“إفشال المؤامرة”.. كيف أظهر تسلل مخابرات عباس إلى غزة قوة حماس؟
“كل محاولات خلق إدارات بديلة تلتف على إرادة الشعب الفلسطيني ستموت قبل ولادتها”
في ردة فعل استباقية ناجحة، كشفت وزارة داخلية غزة عن إفشالها عملية استخبارية في 31 مارس/آذار 2024 تمثلت في تسلل عدة ضباط وجنود يتبعون لجهاز المخابرات العامة في رام الله، إلى منطقة شمال غزة في مهمة رسمية بأوامر مباشرة من رئيس الجهاز ماجد فرج.
وقالت الوزارة إن الهدف "إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية"، بالتعاون مع جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) الإسرائيلي وجيش العدو، ضمن اتفاق تم بين الطرفين في اجتماع بإحدى العواصم العربية الأسبوع الماضي".
دخول هذه القوة التابعة لسلطة رام الله والمتعاونة مع الاحتلال الصهيوني، إلى غزة، جاء في أعقاب فشل مخططات الاحتلال لفرض سلطة جديدة معادية لحركة حماس في غزة عبر عشائر وقبائل تتولى حماية وتوزيع المساعدات.
ودخولها عبر مصر من معبر رفح، يشير إلى تواطؤ نظام عبد الفتاح السيسي، رغم إعلانه أنه لا يعلم كيفية تسلل هذه القوات، وأن نفيه ليس سوى محاولة لغسل يده وإبعاد شبهة التآمر عنه رغم دوره في منع المساعدات.
أما فشل هذه "المهمة الصهيونية" عبر كومبارس مخابرات عباس واعتقال أجهزة أمن حماس لقرابة 10 أفراد من هذه القوة المتسللة، فيدل ليس فقط على استمرار حماس في السيطرة بقوة على غزة، وإنما أيضا كفاءة استخباراتها.
لكن الأهم أن هذه المحاولة، وما يتردد عن طرح قرار بمجلس الأمن لتشكيل "قوة دولية" في غزة، أظهرت أن هناك رغبة في فرض سيطرة دولية على القطاع لاقتلاع حكم حماس بقرارات دولية بعدما فشل الاحتلال والغرب عسكريا في الإجهاز على المقاومة.
ماذا جرى؟
في 31 مارس 2024، كشفت الجبهة الداخلية في غزة عن "تسلل عدة ضباط وجنود يتبعون لجهاز المخابرات العامة في رام الله، إلى منطقة شمال غزة في مهمة رسمية بأوامر مباشرة من رئيس الجهاز، ماجد فرج".
وأكدت في بيان أن هدف هذه القوة هو "إحداث حالة من البلبلة والفوضى في صفوف الجبهة الداخلية"، بتأمين من جهاز الشاباك الإسرائيلي، في إشارة إلى رغبة الاحتلال والسلطة الفلسطينية في إظهار أن "حماس" لم تعد تسيطر على غزة.
مسؤول كبير في وزارة الداخلية التابعة لحماس أكد لقناة "الأقصى" التلفزيونية التابعة للحركة في 31 مارس 2024 أن هذه "القوة الأمنية المشبوهة دخلت مع شاحنات الهلال الأحمر المصري من رفح وبالتنسيق مع الاحتلال".
وأوضح أنه حين تم كشف هذه القوة المشبوهة واعتقال بعضها، وسألوا القاهرة كيف دخلت هذه القوة من معبر رفح، أبلغ الجانب المصري هيئة المعابر بغزة "عدم علمه بالقوة التي تسلمت الشاحنات المصرية".
ولفت المسؤول إلى أن رجال الأمن ومقاتلي الفصائل المسلحة ألقوا القبض على 10 من هذه القوة، وتلقوا تعليمات بمعاملة أي قوات تدخل قطاع غزة دون تنسيق معهم على أنها "قوات احتلال".
ولأن الفضيحة "مخزية"، لم ترد سلطة رام الله واكتفى "مسؤول"، يعتقد أنه من نفس الجهاز الاستخباري الذي نفذ المهمة الفاشلة في غزة، بنفي ما ورد في بيان داخلية حماس.
خطة فرج
لا يتحرك ماجد فرج من بنات أفكاره، ولكنه، بوصفه أحد الطامحين الذين يراهنون على خلافة رئيس السلطة محمود عباس، حاول تقديم أوراق اعتماده لأميركا وإسرائيل، عبر تنفيذ خططهم المعلنة لتشكيل قوة مختلفة عن حماس في غزة.
لذا وصف المحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة ما فعله فرج بأنه محاولة من مدير المخابرات الطامح لخلافة عباس "لتقديم فواتير صلاحيته لواشنطن عبر إرسال بعض ضباطه بذريعة المساعدات لشمال غزة".
وأشار في تغريدة عبر منصة "إكس" في 31 مارس، إلى أن "فرج يسابق (محمد) دحلان للفوز بالعطاء".
ويبدو أن هذه القوة التي تم تشكيلها عبر فرج كانت محاولة لاختبار المشهد الأمني في قطاع غزة واستمرارية سيطرة المقاومة من عدمه.
فقبل فضح هذه القوة المشبوهة في غزة، كشفت صحف عبرية عن تفاصيل خطة أعدتها إسرائيل، ووافق عليها فرج، تقضي بنشر آلاف من عناصر حركة فتح في القطاع.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت في 15 مارس 2024 إن الخطة "إسرائيلية"، ولكنها تتم بالتعاون مع الأردن والسلطة الفلسطينية للتخلص من "حماس".
وأوضحت أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أعدت خطة لسيطرة جهات محلية فلسطينية على قطاع غزة، يشرف عليها رئيس المخابرات العامة الفلسطينية، وأيد الخطة وزير الحرب، يوآف غالانت.
وبحسب الخطة، كان من المفترض أن يقوم فرج بالعمل على نشر قرابة 4 إلى 7 آلاف من عناصر مخابرات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد تدريبهم في الأردن والعودة بالسلاح إلى القطاع.
و"لن تكون هذه القوة جزءا من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ويتولى الجنرال الأميركي مايك بنزل مسؤولية الإشراف على تدريب القوات"، بحسب يديعوت أحرونوت.
ووفقا للخطة، كان من المفترض أن يقوم فرج الذي "يحظى باحترام واسع في إسرائيل والولايات المتحدة"، وفق تعبير "يديعوت أحرونوت"، بتعيين العناصر المؤهلين بحركة فتح لتلقي التدريبات، والعمل على ضبط الأمن في غزة.
قوة دولية
في 20 مارس 2024 اقترح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماعه مع وزراء خارجية السعودية وقطر والأردن ونظام مصر ووزيرة التعاون الدولي الإماراتية ريم إبراهيم الهاشمي وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، تشكيل قوة عربية دولية لإدارة غزة بدلا من حماس.
مسؤول أميركي كبير أكد حينها لصحف أميركية، أن فكرة القوة المتعددة الجنسيات طرحت خلال محادثات بلينكن مع وزراء خارجية عدة دول عربية في القاهرة.
وأوضح أن "مصر هي الدولة الرئيسة التي تدرس الفكرة، لكنها تتطلب دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية لإرسال قوات عربية إلى غزة وتأتي في السياق السياسي لحل الدولتين"، وفق موقع "أكسيوس" الأميركي في 29 مارس 2024.
موقع "أكسيوس" وصحيفة "واللاه" العبرية كشفا لاحقا أن غالانت اقترح على واشنطن إنشاء قوة عسكرية متعددة الجنسيات مع قوات من الدول العربية "لتحسين القانون والنظام في غزة ومرافقة قوافل المساعدات"، في إشارة للحلول محل حماس.
بعدها تم دمج الخطة الإسرائيلية والأميركية على ما يبدو والبدء بقصة القوة الأمنية التابعة لماجد فرج في غزة، خصوصا عقب فشل إسرائيل في خلق متعاون محلي معها يساعدها في تقويض حكم حماس، سواء من العشائر أو أي جهة أخرى.
ورغم رفض إسرائيل عودة سلطة رام الله لحكم غزة، والذي سبق أن أنهته حماس عام 2007، اضطر قادة الاحتلال للتعاون أو "استخدام" فرج لبناء قوة أمنية في رفح، بدعم من نظام مصر، لتكون بديلا عن المقاومة، وفق محللين.
كان من أهداف عودة جيش الاحتلال لاقتحام مجمع "لشفاء"، تصفية ضباط الشرطة والمخاتير من العشائر الذين رفضوا التعاون مع المحتل، والتمهيد لخلق مكان لهذه القوة الفلسطينية العربية الدولية المقترحة بإشراف أميركي وإسرائيلي.
لهذا تم إرسال قوة فرج كـ"بالون اختبار" لمعرفة حجم سيطرة حماس الأمنية على القطاع بعد ضربات الاحتلال، وفق مصادر فلسطينية لـ"الاستقلال".
وترددت أنباء عن سعي أميركا، في الفترة القادمة، استصدار قرار من مجلس الأمن بتشكيل "قوة دولية" تضم دولا عربية، بحجة حماية المساعدات وحفظ السلام في قطاع غزة، هدفها الفعلي إنهاء سيطرة حماس على غزة.
وزعم الإعلام العبري في 29 مارس 2024 أن وزير الحرب غالانت، أبلغ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بـ"حدوث تقدم" في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن مقترح لنشر قوة متعددة الجنسيات في غزة.
وذكرت القناة 12 العبرية، أن غالانت "أجرى محادثات مع مسؤولين أميركيين خلال زيارته إلى واشنطن بشأن تشكيل قوة متعددة الجنسيات وإدخالها إلى غزة لتكون مسؤولة عن أمن المنطقة وإدخال المساعدات الإنسانية وتنظيم توزيعها".
وادعت القناة أن هذه المحادثات أسفرت عن "حدوث تقدم" لم توضحه، لافتة إلى أن "عناصر تلك القوة ستكون من 3 دول عربية"، دون أن تسميها.
وأضافت أنه من غير المؤكد إذا ما كانت هذه القوة ستضم جنودا أميركيين من عدمه.
لهذا رأى بيان صادر عن لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في 30 مارس 2024 أن حديث قادة الاحتلال حول تشكيل قوة دولية أو عربية لقطاع غزة "هو وهم وسراب".
وأكد أن "أي قوة تدخل لقطاع غزة، مرفوضة وغير مقبولة وستعد قوة احتلالية وسنتعامل معها وفق هذا التوصيف".
وأكدت اللجنة أن "كل محاولات خلق إدارات بديلة تلتف على إرادة الشعب الفلسطيني ستموت قبل ولادتها ولن يكتب لها النجاح".
دلالات مهمة
جاء كشف أجهزة أمن حماس في غزة لهذه القوة الفلسطينية المشبوهة، ليبين عدة دلالات مهمة.
أولها، أنه رغم حجم التدمير الصهيوني والإبادة والقتل الجماعي في غزة، واستهداف الاحتلال حتى الشرطة الفلسطينية ولجان المتطوعين والعشائر، لا تزال أجهزة أمن واستخبارات حماس متفوقة على مخابرات الاحتلال ورام الله والسيسي، والذين شاركوا مجتمعين في هذه العملية، ولا تزال تمتلك اليد العليا في غزة.
كما أظهرت المقاومة، بإفشالها هذه العملية، أنها، وبعد ستة أشهر من حرب الإبادة لا تزال أعينها ترصد كل شبر في غزة، عكس ادعاءات الاحتلال أنه قضى عليها.
وبعبارة أخرى، جاء كشف حماس لهذه القوة، كرسالة للعالم أجمع أن المقاومة "ما تزال بخير" وخاصة أجهزة الرصد والاستخبارات لديها كما كانت يوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ورسالة خاصة للإدارة الأميركية والاحتلال على قدرة المقاومة على التحكم بالأمور.
ثانيها، أن العملية أثبتت استمرار تواطؤ سلطة رام الله مع الاحتلال، والتورط في تنفيذ خطط إسرائيل وأميركا بشأن مستقبل غزة.
وأثبتت أن السلطة وأجهزتها تصطف مع جيش الاحتلال فيما يخص خطط التآمر على غزة، وإلا لطلبت دخول غزة بالتنسيق مع قوى المقاومة، لذا قالت لجنة المتابعة في غزة إنها تعدهم "قوة احتلال".
وتحرك رئيس استخبارات السلطة وصاحب المهام القذرة ضد المقاومة في الضفة الغربية، وفق تصور أنه يستطيع اختراق ساحة غزة كما يخترق قرى ومدن الضفة بالتنسيق مع الاحتلال، فصفعته المقاومة وعرت تواطأه.
لهذا جاءت هذه العملية كرسالة تحذير للسلطة الفلسطينية ولأطراف أخرى تؤكد لهم أن كل محاولات استثناء حماس ستبوء بالفشل.
ثالثها، أن إفشال دخول قوة مشبوهة من المخابرات الفلسطينية موالية للاحتلال، هو عمل يحتاج إلى جهد كبير وتحريات دقيقة.
كما أن نجاحها في فضح هذه المؤامرة خلال يومين من بدء الحديث عن خطط نشر هذه القوة العربية الدولية (في 29 مارس) بمثابة نجاح كبير.
رابعها، أن خطط نشر قوة عربية برعاية إسرائيلية أميركية باتت "مغامرة خاسرة" ستجعل الدول العربية الراغبة في المشاركة فيها تتردد، خاصة بعدما أكدت المقاومة أنها ستعد أي قوة تدخل غزة بدون موافقتها وعلمها "قوة احتلال".
وجاءت عملية إفشال "قوة فرج" بمثابة رسالة تحذير للأنظمة العربية المنخرطة في المشروع الأميركي أن أي محاولة لإرسال قوات منها إلى القطاع ستكون عواقبها وخيمة.
خامسا، أن نظام السيسي متورط في هذه العملية، لأنه يصعب تصور دخول قوة عسكرية فلسطينية من معبر رفح الذي يسيطر عليه الجيش المصري والمخابرات دون علمها.
إذ لا يمر من معبر رفح أي شاحنة إلا بموافقة مصرية، كما لا يمر فلسطيني واحد إلا لو دفع لشركة إبراهيم العرجاني (هلا) شريكة جنرالات الجيش، ما لا يقل عن 10 آلاف دولار للمرور، وفق شهادة فلسطينيين قادمين من غزة لـ"الاستقلال".
ويرى محللون أن استضافة رئيس مخابرات النظام المصري عباس كامل، لرئيس “الشاباك”، رونين بار، لتناول إفطار رمضاني، في القاهرة للتباحث حول الوضع في غزة، قد كشف هذه القوة المشبوهة، وضمن خطط بحث "قوة عربية دولية"، وربما "التنسيق" لإدخال قوة فرج.
وأوضحوا أن لقاء عباس مع مدير "الشاباك" المتخصصة في محاربة المقاومة الفلسطينية، وليس نظيره مدير الموساد (المخابرات الخارجية)، مؤشر على تورط نظام السيسي في خطط إدخال قوة فلسطينية موالية لمخابرات رام الله لغزة.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، ونظام السيسي يتلكأ في إدخال المعونات الإنسانية التي تكدست في معبر رفح إلى غزة، بحجج واهية.
كما يضغط هذا النظام على قادة حماس للقبول بهدنة مع إسرائيل، ويتفاوض لإرسال قوات تحكم غزة بحجة إدارة المساعدات، وفق تقارير صحفية أميركية.
والجديد هو ما يثار حول قبول نظام السيسي "رشا" من أجل قبول الخطة الإسرائيلية الأميركية للهجوم على رفح قرب حدود مصر رغم ما يعلنه من رفض وتحذيرات.
وكشفت مجلة "بوليتيكو" الأميركية في 28 مارس 2024، أن "المسؤولين المصريين طرحوا عددا كبيرا من الطلبات على الولايات المتحدة"، خلال المفاوضات الدائرة بشأن العدوان على غزة.
بما في ذلك "التمويل والمعدات الأمنية"، ما أظهر أن نظام السيسي ربما يسعى للاستفادة من اقتحام إسرائيل رفح، ويدعم خطط سيطرة قوة عربية ودولية على غزة بدلا من حماس.