"جيوش اللوبيات" تقود سباق التسلح النووي بالعالم بمليارات الدولارات.. كيف؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

تنخرط وزارة الدفاع الأميركية "بنتاغون" في خطة ضخمة تمتد لسنوات بقيمة تريليوني دولار؛ لبناء جيل جديد من الصواريخ والقاذفات والغواصات المسلحة نوويا.

ويذهب جزء كبير من هذا التمويل إلى شركات الأسلحة النووية الكبرى مثل بكتل (Bechtel)، وجنرال ديناميكس (General Dynamics)، وهانيويل (Honeywell)، ولوكهيد مارتن (Lockheed Martin)، ونورثروب غرومان (Northrop Grumman).

وبحسب مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية، فإن هذه الشركات "ستبذل كل ما في وسعها للحفاظ على تدفق هذه الأموال".

جيش اللوبيات

وفي تقرير لها، استعرضت المجلة ما وصفته بـ"جيش اللوبيات الذي يقف خلف الزيادة البالغة 2 تريليون دولار في ميزانية الأسلحة النووية".

وقالت إن "في يناير/كانون الثاني 2024، وجدت مراجعة للكونغرس لبرنامج الصاروخ الباليستي العابر للقارات "سينتينيل" (Sentinel) أن الصاروخ تجاوز بالفعل ميزانيته الأصلية بنسبة 81 بالمئة".

ويُعد صاروخ "سينتينيل" جوهرة التاج في خطة الإصلاح النووي الأميركية، التي تتضمن 450 مستودعا لتخزين الصواريخ منتشرة عبر خمس ولايات.

وتشير التقديرات إلى أن تكلفة تطويره وشرائه ستبلغ إجمالا نحو 141 مليار دولار، وهو رقم من المرجح أن يرتفع في المستقبل.

وأفاد التقرير بأنه كان لدى البنتاغون خيار إلغاء برنامج "سينتينيل" بسبب هذه الزيادة المذهلة في التكلفة.

لكن بدلا من ذلك، ضاعفت الوزارة ميزانية البرنامج، مؤكدة أنه سيكون عنصرا أساسيا في أي رادع نووي في المستقبل ويجب أن يستمر، حتى ولو على حساب خفض تمويل برامج الدفاع الأخرى.

وفي معرض تبريره للقرار، صرح نائب وزير الدفاع الأميركي ويليام لابلانت، قائلا: "نحن ندرك تماما التكاليف، ولكننا ندرك أيضا المخاطر المترتبة على عدم تحديث قواتنا النووية وعدم معالجة التهديدات الحقيقية التي نواجهها".

وتساءلت المجلة: "بالنظر إلى التصعيد النووي على مستوى العالم، هل حان الوقت لهذه الدولة لاستثمار أموال دافعي الضرائب في جيل جديد من الأسلحة الفتاكة التي تعتمد على مبدأ: "استخدمها أو ستخسرها؟"

ولطالما قال الجمهور الأميركي "لا" لمثل هذا السؤال، فوفقا لاستطلاع أجراه برنامج التشاور العام (Public Consultation) بجامعة ماريلاند في عام 2020، فإن 61 بالمئة من الأميركيين يؤيدون التخلص التدريجي من أنظمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مثل "سينتينيل".

وقالت المجلة إن "خطة البنتاغون المعيبة للإبقاء على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في الترسانة الأميركية لعقود قادمة، يعززها النفوذ السياسي لأعضاء الكونغرس والشركات التي تجني أرباحا مالية من هذا التوسع العسكري المتزايد".

مَن يقرر؟

وضربت المجلة الأميركية مثالا على قوة لوبي الأسلحة النووية بائتلاف صواريخ "سينتينيل" في مجلس الشيوخ.

ويتكون هذا الائتلاف من أعضاء مجلس الشيوخ من أربع ولايات هي: مونتانا، نورث داكوتا، يوتا، ووايومنغ، وهي الولايات التي تضم قواعد رئيسة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات أو تشهد أعمالا كبيرة على صواريخ "سينتينل".

وتابعت: "ربما لن تفاجأ حين تعلم أن أعضاء هذا الائتلاف تلقوا أكثر من 3 ملايين دولار في شكل تبرعات من الشركات المشاركة في إنتاج صواريخ "سينتينل" على مدى الدورات الانتخابية الأربع الأخيرة".

وأردفت أنهم "لم يكونوا وحدهم في ذلك؛ فقد قدمت شركات تصنيع الصواريخ مساهمات مالية لـ 92 من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ و413 من أصل 435 عضوا في مجلس النواب في عام 2024، بعضهم تلقى مئات الآلاف من الدولارات".

وأكدت المجلة أن "جماعات الضغط المعنية بالسلاح النووي أولت اهتماما خاصا لأعضاء لجان القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ".

على سبيل المثال، مايك تورنر، وهو جمهوري في مجلس النواب عن ولاية أوهايو، هو من أشد المدافعين عن "تحديث" الترسانة النووية.

وفي حديثه في يونيو/ حزيران 2024 بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، والذي تلقى بدوره أكثر من مليون دولار من تمويل منتجي الأسلحة النووية، دعا تورنر إلى تحديث الترسانة النووية بشكل منهجي لعقود قادمة.

ولم يتوانَ "تورنر" عن انتقاد أي من زملائه في الكونغرس الذين لا يتبنون موقفا متشددا في هذا الشأن.

وقالت المجلة: "على الرغم من أن تورنر يروج بقوة للحاجة إلى بناء ترسانة نووية بتكاليف باهظة، إلا أنه يتجاهل حصوله على مساهمات بلغت 305 آلاف دولار.

وهذا يجعله رابع أكبر متلقٍ لتمويل جماعات اللوبي الداعمة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات خلال الدورات الانتخابية الأربع التي أجريت بين عامي 2018 و2024.

وبالتالي، ليس من المستغرب -بحسب التقرير- أن يدفع "تورنر" باتجاه تطوير أسلحة نووية جديدة، وأن يعارض بشدة تمديد "معاهدة ستارت الجديدة" لتخفيض الأسلحة النووية.

وفي مثال آخر على تأثير شركات اللوبي، تمكنت النائبة المخضرمة عن ولاية تكساس، كاي جرانجر، من الحصول على أكبر قدر من المساهمات المالية من لوبي الصواريخ مقارنة بأي عضو آخر في مجلس النواب، بحصولها على 675 ألف دولار.

وبفضل مساهمات العاملين في صناعة الصواريخ، دافعت "جرانجر" عن جماعات الضغط، وأضفت غطاء نسويا على "التحديث" النووي، عبر إلقاء خطاب عن تجربتها كامرأة في السياسة في مؤتمر السيدات التابع لشركة نورثروب غرومان.

كما أن حسابها على موقع "إكس" مليء بمنشورات الإشادة بشركة "لوكهيد مارتن" وطائراتها المقاتلة "F-35"، التي تتسم بارتفاع أسعارها وضعف أدائها.

مساعدات بملايين الدولارات

وقالت المجلة إن "تدفق المساهمات للحملات الانتخابية من شركات تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يتعزز بالأموال المذهلة التي تخصصها اللوبيات لذلك".

"ففي كل عام، توظف صناعة الأسلحة ككل ما بين 800 و1000 من شركات اللوبي، أي أكثر من شركة لكل عضو واحد في الكونغرس".

وخلال الدورات الانتخابية الأربع الأخيرة، أنفقت شركات تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ما يزيد على 226 مليون دولار على 275 من جماعات الضغط التي تتقاضى أجورا عالية للغاية.

وهناك خللان أساسيان -بحسب التقرير- في السردية المتعلقة بأن إنتاج الأسلحة النووية يزيد من خلق الوظائف.

أولا، يجب أن يرتكز الإنفاق العسكري على حسابات الأمن القومي، وليس على مكاسب سياسية ضيقة.

ثانيا، كما أوضحت هايدي بلتيير، من "مشروع تكاليف الحرب" (Costs of War Project)، فإن أي استثمار بديل للأموال المخصصة حاليا لبرامج البنتاغون يمكن أن يخلق بين 9 إلى 250 بالمئة وظائف أكثر مما يوفره الإنفاق على الأسلحة.

وقالت المجلة: "لو اختار الكونغرس توجيه تلك الأموال نحو مواجهة تغير المناخ، أو التصدي للأوبئة المستقبلية، أو مكافحة الفقر والتشرد -وهي كلها تهديدات خطيرة للأمن العام- لتمكن الاقتصاد الأميركي من خلق مئات الآلاف من الوظائف.

وتابعت: "إن تمويل هذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، في الواقع، ليس فقط مضيعة للفرص، بل هو قرار يقضي على الوظائف بدلا من خلقها".

وأردفت أنه "بالنظر إلى كيفية سير سياسات الإنفاق في البنتاغون، فلا ينبغي أن يكون مفاجئا أن تتأثر سياسة الأسلحة النووية بشكل كبير بالأفراد والمنظمات التي تحقق أرباحا من سباق التسلح المستمر".

ومع ذلك، في حالة هذه الأسلحة، فإن الرهانات عالية لدرجة أن القرارات الحاسمة ينبغي ألا تُتخذ وفقا للمصالح الضيقة، بحسب وصف مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت".

وختمت المجلة بالقول: "إن تأثير مجموعات المصالح الخاصة وشركات تصنيع الأسلحة على قضية حياة أو موت مثل هذه، يُعدّ انتهاكا أخلاقيا وربما يمثل الخطر الأكبر على الأمن القومي الأميركي".