جدعون ساعر.. سياسي معارض انشق عن نتنياهو وعاد لحضنه بعد فشله في إزاحته

خالد كريزم | 13 days ago

12

طباعة

مشاركة

"إن قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت هو عمل جنوني، ويشير إلى غياب تام للحكمة"… كلمات كتبها على موقع إكس عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) جدعون ساعر في 26 مارس/آذار 2023، لكنه لم يقل كلمة واحدة هذه المرة بعدما عاد نتنياهو وأقال غالانت مرة أخرى.

وقال ساعر وقتها إنه "لا توجد سابقة في تاريخ إسرائيل لإقالة وزير دفاع لأنه حَذِر، كما يقتضي منصبه، من خطر أمني". 

وبيَّن أن نتنياهو مصمم على جر إسرائيل إلى الهاوية، فكل يوم يقضيه في منصبه يعرِّض البلاد ومستقبلها للخطر.

وجاءت هذه التغريدة، بعد إقالة غالانت على خلفية اعتراضه على خطة الانقلاب القضائي عام 2023، وهو قرار تراجع عنه نتنياهو لاحقا تحت ضغط شعبي إسرائيلي وأميركي رسمي.

ولكن، صمت ساعر هذه المرة عندما أقال نتنياهو غالانت مرة أخرى ضمن صفقة سياسية تقلد بها الأول وزارة الخارجية.

فمن هو جدعون ساعر منافس نتنياهو الذي كان في صف نتنياهو ثم عارضه ثم عاد إليه، وما أبرز مواقفه ودوره المنتظر في خضم العدوان على غزة ولبنان؟

من هو؟

جدعون ساعر سياسي إسرائيلي ولد بتل أبيب في 9 ديسمبر/كانون الأول 1966 بعد أن هاجر والده من الأرجنتين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1965.

نشأ في تل أبيب بشكل أساسي، ولكن عندما كان طفلا، عاش لعدة سنوات في مستوطنة متسبيه رامون بصحراء النقب، وعمل والده كطبيب أطفال في كيبوتس سدي بوكر في ذات المنطقة.

في ذلك الوقت، كانت سدي بوكر مقر إقامة رئيس الوزراء المؤسس لإسرائيل، ديفيد بن غوريون. 

كان والده على اتصال متكرر ببن غوريون كطبيب للكيبوتس، والتقى جدعون ساعر الشاب بمؤسس إسرائيل عدة مرات.

حصلت هذه اللقاءات عندما كان يرافق والده في زياراته إلى منزله؛ حيث كان بن غوريون يعطيه اختبارات جغرافية.

بعد خدمته في قوات الجيش الإسرائيلي كضابط صف في الاستخبارات في لواء غولاني، درس ساعر العلوم السياسية في جامعة تل أبيب ثم درس القانون في نفس المؤسسة.

كان ساعر مساعدا للنائب العام (1995-1997) والمدعي العام (1997-1998). وقبل دخوله السياسة، شغل منصب سكرتير مجلس الوزراء لبنيامين نتنياهو (1999، 2001-2002).

في مايو/أيار 2013، تزوج ساعر من المذيعة الإخبارية الإسرائيلية جيولا إيفن، وأنجب منها طفلين، إضافة إلى طفليه السابقين من زوجة أخرى.

قال لمعهد واشنطن: “أنا يهودي وصهيوني فخور. أكرس حياتي لدولة إسرائيل. لقد خدمت كجندي مشاة، ومازلت أخدم بلدي كموظف عام”.

وأردف: "أنا زوج وأب؛ لدي أربعة أطفال وحفيد، المستقبل مهم بالنسبة لي، ولا يمكنني ضمانه إلا من خلال جعل مستقبل إسرائيل أكثر ازدهارا".

وانضم ساعر عام 2015 إلى معهد دراسات الأمن القومي (INSS) كزميل كبير، وبدأ بنشر مقالات ودراسات سياسية داخله.

وفي 2016 نشر مقالا قصيرا تحت عنوان "نظرة لإسرائيل، الغرب وتحدي الهجرة"، أعرب فيه عن دعمه لمنع لم شمل العائلات بين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية والعرب الذين يعيشون داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

النشأة السياسية

انتخب للكنيست عام 2003، وشغل منصب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الليكود وكان من جماعات الضغط النشطة. 

كان عضوا في لجنة الدستور والقانون والعدالة، ولجنة مجلس النواب، ولجنة الهجرة والاستيعاب وشؤون الشتات، ورئيس لجنة وضع المرأة. 

وفي البرلمان السابع عشر (2006-2009)، شغل ساعر أيضا منصب نائب رئيس الكنيست. عُيِّن وزيرا للتعليم في مارس 2009 وحتى عام 2013، وفي ذلك العام، عُيِّن وزيرا للداخلية.

في سبتمبر/أيلول 2014، استقال ساعر من منصب وزير الداخلية قبل الانتخابات التالية لكنه ظل عضوًا في الليكود، وغادر الكنيست في 5 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.

وكان ساعر قد أوقف نشاطه السياسي عام 2014 بعد زواجه من المذيعة غولا إيفين، لتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة.

في 3 أبريل/نيسان 2017، أعلن ساعر عودته إلى السياسة ونيته الترشح في الانتخابات التمهيدية لليكود، وانتُخب عام 2019 كعضو كنيست بعد ترشحه ضمن قائمة حزب نتنياهو.

كان يُنظر إليه كمرشح محتمل لقيادة الحزب ورئاسة الوزراء في النهاية لكنه لم يتمكن من انتزاع السيطرة من نتنياهو.

في ديسمبر 2020، انشق ساعر عن الليكود وشكل حزبه الخاص المسمى “أمل جديد” وتغير اسمه لاحقا إلى "اليمين الوطني". وفاز الحزب بستة مقاعد في انتخابات 2021، وأصبح ساعر وزيرا للقضاء.

وغير هذا السياسي جلده كثيرا عبر الدخول في تحالفات سياسية مختلفة، ولكن مع الحفاظ على معارضة متشددة للدولة الفلسطينية.

ويرى زعماء المعارضة ومن بينهم وزير الجيش السابق بيني غانتس أن تحولات ساعر دليل على سعيه الدائم لتحقيق الأهمية السياسية

وقال غانتس الذي استقال من مجلس الوزراء الحربي صيف 2024 وشكل ائتلافا سياسيا مع حزب ساعر في عام 2022 لمعارضة نتنياهو: "الأمور السياسية رئيسة بالنسبة له، هذه طريقته، من المستحيل التنبؤ بما سيفعله".

تحد وخضوع

فبعد تشكيله حزبه الخاص، بدأ في تحدي نتنياهو وأعلن في أغسطس/آب 2022، اندماجه مع حزب “معسكر الدولة” برئاسة بيني غانتس مع إعلان نيتهما الترشح معا في انتخابات نوفمبر من نفس العام.

وفي 12 مارس 2024، أعلن ساعر، إنهاء شراكته السياسية مع بيني غانتس الذي كان وقتها وزيرا بمجلس الحرب.

ومع إخفاقاته المتكررة في تقلد السلطة من خصمه الرئيس القوي نتنياهو، أدى ساعر في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اليمين الدستورية وزيرا بلا حقيبة في الحكومة السابعة والثلاثين لإسرائيل بعد اندلاع عملية طوفان الأقصى.

لكنه استقال من الحكومة في مارس 2024، عندما رفض نتنياهو تعيينه في مجلس الحرب الذي كان يشرف على إستراتيجية إسرائيل في غزة.

ولكن أعاده نتنياهو إلى الحكومة في نهاية أكتوبر 2024 وزيرا بلا حقيبة. وقال ساعر وقتها: "هذا هو الوقت الذي يصبح من واجبي فيه المساهمة في صنع القرار".

وأعلن جدعون ساعر انضمامه مع ثلاثة من أعضاء حزبه إلى حكومة نتنياهو، مما يؤدي إلى توسيع الائتلاف إلى 68 عضوا في الكنيست المكون من 120 عضوا.

 وجاء هذا القرار وسط توترات داخلية داخل الحكومة بشأن تعامل نتنياهو مع الحرب الجارية مع حركة المقاومة الإسلامية حماس. 

وتطور الأمر أكثر من ذلك، ففي 5 نوفمبر 2024، أعلن نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، مشيرا إلى "أزمة ثقة" اشتدت بمرور الوقت. 

وحل محل غالانت وزير الخارجية يسرائيل كاتس، بينما تولى جدعون ساعر منصب رئيس الدبلوماسية الجديد.

وعبر هذا التعيين، ضرب نتنياهو عصفورين بحجر، أولهما التخلص من غالانت الذي ينادي بالوصول إلى صفقة تبادل أسرى مع غزة ووقف الحرب.

وثانيهما، أن ضَمَّ ساعر يحد من فرص تهديدات وزير الأمن القومي وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، بإسقاط الحكومة في حال الموافقة على مطالب معينة يطرحها، وفق ما قال موقع "تايمز أوف إسرائيل".

فلحزب ساعر 4 أعضاء في الكنيست ما يعني أنه بات للحكومة الحالية 68 صوتا بالكنيست، ما يعزز وضعها في ظل دعوات المعارضة لاستقالتها والتوجه إلى انتخابات مبكرة.

ولدى "القوة اليهودية" 6 مقاعد في الكنيست، ويلزم الحصول على تأييد 61 نائبا على الأقل من أجل ضمان بقاء الحكومة.

أدوار ومواقف

تحت قيادة ساعر، ستحصل وزارة الخارجية على ما وصفته الحكومة الإسرائيلية في 6 نوفمبر 2024، زيادة "غير مسبوقة" في الميزانية قدرها 145 مليون دولار لتحسين صورة البلاد العالمية لدى وسائل الإعلام الأجنبية والشبكات الاجتماعية وفي الحرم الجامعي الأميركية.

وقالت الحكومة إن ساعر سيلعب دورا "دائما" في القرارات الأمنية، بما في ذلك السياسة تجاه إيران وبرنامجها النووي، الذي حذر نتنياهو وغيره من كبار المسؤولين منذ فترة طويلة من أنه يهدد إسرائيل.

ويرى الخبراء أن ساعر يتفق عموما مع نهج نتنياهو المتشدد تجاه إيران، والحرب ضد حماس في غزة، والصراع ضد حزب الله، وفق ما تقول صحيفة نيويورك تايمز في 6 نوفمبر.

ونقلت عن يوسي ميكلبيرج، كبير المستشارين في سياسة الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، وهي مجموعة بحثية مقرها لندن قوله: "إن ساعر أكثر ميلا إلى اليمين من نتنياهو".

وبين أنه من غير المتوقع أن يدفع ساعر من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ولم يدعم الدولة المستقلة للفلسطينيين أو المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

ومع ذلك، أظهر ساعر أنه لا يخشى مقاومة نتنياهو في القضايا ذات الأولوية العالية؛ فقد عارض الجهود الرامية إلى إضعاف القضاء الإسرائيلي، والتي وصفها ذات يوم بأنها “انقلاب حكومي”.

وفي وقت لاحق، مُنح بعض سلطة النقض على التشريعات الرامية إلى ما يسمى “إصلاح القضاء” الذي كان يعطي الحكومة صلاحيات واسعة عدها المعارضون بمثابة انقلاب.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، يتفق الخبراء على أن ساعر سيتولى دورا خلفيا لنتنياهو، الذي سيتخذ القرارات الرئيسة لإسرائيل.

وقال دان ميريدور، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ووزير الاستخبارات الذي عمل سابقا مع ساعر، إن "نتنياهو هو الشخص الرئيس الذي يقرر السياسة الخارجية".

وفيما يخص الفلسطينيين، يعارض ساعر حل الدولتين، ودعا إلى ضم الضفة الغربية مع انفتاحه على السماح لهم بالحكم الذاتي في اتحاد مع الأردن.

وعلى مر السنين، قدم موقفا متشددا تجاه أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وانتقد اتفاق التهدئة مع حماس بعد العدوان على غزة عام 2009.

وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة صيف 2014، انتقد ساعر طريقة إدارة الحرب ووصفها بأنها "فاشلة".

وفي عام 2022، أعرب عن رفضه القاطع لإعادة استقدام العمال من غزة للعمل في إسرائيل.

وبعد طوفان الأقصى، قال ساعر في نوفمبر 2023 إن الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها في نهاية الحرب هي "تدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحماس والجهاد الإسلامي، وإزالة التهديد، وإعادة المختطفين ونظام أمني مختلف على حدودنا مع قطاع غزة".

وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار المؤقت كجزء من صفقة لإطلاق سراح الأسرى قال ساعر حينها: “لا نستبعد أي وسيلة”.

لكنه أوضح: "لن يكون هناك أي وقف لإطلاق نار ذي طبيعة مؤقتة، لأننا لم نحقق أهداف الحرب ولن نحافظ على وقف دائم لإطلاق النار".

وخلال أكتوبر 2024، أدلى ساعر بشهادته كجزء من لجنة التحقيق المدنية في أحداث طوفان الأقصى.

وقال وقتها: "7 أكتوبر هو نتيجة 30 عاما من السياسية الخاطئة (..) الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان وغزة تسبب في فقدان السيطرة وسمح للجيوش الإرهابية للسيطرة على حدود البلاد شمالا وجنوبا مع التهديد المستمر على دولة إسرائيل". حسب زعمه.

وفي مايو 2024، أي بعد شهرين من استقالته من الحكومة قبل أن يعود اليوم، قال ساعر في مقابلة مع صحيفة "معاريف": "أعتقد أن هذه الحكومة ليست ناجحة في أي شيء، ولا حتى في الحرب للأسف، ونعم يجب استبدالها".