خبير سوداني: لا قيمة لمخرجات اجتماع أديس أبابا لكن لقاء جنيف يمثل بارقة أمل (خاص)

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة مفاجئة، أعلنت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بالسودان في 9 يوليو/ تموز 2024، اعتذارها عن عدم المشاركة في الحوار السياسي الذي تنظمه الآلية الإفريقية المعنية بالسودان، مع تأكيدها على الاستمرار في التعاطي الإيجابي مع الاتحاد الإفريقي في كل ما يعزز فرص تحقيق السلام.

وكانت تنسيقية (تقدم) التي تضم غالبية القوى المدنية الليبرالية في السودان قد تلقت في العاشر من يونيو/ حزيران 2024 دعوة من رئيس الآلية الإفريقية، لاجتماع المرحلة الأولى من الحوار السياسي الذي تنظمه الآلية بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا في الفترة من 10 إلى 15 يوليو.

وأرجعت تقدم رفضها المشاركة بالاجتماع، إلى غياب الشفافية حوله وتهميشه لقوى السلام والتحول المدني الديمقراطي، وأشارت في الوقت ذاته إلى مشاركتها بمؤتمر القوى السياسية والمدنية في القاهرة قبل 3 أيام في 6 يوليو.

وفي حوار مع “الاستقلال”، قارن الخبير القانوني السوداني المستشار عبد الماجد عبود يوسف أمبدي بين الطريقة التي تعاطت بها "تقدم" مع دعوة الخارجية المصرية والطريقة التي تعاطت بها مع دعوة الآلية الإفريقية.

تجدر الإشارة إلى أن اجتماع أديس أبابا شارك به تحالف الكتلة الديمقراطية وهو منشق عن قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية لحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وأيدت الكتلة قرار قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بحل حكومة حمدوك في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ورأى المحامي والمستشار القانوني أن مخرجات اجتماع أديس أبابا "لا تساوي الحبر الذي كُتبت به"، مشيرا إلى أن "الكتلة الديمقراطية كانت تحدث نفسها في الاجتماع".

وتكونت تنسيقية “تقدم” بمبادرة من قوى الحرية والتغيير بمؤتمر تمهيدي عُقد في أديس أبابا في أكتوبر 2023، واختارت حمدوك رئيسا لها، وحددت أهدافها في وقف الحرب، واستعادة المسار المدني الديمقراطي في السودان.

وفي الوقت ذاته، أشار أميدي إلى أن “اجتماع جنيف يمثل بارقة أمل، ويمكن أن يبني الجميع عليه ويمضون قدما نحو وقف الحرب وتحقيق السلام، وضمان الحقوق الإنسانية”.

وفي 19 يوليو، انتهت المفاوضات غير المباشرة بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمدينة جنيف السويسرية برعاية الأمم المتحدة، بالتزامات بإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، دون أحاديث عن إنهاء الحرب.

واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على نحو مفاجئ في منتصف أبريل/ نيسان 2023 بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دوليا.

والمستشار عبد الماجد عبود يوسف أمبدي (مقيم في فرنسا)، هو محام ومستشار قانوني، ويشغل منصب الشؤون العدلية وحقوق الإنسان في حركة العدل والمساواة السودانية، وهو كذلك عضو المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم).

حبر على ورق

  • لماذا اعتذرت “تقدم” عن عدم المشاركة في اجتماع الآلية الإفريقية بأديس أبابا؟

ابتداء، أود أن أنوه إلى أن تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) استجابت سابقا للدعوة المقدمة من جمهورية مصر العربية، وذلك في اللقاء الذي عُقد في القاهرة بين الكتلة الديمقراطية و"تقدم"، برعاية وزارة الخارجية المصرية والوسطاء الدوليين.

وقبل هذا الاجتماع، تواصلت "تقدم" مع الخارجية المصرية، وحددوا الأعضاء أو الوفود المشاركة، والموضوعات المطروحة للنقاش. 

وإثر ذلك كونوا اللجان، على أساس أنها ستتباحث أو تتناقش بصورة غير مباشرة. 

بمعنى أنه كان هناك شخصيات مستقلة اختيرت من قبل الطرفين، كان منوطا بهذه الشخصيات أن تفصل في تبادل المذكرات ما بين الكيانات المكونة لـ "تقدم"، والكيانات المكونة لتنسيقية القوى الوطنية والكتلة الديمقراطية. 

وبالعودة إلى دعوة الآلية الإفريقية للاجتماع في أديس أبابا، فإن رفضنا للاجتماع نابع من أن "تقدم" اجتمعت معها 5 مرات منفصلة لمعرفة أجندة الاجتماعات، والكيانات المدعوة، والشخصيات المشاركة، ورغم ذلك، كان الاتحاد الإفريقي دائما ما يرفض توضيح كل هذه المسائل.

وهذا ما دفع "تقدم" إلى تقديم الاعتذار عن عدم المشاركة في اجتماع الاتحاد الإفريقي. وهو ما أدى -في النهاية- إلى فشل هذه القمة، التي كان يُستهدف من خلالها الاجتماع بين "تقدم" و"الكتلة الديمقراطية".

  • كيف تنظرون إلى نتائج اجتماع أديس أبابا؟

الكتلة الديمقراطية كانت تحدث نفسها في الاجتماع. حيث تحدث الداعمون للجيش عن استمرار الحرب، أو الداعمون لوجود المؤسسة العسكرية في الساحة السياسية السودانية، وهو ما كانت ترفضه "تقدم".

ففي تقديري، كانت المخرجات واضحة، وهي تكوين حكومة انتقالية ودعم القوات المسلحة وغيرها من الملفات والإجراءات في هذا السياق.

لكن -بشكل واضح- لم تكن مخرجات الاجتماع داعمة لوقف الحرب، أو للتحول المدني الديمقراطي. وهذا ما قرأناه مسبقا قبل مشاركتنا في الاجتماع.

ولذا أعتقد أن أي مشاركة لنا كانت ستمنح الكتلة الديمقراطية الشرعية والزخم اللذين لا تستحقهما. 

وإجمالا، مخرجات الاجتماع لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ولا تسهم في وقف الحرب، ولا تسهم في أي عملية سياسية مقبلة تؤول إلى تحول مدني ديمقراطي.

الوضع الميداني

  • أخيرا، صرح مساعد قائد الجيش، الفريق ياسر العطا، بأنه "لا تفاوض ولو حاربنا مائة عام"، فهل يدعم الواقع العسكري والميداني تصريحات العطا؟

التعامل مع قائد الجيش أو قائد مؤسسة القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، والتخاطب معه من خلال هذه الصفة، هو ما جعله -في النهاية- لا يستجيب لأي نداءات أو مبادرات أو خطابات. 

ولذا، نحن -في "تقدم"- لا نتعامل معه كرئيس شرعي لمجلس السيادة، لأنه هو الذي مزق الوثيقة الدستورية بموجب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. 

وأنا أعتقد أن تصريحات قادة الجيش تخلق ربكة داخل القوات المسلحة. لأن القوات المسلحة تظهر خلاف ما تبطن، وهذا واضح من مجريات الأحداث في الساحة السياسية السودانية.

فكما نلاحظ، تجتمع قيادة الجيش المكونة من الخماسي؛ العطا والكباشي وإبراهيم جابر والحسين رئيس هيئة الأركان وعبدالفتاح البرهان، ليقرروا أمرا، ثم ينفَّذ أمر آخر تماما. 

والدليل على ذلك أن هذا الخماسي اتفق على إيفاد الكباشي للتفاوض مع القائد الثاني للدعم السريع عبد الرحيم دقلو، بتسهيل من المخابرات المصرية والإماراتية والبحرينية، والولايات المتحدة والسعودية. 

واجتمعت هذه الأطراف في المنامة لفترة دامت أكثر من أسبوع. وتوصلوا إلى 21 نقطة اتفقوا حولها؛ مثل وحدة السودان ووحدة القوات المسلحة وإنهاء الحرب، والتحول المدني الديمقراطي وإبعاد الإسلاميين والمؤتمر الوطني من الفترة الانتقالية، وإزالة التمكين، وكل هذا تم الاتفاق عليه وتم التوقيع عليه بالأحرف الأولى. 

ومن خلال التسريبات التي أصدرها مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد المختار، ذكر بالحرف الواحد أن الكباشي وقع على ذلك بالأحرف الأولى، وتسلم نسخة.

وكل المخابرات في الدول الأخرى تسلمت نسخا من هذا الاتفاق، وعندما علم الإسلاميون بهذا الاتفاق جن جنونهم وبدأت مسألة الضرب تحت الحزام، مما سعر الحرب، وجعل البعض يتحرك داخل مؤسسة القوات المسلحة، ما دفع الكباشي للتراجع عن إعلان الاتفاق، وكذلك أنكره البرهان. 

وبالتالي، في تقديري، فإن الحديث الذي يقال في المواقف وفي المسيرات وفي الاجتماعات مع الجيش، ليس هو الخطاب الذي يعطى للمجتمع الدولي، أو لـ "تقدم" والأحزاب السياسية الأخرى.

ولذا، فأنا أعتقد أن القوات المسلحة لديها خطابان؛ خطاب لتحميس الجيش وتسعير الحرب واستقطاب المقاتلين ومنح الدعم المعنوي لهم. وخطاب مهادن سياسي تخاطب به الأحزاب السياسية والمجتمع الدولي.

انتهاكات بالجملة

  • في ظل الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الدعم السريع ضد المواطنين، هل يوجد تحركات قانونية تسعى لفضح الجرائم ومحاكمة مرتكبيها؟

أعتقد أن الحرب، في حد ذاتها، هي أكبر انتهاك. وبالتالي أعتقد أن الوقت ليس مناسبا لتكوين وتشكيل أي مفوضية أو آلية من آليات حقوق الإنسان للتقصي حول انتهاكات الدعم السريع، أو حتى انتهاكات القوات المسلحة، أو الكيانات المسلحة الأخرى التي دخلت الحرب بعد أن كانت محايدة. 

وبالتالي فإن هذا الحديث سابق لأوانه، ولكنه سيأتي في الوقت المناسب، سواء من خلال العدالة الانتقالية، أو من خلال لجان تحقيق مستقلة وطنية، أو عبر لجان مستقلة دولية وإقليمية.

لكن عموما، نحن نسمع ونرى بعض الجهات التي تقيم بعض الدعاوى في المحكمة الجنائية الدولية. 

ولكن -حتى من الناحية الشكلية- ستكون هذه الدعاوى غير مقبولة. حيث إنه في الجرائم المنظورة أمام محكمة الجنايات الدولية، ينبغي أن يتم الحصول على إذن من أولياء الضحايا بصورة شخصية.

  • هل لك أن تعطينا بعض الأمثلة على مثل هذه التحركات القانونية والحقوقية؟

هناك دعاوى رُفعت في محكمة الجنايات الدولية من قبل المحامي الأستاذ محمد الزين، وهي غير مستوفية للشروط الشكلية التي ذكرتها، وبالتالي أعتقد أن دعواه ستُشطب من أول جلسة.

وهنا أود أن أعيد التأكيد على التالي: نعم صحيح هناك انتهاكات كثيرة ارتُكبت وتُرتكب، سواء من الدعم السريع أو القوات المسلحة أو الحركات المسلحة. لكن كما ذكرت لك، كل ذلك بمقدورنا أن نعالجه في إطار العدالة الانتقالية. 

وما يجب علينا الحديث بشأنه الآن هو الحرب في حد ذاتها، وضرورة إيقاف هذه الحرب، ونسند المسؤولية على من تسبب في إشعال هذه الحرب، وحينها، سيتحمل مسعر الحرب كل هذه الانتهاكات المرتكبة.

الوضع الإنساني

  • هل تغطي المساعدات الإغاثية احتياجات المواطنين في أرجاء السودان؟

هناك جهود إغاثية كبيرة في السودان، ومن المعروف أن الأمم المتحدة تقوم بدور كبير جدا في السودان منذ عام 1983، قبل انفصال الجنوب في حرب الجنوب، والنيل الأزرق ودارفور. 

وبالتالي هي لديها خبرة تراكمية في كيفية دعم السودان بالغذاء والعلاج والدواء والمسكن، فأنا في تقديري أن الأمم المتحدة لديها خبرة ومعلومات كافية في كيفية إدارة المساعدات الإنسانية وكيفية إيصالها. 

ولكن من حسن الطالع أن السودان دولة حباها ربنا بخيرات كثيرة جدا، وبالتالي فكثير من المناطق قد لا تنتظر دعم المجتمع الدولي. وفقط تكون الحاجة ماسة في مدن ليس فيها موارد أو مشاريع غذائية.

لكن هذا الحال قد يتعقد السنة القادمة. فحتى في المناطق التي فيها مشاريع وموارد غذائية؛ مثل مشروع الجزيرة ومشروع جبال النوبة، والعديد من المناطق التي تعتمد على ذاتها في الغذاء، قد تجابه مشكلة مرتقبة.

حيث إن هذه الحرب هجرت أكثر من 11 مليون سوداني، كما أنها تسببت في خروج كثير من المشاريع من الدورة الزراعية، فمشاريع مثل الجزيرة والفاو والسوكي وجبال الكردفان وغيرها، كلها خرجت من الدورة الزراعية، بسبب أن كل سكان هذه المناطق أُجبروا على النزوح وإخلاء مساكنهم ومزارعهم.

وعليه، سيكون ضروريا زيادة الدعم والجهود الإغاثية خلال الفترة القادمة أكثر مما كان عليه الوضع في السابق. وبدون حدوث ذلك، سيواجه السودانيون صعوبة كبيرة للغاية في مجابهة المجاعة المؤكدة العام القادم.

مداولات جنيف

  • كيف ترون مداولات جنيف الإنسانية؟

كان هناك 3 أطراف في مباحثات جنيف؛ الدعم السريع بوفده، والجيش بوفده، ووزارة الشؤون الإنسانية بوفدها، برئاسة سلوى بنية، مفوض الشؤون الإنسانية في حكومة "الأمر الواقع" في بورتسودان. 

واجتماع جنيف هو ذاته اجتماع السعودية، حيث لم تلتق الأطراف وجها لوجه لعدم توافر الثقة بينها، وبالتالي يكون هناك تبادل مذكرات ومباحثات غير مباشرة.

ولكن في تقديري أن اجتماع جنيف كان ناجحا. 

فلأول مرة، منذ اندلاع الحرب في 15 إبريل/ نيسان 2023، تصل الأطراف المتحاربة إلى اتفاق في بعض القضايا الأساسية؛ مثل قضايا فتح المعابر وتوصيل المساعدات الإنسانية وعدم عرقلة وصولها إلى أي من مناطق سيطرة الدعم السريع. 

ورأيي أن هذه بارقة أمل، يمكن أن يبني الجميع عليها ويمضون قدما نحو وقف الحرب وتحقيق السلام، وضمان الحقوق الإنسانية.

  • لماذا رفض الجيش اللقاء بوفد الدعم السريع هناك؟

رفض الجيش الجلوس مع الدعم السريع بدعوى أن الأخير لم يستجب للالتزامات التي اتُّفق عليها، في 11 مايو/ آيار 2023، في جدة. 

حيث لم ينفذ الدعم السريع بعض البنود، مثل إخلاء المقار الحكومية، وإزالة الارتكازات التي أقامها، وإخلاء منازل المواطنين، والخروج من ود مدني والجزيرة والفاو وغيرها.

وأعتقد أن هذه واحدة من الأسباب التي جعلت القوات المسلحة ترفض الجلوس مع الدعم السريع.

ولكن أرى أن هذه شروط تعجيزية لكل الأطراف، ويجب عليهم الاتفاق على قضايا سهلة التنفيذ مراعاة لمعاناة الشعب السوداني، ومراعاة لحالة النزوح واللجوء التي يعاني منها الشعب مر المعاناة. 

فيجب وضع مكانة الشعب السوداني في حسابات الطرفين، لأنهم في النهاية يتصارعون على حكم الشعب السوداني.