تحولات إبراهيم عيسى.. من مناصر للمقاومة الفلسطينية إلى مردد للرواية الصهيونية

a year ago

12

طباعة

مشاركة

مسار التحول الذي طرأ على أفكار ومواقف الإعلامي المصري، إبراهيم عيسى، بات يشكل حالة من الجدل والتساؤل، خاصة وقت المعارك الفاصلة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

وبعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأثقلت الاحتلال بخسائر فادحة، شهد قطاع غزة موجة عدوان إسرائيلية لم تتوقف.

وبالتزامن مع هذا العدوان، انطلق عيسى من خلال برنامجه "حديث القاهرة" على قناة "القاهرة والناس"، في تبني سردية تنال من المقاومة وتكيل لها الاتهامات بالتسبب في الدمار الذي حل بغزة.

وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال "حماس صناعة إسرائيلية"، ودافع عن سياسة غلق معبر رفح، وعدم إدخال المساعدات إلى المنكوبين في غزة، إلا بعد موافقة الطرف الإسرائيلي. 

الأمر الذي دفع وسائل إعلام عبرية للإشادة بأطروحات عيسى ضد حركة "حماس"، والمتوافقة تماما مع "الرؤية الصهيونية".

مع المقاومة

عندما أطلق إبراهيم عيسى عام 2005 مشروعه الصحفي الأول والأبرز، صحيفة "الدستور" الأسبوعية المعارضة، عدت حينها مدرسة جديدة في الصحافة المصرية باعتمادها شبه الكامل على صحفيين شباب، وعلى لغة بسيطة وقريبة إلى اللغة الشعبية.

وفي الوقت ذاته، تبنت آراء شديدة في المعارضة ضد الأنظمة الحاكمة في مصر والعالم العربي، وتبنت تماما مناصرة المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان.

ومع اندلاع الحرب بين لبنان وتحديدا "حزب الله" وإسرائيل في 12 يوليو/ تموز 2006، سخر عيسى صحيفته وقلمه وكلمته لدعم "حزب الله".

وفي لقاء له آنذاك مع شبكة قنوات "الجزيرة" القطرية، قال نصا: "تأييدي لحزب الله في لبنان لأنه حزب المقاومة، لأنه يقاوم إسرائيل". 

وأتبع: "انظر إلي مواقفي وكتاباتي، أنا ضد كل من يقف مع إسرائيل، أما من ضد إسرائيل فأنا معه أحبه وأؤيده وانتصر له". 

وشدد: "أنا مع كل فصيل يهدد الكيان الصهيوني حتى لو حزب الله". 

لم يكتف عيسى بتلك الكلمات، ففي عدد صحيفة "الدستور" الصادر في 19 يوليو 2006، وجه نقدا لاذعا للحكام العرب، على رأسهم الرئيس المصري حينها حسني مبارك. 

وفي الصفحة الأولى لنفس العدد، وضع صورة كاريكاتورية لزعيم حزب الله حسن نصر الله، وكأنه يوجه رسالة للحكام، وكتب فوقها "يا منطقة مفيكيش (ليس بها) راجل".


عيسى والمعبر 

كانت هذه رؤية وموقف إبراهيم عيسى إبان الحرب اللبنانية الإسرائيلية، وهي التي تتناقض مع موقفه الحالي تجاه ما يحدث في غزة ومحور المقاومة الفلسطينية. 

وفي حلقة برنامجه على قناة "القاهرة والناس" في 27 أكتوبر 2023، تندر على من يطالبون بفتح المعبر وإدخال المساعدات إلى غزة، قائلا: "لن يرضوا عنا (مصر) أبدا".

وأردف: "مصر ليست مسؤولة عن إدخال المساعدات إلى القطاع".

وذكر: "إذا أدخلنا المساعدات ستقصفها إسرائيل، وسنضطر إلى الرد".

وأشار عيسى إلى أن "الذين يطالبون إنقاذ 2 مليون من أهل غزة عن طريق فتح المعبر وإيصال الإغاثة، وكأنما يورطون مصر في صراع مع دولة الاحتلال". 

لكن كيف كانت رؤية الإعلامي المصري قبل سنوات؟، وكيف كانت نظرته لإغلاق المعبر في وجه أهل غزة خلال العدوان عليهم؟.

يكشف هذا المقال الذي كتبه إبراهيم عيسى لصحيفة "دنيا الوطن" المحلية، في 26 مارس/ آذار 2011، بعنوان "هل مصر فعلا صاحبة فضل على البلاد العربية؟". 

وكتب: "لاتكف مصر عن لعب دور السنترال (الوسيط) في أي أزمة تحيط بالشعب الفلسطيني، حيث تتصل طوال الوقت بوزراء ورؤساء دول أجنبية ترجو منهم وقف إطلاق النار المفرط وتدين بالمرة اللجوء إلي العنف". 

وانتقد دور القاهرة في إغلاق المعبر عندما قال: "ثم نغلق معبر رفح حتى في لحظات العدوان الإسرائيلي على غزة، ويملك كثير من المصريين الجسارة أن يقولوا إن هذا عدل وحق". 

وأضاف: "بينما يقاتل ويناضل اللاجئون الفلسطينيون كي يعودوا إلى أرضهم يخشى عوام منا وغوغاء من بيننا أن يأتينا فلسطينيون من غزة إلي سيناء".

واستطرد: "وكأن نخوة المصريين جفت، وكأن ما نسمعه ونراه من تدين المصريين مقصور على النقاب واللحية، أما الانتصار للحق ونصرة المظلوم وإغاثة اللاجئ والاعتصام بحبل الله فكلام لا يعرفه المصريون ولا عايزين يعرفوه".

كانت هذه رؤية عيسى تجاه إغلاق المعبر، ووصف الذين يوافقون على هذه الآلية أنهم "غوغاء وبلا نخوة"، فيما يتبنى هو هذه الرؤية الآن وينظر لها، فما الذي طرأ بين إبراهيم عيسى 2011 وإبراهيم عيسى 2023؟

احتفاء إسرائيلي 


ووصل الأمر بصفحة "إسرائيل بالعربي" التي تخصصت منذ اندلاع العدوان الأخير على غزة في تشويه صورة الفصائل الفلسطينية ومحاربة المقاومة، إلى الاحتفاء والاستشهاد بكلام إبراهيم عيسى.

ففي 1 نوفمبر 2023، نشرت الصفحة مقاطع فيديو له وهو يتحدث عن حجم الضرر الذي لحق بالقطاع خلال السنوات الماضية.

واتفق كلاهما على تحميل حركة "حماس" مسؤولية ما حدث في غزة رغم استمرار العدوان الشرس على المدنيين والبنية التحتية دون توقف.

ومن هنا إذا ما توغلنا أكثر في تراث إبراهيم عيسى الكتابي، سنجد أن هناك فارقا شاسعا، بين ما يقوله في الوقت الراهن وما أطر له قبل سنوات طويلة.

فعندما أصدر كتابه "اذهب إلى فرعون" في ديسمبر/ كانون الأول 2005، أورد في الصفحة رقم 325: "يبقى أن نشير بكل امتنان مذهل للحركة الإسلامية الساطعة في فلسطين، لكن المعركة لنصرة فلسطين ليست حكرا على جماعة أو فريق، والنصر قادم بإذن الله بتحالفنا جميعا وإيماننا كلنا وراية الإسلام الدين والحضارة ترفرف فوقنا جميعا".

وأكمل: "الصحوة هي الإيمان المطلق بأن المعركة تدور اليوم ولا تنتظر يوم القيامة، والحرب ضد إسرائيل هذه الساعة وليس يوم قيام الساعة".

هنا عيسى لم يتبن دعم المقاومة فقط وتأييد محاربة إسرائيل، بل وضع نفسه في صفوف المحاربين، وعد نفسه من "جنود المقاومة والإسلام والعروبة". 


قفزات بهلوانية 


وتحدث الكاتب المصري بلال فضل، الذي يعد من تلاميذ إبراهيم عيسى، وكان من الصحفيين المقربين منه، عن تلك التحولات التي وصفها بـ"القفزات البهلوانية".

وسرد فضل تغريدة على منصة "إكس" في 15 أكتوبر 2023، قال فيها: "مشكلتي مع الأستاذ إبراهيم عيسى أنه يدرك ضعف ذاكرة الكثيرين، خصوصا بعد أن حرص على محو أرشيف مقالاته في صحيفة (التحرير) والتي يناقض بعضها بعضا بشكل مفزع".

وأضاف: "يراهن دائما بحسه التجاري المبهر على جمهور جديد، لم يقرأ له من قبل، ولا يعرف مراحله المختلفة، ولذلك فهو لا يشغل نفسه بالحوار العلني والدائم مع كتاباته السابقة وتأملها ونقدها".

ثم أورد: "كم يحزنني كمحب قديم له وكتلميذ لا ينكر فضله، ألا ينتهز إبراهيم عيسى الجديد هذه الفرصة لكي يقرأ إبراهيم عيسى القديم، ويقوم بمراجعته ونقده وتفنيد تطوراته وتحولاته على الملأ، مع أن ذلك سيكون خدمة كبيرة يقدمها للصحافة والإعلام".


من جانبه، قال الباحث الإعلامي بجامعة أدنبرة الأسكتلندية طارق محمد، إن "ما حدث لإبراهيم عيسى ليس تحولات، وإنما انقلاب كامل وسريع على أفكاره وأيديولوجيته دون مبرر أو إعطاء تفسير، والأدهى والأمر أنه حاول حذف أرشيفه القديم في صحف الدستور والتحرير، حتى مقالاته في كثير من الصحف حذفها".

وأضاف محمد في حديثه لـ"الاستقلال": "لمن لا يعلم إبراهيم عيسى كان أمين التثقيف في الحزب الناصري بمحافظة المنوفية، وتبنى أفكار القومية العربية، لذلك فقد انخرط في الدعم الكامل لمحور المقاومة والممانعة سواء في فلسطين ولبنان وسوريا وصولا حتى إلى إيران".

وأكمل: "حتى ثورة 25 يناير 2011 كان عيسى متسقا مع أفكاره، لكنه انقلب في ظرف عامين، حيث دعم الانقلاب العسكري وتبنى نهجا عدائيا للإخوان، وصولا إلى دخوله دائرة فلول مبارك، وكان شاهد زور في قضية قتل المتظاهرين خلال الثورة، وشهد لمبارك الذي حصل على براءة في هذه القضية". 

واستطرد محمد: "رغم أن تحولات عيسى من المعارضة إلي قلب السلطة كانت صادمة، لكن تحولاته نحو الصهيونية هي الأفدح والأخطر، فحرب غزة الأخيرة كشفت أنه من الصهاينة العرب بامتياز، ولا يختلف كثيرا في تناوله الإعلامي عن المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي". 

وأوضح: "لا يوجد معلومة جازمة عن لماذا انقلب إبراهيم عيسى على أفكاره لهذه الدرجة؟ ببساطة لأنه نفسه لم يقم بمراجعات أو تمهيد، فبين عشية وضحاها وجدناه على هذا النحو".

وتابع: "لكن التفسير الوحيد لمثل هذه الحالات هو أنه إما أن يكون قد تعرض لابتزاز وتهديد بملفات معينة، أو يكون قد حصل على إغراء مادي ضخم، جعله على هذه الشاكلة الفجة والمضمحلة فكريا وأخلاقيا ووطنيا".