“شرارة قيصري”.. من المستفيد من الأحداث الأخيرة في تركيا وسوريا؟

12

طباعة

مشاركة

بمجرد انتشار شائعات على منصات التواصل الاجتماعي عن تحرش لاجئ سوري بطفلة صغيرة، اشتعلت ردود أفعال شعبية عنيفة في مدينة قيصري التركية مساء 30 يونيو/ حزيران 2024.

تصاعدت الأحداث بسبب بعض التصريحات التي أُدلى بها بعض السياسيين عقب الحادث بوقت قصير. وبدلا من الدعوة إلى الهدوء، أثار البعض غضبا شعبيا وصب الزيت على النار ما أشعل الشارع في الولاية الواقعة وسط تركيا. 

من جانبه، خرج والي قيصري جوكمان تشيشيك إلى الشوارع داعيا المواطنين إلى ضبط النفس، وأوضح أن المشتبه به في الاعتداء قُبِض عليه.

وقد برز العداء تجاه اللاجئين إلى الواجهة في قيصري مساء 30 يونيو/ حزيران 2024. وبينما كان "تطبيع" العلاقات الدبلوماسية مع سوريا على جدول الأعمال، كان لافتا للانتباه وجود بعض التصريحات التي من شأنها تصعيد الأحداث في الشارع.

على جانب آخر، ضاعف الاستفزاز الذي أججته الحسابات التابعة لحزب "الظفر" على منصات التواصل الاجتماعي الغضب تجاه الأحياء التي يعيش فيها السوريون بكثافة، أحياء دانيشمينت غازي وعثمانلي وسلجوكلو وحريت وأيدينليكفلر. كما أُشعلت النيران في المنازل والسيارات والدراجات النارية وأماكن العمل التابعة للسوريين.

وبناء على نداء من والي قيصري، استُدعي جميع ضباط الشرطة الذين كانوا في إجازة إلى الخدمة. وأصيب 5 منهم خلال الأحداث.

حسابات مزيفة

وبعد الحادث، أجرى وزير الداخلية، علي يرلي كايا، تقييما للأحداث التي وقعت عقب التحرش المزعوم بطفل سوري قاصر في مدينة قيصري.

وقال يرلي كايا: "لقد فُتح تحقيق فوري في الموضوع. مواطنونا المتجمعون في هذه المنطقة تصرفوا بشكل غير قانوني وبسلوك لا يتناسب مع قيمنا الإنسانية، وألحقوا أضرارا بمنازل وأماكن عمل ومركبات تعود لمواطنين سوريين، وخلال تدخل قواتنا الأمنية في هذه الاحتجاجات، اعتُقل 67 شخصا"، وأفاد بأن "الحشد المتجمع تفرق بعد الساعة الثانية فجرا".

 

 

وفي المعلومات التي وردت لاحقا في الصحافة، تبين أن 73 شخصا اعتقلوا، كما أن 40 منهم من ذوي السوابق الأمنية في قضايا المخدرات والنهب والتحرش.

.وبعد الأحداث التي شهدتها مدينة قيصري مساء يوم 30 يونيو/ حزيران 2024، انتشر حوالي 343 ألف تغريدة من حوالي 79 ألف حساب على منصة التواصل الاجتماعي "إكس".

وبحسب المعلومات، فإن 37 بالمئة من الحسابات المشتركة هي عبارة عن "بوت"، أي حسابات مزيفة، بالإضافة إلى أن 68 بالمئة من المنشورات كانت استفزازية وسلبية.

وعلى جانب آخر، فُتح تحقيق بشأن 63 حسابا وأحيل 10 منهم إلى النيابة، بينما تستمر الإجراءات بشأن البقية.

تأجيج الكراهية

وفي تعليقه على الحدث، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "لا ينبغي التسامح مع مكر بعض الناس في تحميل مسؤولية عدم كفاءتهم على عاتق اللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة وطنهم بسبب الحرب".

وتابع أردوغان: "لا يمكن تحقيق أي هدف من خلال تأجيج كراهية الأجانب وكراهية اللاجئين في المجتمع. أحد أسباب الأحداث التي أشعلتها مجموعة صغيرة في قيصري أمس هو الخطاب المسموم للمعارضة".

وأضاف: "حرق بيوت الناس وأقاربهم والتخريب وإشعال النار في الشوارع أمر غير مقبول بغض النظر عن هوية الفاعل. إننا نرى اللجوء إلى سياسة الكراهية من أجل تحقيق مكاسب سياسية عجزا. لم تكن مثل هذا من قبل، ولن تكون مرة أخرى. إن الذين يستخدمون التمييز والتهميش واستعداء الناس بلغة الكراهية لم يكن لهم مكان في سياسات حزب العدالة والتنمية، ولن يكون أبدا".

ومن ناحية أخرى، أدلى رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل، ببيان بشأن التوتر الذي أعقب الاعتداء على طفل في قيصري. حيث دعا أوزيل الجمهور إلى التصرف بـ"الحس السليم".

كما شارك رئيس حزب "الجيد"، موسافات درويش أوغلو، منشورا على حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي قائلا: "لقد حذرنا الحكومة عدة مرات من ضرورة تجنب الوضع الذي حدث في قيصري اليوم. وقلنا إن قضية اللاجئين تشكل تهديدا وجوديا للأمن القومي لمستقبل تركيا والأمة التركية. والآن، هذه القضية، التي تجاوزت حدود الاحتلال الصامت والسري، على وشك أن تتحول إلى دمار كامل. لذلك، يجب ألا تشاهد سقوط هذا الدمار من الهاوية وأنت جالس على أريكتك المريحة!".

وخلال تصريح له، قال رئيس مديرية الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون: "إن الأجواء السلبية التي تُخلق لدى الرأي العام تجاه اللاجئين السوريين منذ فترة، والاستفزازات التي تسبب زيادة التوتر، تُتابع عن كثب".

 

 

وأكمل ألتون حديثه قائلا: "الجهود التي تبذلها بعض الدوائر، بقيادة عناصر مناهضة لتركيا، لزعزعة السلام في بلادنا من خلال أنشطة استفزازية تهدف إلى اختبار النظام العام، لن تحقق هدفها، وذلك بفضل الجهود المخلصة التي تبذلها جميع عناصر الدولة التركية".

الشمال السوري

وعلى جانب آخر، في الأول من يوليو/ تموز 2024، جرت أحداث مختلفة في أماكن في شمال سوريا، حيث وقعت هجمات على معبر "باب السلامة" الحدودي، وعلى شركة توزيع الكهرباء التي توفر الكهرباء لمناطق العمليات، وعلى مقر اللواء الشمالي العاصف التابع للجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، وعلى مديرية الأمن في مدينة "مارع".

وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور الهجمات التي تستهدف مواطنين أتراكا وسيارات للقوات المسلحة التركية في شمال سوريا، وشوهد مسلحون في منطقة "الباب" يطلقون النار على سيارة تابعة للقوات المسلحة التركية.

وفي بيان إدانة للأحداث أصدرته الحكومة السورية المؤقتة قالت: "إنها تتضمن سلوكا متطرفا تجاه اللاجئين السوريين. والحكومة السورية المؤقتة تؤكد على ضرورة حماية السوريين في تركيا وجميع دول اللجوء، وتثمن الخطوات القانونية التي اتخذتها وزارة الداخلية التركية ضد المعتدين". 

وأردف: "إلى جانب ذلك، تدعو الحكومة السورية المؤقتة أهلنا المقيمين في المناطق المحررة إلى عدم الانصياع للدعوات الاستفزازية التي تهدف إلى تقويض التحالف الحالي بين الشعبين التركي والسوري والاعتداء على الممتلكات والمؤسسات التي بُنيت بتضحيات الجيش التركي والجيش السوري الحر".

علاوة على ذلك، وجهت قوات الجيش الحر رسالة "الوحدة" برفع أعلام المعارضة السورية وعلم تركيا. وفي الفيديو المنتشر، شوهد جنود الجيش السوري الحر وهم يقبلون العلم التركي.

وفي حديث له مع "الاستقلال"، قال الأكاديمي الدكتور بكر غوندوغموش، إن "الأحداث التي تجرى في قيصري تشكل استفزازا خطيرا يضر بالمجتمعين التركي والسوري على حد سواء". موضحا أن "ما يفكر فيه هو التخطيط لكيفية إبقاء الوضع الحالي تحت السيطرة".

وتابع الأكاديمي: "من أهم القضايا التي طرحتها القراءات حول الهجرة الجماعية من سوريا إلى حدود تركيا مع سياسة الباب المفتوح، كانت بلا شك إمكانية السيطرة على هؤلاء السكان. وذلك لأن ملايين السوريين أصبحوا (مشتبهين بهم محتملين) بسبب المشاعر المعادية للمهاجرين في البلاد، والتي تجلب معها في الواقع خطر أن يبدأ السوريون، وبالطبع جميع المهاجرين الآخرين، في التصرف بناء على هذه العقلية".

وأضاف قائلا "في هذه المرحلة، هناك احتمال أن يتصرف المهاجرون انطلاقا من مخاوف أمنية أو انتقاما من الاستبعاد والإقصاء. ومن شأن هذا الوضع أن يمهد الطريق لتهديدات خطيرة للسلام الداخلي في تركيا. وكما هو معروف في تاريخنا السياسي الحديث، فالحقيقة هي أن الأحزاب تنقلب ضد بعضها البعض من خلال الأخبار المتلاعبة، وما يحدث اليوم ليس مختلفا عن هذا".

ومن ناحية أخرى، حذر غوندوغموش من قراءة الأحداث بشكل مستقل عن المخططات الإقليمية للامبريالية العنصرية العالمية والنظام الإسرائيلي المحتل.

موجات هجرة

وأضاف: "لا بد من الحذر من خطر موجة هجرة محتملة تستهدف لبنان بسبب الفوضى والصراع في شمال سوريا. ويشهد لبنان، الذي استضاف أعلى نسبة من الهجرة السورية في فترة ما بعد عام 2011، تحولا ديمغرافيا غير منضبط في وقت تتزايد فيه احتمالات المواجهة مع إسرائيل، مما قد يجعل لبنان هدفا سهلا من الناحية العملياتية. وهذا الوضع سيعني أيضا اختلال المعادلة الإقليمية التي شكلتها إيران من خلال لبنان وسوريا واليمن".

وأشار الأكاديمي إلى أنه "لا ينبغي أن ننسى أن الربيع العربي والأزمة السورية لم يؤثرا على البلدان المعنية فحسب، بل كشفا أيضا عن مجالات التفاعل والتوتر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديمغرافي في المنطقة بأكملها".

ومن وجهة نظره، يرى أنه "إذا استمرت الأحداث التي نشهدها هذه الأيام بنفس الطريقة السابقة، وستستمر بطريقة أو بأخرى، فإن حالة الفوضى في سوريا وتركيا ستجلب موجات جديدة من الهجرة والتشكيلات الإرهابية".

ولهذا السبب، يرى غوندوغموش أنه "من المفيد لتركيا وسوريا التعاون بشكل عاجل، بدءا من التعاون الاستخباراتي وحتى التخطيط الإعلامي".

وعلى جانب آخر، يلفت الأكاديمي إلى أنه "بينما يتردد في الصحافة السورية أنه سيكون هناك لقاء بين البلدين في العراق، وكانت الرسائل تأتي من السياسيين حول بداية العهد الجديد، فإن بعض السياسيين في تركيا يصبون الزيت على النار".

وفي رأيه، أن النقطة التي لا ينبغي الحياد عنها هي أنه "من غير المقبول تبني موقف تغريبي وإقصائي، حيث ستذهب الجهود التي بذلت لسنوات، في أعقاب العمليات التي نُفذت ضد الجماعات الإرهابية في سوريا، من أجل رفاهية المنطقة سدى، وهذا يمثل فرصة للمجموعات في المنطقة التي تسعى جاهدة لمنع البلدين من الالتقاء معا"، على حد قول عالم السياسة.