بلعت لسانها وأخفت يدها.. لماذا تراجع دور مليشيات العراق تجاه تطورات المنطقة؟
السوداني أكد أن برنامج الحكومة الحالية يقضي بحصر السلاح بيد الدولة
في ظل تزايد الضغوط الأميركية على العراق لحلّ المليشيات المسلحة، يحاول الإطار التنسيقي الشيعي والحكومة العراقية المنبثقة عنه، إيجاد مخرج يرضي واشنطن ويحفظ ماء وجه طهران.
ومنيت الأخيرة بهزيمة إستراتيجية عبر وكلائها في المنطقة، وذلك جراء سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتزعزع قدرات حزب الله في لبنان واغتيال أبرز قياداته بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
ودعت الولايات المتحدة الأميركية، الحكومة العراقية لتفكيك المليشيات المسلحة بنفسها أو أن الأمر "سيتم بالقوة"، حسبما كشف إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
الشيء نفسه أكده رئيس البرلمان محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 ديسمبر، بالقول: إن "الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أكد لرئيس الوزراء العراقي ضرورة حصر السلاح بيد الدولة"، مشيرا إلى أن "الحكومة تعمل على ذلك".
خيار الانتخابات
ومع قرب الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، بدأت وسائل إعلام عراقية تطرح فكرة أن يجرى وضع شرط ضمن قانون الانتخابات الذي من المؤمل أن يخضع إلى تعديلات في البرلمان، بمنع مشاركة الفصائل المسلحة في العملية الانتخابية المقبلة.
وهذه المليشيات ينضوي أغلبها ضمن قوات الحشد الشعبي وتمتلك مقاعد في البرلمان الحالي، ولديها وزراء في الحكومة.
ومنهم وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، العضو في "عصائب أهل الحق"، ووزير العمل، أحمد الأسدي، زعيم مليشيا "جند الإمام"، ووزير النقل، رزاق محيبس القيادي في مليشيا "بدر".
وعلى الرغم من عدم إجابته على سؤال عن مدى إمكانية وضع مثل هذا الشرط في الانتخابات المقبلة لإدماج المليشيات، أكد القيادي في الإطار التنسيقي، عمار الحكيم، خلال مقابلة تلفزيونية في 2 يناير/كانون الثاني 2025 أنه تلقى معلومات من واشنطن تفيد بوجود خطط لاستهداف الفصائل المسلحة.
وقبل ذلك، قال السوداني، إنه لا يوجد مبرر لبقاء السلاح خارج إطار الدولة، بعد ترتيب العلاقة مع التحالف الدولي (لمحاربة تنظيم الدولة)، فإما تنخرط في الأجهزة الأمنية، أو تنتقل إلى العمل السياسي، لافتا إلى أن هذا هو الطريق السليم لبناء الدولة.
وعن نزع سلاح المليشيات، قال السوداني خلال مقابلة تلفزيونية في 19 ديسمبر 2024، إن "هناك توافقا سياسيا من أغلب القوى حول مسار تطبيق انسحاب التحالف الدولي، وحصر السلاح بيد الدولة بالتزامن مع ذلك".
وتابع: "هناك حكومة تملك برنامجا تنفيذيا تعمل عليه بوضوح وشفافية، وملتزمة بالاتفاق السياسي، مع كل الأطراف المشكلة لها، ونتواصل مع كل القوى السياسية، وهذا يحدث لأول مرة، على عكس الحكومات السابقة حيث ينتهي شهر العسل بعد تشكيلها".
وفي 27 ديسمبر، عاد السوداني وأكد خلال مقابلة أخرى، أن حصر السلاح بيد الدولة يمثل جزءا أساسيا من البرنامج الحكومي، وأنها تتبع مسارا واضحا وحوارا وطنيا مسؤولا من أجل ذلك، مشيرا إلى أن حكومته تعمل بالتنسيق مع القوى السياسية لتحقيق هذا الهدف.
"حيلة أخرى"
وعن إمكانية تحقق سيناريو حلّ المليشيات عبر قانون الانتخابات، استبعد الباحث العراقي، لطيف المهداوي، أن تسير الأمور في هذا السياق، لكنه أكد إمكانية أن يتبع الإطار التنسيقي والحكومة ما وصفها بـ"حيلة أخرى" كي تبقي الباب مفتوحا لبقاء الفصائل.
وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أنه "يمكن أن يحدث انسحاب لهذه المليشيات من أماكن وجودها في المدن ذات الغالبية السنية، وتحديدا في جرف الصخر والقائم وسامراء، وحلّ المعسكرات والمقرات".
وأشار إلى أن "هذه المليشيات يمكن أيضا أن تدفع بعناصرها القيادية والمتعلمة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكذلك القبول ببعض قرارات الحكومة ما لم تشمل معاقبتهم أو تجميد أموالهم".
وأكد المهداوي أن "مقترح رئيس الوزراء بأن ينضموا إلى الجيش أو الشرطة خيار غير واقعي، لأن السلاح سيبقى بأيديهم، وبالتالي من الممكن إعادة تشكيلهم بأوامر قادتهم الدينية أو السياسية، بمعنى بفتوى دينية أو من دونها، فالأمر ليس صعبا عليهم".
من جهته، أشار الباحث مؤيد الدوري، إلى "تبدل خطاب السوداني وعمار الحكيم، ليكون أكثر نعومة تجاه التحولات الحاصلة والقادمة في المنطقة وبما فيها بعث رسالة طمأنة وتقرب للغرب، والانسحاب- ولو بشكل خفيف- من المعسكر الإيراني".
وأضاف الدوري لـ"الاستقلال" أن "واقع الحال يقول إن هذه الاتجاهات لن تكون إلا بضوء أخضر إيراني لتلافي الصدمات أكثر وأكثر، لا سيما أن إيران منهكة اليوم وتعاني الانكسار".
وفي الوقت نفسه، رأى الباحث أن "إيران التي ترتبط بها معظم هذه المليشيات العراقية، تستغل كل أوراقها للتفاوض مع الولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى تفاهم معها بشأن العقوبات التي تفرضها عليها منذ عام 2018، ورفع التجميد عن أموالها المودعة في بنوك بالخارج".
ورجح الباحث العراقي أن "تُصاغ الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، شيعيا وإيرانيا بشكل محسوب لهذه المتغيرات وبما يخفف من الطابع الولائي (لإيران) لصالح الاتجاهات الشيعية الليبرالية المدنية".
وتوقع الدوري أن "تشهد الصورة المقبلة للقوى الشيعية، تنافسا بين السوداني، وبعض الوجوه الشيعية التي تظهر ميلا غربيا أو تعمل على تغليب الانتماءات الوطنية".
ونوه إلى أن "تجنيب العراق الضربات الإسرائيلية حتى الآن كان نتاج إيقاف هجمات المليشيات تجاهها، وتوقف الحديث عن الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد، باستثناء أصوات منفردة غير مؤثرة، وهذا يؤكد حصول توجه للحفاظ على النظام السياسي الذي يقوده الشيعة".
وآخر بيان أصدرته ما تطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية (الشيعية) في العراق" كان في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وأعلنت فيه شن هجوم بواسطة الطيران المسيّر، استهدف جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعدما تبنت نحو 316 هجوما ضد إسرائيل، 94 منها وصلت إلى داخل حدودها.
"رسالة قاآني"
وعلى الصعيد ذاته، كشفت وسائل إعلام محلية، أن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني زار العراق أخيرا، والتقى الفصائل المسلحة.
وبينت أن "من جملة ما بحثه هو إمكانية إعادة هيكلتها.. وقد يصار لاعتماد سبل وآليات تحويل بعضها إلى قوى أو جبهة سياسية".
وقالت وكالة "شفق نيوز" المحلية في 6 يناير 2024، إن “الجنرال قاآني أوصل رسالة لبغداد، خلال زيارته السريعة لها، أن بلاده لا تتحفظ على أي قرار بشأن الفصائل المسلحة العراقية"، وأن على الأخيرة ”الالتزام بقرارات حكومة العراق".
ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع (لم تسمه) أن "زيارة قاآني إلى بغداد استغرقت ساعات قليلة، التقى فيها السوداني، وبحث معه تطورات المنطقة".
وأضاف: “قاآني أكد للسوداني أن طهران لا تريد أن تكون لا هي ولا بغداد جزءا من الصراع والحرب”.
وأكد المصدر أن “قاآني التقى أيضا قادة الفصائل المسلحة وجرى مناقشة تطورات الأوضاع الأمنية في المنطقة، وخاصة ما جرى بسوريا وتأثير ذلك على قوى محور المقاومة".
وتابع: "لقد طالب الفصائل بالوقوف خلال المرحلة الحالية، خلف الحكومة العراقية والالتزام بما يصدر من قرارات عنها".
زيارة قاآني إلى بغداد ولقائه بعدد من قادة الفصائل والمسؤولين العراقيين، تأتي قبل أيام من ذهاب السوداني إلى إيران في 9 يناير 2024.
وذكر بيان لمكتب السوداني في 4 يناير، أن "الزيارة ستتضمن بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها، وذلك في ضوء ما تحقق خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى بغداد في سبتمبر (أيلول) 2024، فضلا عن التطورات التي تشهدها المنطقة".
المصادر
- خاص.. إيران تمنح السوداني ضوءاً اخضر للتصرف بمستقبل الفصائل
- بعد تطورات لبنان وسوريا.. هل اقترب حل المليشيات الشيعية في العراق؟
- السوداني يخير الفصائل بين الدمج أو العمل السياسي: لا يوجد مبرر لبقائهم خارج الدولة
- هل يخطط الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف قادة الفصائل في العراق؟
- محمود المشهداني: ترامب طلب من السوداني حصر السلاح بيد الدولة في العراق
- لماذا توقفت هجمات الفصائل العراقية على الأراضي المحتلة؟
- السوداني: حصر السلاح بيد الدولة أولوية في البرنامج الحكومي