تعاون متقدم بين حفتر وبيلاروسيا.. كيف أصبح شرق ليبيا مرتعا للروس؟

داود علي | منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في استمرار لمناوراته غير الشرعية، أجرى اللواء الانقلابي في شرق ليبيا خليفة حفتر زيارة إلى بيلاروسيا في 17 فبراير/ شباط 2025. 

ومثل الغموض بشأن التوقيت والأهداف المحاطة بتلك الزيارة، رغم أن ملامح التعاون الاقتصادي طغت على متابعة وسائل الإعلام البيلاروسية، إلا أن اصطحاب حفتر لعائلته أثار التساؤلات.

تلك التساؤلات تركزت حول الأبعاد العسكرية والسياسية للزيارة، ومدى ارتباطها بالصراع الدائر في ليبيا وتنافس القوى الإقليمية والدولية على النفوذ هناك، إضافة إلى الموقف الأميركي الأوروبي من تعزيز النفوذ العسكري لروسيا وبيلاروسيا.

واصطحب حفتر معه نجليه، صدام قائد أركان قواته البرية، وخالد قائد أركان قواته الأمنية، إضافة لصهريه، باسم البوعيشي قائد كتيبة الحرس الخاص، وأيوب الفرجاني قائد أكبر كتيبة عسكرية تسيطر على بنغازي. 

وتزامنت تلك الزيارة مع الحديث عن استعداد روسيا نقل جزء من وجودها العسكري من سوريا إلى ليبيا. 

وتعد بيلاروسيا حليفا مقربا من موسكو، وقد تمثل حلقة وصل جديدة بينها وبين حفتر المسيطر على شرق ليبيا وسواحلها الإستراتيجية، وذلك ليتجاوز التحذيرات الأميركية الأوروبية الموجهة له بشأن تحالفه العسكري المتقدم مع روسيا.

حفتر وبيلاروسيا

وعقب عودة حفتر من العاصمة مينسك، تحدثت تقارير عن طبيعة نفوذ وتطلعات الوافد الجديد إلى ليبيا، بيلاروسيا، لا سيما مع حصول الجنرال الانقلابي على دعم غير مشروط من الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، وذلك مقابل السماح بإنشاء قاعدة عسكرية مشتركة في طبرق، الواقعة في أقصى الشرق الليبي، لتعزيز الوجود الروسي بالمنطقة.

ونشر موقع الأنباء الإيطالي “أجينسيا نوفا” مطلع مارس/ آذار 2025، عن وجود بنود غير معلنة تمت بين حفتر ولوكاشينكو، منها الوعد الذي قدَّمه لوكاشينكو مقابل السماح بإنشاء جيب عسكري صغير داخل أراضي مدينة طبرق؛ حيث ستتمركز فيه بشكل دائم وحدة عسكرية روسية وبيلاروسية.

وأوضح الموقع أن تزايد الوجود العسكري الروسي في شرق ليبيا، ليس بالأمر الجديد على الإطلاق، بل هو امتداد لديناميكية تمت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحفتر.

وازدادت حدتها مع التغيرات في موازين القوى التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الأخيرة، ومحاولة روسيا رأب الصدع.

ولفت الموقع إلى أنه منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، لوحظ مرارا وتكرارا كيف أن روسيا، بعد فقدانها لحليف إستراتيجي مع سقوط الأسد، بدأت إعادة النظر في إستراتيجيتها الجيوسياسية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط.

وذلك من خلال نقل مركز ثقل مصالحها من سوريا إلى شرق ليبيا عبر سلسلة من الجسور الجوية العسكرية التي رصدها موقع إيتاميل رادار "موقع إيطالي متخصص في شؤون الملاحة"، بين القاعدة الجوية السورية في حميميم ونظيرتيها الليبيتين في الخادم والجفرة.

الأمن الأوروبي 

وحذرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية من التحركات الروسية والبيلاروسية المتزايدة في ليبيا، مقدرة أن هذا التوسع يهدد الأمن الأوروبي بشكل مباشر، ويعقد الوضع في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا.

وترى المجلة في تقرير لها أن التحول الروسي نحو ليبيا “قد يكون رد فعل على التطورات في سوريا، لكنه يحمل في طياته مخاطر جمّة على الأمن الإقليمي”.

وأشارت إلى أن ليبيا المنقسمة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وقوات خليفة حفتر، أصبحت مرتعا للقوى الخارجية الساعية لتعزيز نفوذها مثل روسيا وبيلاروسيا. 

ثم استعرضت المجلة أدلة على تعزيز ذلك الوجود في ليبيا، نقلا عن وزارة الدفاع الإيطالية؛ حيث استعرضت نشاط طائرات شحن روسية قادمة من سوريا، تقوم بإعادة نشر معدات عسكرية رئيسة في قواعد عسكرية شرق ليبيا.

وفي ظل تلك التطورات، كان هناك تساؤل لافت عن زيارة حفتر إلى مينسك، في ظل تحالفه الأقوى والأقدم مع موسكو، هل كان الجنرال الليبي المتقاعد في حاجة إلى إثبات أن موسكو ليست حليفته الوحيدة ولماذا.

وأجاب عن هذا السؤال، تقرير المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، ومقره لندن؛ حيث نشر في 19 فبراير 2025، مقالة للمحلل الخبير في شؤون ليبيا، جلال الحرشاوي.

ومما قاله فيها: "رغم عودة إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)، يواصل الضغط على حفتر لإبعاد نفسه عن روسيا إذا كان يريد تعاونا عسكريا أكبر واعترافا من الولايات المتحدة". 

وتابع: "المسألة الروسية تظل حساسة حتى بعد رحيل الديمقراطيين عن المشهد"، وذكر أن لهذا السبب تحديدا يشعر جنرال برقة بالحاجة إلى إثبات أن لديه محاورين آخرين للحصول على التدريب وقطع الغيار والإمدادات العسكرية.

وأوضح أن "المرشح الوحيد للعب هذا الدور، بيلاروسيا، التي تعمل ككيان تابع لروسيا أكثر من كونها كيانا مستقلا حقيقيا". 

وأردف أنه "مع ذلك، تأمل عائلة حفتر في تصوير مينسك ككيان منفصل عن الكرملين، مما يعطي الانطباع بأن موسكو ليست الداعم العسكري الوحيد للجيش الليبي".

 وهو ما أكَّده المحلل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، عماد الدين بادي.

وقال بادي لوكالة "نوفا" الإيطالية في 18 فبراير: إن "بيلاروسيا ليست سوى قمر صناعي لروسيا يعمل كامتداد لأهداف موسكو الجيوسياسية". 

وأضاف: "بيلاروسيا هي دولة تابعة لروسيا، كانت منذ فترة طويلة رديفا للكرملين في كثير من المشروعات التوسعية، وانخراطها مع حفتر ليس استثناء".

أوروبا والمتوسط

وفي 15 ديسمبر 2024، بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد، شوهدت أرتال عسكرية من الدبابات والمدرعات الروسية، على الطريق الدولي بين اللاذقية والعاصمة دمشق، تسير عكس الاتجاه، أي تنسحب من جنوب العاصمة إلى الساحل.

وفي ذلك اليوم أعلن 4 مسؤولين سوريين أن روسيا بدأت في سحب قواتها من الخطوط الأمامية في شمال سوريا ومن مواقع في جبال الساحل، لكنها لم تغادر قاعدتيها الرئيستين (حميميم وطرطوس).

ذلك التراجع الروسي في سوريا قابله تقدم وتدعيم خطوط في ليبيا؛ حيث الشمال الإفريقي وشرق المتوسط.

ويبدو أن موسكو وهي تُرتّب أوراقها بين ظلها بيلاروسيا وحليفها حفتر، كانت قد اتخذت إستراتيجيات ميدانية عسكرية، كمحاولة مستمرة للوجود والتأثير والضغط، وتحديدا على خصومها الدوليين في أوروبا، أو أولئك الذين نافسوها على مسرح الأحداث في سوريا، كتركيا.

وفي 17 ديسمبر 2024، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين أميركيين وليبيين أن روسيا تسحب عتادا عسكريا متطورا من قواعدها في سوريا وتنقله إلى ليبيا.

وأضافت أن البيانات الملاحية أظهرت طائرات شحن روسية أجرت رحلات عدة إلى قاعدة الخادم، الموجودة جنوب مدينة المرج بالشرق الليبي (تقع على بعد حوالي 170 كيلومترا شرق بنغازي مقر حفتر).

وأكد المسؤولون للصحيفة الأميركية أن طائرات شحن روسية نقلت معدات دفاع جوي متقدمة، بما في ذلك رادارات لأنظمة الدفاع الجوي "إس-400″ و"إس-300"- من قواعدها في الساحل السوري إلى قواعد في شرق ليبيا يسيطر عليها حفتر.

كما ذكرت المصادر المسؤولة أن موسكو تدرس تطوير منشآتها في طبرق شرقي ليبيا لاستيعاب السفن الحربية الروسية. 

منطقة نفوذ

كذلك نشر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي تقريرا في 16 ديسمبر 2024، عمّا أسماه "الجسر الجوي" الذي أقامته روسيا مع ليبيا.

ورأى أن الضفة الجنوبية للبحر المتوسط قد تصبح مسرحا جديدا للصراع والتجاذبات الجيوسياسية بين موسكو وحلف “الناتو”. 

وفي التقرير الذي أعدَّه الكاتب الإيطالي جوزيبي غاليانو، أورد المعلومات التي نشرها موقع "إيتاميل رادار" حول الجسر الجوي بين روسيا وليبيا.

وكشف عن طموحات موسكو في منطقة المتوسط، كما أشار إلى تحول في إستراتيجيتها الجيوسياسية.

وبحسب غاليانو فإن التحرك الروسي يأتي في لحظة تغيير إستراتيجي بالنسبة لموسكو؛ حيث بدأت في سحب قواتها من قاعدة حميميم الجوية في سوريا، وركزت اهتمامها مجددا على قواعدها في ليبيا.

كذلك أشار غاليانو إلى أن اختيار مدينة برقة الليبية كوجهة لهذا الجسر الجوي ليس اختيارا عشوائيا؛ لأن الشرق الليبي الخاضع لسيطرة قوات حفتر، يمثل منطقة نفوذ إستراتيجي لروسيا.

وشكك في قدرة حلف الناتو وأوروبا على تطوير إستراتيجية فعالة لمواجهة التوسع الروسي في ظل الانقسامات داخل الحلف. 

بينما تواصل موسكو، بحسب توصيفه، "تحريك بيادقها على رقعة الشطرنج في البحر الأبيض المتوسط وتبرهن أن الفرص في السياسة الدولية غالبا ما تنشأ في فترات الأزمات على وجه التحديد".

وقدم شرحا بأن الحضور الروسي المستقر في ليبيا من شأنه أن يشكل تهديدا مباشرا للأمن البحري والجوي وسط البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن تعزيز قدرات الإسقاط العسكري الروسي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

الموقف الأميركي 

تحركات روسيا وبيلاروسيا في ليبيا، لم تكن بمعزل عن واشنطن، التي شهدت خلال تلك الفترة تحولات من إدارة الديمقراطيين بقيادة الرئيس السابق جو بايدن والجمهوريين حاليا بقيادة الرئيس دونالد ترامب.

وسبق أن حذرت واشنطن، أثناء زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (آنذاك) ويليام بيرنز نهاية العام 2024، حفتر. 

وطلبت منه أكثر من مرة طرد القوات الروسية، فيما تشير تقارير استخباراتية إلى أن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من 800 جندي في فبراير 2024 إلى 1800 بحلول مايو/ أيار من نفس العام.

ومع ذلك ففي 17 فبراير 2025، وبالتزامن مع وصول حفتر إلى بيلاروسيا، حذر عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري جو ويلسون، حفتر من "ارتكاب الخطأ الكبير والسماح لبوتين التوسع في ليبيا من خلال قواعد بحرية جديدة".

وجاءت تحذيرات ويلسون ضمن سلسلة تغريدات نشرها على حسابه على منصة "إكس" في 17 فبراير 2025.

وسبق أن تقدم النائب الأميركي ويلسون، رفقة عدد من المشرعين بما يعرف بمشروع قانون "استقرار ليبيا" الذي أقره الكونغرس في خريف 2023.

ومما نصَّ عليه، إمكانية منح الولايات المتحدة معاقبة الجهات الأجنبية التي تدعم الفصائل والجماعات في ليبيا في حال انهيار حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، ووقف اتفاق إطلاق النار.