مع تزايد العنف الاستيطاني.. إلى أين يتجه الوضع في الضفة الغربية؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

أدى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات التي فرضها سلفه جو بايدن على العديد من المستوطنين إلى منحهم حرية أكبر لتكثيف هجماتهم على القرى الفلسطينية. 

وقالت صحيفة "إلباييس" الإسبانية: إن "المعرجات قرية بدوية فلسطينية تقع على بعد بضعة كيلومترات شمال أريحا بالضفة الغربية، في وادي نهر الأردن.. وعند المعبر المؤدي إلى القرية، تقف سيارة الشرطة الإسرائيلية إلى جانب سيارة خاصة رباعية الدفع". 

وعلى الجانب الآخر، يجلس محمد مليحة، البالغ من العمر 60 عاما، يراقب الوضع من بعيد، حيث إنه لا يملك هو وعائلته وسيلة للدفاع، سوى آلة التصوير التي تستخدمها ابنته علياء، 28 سنة، كلما رأت هجمات المستوطنين. 

وبشكل عام، أصبحت آلة التصوير، الأداة التي توثق الهجمات المستمرة التي يتعرضون لها من قبل المستوطنين اليهود بحماية أفراد من الجيش الإسرائيلي.

سياسة متطرفة

ونقلت الصحيفة عن وليد الهواشلة، البدوي الوحيد الذي يشغل مقعدا في الكنيست، أن "عودة ترامب إلى السلطة غيّرت الوضع كثيرا؛ حيث أصبح كل شيء ممكنا.. وهذا ما يفسر الهجمات المتكررة في مناطق السلطة الفلسطينية". 

وأضاف الهواشلة: "إذا لم تتغير السياسة الأميركية والإسرائيلية تجاه المستوطنين فسيواصل المتطرفون فرض سياساتهم واعتداءاتهم، ويمكن أن يزيد الوضع سوءا".

وتزامنا مع اتفاق وقف إطلاق النار المستمر منذ 19 يناير/ كانون الثاني 2025 في قطاع غزة، شددت إسرائيل الخناق على الضفة الغربية. 

ومن ناحية أخرى، كانت هناك غارات عسكرية مطولة ومدمرة في مدن مثل جنين وطولكرم، حيث قتلت القوات الإسرائيلية امرأة تبلغ من العمر 23 سنة كانت حاملا في شهرها الثامن قبل أيام قليلة، وفقا لمصادر صحية فلسطينية.

من جهة أخرى، سُجّلت اعتداءات من قبل المستوطنين على سيارات الفلسطينيين ومزارعهم وممتلكاتهم. 

ويعد منح الضوء الأخضر لهجمات المستوطنين وسيلة لجأ إليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتعويض القطاع المتعصب من القوميين المتدينين الذين يعارضون الهدنة، لكنه يدعم الائتلاف الحكومي.

وفي 2 فبراير/ شباط 2025، شهدت منطقة المعرجات هجوما آخر؛ حيث أضرم مستوطنان النار في مسجد القرية؛ وهي حادثة وثقت بكامل تفاصيلها بواسطة كاميرا مثبتة في إحدى زوايا المبنى الهش، الذي يعد مكان العبادة الوحيد للجيران، وهو أمر يعرفه المستوطنون جيدا. 

كما أضرموا النار في جرّار زراعي، وفقا لشهادة سليمان مليحة، 44 سنة، شقيق محمد.

ويطالب سليمان، الذي يقف بجوار السيارة شبه المحروقة، "بمحاسبة المستوطنين كمجموعة"، في حين يأسف على حقيقة أن الشكاوى التي يقدمونها في مركز الشرطة الإسرائيلية، "لا تثمر بأي نتائج".

وتعليقا على ذلك، قال محمد مليحة: "إنه مجرد هجوم آخر". 

وقد قام محمد أيضا بتركيب كاميرات خارج منزله، رغم أن التسجيلات لا تخدم إلا في التنديد بالمضايقات المنهجية على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

تفاقم العنف

وأشارت صحيفة "إلباييس" إلى أن هذه الهجمات تزايدت على مثل هذه التجمعات بشكل خاص منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بحسب تقارير من منظمات إنسانية مختلفة، بعضها إسرائيلية.

ويخشى مليحة أيضا من أن "تتفاقم دوامة العنف في عهد ترامب؛ لأنه يشجع العنصريين مثل وزير المالية الإرهابي بتسلئيل سموتريتش، وهو نفسه مستوطن".

ويتمثل الدليل على ذلك في إلغاء العقوبات المذكورة، وهي خطوة أقدم عليها الرئيس الأميركي الجديد في اليوم الأول من عودته إلى البيت الأبيض.

في المقابل، تحافظ بلدان أخرى، بما في ذلك إسبانيا، على تلك العقوبات. 

ويشتكي سكان القرية أيضا من التهديدات وإطلاق النار وسرقة وتسميم الماشية، خاصة الأغنام، التي تشكل المصدر الرئيس للدخل لمجتمع يبلغ عددهم نحو 200 شخص. 

ونوّهت الصحيفة الإسبانية إلى أن زعيم هذه الهجمات بقيادة المستوطنين، والمحرض عليها، هو زوهار صباح، الذي فرضت ضده عقوبات وألغاها ترامب في يومه الأول.

وفي عشرات الفيديوهات التي عرضتها علياء، يمكن رؤية مشاهد حيث يقوم المستوطنون اليهود بترهيب الجيران، أو الصلاة بين المنازل أو التجوّل مسلحين وبرفقة الجنود، ويحملون بنادقهم على بعد بضعة سنتيمترات من الأطفال والبالغين لتهديدهم وترهيبهم.

وتعليقا على أحداث الحرق والهدم، قالت علياء: "سنعيد بناء مسجدنا حتى الموت".

وقد جاءت سيارة تابعة للأمم المتحدة إلى مكان الحادث، وعمل الموظفون على معاينة الجزء الداخلي من المبنى الذي تعرض للتخريب وأوضحوا أنهم يحاولون توثيق كل هجوم.

خطر الترحيل

من جهة أخرى، يقف بن ز. إيشيل، 60 عاما، وهو مستوطن منذ ربع قرن، والذي أصبح ناشطا ضد الاحتلال، في صفّ الفلسطينيين. 

ومع الكوفية الفلسطينية التقليدية حول عنقه، يحاول "إيشيل" التكفير عن تلك السنوات من حياته التي يصفها بـ"المخزية". 

وتتراوح ذكرياته بين دخول مدرسة دينية "متطرفة للغاية" في الخليل بالضفة الغربية المحتلة وقيام أحد أصدقائه بسحب مسدسه وإطلاق النار على العمال الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم قرب بيت لحم. 

وفي الوقت الراهن، لا يتوقف عن انتقاد القوة المتنامية ونفوذ المستوطنين المتطرفين.

ويرافق إيشيل ناشطان إسرائيليان آخران يقومان بتصوير مقاطع فيديو لمركبات حرس الحدود وهي تمر قرب المعرجات.

ونقلت الصحيفة عن درور إتكيس، وهو إسرائيلي يعمل مع منظمة “كيرم نافوت” غير الحكومية وله خبرة واسعة في المستوطنات، أن "الرغبة في اقتراف إبادة جماعية تنتشر في جميع أنحاء المجتمع الإسرائيلي، خاصة خلال أشهر من العدوان على غزة". 

ولفتت إلى أن وصول ترامب يمنح "شرعية معينة" لمواصلة دوامة العنف هذه، وتعد حالات مثل حالة زوهار صباح "مخيفة". 

وواصل: "لم أتخيل أبدا أننا سنصل إلى مستوى العنف الذي رأيناه اليوم". 

ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2024 وحده، حفّزت السلطات الإسرائيلية بناء أكثر من أربعة آلاف وحدة سكنية في مستوطنات بفلسطين المحتلة، حيث لم يتوقف عدد المستوطنين عن الارتفاع، وفقا لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية. 

وقد وصل هذا الرقم إلى أكثر من 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية وحدها اليوم. 

وقال المتحدث باسم منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، شاي بارناس، إن "عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين هو جزء من الإستراتيجية التي يستخدمها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي يسعى إلى الاستيلاء على المزيد والمزيد من الأراضي في الضفة الغربية".

ومنظمة “بتسيلم”، ترصد انتهاكات المستوطنين وتندد بها منذ سنوات، وتدرك خطر الترحيل الذي يواجهه سكان المعرجات، فضلا عن العشرات من المجتمعات الفلسطينية الأخرى.

وأشار بارناس إلى أن "الكيان يدعم هذه الأعمال العنيفة بشكل كامل ويساعد على القيام بها" في سياسة تهدف إلى "جعل الظروف المعيشية بائسة ولا تطاق بحيث يغادر السكان، بمحض إرادتهم". 

وختمت الصحيفة الإسبانية بالقول: “عموما، إن خلق هذه الأرضية الخصبة للاستسلام والتخلي عن أراضيهم هو خطة مماثلة لما تسعى إليه السلطات الإسرائيلية، بدعم من ترامب، مع سكان غزة”.