غدر العسكر.. لماذا يحذر ثوار بنغلاديش من "مصير" مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ اللحظة الأولى التي نجحت فيها ثورة بنغلاديش مع هروب رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى الهند في 5 أغسطس/ آب 2024، والنصائح تتوالى على قادة الثورة الشباب تحذرهم من "غدر" العسكر وانقلابه على ثورتهم مستقبلا وإجهاضها بعدما ينصرف الشعب من الشوارع.

لكن مؤشرات ما جرى حتى اللحظة الراهنة، أظهرت أن الثوار تعلموا من دروس "الثورة المضادة" ضد "الربيع العربي"، حيث رفضوا أن يشكل العسكر الحكومة المؤقتة، فشكلوها بأنفسهم، برئاسة محمد يونس الحائز على جائزة نوبل وشاركوا فيها.

كما اقتصوا بأنفسهم من رجال شرطة شاركوا في قتلهم الثوار، واعتقلوا ضباط جيش واستخبارات وطالبوا قادة الجيش بمحاكمتهم.

كما فرض الثوار كلمتهم وطالبوا بمحاكمة المسؤولين عن قتل 300 من المتظاهرين والتعذيب في السجون واختفاء معارضين، واضطر قائد الجيش، الجنرال وكر الزمان، لإعلان تقديم المسؤولين عن قتل الثوار للعدالة.

ومع ذلك، استمرت المخاوف بسبب ظروف اقتصادية وسياسية ودينية تتعلق بالبلاد ومظالم اجتماعية وعرقية تزيد من حالة الفوضى، وقد تشجع العسكر على استغلالها للقيام بالانقلاب رقم 30 في البلاد، حيث شهدت بنغلاديش 29 انقلابا منذ استقلالها.

مؤشرات إيجابية

فور هروب حسينة، سعى الجيش إلى تشكيل "حكومة مؤقتة"، واجتمع مع قادة الأحزاب لهذا الغرض، وكانت المؤشرات تشير إلى نية الجيش تعيين حكومة موالية له برئاسة خالدة ضياء زعيمة الحزب الوطني البنغالي القريب من الجيش، بعدما أطلق سراحها.

لكن في اجتماع قادة الجيش مع زعماء المجموعات الطلابية في 8 أغسطس، فرض الثوار رأيهم بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة محمد يونس "نصير الفقراء" لنزاهته ومحاربته الفساد.

وأدت الحكومة المؤقتة برئاسة يونس اليمين الدستورية في 9 أغسطس، بحضور قائد الجيش، وكر الزمان، وقادة القوات البحرية والجوية.

وضم فريق الحكومة الانتقالية عضوين من المجموعة الطلابية التي قادت الاحتجاجات، والتي أجبرت حسينة على الاستقالة والفرار من بنغلاديش.

وهو ما يعني أن السياسة في بنغلاديش دخلت فصلا جديدا برضوخ الجيش لمطالب هؤلاء الشباب الذين استطاعوا فرض مرشحهم عكس ما جرى في الربيع العربي حين تولى العسكر الحكم وفرضوا حكومات تابعة لهم حتى نجحوا في إجهاض الثورات.

لم ينظر الثوار أيضا إلى وعود الجيش وقاموا بقتل ضباط شرطة واستخبارات قصاصا من قتلهم متظاهرين ومشاركتهم في قمع الثورة وقاموا بتعليق بعضهم في الشوارع.

وهاجم المتظاهرون مراكز الشرطة ومكاتب حزب "رابطة عوامي" الحاكم ومنازل كبار مساعدي حسينة، بما في ذلك وزير الداخلية، أسد الزمان خان، الذي خدم لفترة طويلة ويحملونه المسؤولية إلى حد كبير عن وحشية الشرطة، وأحرقوا منزله.

وانتشرت صور لأقبية سجون حسينة في بنغلاديش وبها أكوام من الهياكل العظمية، وطالب الثوار بالتحقيق فيها وإعدام المسؤولين عنها.

أيضا تم القبض على ضباط مخابرات هندوس من الهند كانوا يعاونون حسينة في قمع الشعب وطرد آخرين خارج بنغلاديش.

كما أحبطوا محاولة هروب الجنرال ضياء الإحسان الذي نسق مع الاستخبارات الهندية لسحق الثورة في بنغلاديش، عبر طائرة إماراتية في المطار، وهو متهم بالتورط في قتل البنغاليين.

أيضا أعلن قادة حركة الطلاب في 10 أغسطس 2024 عن حصار المحكمة العليا، على غرار المحكمة الدستورية في مصر، بسبب مخاوف من حدوث انقلاب قضائي بتواطؤ مع العسكر.

واحتشد المتظاهرون أمام مبنى المحكمة العليا، مطالبين باستقالة رئيس القضاة بسبب تواطئه مع الهاربة حسينة، بحسب صحيفة "دكا تريبيون" التي تصدر في بنغلاديش.

ونشر مستشار وزارة الشباب والرياضة، آصف محمود، منشورا على "فيسبوك" في 10 أغسطس، يتضمن إنذارا نهائيا لرئيس المحكمة العليا للاستقالة الفورية.

وكانت المحكمة العليا في بنغلاديش، قد تورطت في تقنين نظام الحصص المخصصة للوظائف الحكومية، لأبناء المسؤولين وقادة الجيش، الذي يرفضه الطلاب.

وقضت في يونيو/ حزيران 2024 بإعادة نظام الحصص الذي تم إلغاؤه عام 2018 في أعقاب احتجاجات مماثلة.

بالمقابل، قام الطلاب خاصة أعضاء حزب الجماعة الإسلامية بتفويت الفرصة على مخربين وعملاء استخبارات الهند الذين أشعلوا النار في معابد هندوسية للضغط على الثوار وتشويه ثورتهم، وانتشرت صور لهم وهم يحرسون الكنائس والمعابد.

ودعا العديد من المغردين المصريين الشعب البنغالي للحذر من “غدر العسكر” وسخروا من مطالبة قائد الجيش في بنغلاديش بالثقة في القوات المسلحة، وتندروا من خلال مقارنة ضمنية بين وعود قائد الجيش في بنغلاديش والوعود التي قطعها قائد انقلاب مصر عبد الفتاح السيسي عام 2013.

الوقاية من الانقلاب

خلال 53 عاما من وجودها، شهدت بنغلاديش 29 محاولة انقلاب عسكري، كانت أول هذه المحاولات في أغسطس 1975، بعد أربع سنوات فقط من الاستقلال.

ونتج عن ذلك سيطرة الجيش على السياسة بشكل مباشر أو غير مباشر على مدى السنوات الخمس عشرة التالية لأول انقلاب، وفق صحيفة "إنديان إكسبريس" في 7 أغسطس 2024.

ورغم غياب الجيش عن السلطة منذ آخر انقلاب عسكري نفذه في 11 يناير/كانون الثاني 2007، الجنرال معين أحمد، ثم انتهاء الحكم العسكري عام 2008 بعودة الانتخابات وتولي حسينة السلطة، ظل الجيش يتحين الفرصة للعودة.

وجاءته الفرصة مع تصاعد الاحتجاجات الدامية، فتدخل بشكل واضح وأسهم في إجبار الشيخة حسينة على الاستقالة والهروب، حسبما أوضح تقرير سابق لـ"الاستقلال".

وكشفت وكالة "رويترز" البريطانية في 7 أغسطس 2024، نقلا عن ضابطين بالجيش، أن قائد الجيش عقد اجتماعا مع جنرالاته قبل 24 ساعة من فرار حسينة، وقرر ألا تفتح قوات الجيش النار على المدنيين لفرض حظر التجول.

وأكدا أن الجنرال واكر الزمان اتصل بمكتب حسينة، وأبلغها أن جنوده لن يتمكنوا من تنفيذ حظر التجول الذي دعت إليه، وأن "الرسالة كانت واضحة بأن حسينة لم تعد تحظ بدعم الجيش"، وفق "مسؤول هندي مطلع".

هذا التطور يعني أن الجيش البنغالي اختار نفس ما اختارته الجيوش في "الربيع العربي" قبل أن تنقلب على شعوبها وتتشبث بالسلطة والثروة بصورة وبائية، جعلها تبطش بالجميع.

ويفسر كيف انتهى حكم حسينة الذي استمر 15 عاما، إلى نهاية فوضوية مفاجئة ثم فرارها من بنغلاديش إلى الهند، بعدما تركها الجيش في مواجهة الشعب كي يتخلص منها، ويركب هو موجة الثورة، وهو نفس السيناريو الذي جرى في دول عربية.

“جيل زد”

ومع أنه لم يتضح بعد الدور الذي سيلعبه الجيش في الإدارة الجديدة بعد تعيين "يونس" رئيسا للوزراء، بدا من تحركات شباب الثورة أو "جيل Z" كما وصفته شبكة "سي إن إن" في 7 أغسطس 2024 أنهم يدركون ويتحسبون لنوايا الجيش.

ويقصد بـ"جيل زد"، جيل الشباب الذين ولدوا بعد منتصف التسعينيات والألفية (عام 2000) والذين يتميزون باستعمالهم الواسع لوسائل التواصل والإنترنت ويتفاعلون بقوة مع أحداث بلادهم والعالم.

وكان تقرير نشرته مجلة "مسلم ماترز"، قد رصد مبكرا في 17 يوليو/تموز 2024، "تأثير الربيع العربي على بنغلاديش"، مؤكدا أنه "امتد من القاهرة إلى البنغال في دكا".

كما انخرط كُتاب بنغاليون في نشر دراسات وتقارير تحذر من عودة الديكتاتورية سواء عبر الجيش أو غيرها، وتفصل في أسباب فشل الثورات وعودة الديكتاتورية.

"راميسا روب"، المسؤولة عن الرؤى الجيوسياسية في صحيفة "ديلي ستار" البنغالية كتبت تؤكد على "ضرورة التعلم من تجارب الدول الأخرى، مثل الدول العربية" حتى يكون التغيير إيجابي، لأن الثورة تحدث مرة واحدة في هذا الجيل خلال القرن.

وقالت روب إن "المواطنين العرب مازالوا يعيشون في ظل نفس النظام القمعي الذي لا يطاق رغم الثورات التي هزت المنطقة، لأنه لا توجد عقود اجتماعية جديدة، والدول في حاجة إلى أنظمة سياسية أكثر انفتاحا، ومكافحة الفساد على المستوى المؤسسي".

ورغم أن الربيع العربي أدى إلى سقوط زعماء لا يقهرون، كما بدا الأمر مع الشيخة حسينة، فإن النصر لم يدم طويلا في أغلب البلدان.

وأدى سقوط الأنظمة المذمومة إلى المزيد من الاضطرابات، وتراجعت دول وانهارت أخرى في حرب أهلية مثل ليبيا وسوريا، فيما شهدت مصر انقلابا عسكريا أعقبه صعود شخص "أسوأ حتى من ذلك الذي تخلص منه المصريون".

وأكدت روب أن "فهم الأسباب الكامنة وراء فشل الدول في الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية أمر بالغ الأهمية في الوقت الذي تبحر فيه بنغلاديش في مياه مجهولة بعد تغيير النظام".

وقالت: "ينبغي للحكومة المؤقتة القادمة أن تستمر في الخدمة لفترة أطول من الحكومات السابقة في تاريخ بنغلاديش، حتى تتمكن من البدء في إعادة بناء الأمة بشكل إستراتيجي قبل أن تقوم الجماعات ذات المصالح الخاصة باختطاف الفراغ السياسي".

الكاتب الاقتصادي الهندي، ميهير شارم، كتب يحذر أيضا في صحيفة "بلومبيرغ" في 7 أغسطس 2024 من ألا تحصل بنغلاديش على "النهاية السعيدة" التي تتمناها بعد سقوط حسينة، وينتهي بها الأمر، مثل مصر، لحكم عسكري ديكتاتوري بدل الديمقراطية التي طالب بها الثوار.

وقال شارم: "قد يبدو استبدال رئيسة الوزراء الشيخة حسينة بمحمد يونس الحائز على جائزة نوبل، نهاية سعيدة لبلد بدا وكأنه ينزلق بلا هوادة نحو الاستبداد".

واستدرك: "لكن رغم شعبيته، فإن يونس (الذي تولى رئاسة الحكومة المؤقتة) لا يملك قاعدة سياسية يستطيع من خلالها تحدي العسكر".

ولفت إلى أن "المعارضة المنظمة الوحيدة في بنغلاديش، تشبه حالة مصر هنا مرة أخرى، إذ تقع على الجانب الأكثر إسلامية من الطيف السياسي (الجماعة الإسلامية)".

ومع رحيل حسينة وفقدان حزبها وحركتها مصداقيتهما، يبدو من الواضح أن هذه القوى (الإسلامية) هي التي ستحاول الوصول إلى السلطة".

كاتب "بلومبيرغ" الهندي قال إن "زعماء الاحتجاجات الطلابية في بنغلاديش قد يرفضون هذا الاحتمال، ولكن كما حدث في القاهرة عام 2013 فإن المحتجين قد لا يفهمون تماما القوى التي تحالفوا معها وأطلقوا العنان لها".

وزعم الهندي ميهير شارم في تحليله أن الجيش البنغالي "أقرب كثيرا إلى الإسلام السياسي" وأنه مرتبط بالمشروع الباكستاني. 

وحذر تقرير لـ"مجموعة الأزمات الدولية" في 7 أغسطس 2024 من أنه بدون حل المشاكل الرئيسة للبلاد أمنيا واقتصاديا وسياسيا ودستوريا ستظل "مكاسب الثورة مهددة".

وشدد على ضرورة أن تكون الإدارة المؤقتة للبلاد “ممثلة بشكل حقيقي من جميع القوى السياسية والمجتمعية، وضمان تمثيل حركة الاحتجاج بشكل كفء”.

وأن يكون الإصلاح القانوني والأمني ​​مطلوب بشكل عاجل أيضا، فلفترة طويلة عاش البنغاليون في خوف من أجهزة الأمن المختلفة (الشرطة وكتيبة التدخل السريع والمباحث والمديرية العامة للاستخبارات العسكرية).

ولن تدخل بنغلاديش حقبة جديدة حقا إلا عندما يثق الناس في أنهم لن يتعرضوا للاعتقال أو "الاختفاء" أو حتى القتل خارج نطاق القضاء لأسباب سياسية، وفق التقرير.

وأشارت المجموعة إلى “إصلاحات أعمق مطلوبة من قبل الحكومة المؤقتة والجيش لتغيير الثقافة داخل هذه الأجهزة، وتشكيل لجنة قانونية لمراجعة القوانين القمعية، مثل قانون الأمن السيبراني، الذي استخدمه نظام حسينة لقمع المعارضة”.

مكاسب للثورة

تشير تقارير بنغالية وأجنبية إلى أمرين مهمين ترتبا على نجاح الثورة وسعى الثوار لتحقيقهما، هما، الأول، القضاء على النفوذ الهندي في البلاد حيث كانت الحكومة الهندوسية في نيودلهي تمد حكومة حسينة بضباط أمن واستخبارات لإجهاض الاحتجاجات ضدها، وهرب بالفعل هؤلاء عقب الثورة.

وظهر هذا في حملة هجوم إعلامية هندية ضخمة على ثورة بنغلاديش ومحاولة تشويهها بزعم أنه يقف وراءها ضباط مخابرات باكستانيون بغرض ضرب النفوذ الهندي المتزايد هناك.

وزعمت شبكة التلفزيون الهندية "سي إن إن نيوز 18" نقلا عن مصادر استخباراتية هندية أن هناك "مؤامرة من المخابرات الباكستانية لإزاحة الشيخة حسينة لرغبة باكستان في تشكيل حكومة معادية للهند في بنغلاديش".

ونقلت الشبكة في 5 أغسطس 2024، عن هذه المصادر أن "المخابرات الباكستانية تشعر بأن حكومة رابطة عوامي مدعومة من الهند ويجب إزالته"، في تلميح إلى ضغوط باكستانية وراء إجبارها على مغادرة السلطة.

لذا قالت صحيفة "إكسبرس تريبيون" الباكستانية في 8 أغسطس أن "ثورة بنغلاديش هي بمثابة فشل للمخابرات الهندية، وستؤدي إلى تقليص النفوذ الهندي هناك ولو مؤقتا".

لكنها توقعت ومعها صحيفة "إنديان إكسبريس" في 7 أغسطس استعادة الجيش البنغالي نفوذه مجددا، لأنه شارك في الانقلاب على حسينة واستمر في فرض دوره في البلاد منذ قتله والد حسينة، مجيب الرحمن، في انقلاب عام 1975

والمكسب الثاني الذي حققه الثوار هو إعادة التقدير للجماعة الإسلامية التي تعتنق فكر جماعة "الإخوان المسلمين"، بما في ذلك إطلاق سراح ضباط جيش تم سجنهم لأنهم قريبون من قادة الجماعة الإسلامية.

وفي هذا السياق، تم الإفراج عن الجنرال أمان عزمي بعد هروب حسينة، وهو ضابط سابق في جيش بنغلاديش وابن أمير الجماعة الإسلامية "غلام أعظم" الذي توفي في سجون حسينة خلال أكتوبر 2014.

وكان نظام حسينة قام بإقالة عزمي من منصبه واختطافه وإخفائه قسرا عام 2016 لدفاعه عن والده وكونه ابن أحد قادة الجماعة الإسلامية حيث قضى 8 سنوات في سجن انفرادي قال إنه “لم ير فيه النور”.