ترامب وقناة السويس.. ابتزاز سياسي أم تعويض عن نفقات حرب اليمن؟

"ما قاله ترامب تُظهر نظام السيسي في صورة الضعيف العاجز عن حماية أرضه وسيادته”
عندما نشرت مجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية في 26 مارس/آذار 2025، “تسريبات سيجنال” بين أعضاء الإدارة الأميركية، ظهر فيها حديث حول ضرورة أن تدفع مصر وأوروبا "ثمنا" مقابل ضرب واشنطن “الحوثيين” في اليمن، لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر.
حينها تم الكشف مبكرا عن أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تناقش فكرة تحصيل "ثمن" من مصر وأوروبا، مقابل حملتها العسكرية لوقف هجمات “الحوثي” على سفن إسرائيلية وغربية.
لذا لم تكن مفاجأة أن يعلن ترامب رسميا، في 26 أبريل/نيسان 2025، عبر حسابه على منصة "تروث سوشيال"، عن هذا الثمن، وهو "مرور سفن أميركا مجانا في قناة السويس"، ويُكلف وزير خارجيته مارك روبيو أن ينفذ ذلك "فورا".
وتضررت مصر من هجمات “الحوثي”، وتقلص عدد السفن المارة عبر القناة من 73 إلى 13 يوميا، وتراجعت إيرادات القناة 7 مليارات دولار، بحسب إحصاءات أوردها وزير خارجية النظام، بدر عبد العاطي.
وباتت تخسر 800 مليون دولار شهريا، وفق رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، في حفل إفطار للجيش في 17 مارس 2025، ومنع ترامب لهذه الخسائر (لو نجح) دفعه إلى طلب الثمن من القاهرة.
4 أسباب وتفسيرات
يمكن الحديث عن 4 أسباب وتفسيرات لهذا الطلب، وتزامنه مع تصعيد الحملة الأميركية في اليمن والكشف عن تكاليف ضخمة لها، بالتزامن مع جولة ترامب الشرق أوسطية المرتقبة منتصف مايو/ أيار 2025.
محللون وسياسيون مصريون عدوا طلب ترامب مرور سفن بلاده العسكرية والتجارية مجانا، بمثابة "إتاوة" يقوم بتحصيلها "بلطجي" العالم مقابل حماية الملاحة في القناة، على طريقة "الحرافيش" في مصر قديما.
ورآها آخرون "ثمنا" يسعى ترامب وإدارته، عبر الضغط لتحصيله في صورة "نفقات" لحملته العسكرية على الحوثيين في اليمن، مقابل تعويض مصر عن خسائر قناة السويس، نتيجة قصف الحوثيين للسفن المتجهة والمغادرة إليها.
وطُرح "سبب ثالث"، لتفسير طلب ترامب مجانية عبور سفن أميركا بالقناة، هو أن واشنطن تدفع ثمنا لحماية مصر، ومنها ضمنا قناة السويس، في صورة معونة عسكرية (1.3 مليار دولار سنويا)، لذا طلبت امتياز العبور المجاني لسفنها.
وذلك رغم أن هذه المعونة تحصل عليها مصر مقابل "التطبيع" مع إسرائيل وكجزء من اتفاقية كامب ديفيد، لا لحماية القناة، فضلا أن واشنطن تحصل بالفعل على امتيازات مقابل المعونة العسكرية.
فمن هذه الامتيازات، التي سبق أن كشفتها مبكرا دراسة لمكتب "محاسبة الإنفاق الحكومي" التابع للكونغرس، في 43 صفحة، خلال مايو/ أيار 2006، مرور السفن الأميركية فور وصولها القناة، ودون انتظارها 11 ساعة، وفق نظام القوافل.
وتمنح مصر تصريحات على وجه السرعة لعبور مئات البوارج الحربية الأميركية لقناة السويس سنويا، وتوفر لها الحماية الأمنية اللازمة، كما تسمح للطائرات العسكرية الأميركية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية.
أيضا تقدم القاهرة خدمات أخرى لواشنطن، مثلما فعلت في الحروب الأميركية على العراق وأفغانستان، كتقديم مستشفيات عسكرية متنقلة لعلاج القوات الأميركية، وإنفاق المعونة العسكرية على شراء أسلحة أميركية بما يعود بالنفع على الولايات المتحدة في النهاية.
وأشار مراسل صحيفة "الشروق" المصرية الخاصة، من واشنطن، حينئذٍ، لهذه المزايا وهو ينقل، في 5 أغسطس/آب 2013، عن تقرير قدمه "مكتب محاسبة الإنفاق الحكومي" إلى الكونغرس.
منها مثلا أنه خلال عامي 2001 و2005 (أحداث سبتمبر وغزو العراق) سمحت مصر بعبور طائرات عسكرية أميركية فوق أراضيها 36 ألفا و553 مرة بعبور طائرات عسكرية أميركية فوق أراضيها، كما منحت تصريحات على وجه السرعة لـ861 بارجة حربية أميركية لعبور قناة السويس.
كما لم تلزم القاهرة السفن والغواصات الأميركية التي تحمل أسلحة نووية بإبلاغ السلطات المصرية قبل 30 يوما من مرورها، طبقا للقواعد المتفق عليها.
وهناك رأي رابع يراه محللون مصريون لتفسير تصريحات ترامب، هو أنها بمثابة رسائل "جس نبض"، كما فعل بقصة تهجير غزة و"الريفيرا" المزعومة.
ويرون أنه اعتاد استخدام هذا الأسلوب التجاري عندما يشرع في التفاوض مع الدول على صفقة سياسية أو اقتصادية، وأنه ربما أعلن هذا الطلب للضغط على نظام مصر إلى التفاوض وتقديم تنازلات له في قناة السويس.
ودفع هذا مصريين للمطالبة عبر منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع طلب ترامب وقبوله، خاصة أن حجم سفن أميركا المارة بالقناة قليل، ولكن التعامل معه بنفس أسلوب الصفقات وكم سيدفع مقابل إعفاء سفن بلاده؟
وطالبوا في المقابل برفع الرسوم الجمركية على السلع المصرية لأميركا وزيادة حجم الصادرات المصرية بما يعوض التنازل عن هذه الرسوم.
تصريحات خطيرة
لم يكن تصريح ترامب أن “على السفن العسكرية والتجارية الأميركية أن تمر عبر قناتي السويس وبنما دون دفع أي رسوم”، ولا مطالبته روبيو معالجة هذا الأمر "فورا"، بحجة أن القناتين "لم تكونا لتوجدا لولا الولايات المتحدة"، على حد تعبيره، هو الأخطر، وإنما تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، عن "المجانية مقابل الحماية".
ففي اليوم ذاته، الذي طالب فيه ترامب بمرور السفن الأميركية عبر قناة السويس بدون رسوم، زعم مستشاره للأمن القومي، مايكل والتز، وهو يبرر عدم دفع رسوم، أن الولايات المتحدة هي التي تتولى حماية قناة السويس.
قال، وهو يُعقب على تصريح ترامب، "لا ينبغي لأميركا أن تدفع رسوما للقناة التي ندافع عنها (نحميها)"!
وخطورة هذا التصريح، أنه يعني ضمنا أن أميركا، وعلى طريقة الاستعمار البريطاني الذي غادر مصر عام 1956، تفرض "الحماية" على مصر، وتمارس بالقوة نفس حجة بريطانيا لاحتلال مصر والتحكم في سياستها، وفق سياسيين مصريين.
الخبير والسياسي، مراد علي تساءل: “إذا كانت الولايات المتحدة هي من تحمي قناة السويس، فما دور الجيش الذي يُبرر به سيطرته على مقدرات البلاد؟”
ورأى في منشور عبر “إكس” في 27 أبريل، أن هذا التصريح "تحدٍ صريح لسيادة الدولة المصرية"، مقدرا أن "قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل رمز للاستقلال الوطني منذ تأميمها عام 1956".
ووصف ما قاله ترامب بأنه “طعن مباشر في شرعية النظام الحاكم، ويعكس رؤية أميركية تحط من قدر نظام السيسي، وتُظهره في صورة الضعيف العاجز عن حماية أرضه وسيادته”.
وتصوير بقاء وشرعية نظام السيسي، "مرهونين برضا الإدارة الأميركية عنه، مما يُفقده أي استقلالية حقيقية في إدارة شؤون البلاد، ويجعله أداة في يد القوى الخارجية".
ضعف السيسي
ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 20 أبريل 2025 تقريرا حول "الضغوط على ديكتاتور ترامب المفضل".
وقالت: "عندما فاز ترامب بالانتخابات، توقع السيسي أن تكون علاقاته أفضل مع ساكن البيت الأبيض الجديد، لكن تبددت آماله حين ضغط عليه ليقبل مخطط تهجير 2.2 مليون فلسطيني في غزة إلى مصر والأردن".
وأكدت الصحيفة أن “السيسي يدرك أن تحدي ترامب سيكون بثمن باهظ فقد ألمح في فبراير/ شباط 2025، إلى أنه قد يقطع المساعدات العسكرية عن مصر والأردن بعد رفضهما مقترحه”.
حين تحدث ترامب ومستشاره للأمن القومي عن حماية قناة السويس وأنها لم تكن لتوجد لولا أميركا، أثار هذا سخرية مصريين من "جهل ترامب بالتاريخ"، لكن دبلوماسيا مصريا سابقا قال لـ"الاستقلال": إن ترامب "يدرك ما يقول ويتعمده".
وأوضح الدبلوماسي (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) أن الهدف هو ابتزاز مصر ماليا ضمن سياسة ترامب تقاضي ثمن كل خدمات أميركا لحلفائها، وسعيه للاستفادة من توفير رسوم العبور في القناة حتى تفيد التجارة الأميركية في ظل الرسوم التي فرضها على دول العالم وإعطائها أفضلية.
وشدد على أن ترامب يراهن على ضعف السيسي وعدم تحديه له بالرفض المباشر لمطالبه، عبر اتباع أسلوب "الصمت الدبلوماسي"، خاصة أن مواقف السيسي في قضايا مختلفة مثل سد النهضة الإثيوبي واحتلال إسرائيل منطقة الحدود “كان ضعيفا”.
وجاء طلب ترامب، عقب كشف "اللجنة البحرية الفيدرالية الأميركية" في وثيقة نشرت في 14 مارس 2025، أنها تحقق فيما وصفته بـ"نقاط الاختناق البحرية العالمية، بما في ذلك قناة السويس".
تقرير اللجنة أوضح أن الهدف من التركيز على قناة السويس، هو أن هذا الممر الملاحي يعد نقطة محورية تثير قلق الإدارة الأميركية، لأنه يمر منه ما بين 10-12 بالمئة من حركة التجارة العالمية.
وسلطت اللجنة الضوء على المخاطر الأمنية الناجمة عن تأثير النزاعات، مثل هجمات الحوثيين والحرب على غزة، و"التهديدات الناجمة عن القرصنة والإرهاب"، على القناة وحماية أميركا لها، ضمن 7 ممرات بحرية، بحسب ما جاء في الوثيقة.
الثمن والرد
يقدر خبراء صندوق النقد الدولي عدد السفن الأميركية التي تمر بقناة السويس، بما بين 1000 و2000 سفينة سنويا تمثل ما بين 5 بالمئة و10 بالمئة من إجمالي عدد السفن التي تصل إلى 20 ألف سفينة في المتوسط، تحمل 12 بالمئة من التجارية العالمية.
وهو ما يعني أن السفن الأميركية تدفع رسوم عبور تقدر ما بين 500 مليون إلى مليار دولار من إجمالي إيرادات القناة التي بلغت 10.25 مليارات دولار وهو أعلى إيراداتها عام 2023، قبيل اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة.
وهناك وثيقة أميركية رسمية تعود إلى عام 1982 تشكو من أن السفن العسكرية الأميركية تدفع رسوما مالية كبيرة حين تمر من قناة السويس.
وهي وثيقة صادرة من مكتب المحاسبة العامة إلى وزيري الدفاع كاسبر وينبرجر والخارجية ألكسندر هيج عام 1982 تتناول شكوى أميركية من حساب مصر لرسوم مرور باهظة على السفن الحربية الأميركية.
وتؤكد الوثيقة في أحد مقاطعها أن البحرية الأميركية دفعت في الفترة من يناير 1979 حتى أغسطس 1981 مبلغ 607 آلاف دولار، وأن 130 رحلة عبور للقناة قامت بها سفن الحربية الأميركية، كمثال، دفعت فيها 3.3 ملايين دولار كرسوم.
مثلما غاب رد الفعل الرسمي على طلب ترامب لمصر قبول تهجير الفلسطينيين إليها، غاب عن مطالبته بعبور سفن بلاده لقناة السويس مجانا، وتكرر تكليف صحفيين ولجان إلكترونية بالرد على ترامب نيابة عن النظام، ومن زاويتي الرفض وطنيا وانتقاده.
ووصل الأمر لفبركة حساب باسم المخابرات المصرية على “إكس” للرد على ترامب، بدلا من الرد الرسمي، للقول: إن "قناة السويس ستظل تحت السيادة المصرية الكاملة وإن عبور السفن سيستمر وفقا للقانون المصري والقواعد الدولية المنظمة.
واستغرب الصحفي جمال سلطان صمت نظام السيسي منذ إطلاق ترامب طلبه المهين بإعفاء السفن الأميركية من أي رسوم لعبور قناة السويس.
وقال في منشور عبر “إكس” في 27 أبريل: "جميع المسؤولين المصريين دخلوا جحورهم، وابتلعوا ألسنتهم، ولا أحد من كبيرهم إلى صغيرهم علق أو استنكر أو حتى استفهم، الكل يتحسس رقبته أو كرسيه"، وفق قوله.
كما انتقد المذيع الحاصل على الجنسية السعودية، عمرو أديب، صمت نظام السيسي على ما قاله ترامب.
وضمن من انبروا من أقلام النظام ولجان "سامسونغ" لتوصيل الرد إلى أميركا، النائب مصطفى بكري، المقرب من الأجهزة الأمنية للنظام، الذي وصف تصريح ترامب بأنه "ابتزاز رخيص" و"سرقة علنية وفرض إتاوة".
وقال: "عندما حفر المصريون قناة السويس في الفترة من 1859 إلى 1869، كانت أميركا يا دوب في الحضانة"،.
وللإيحاء أن هناك ديمقراطية، انتقد بكري، خلال جلسة برلمانية في 27 أبريل، عدم إصدار "الحكومة المصرية ووزارة الخارجية" بيانا للرد على ترامب، بينما المقصود والمعني بالرد هنا هو السيسي.
واستطرد: "هذه السياسة الحكومية (بعدم الرد) ستجعلهم يتآمرون أكثر وتجعل مطالبهم بلا حدود".
فيما قال المذيع أحمد موسي ردا على ترامب: إن "قناة السويس هي روح المصريين ودمهم، ومصر تدافع عن القناة شأنها شأن أي قطعة من أرض الوطن".
المصادر
- Here Are the Attack Plans That Trump’s Advisers Shared on Signal
- Donald Trump’s Gaza plan piles pressure on his ‘favourite dictator’
- Trump Says US Ships Should Get Free Passage Through Panama, Suez Canals
- Order of Investigation into Transit Constraints at International Maritime Chokepoints
- US Probe of Maritime Chokepoints Sets Up Expanded Global Reach