تحولت إلى كابوس.. كيف تبخرت أحلام ابن سلمان في بناء مدينة نيوم الخيالية؟

داود علي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات على وعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبناء مدينة لم يسبق لها مثيل في “نيوم”، بدأ الحلم الأشبه بالخيال يتبخر، وسط صعوبات في التمويل وإقناع الخبراء الأجانب في إمكانية بنائها.

في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أعلن ابن سلمان عن بناء مدينة "نيوم" في قلب الصحراء، مبينا أنها "ستكون قفزة هائلة للحضارة البشرية"، ثم قدم تفاصيل، بينها أن طعام المدينة سيتم استنباته على جدران مائية أو بنى عائمة. 

ومن التفصيلات التي قدمها أنها ستحصل على الطاقة الكهربائية من أكبر مولد في العالم صديق للبيئة، وسيتم إنشاء جبل من الجليد عبر نافخات الثلج.

وأكمل مبشرا بأحلامه العريضة أنه في يوم من الأيام سيكون لديها سيارات دون قائد وطائرات دون طيار. 

وقد وضع ابن سلمان، ما يقرب من 500 مليار دولار من قبل صندوق الاستثمار السعودي، لدعم تدشين المدينة وتأسيس لبناتها الأولى. 

ويقع مشروع نيوم في أقصى شمال غرب السعودية (منطقة تبوك)، في صحراء جرداء وقرى قاسية ليس بها إلا قليل من السكان والقبائل، فيما يحده البحر الأحمر من الغرب على امتداد 460 كم.

وكلمة “نيوم” مستوحاة من الكلمة اليونانية "نيو" التي تعني "جديد"، أما حرف "ميم" يشير بالعربية إلى كلمة "مستقبل"، وتعني المدينة "المستقبل الجديد".

تقلص الحلم 

وبدلا من تحقق تلك الوعود، باغتت تقارير دولية السعودية بإثارة الشكوك حول مستقبل "نيوم"، وأنها باتت أشبه ببؤرة مظلمة تبتلع أموال واقتصاد البلاد.

ففي 6 أبريل/ نيسان 2024، نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تقريرا عن مستجدات الوضع بشأن مشروع نيوم، وذكرت أن السعودية تقلص من حجم طموحاتها بشأنها بنحو 75 بالمئة.

وأضافت أن الطموحات متوسطة المدى للمملكة لتطوير الصحراء في نيوم، قد تراجعت بالفعل.

وقالت: "إن الحكومة السعودية كانت تأمل في وقت ما أن يكون هناك 1.5 مليون ساكن يعيشون في ذا لاين، وهي مدينة مستقبلية مترامية الأطراف تخطط لاحتوائها داخل زوج من ناطحات السحاب المكسوة بالمرايا بحلول عام 2030".

ثم عقبت: "لكن المسؤولين السعوديين يتوقعون الآن أن يستوعب المشروع أقل من 300 ألف ساكن بحلول ذلك الوقت".

وأفادت الوكالة بأن أحدث الجهود لتقليص نطاق المشروع تأتي في الوقت الذي يعمل فيه صندوق الاستثمارات العامة على تقييم مجموعة من الخيارات لجمع الأموال، بما في ذلك تسريع مبيعات الديون وتنظيم عروض الأسهم في شركات محفظته. 

وأوردت أن الاحتياطيات النقدية لصندوق الثروة السيادية، انخفضت إلى 15 مليار دولار بدءا من سبتمبر/ أيلول 2023، وهو أدنى مستوى منذ عام 2020.

تحرق أموالها 

وتعد أخطر معلومة وردت في تقرير "بلومبيرغ" تلك المتعلقة بأنها طلبت من جارتها الأصغر الكويت ما يزيد عن 16 مليار دولار لتمويل مشاريع بما في ذلك نيوم في الآونة الأخيرة هذا العام.

وعللت الأمر أن الحكومة السعودية باتت تحرق أموالها في هذه المشاريع، ثم تكثف جهودها لجذب المزيد من الأموال الأجنبية.

وأوضحت أنه بالنسبة لمحمد بن سلمان، هناك طموحات تشابه رؤية 2030 على المحك.

ففي حين وقعت شركات مثل إير برودكتس ومقرها الولايات المتحدة على مشاريع مشتركة في نيوم، لا تزال الرياض في مأزق، تتحمل فيه ما يقرب من كامل تكلفة هذه المشاريع أي ما يعادل تقريبا نصف الناتج القومي السعودي الحالي.

وأشارت إلى أن التوسع حتى الوصول إلى 2030 يبدو الآن بعيد المنال في الوقت الحالي، حيث يظل المستثمرون الأجانب حذرين.

ووفقا لمحادثات مع المصرفيين والمحامين الذين يقدمون المشورة للمستثمرين والأشخاص الذين لديهم معرفة بجهود جمع الأموال في السعودية، فقد أدى ذلك إلى مراجعة الحكومة لخياراتها.

وتدرس الحكومة اليوم إمكانية التمويل الذاتي لجزء أكبر من عملية إعادة تشكيلها الاقتصادي ضمن جدول زمني ضيق.

وأكملت وكالة بلومبيرغ أن حكومة الرياض بدأت بالفعل في تقليص المشاريع العملاقة المصممة لإصلاح اقتصادها الذي تبلغ قيمته 1.1 تريليون دولار.

إذ تصدر سندات بمليارات الدولارات للمساعدة في سد العجز المالي الذي لم تكن تتوقعه حتى أواخر العام 2023.

ديكتاتور الصحراء 

وفي 28 يوليو/ تموز 2022، نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا مطولا عن نيوم انتقدت فيه ابن سلمان ووصفته بـ “مستبد الصحراء”.

وبينت أن ولي العهد لا يسمح بتقديم تقييم حقيقي حول مشاريعه العملاقة، ومدى قابليتها للتطبيق. 

وذكر أنه "لو كان لابن سلمان مهمة غير توسيع سلطته، فستجدها في نيوم، المدينة التي وعد ببنائها في الصحراء".

وقال معد التقرير الصحفي نيكولاس بيلام، الذي زار نيوم، إن "العثور على هذه المدينة يعد أول مشكلة، فلا طريق ولا علامات لها. وبعد 3 ساعات من السياقة، توقفت السيارة عند نقطة تشير إلى الخريطة".

وأكمل "لم يكن فيها شيء، سوى شجرة تين قديمة وجمال تمشت في شارع سريع فارغ، وكومة من الأنقاض على الطريق، وهي بقايا بلدة جرفت لفتح الطريق أمام المدينة العظيمة". 

وتعجب أن “المنطقة التي خصصت لبناء المدينة هي بحجم بلجيكا”. ومن مشاهداته رأى أن هناك مشروعين قد اكتملا، قصر محمد بن سلمان، وشيء تطلق عليه خريطة غوغل للكرة الأرضية (مركز تجربة نيوم). وعندما قدت السيارة لمشاهدته غطى عليه كوخ مؤقت". 

وشرح أن ابن سلمان وفر كل شيء لمن يعملون بالمدينة، وأن هناك نوعا من الهوس قصير الأمد بين هؤلاء الأجانب، وحصل الكثير منهم على رواتب تقدر بـ 40 ألف دولار شهريا، إضافة إلى بيوت جميلة. 

وأخبر أحد مستشاري نيوم الكاتب أن الأمر "مثل ركوب ثور.. تعرف أنك ستسقط، وأن أحدا لن يبقى على الثور أكثر من دقيقة ونصف أو دقيقتين، ولهذا تمتع بهما".

ومع ذلك ورغم الرواتب العالية، هناك تقارير عن مغادرة الأجانب مشروع نيوم، لأنهم يشعرون بالضغط الناجم عن الفجوة بين التوقعات والواقع.

وذكر العديد من الصحف العالمية على مدار السنوات الماضية أن هناك شكوكا متصاعدة تتعلق بطبيعة المشروع وإمكانية تنفيذ أحلام الأمير. 

ففي 4 مايو/أيار 2021، نشرت صحيفة "لوبينيون" الفرنسية أن "المهندسين وجدوا صعوبات في الرد على طلب ابن سلمان القاضي بحفر سفح الجبل بارتفاع 800 متر وما يعادل ارتفاع 30 طابقا من أجل إقامة سلسلة من الفنادق والمساكن". 

وبينت أن "من بين مطالب ابن سلمان الأخرى، بناء عشرات القصور، كل منها أكبر من ملعب لكرة القدم، وتم اقتراح 50 نموذجا مختلفا لها". 

واستدركت: "لكن فرق العمل بدأت في مغادرة المغامرة وهي تتساءل إذا ما كان البعض مستعدا لشراء هذه المباني التي يمكن أن يصل سعر الواحدة منها إلى 400 مليون دولار!".