إخراج الفصائل الفلسطينية من سوريا.. تحول إستراتيجي أم مناورة تكتيكية؟

منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

في محاولة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، تتحرك الحكومة السورية لطرد الفصائل الفلسطينية المسلحة والتضييق عليها، وفق ما يقول موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي.

فبعد أسابيع من لقائه غير المتوقع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الرياض منتصف مايو/أيار 2025، بدأ الرئيس السوري أحمد الشرع اتخاذ خطوات ملموسة نحو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

تُمثل هذه الإجراءات نقطة تحول حاسمة في السياسة السورية، لا سيما فيما يتعلق بعلاقة دمشق بالفصائل الفلسطينية المسلحة المدعومة من إيران، وفق الموقع.

اختفاء أعلام الفصائل

وأكدت مصادر فلسطينية أن السلطات السورية أبلغت الفصائل المسلحة أن وجودها لم يعد مرحبا به في ظل التوجه الجديد للدولة نحو التهدئة والاعتدال.

ورغم عدم صدور أي أوامر رسمية بالترحيل، واجهت الفصائل الفلسطينية ضغوطا واضحة، حيث طالبتها الدولة بتسليم جميع أسلحتها ومصادرة ممتلكاتها ومبانيها، كما اعتُقل عدد من قادتها وأعضائها.

ومن الشخصيات البارزة التي غادرت دمشق أخيرا خالد جبريل، نجل مؤسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"؛ وخالد عبد المجيد، الأمين العام لـ “جبهة النضال الشعبي الفلسطيني”.

وكذلك زياد الصغير، الأمين العام لحركة "فتح الانتفاضة"، التي انشقت عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح عام 1983.

وقال الموقع الأميركي: "في مشهد رمزي لافت، اختفت أعلام الفصائل الفلسطينية من مخيم اليرموك، الذي كان في السابق المعقل الرئيس لهذه الفصائل في دمشق".

ولا تعترف وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن شؤون اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بمخيم اليرموك رسميا ضمن المناطق التي تقدم لها الخدمات للمهجرين من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقبل اندلاع الحرب في سوريا، كان يقطنه أكثر من 100 ألف فلسطيني، واحتضن مكاتب للعديد من الفصائل الفلسطينية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفتح، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، والجهاد الإسلامي.

وفي أعقاب الحملة التي قادها الشرع، يبدو أن مقار تلك الفصائل قد أُخليت، في وقت أفادت فيه تقارير بأن السلطات السورية صادرت ممتلكاتها كافة في العاصمة والمناطق المحيطة، واعتقلت عددا من كوادرها، وفق الموقع الأميركي.

وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عن اعتقال قيادات بارزة لها في دمشق، في مؤشر على تضييق المساحة السياسية والعسكرية المتاحة للفصائل المسلحة داخل سوريا.

إعادة هيكلة

من جهته، أكد وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، المضي في جهود إعادة هيكلة القوات المسلحة ضمن إطار مؤسسي موحد يتبع لوزارة الدفاع، في محاولة لترسيخ السيطرة المركزية على القرار العسكري وإنهاء مرحلة التعددية المسلحة.

ويبدو أن القيادة السورية الجديدة حريصة على تقديم ضمانات واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل بأن سوريا لم تعد ملاذا آمنا للفصائل المسلحة المعادية لإسرائيل، وفق الموقع.

وتسعى واشنطن، من جانبها، إلى ضم دمشق إلى خارطة شرق أوسط جديد موالٍ لها، عبر فتح الباب أمام الدعم الاقتصادي والسياسي، شرط أن يتخلى النظام السوري كليا عن الجماعات التي تراها واشنطن متطرفة، وينهي تعاونه مع الوكلاء الإيرانيين.

وكان لقاء الرئيس ترامب مع الشرع بحد ذاته مؤشرا واضحا على تغير موقف واشنطن تجاه دمشق.

إذ طرح ترامب خلال الاجتماع انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وذكر البيت الأبيض أن ترامب طلب من الشرع مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم الدولة وفق ما نقلته وكالة رويترز البريطانية.

وأضاف البيت الأبيض أن ترامب دعا الشرع إلى الانضمام إلى ترحيل من وصفهم "بالإرهابيين الفلسطينيين"، بحسب المصدر السابق.

وفي 20 مايو/أيار، حذّر وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، من اقتراب سوريا من الانزلاق إلى حرب أهلية، مشيرا إلى أن البلاد قد تواجه انهيارا وشيكا خلال أسابيع، لا أشهر، في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجه السلطة الانتقالية.

وخلال إفادة أمام مجلس الشيوخ، قال روبيو: "تقييمنا أن السلطة الانتقالية، وبكل صراحة، تبدو على بعد أسابيع فقط من الانهيار، ما قد يفتح الباب أمام حرب أهلية شاملة ذات تداعيات مدمرة قد تُفضي فعليا إلى تقسيم البلاد".

ودافع روبيو عن قرار إدارة ترامب برفع العقوبات عن دمشق وفتح قنوات التواصل مع قيادتها، مؤكدا أن هذه الخطوة جاءت في إطار محاولة احتواء الأزمة وتفادي الأسوأ.

ورغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت دمشق ستذهب إلى حد التطبيع مع إسرائيل -بحسب الموقع الأميركي- فإن قرارها طرد الفصائل الفلسطينية المسلحة يعكس استعدادا لافتا للتخلي عن سياسات الماضي وكسب الرضا الأميركي.

هندسة التوازنات الإقليمية

وقال المحلل السياسي سامي الحاج: "الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى سوريا كعدو مباشر، بل كدولة يمكن توظيفها لإعادة هندسة توازنات إقليمية جديدة، بشرط إنهاء النفوذ الإيراني".

وأضاف للموقع أن "لقاء الشرع مع ترامب يعكس تفاهمات أعمق جرى التوصل إليها برعاية خليجية، وإذا استمر هذا المسار، فقد نشهد تحولا جذريا في موقع سوريا الإقليمي خلال العامين المقبلين".

وبالإضافة إلى تطمين الإدارة الأميركية بشأن تخلّي دمشق عن سياساتها السابقة، يسعى الشرع أيضا إلى إضعاف مبررات إسرائيل لمواصلة الضربات داخل الأراضي السورية، في ظل مزاعم إسرائيلية بأن سوريا باتت تحت سيطرة جماعات مثل تنظيمي الدولة والقاعدة.

وبحسب الموقع، قد يكون طرد الفصائل الفلسطينية المسلحة خطوة تهدف أيضا إلى تحسين علاقات سوريا مع الدول الخليجية.

"إذ لعبت دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، دورا بارزا في إعادة دمج سوريا في محيطها العربي، من خلال تقديم تسهيلات سياسية واقتصادية مشروطة بموقف دمشق من الفصائل المتطرفة وإيران"، وفق وصفه.

وأكد الموقع أن "استمرار الدعم الخليجي يعتمد على ابتعاد الشرع عن الخطاب الراديكالي، والتزامه بنهج براغماتي يركّز على إعادة الإعمار وتحسين مستوى معيشة السوريين".

في هذا السياق، أشارت الباحثة في الشأن الإيراني، ليلى خزّام، إلى أن هذه الشروط لا ينبغي اعتبارها مضمونة.

وقالت: “تحاول دمشق إقناع واشنطن والعواصم الخليجية بأنها خرجت من فلك طهران، لكن علاقتها بمحور المقاومة لم تُقطع بالكامل بعد”.

وهو ما يثير القلق من أن تكون هذه الخطوات مجرد تكتيكات للحصول على مكاسب اقتصادية ودبلوماسية، من دون تحوّلات إستراتيجية حقيقية.