب مدير المعهد الدراسات الصيني عن اعتقاده بأن "الصين تقدر بشدة إمكانية التعاون بين البلدين في مجال الأمن"، مؤكدا أنه "إذا استمرت المناورة المشتركة، فإنها تكشف عن أن دول الشرق الأوسط فقدت الثقة في الولايات المتحدة".

وعن كونها تأتي في سياق الوضع الحالي الذي يمر به الشرق الأوسط، قال تشو إن "هذه المناورة المشتركة المحتملة تستدعي انتباه المجتمع الدولي العالمي وتعمل كتذكير بأنه يجب أن يكون أكثر اهتماما بإرادة الدول الإقليمية نفسها بدلا من تصرفات الدول الكبرى".

وأشار تشو إلى أنه "مع فشل الولايات المتحدة مرارا وتكرارا في الوفاء بأقوالها بأفعال ملموسة، سيكون من الصعب كسب ثقة الدول الإقليمية والدول النامية ودول الجنوب العالمي، وبالتالي فإن مصداقية أميركا في دول الخليج محكوم عليها بالتراجع".

وبحسب الصحيفة، فإن "أي تعاون محتمل بين الجانبين هذه المرة لا ينبغي تفسيره بشكل مبالغ فيه على أنه يستهدف الولايات المتحدة أو منافسين إقليميين آخرين، بل يعكس بدلا من ذلك جهدا تعاونيا أكبر لتعزيز إدارة الأمن في منطقة البحر الأحمر".

وأشارت إلى أن "القوتين الإقليميتين، اللتين كانتا في مواجهة إستراتيجية ذات يوم، تعملان الآن على تعزيز تعاونهما بحذر بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، مما يعود بالنفع على استقرار المنطقة".

ولم تشترك السعودية ضمن تحالف "حارس الازدهار" الذي شكلته الولايات المتحدة وبريطانيا وأكثر من 20 دولة، في يناير/كانون الثاني 2024، ووجه مئات الضربات الجوية على الحوثيين، لإيقاف هجمات الأخيرة على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.

كما تعثرت جهود السعودية للتوسط في اتفاق سلام بين مختلف الأطراف اليمنية، وذلك في أعقاب هجمات الحوثيين على السفن بالبحر الأحمر وبحر العرب، منذ أكتوبر 2023.

هجمات متبادلة

الطلب السعودي لإجراء مناورات عسكرية مع إيران، يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة هجمات متبادلة بين إسرائيل وإيران، كان آخرها الهجوم الإسرائيلي في 26 أكتوبر.

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، دانيال هاغاري، خلال بيان له في 26 أكتوبر، إن القوات الإسرائيلية شنت "ضربات دقيقة" على أهداف عسكرية في إيران.

وأضاف أن النظام الإيراني ووكلاءه في المنطقة هاجموا إسرائيل بشكل متواصل منذ السابع من أكتوبر 2023 "على سبع جبهات، بما يشمل الهجمات المباشرة من الأراضي الإيرانية".

وأكد هاغاري على حق إسرائيل في الرد، مشددا على أن القدرات الدفاعية والهجومية في البلاد "مستنفرة بالكامل".

من جهته، أعلن الجيش الإيراني، خلال بيان بثه التلفزيون الرسمي في 26 أكتوبر، مقتل اثنين من جنوده في الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية بإيران.

وجاء في البيان: "فقد الجيش الإيراني خلال الليل اثنين من جنوده في أثناء التصدي للقذائف التي أطلقها النظام الصهيوني المجرم، وذلك في إطار الدفاع عن السيادة، وأمن إيران، وحماية الشعب والمصالح الوطنية".

وبعد إعلان إسرائيل إنهاء الهجمات على الأراضي الإيرانية، أفادت وكالة "تسنيم" شبه الرسمية في 26 أكتوبر، بأن إيران سترد “بما يناسب”.

وقالت وسائل الإعلام الإيرانية إن سلسلة من الانفجارات وقعت على مدار ساعات في العاصمة طهران، وقرب قواعد عسكرية، بدأت قبل الثانية فجرا بقليل من يوم 26 أكتوبر.

وسبق الهجوم الإسرائيلي، جولة خليجية أجراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في 8 أكتوبر، بعد أيام من زيارة أجراها رئيس البلاد، مسعود بزشكيان، إلى الدوحة في الثاني من الشهر نفسه.

وعن تفاصيل ما جرى بحثه، كشفت شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، في 11 أكتوبر، أن "بزشكيان، ووزير خارجيته، طلبا من دول الخليج استخدام نفوذها لدى واشنطن لحث الأخيرة على الطلب من إسرائيل تخفيف حدة ردها على إيران".

وخلال زيارته إلى الدوحة، ولقائه بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، توعد بزشكيان بالرد "بشكل أقوى وأشد إذا ردت إسرائيل علينا"، مؤكدا أن بلاده تتطلع للسلام والهدوء لكن الأخيرة "تجبرنا على الرد".

وفي اليوم ذاته، التقى كل من الرئيس الإيراني، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في العاصمة القطرية الدوحة.

إذ أعرب بزشكيان للأخير عن "ارتياحه للعلاقات المتنامية بين إيران والسعودية"، من دون الكشف عن تفاصيل ما دار بين الطرفين.

وأضافت الشبكة الأميركية، أن "إيران حذرت جيرانها الخليجيين من مغبة مساعدة إسرائيل في الهجوم المحتمل عليها"، وذلك خلال الجولة التي أجراها بزشكيان وعراقجي.