عزيز هناوي: تطبيع المغرب خراب وأنصاره أقلية متغلغلة في مفاصل الدولة (خاص)

عالي عبداتي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

قال الناشط الحقوقي المغربي البارز، عزيز هناوي، إن معركة طوفان الأقصى ألقت مسؤولية كبيرة على الشعب المغربي لمواجهة الاختراق الصهيوني والتطبيعي في البلاد.

وشدد هناوي في حوار خاص مع "الاستقلال" أن التطبيع مع إسرائيل طعن للإرادة الشعبية ولم يبن على أساس ديمقراطي، وهو بوابة خراب، وفيه ابتزاز للدولة عبر قضية الصحراء الغربية.

ورأى أن الدعم الشعبي والطلابي للقضية الفلسطينية بالمغرب، يؤكد أن المجتمع المغربي رافض للتطبيع، وأن الذين يدعمونه هم أقلية متغلغلة في الدولة لخدمة أجندات صهيونية لا غير.

وذكر هناوي أن الشعب الفلسطيني قال كلمته منذ انتخابات 2006 بأنه مع المقاومة، وهذا يفسر صموده إلى جانبها اليوم، رغم كل الدماء والجرائم البشعة التي يرتكبها الاحتلال بغزة.

وأوضح المتحدث ذاته، أن الأنظمة العربية تحارب المقاومة وتسعى إلى إفشالها لأنها تكشف ضعفها أمام الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة، كما تكشف خيانتها لفلسطين من جهة ولمبادرة السلام العربية من جهة ثانية.

وعزيز هناوي، من موالد مدينة الرشيدية سنة 1975، موظف عمومي في وزارة المالية، وهو الكاتب العام لمجموعة العمل من أجل فلسطين، والكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع.

وهو كذلك عضو المبادرة المغربية للدعم والنصرة، وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وكذلك عضو مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح الدعوية.

طوفان الأقصى

  • كيف تقيمون وقوف الشعب المغربي إلى جانب القضية الفلسطينية في ظل معركة طوفان الأقصى؟

أولا، الشعب الفلسطيني البطل أثبت أنه شعب الجبارين، وهو صاحب الحق وصاحب الشرعية على الأرض المباركة، أرض الرباط.

ثانيا، شعبنا المغربي منخرط منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى المباركة في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، في فعاليات وندوات وتظاهرات ومسيرات ولقاءات رقمية وغيرها.

فهو منخرط وجدانا وعقيدة وذاكرة ودعما ماديا ومعنويا مع المقاومة وفلسطين، وأيضا مواجهة الخطر الصهيوني.

فمعركة طوفان الأقصى جاءت في ظرفية دقيقة جدا للغاية، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وما يتعلق بقضايا شعوب الأمة في المنطقة، وفيما يتعلق بالساحة الوطنية.

إذ كان المغرب قبل ثلاث سنوات ونصف مع موعد مشؤوم تمثل في تطبيع رسمي دشنته الدولة، وأُريدَ تنزيله (تطبيقه) بشكل مفروض على الإرادة الشعبية الرافضة لهذا التطبيع.

ولذلك هذه المعركة جاءت في لحظه دقيقه للغاية، على المستوى التاريخي، حيث ترى ملاحم الصمود والفداء والعطاء بالدم والأرواح بشكل منقطع النظير على أرض غزة.

وهو ما يلقي علينا كشباب وكمغاربة مسؤولية مضاعفة، ليس فقط في واجب الدعم المباشر للمقاومة، ولكن أيضا مواجهه الاختراق الصهيوني والتطبيعي في البلاد.

  • رغم الدمار والقتل وجرائم الحرب إلا أن الشعب الفلسطيني ما يزال صامدا إلى جانب المقاومة، كيف تفسرون هذا الأمر؟

هذا الصمود ليس غريبا على الشعب الفلسطيني، لأنه في كل مراحل الصراع مع العدو الصهيوني وقبله ضد الانتداب البريطاني منذ سقوط الخلافة (العثمانية) وسقوط فلسطين بيد الصهيونية البريطانية ثم الكيان الصهيوني الآن، وهذا الشعب ألف ودأب على المقاومة.

لكن ما يميز معركة طوفان الأقصى أنها جاءت غداة أكثر من 45 إلى 47 سنة من اتفاقية كامب ديفيد وأكثر من 30 سنة من مهزلة أوسلو، اتفاقيه العار، ثم بعد قرار الشعب الفلسطيني ديمقراطيا التصويت على خيار المقاومة في انتخابات 2006 (فازت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس).

فكان ذلك التصويت الذي جاء غداة انسحاب (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) أرئيل شارون سنة 2005 من قطاع غزه.

 هذا الانسحاب كان بدون اتفاق وبدون سلام وبدون تطبيع، إذ انسحب الكيان الصهيوني من طرف واحد مذلولا مهزوما، وكان قد انسحب قبلها بخمس سنوات في 25 مايو/أيار 2000 من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان.

وعليه، فنحن إزاء ربع قرن -من 2000 إلى 2024- في مسار دال على تراجع المشروع الصهيوني، وتوازن الردع.

وذلك بعد أن كان الكيان يدعي أن جيشه لا يقهر، وأنه يغزو المحيط الإقليمي، سواء في فلسطين أو الأردن أو الجولان أو لبنان أو سيناء أو يقصف المفاعل النووي العراقي أو يهجم في تونس ويغتال قادة مجاهدين في منظمة التحرير سابقا، فهذا العدو يشهد في الـ 25 سنة الماضية تراجعا.

الخلاصة أن الشعب الفلسطيني قرر في 2006 التصويت على المقاومة، وعدم الاستكانة لمسار التسوية وفرص التنمية تحت الاحتلال، صوت على خيار المقاومة، وهذا خياره وقراره يفسر ما نراه اليوم من صمود إلى جانب مقاومته الباسلة، كما أن الطلبة والنقابات الفلسطينية صوتت للمقاومة، 

وهنا يجب أن نشير إلى أن مليشيات (القيادي المفصول من حركة فتح محمد) دحلان المرتبط بالمخابرات الأميركية والمصرية والأردنية، سعوا جميعا إلى إفشال رئيس الوزراء (بعد انتخابات 2006) إسماعيل هنية، رغم أن حكومته صعدت بانتخابات ديمقراطية وبإشراف دولي.

ورغم الحصار على القطاع الذي استمر 17 سنة، إلا أن المقاومة تفاجئ العدو، بل إن أنفاقها جعلته في تيه، رغم قدراته العسكرية، وحجم الدعم الغربي الهائل الذي يتلقاه.

وهذا كله في مقابل شعب آمن بمقاومته ودعمها ووقف إلى جانبها ضد الاستخبارات الأجنبية وضد العملاء، فكان هذا الصمود الأسطوري والتاريخي الذي نراه اليوم رأي العين.

  • كيف تفسرون التكالب العربي على المقاومة ورغبتهم في إسقاطها رغم كل الأثمان الباهظة التي يدفعها الفلسطينيون؟

النظام السياسي العربي لا يريد المقاومة أصلا، وبالمناسبة هو انخرط في عمليه الالتفاف على القضية الفلسطينية، لأنه جاء غداة (اتفاقية) سايكس بيكو في 1916، والتي خصبت المجال لصناعة منظومة سياسية إقليمية قابلة لاستقبال كيان اسمه "إسرائيل".

هذه منظومة مربوطة بنفس الحبل السري والمشيمة من نفس الرحم، رحم الإمبريالية الاستعمارية، بتقدير إسرائيل ليست فقط كيانا لما يسمى دولة الشعب اليهودي الخالص، بل هي أيضا قاعدة عسكرية إمبريالية متقدمة في خاصرة الأمة.

كما أن النظم العربية قدمت ما يسمى بالمبادرة العربية سنة 2002، والقائمة على الأرض مقابل السلام، وهي مبادرة ليست فلسطينية بل أمليت على السلطة الفلسطينية، لأنها هي الأخرى منخرطة في المنظومة السياسية الرسمية العربية، بعد أن طلقت الخيار الشعبي المقاوم.

واليوم نرى كيف أن الأنظمة العربية خانت القضية الفلسطينية بشكل عام، وخانت مبادرتها للسلام، بعد أن مرت مباشرة إلى التطبيع المباشر تحت عنوان أن فلسطين أصبحت عبئا على المصالح القُطرية.

ولذلك تحارب هذه الأنظمة المقاومة لأنها تعارض توجهها الانبطاحي والتطبيعي، وتعري حقيقة ضعفها وتبعيتها التامة للإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

التطبيع مع إسرائيل

  • بالعودة إلى المغرب، نجد أن الرفض الشعبي للتطبيع في تصاعد مقابل ثبات الموقف الرسمي، كيف تنظرون للمسألة؟

السؤال موجع، حيث إن القرار السياسي موسوم باللا ديمقراطية، بل لنا مظاهر شكلية للديمقراطية، كالعديد من دول العالم الثالث بإفريقيا وأميركا اللاتينية وغيرها. ولذلك قرار التطبيع في المغرب لا ديمقراطي ولا شعبي ولا وطني.

وللأسف الشديد جرى تمرير التطبيع أواخر سنة 2020 من بوابة وطنية وليس فلسطينية، عبر قضية الصحراء (الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو).

إذ أريد لهذه الخطوة أن تلبس لباس القداسة، حتى لا يعترض عليه أحد فيصبح من اعترض فكأنما يعترض على الدولة وعلى الملك وعلى التعايش مع اليهودية والهوية الأمازيغية وغيرها.

ولذلك فهذا التطبيع المشؤوم طعن الإرادة الشعبية، بل جرى إلباسه بجملة رموز سياسية.

ومن ذلك حضور الملك محمد السادس وولي العهد وتوقيع رئيس الحكومة وقتها سعد الدين العثماني (مراسم الاتفاق مع إسرائيل) مقابل حضور غير مكافئ من الجانبين الأميركي والإسرائيلي.

وتمثل ذلك في (جاريد كوشنر) صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومسؤول الأمن القومي الإسرائيلي، وهذه كلها رمزيات مكثفة وسلبية للغاية.

وحتى مع الرفض العقدي المطلق للتطبيع، دعني أتكلم من داخل القرار، هل اعترف الجانب الأميركي والصهيوني بمغربية الصحراء؟ وهل فتحت قنصلية أميركية بالداخلة؟ 

لا شيء تحقق من جانبهم، مقابل منح المغرب كل شيء، وهذا أمر خطير جدا. ولذلك أنا مؤمن أن التطبيع بوابة خراب، وهو بالنسبة للمملكة تركيع للدولة وابتزاز لها عبر قضية الصحراء.

يجب أن نعلم أن جبهة البوليساريو الانفصالية في حالة تشمع كبدي منذ وقف إطلاق النار عام 1991، مقابل تصاعد في الدول المعترفة بمغربية الصحراء، أو التي سحبت اعترافها بالجبهة.

وذلك إضافة إلى عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، فضلا عن تنامي الدعم الأممي لمقترح الحكم الذاتي المقدم من الرباط، فما الذي زج بالمملكة في هذه الانعطافة الحادة؟

بل أصبح الأمر أكثر من تطبيع محدود، إلى زفة إعلامية متصهينة للخطوة، حيث تم تعميم التطبيع إلى قطاعات التعليم والثقافة والفلاحة والصحة والاقتصاد والأمن والجيش وغيرها، مما يبين مدى الخطر الإستراتيجي الذي وقع فيه المغرب.

  • هل صحح حزب العدالة والتنمية موقفه بعد أن تورط رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني في التوقيع على التطبيع؟

يجب أن نقول إن سعد الدين العثماني هو كشخص، مرجعيته الثقافية والأيديولوجية وأرشيفه السياسي ليس مع التطبيع، لكن توقيعه كان بصفته رئيسا للحكومة.

غير أن هذا جر عليه نقدا كبيرا لكونه أيضا يحمل صفة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية حينها، وليس من السهل الفصل بين هذه الصفات. 

ومنذ أربع سنوات وأنا في دوامة هذا النقاش، لأن ما وقع هو غصة وألم يعتصر القلب دون توقف.

اليوم يتحدث العثماني عن الدعم الإغاثي لغزة، بعد أن تورط في التوقيع، وأنا أريد أن أدعوه أولا للتعبير العلني والصريح عن رفض التطبيع والاعتذار عنه، والدعوة إلى وقفه، في ظل ما يقع من جرائم صهيونية يندى لها الجبين.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الصادر بعد أسبوع من التوقيع على التطبيع أكد أن الحزب لم يغير موقفه منه، وكذلك شبيبة الحزب أعلنت رفضها له.

والأمين العام الحالي عبد الإله بنكيران أكد أن التوقيع على التطبيع كان خطأ، وعبر عن رفض الحزب له، ودعا إلى وقفه.

وهذا هو الموقف الأصيل لحزب العدالة والتنمية، وهو ما تجدد على لسان المجلس الوطني للحزب ومجموعته البرلمانية في بيانات وتصريحات عدة.

كما لا يجب أن ننسى أن الدولة ممثلة في الديوان الملكي أصدرت بلاغا ضد حزب العدالة والتنمية في مارس/آذار 2023، بعد انتقاده لتحركات غير لائقة من وزير الخارجية ناصر بوريطة، حيث قال الحزب إن الأخير يتصرف وكأنه وزير خارجية إسرائيل.

تيار “كلنا إسرائيليون”

  • تيار "كلنا إسرائيليون" بالمغرب أصبح أكبر داعم إعلامي لإسرائيل، كيف تقيمون تأثيره وخطره؟

"كلنا إسرائيليون" هو عنوان مقال كتبه أحمد الشرعي، صاحب إذاعة "ميد راديو" وجريدة "الأحداث المغربية" ومواقع ومنصات عدة.

وللعلم فهو عضو منظمة جيس الإسرائيلية، وعضو منظمة الشمال الأطلسي الأميركية الصهيونية، وعضو لوبي يخترق مفاصل الدولة المغربية.

وقد كتب مقاله هذا مع بداية طوفان الأقصى، بفكرة أن حماس مارست الإرهاب في حق المواطنين الإسرائيليين.

والشرعي منخرط عن قناعة بمعية آخرين وخاصة من العاملين في مؤسساته الإعلامية، في الحرب على حماس والمقاومة وموالاة الصهيونية، تحت شعارات كاذبة، تخفي حقيقتهم الظاهرة والساطعة.

وهم إلى الآن، ورغم كل جرائم الصهيونية بغزة لم ينطقوا ولو بكلمة واحدة لصالح المدنيين المستباحة دماؤهم على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

هذا التيار منح لبعض الجهات سببا للقول بأمر خطير، وهو مساواة المغرب بإسرائيل.

فقالوا كذبا وتحريضا إن المغرب يحتل الصحراء كاحتلال إسرائيل لفلسطين، وهؤلاء ينطلقون من الجزائر خصوصا، بسبب انخراط نظامهم في تمويل جبهة البوليساريو ودعمها.

ولكنهم رغم ذلك –بوعي أو بدونه- يزيدون في كسر كل محاولة للتلاقي بين المغرب والجزائر، وطبعا هذا لصالح إسرائيل والغرب.

  • بعض جامعات المغرب قامت بحركات معاكسة لدعم الشعب الفلسطيني خاصة في هذه الظرفية، ما تعليقكم؟

دعني أتحدث عن آخر ما وقع، وهو إلغاء حفل تخرج في جامعة محمد السادس الدولية متعددة التخصصات، خوفا من تعبير الطلبة عن دعمهم للقضية الفلسطينية وارتداء الكوفية.

وهو قرار إداري يدخل في إطار التضييق على حريات الطلبة، وهنا أحييهم على العريضة التي وقعوها بالمئات، للدعوة إلى إيقاف تطبيع الجامعة مع بعض جامعات ومعاهد الكيان الإسرائيلي.

وأؤكد أن رد فعل الطلبة هو مؤشر على أن الجسم المغربي الشعبي يرفض التطبيع.

كما يبين أن الساحة المغربية والجسم المغربي سليم ولله الحمد، رغم بعض النتوءات الساقطة، ومنها إلغاء حفل تخرج طلبة اللغة العربية بجامعة محمد الخامس بالرباط.

بل إن الكاتب العام للجامعة تلفظ بكلام غير لائق في حق فلسطين، ونقول له بهذه المناسبة، إن فلسطين أكبر منك، وأن الحديث عنها ودعمها هو شرف لا يناله الوضعاء من أمثالك.

وكذلك عميد كلية العلوم ببن امسيك في الدار البيضاء، والذي رفض توشيح طالبة متفوقة لا لشيء إلا لأنها كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية.

وهذا الأمر الصادر عن هذا المسؤول وأمثاله، بهدل القرار الرسمي للدولة، والذي يعد القضية الفلسطينية على مستوى واحد مع قضية الصحراء.

كما ساهم في خلق الشرخ بين الشعب والدولة، وهذا أمر يجب الانتباه لدلالاته الخطيرة، وخاصة وأن تيار كلنا إسرائيليون يريدون فك كل ارتباط تاريخي وشرعي للمغرب مع فلسطين.

جهدهم لفك الأسس الدينية والإسلامية لنظام إمارة المؤمنين في البلاد، وإذا نجحوا في ذلك، لابد وأن نطرح السؤال التالي: ماذا سيبقى للشعب من عناصر ولاء وانتماء وانخراط في علاقته مع الدولة؟