مأساة حقوقية.. لماذا فشلت الاتفاقيات المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي؟
“وراء السيطرة الظاهرة على تدفقات الهجرة تجري مأساة تتمثل في انتهاكات ضد المهاجرين”
بعد مرور عام على دخول مذكرة التفاهم بشأن الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين الاتحاد الأوروبي وتونس حيز التنفيذ، بدا واضحا أن “هذه الوثيقة" لا تعدو كونها اتفاقا حول الهجرة مصحوبة بوعود ثبت أنها ”ذات تأثير محدود بالنسبة لتونس".
وأوضحت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أنه "رغم توقيع مذكرة تفاهم تهدف إلى تقليل تدفق المهاجرين، مازالت الحوادث المأساوية مستمرة، مثل الغرق في البحر والانتهاكات ضد المهاجرين".
بالإضافة إلى ذلك، أشارت إلى "ارتفاع عدد المهاجرين المحاصرين في تونس والظروف الصعبة التي يعيشونها، وسط غياب الشفافية والمعلومات حول أعدادهم وأوضاعهم، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا".
انتهاكات حقوقية
وأكدت المجلة أن "المفاوضات التي قادتها رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، لصالح الدول الـ27 انتهت إلى صفقة غير مجدية لتونس، التي أصبحت فعليا، وبتكلفة منخفضة، حارس حدود أوروبا".
وبهذا الشأن، ذكرت أن "تونس حصلت على 150 مليون يورو لدعم الميزانية و105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، وهو مبلغ يشمل قيمة المعدات المقدمة لهذا البرنامج، مثل سفن الدوريات".
ولكن رغم ذلك، أشاد وزير الخارجية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، بـ"نتائج التجربة التي كانت مسؤولة عن إعادة المهاجرين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم".
وأعلن الوزير عبر منصة "إكس" أن "تونس منعت مغادرة أكثر من 61 ألف مهاجر"، عادّا ذلك "دليلا على التزام بلدان المنشأ والعبور في مواجهة الهجرة غير النظامية".
وأضاف أنه "بشكل رسمي، بين يناير/ كانون الثاني وأغسطس/ آب 2023، وصل 114 ألفا و883 مهاجرا عن طريق البحر إلى إيطاليا، بينما في نفس الفترة من عام 2024، لم يصل سوى 42 ألفا و102 مهاجر".
ويمثل هذا -بحسب المجلة- انخفاضا بنسبة 63 بالمئة في أعداد المهاجرين إلى سواحل شبه الجزيرة، ما يمكن عده "نجاحا لإيطاليا".
ولكن في غضون ذلك، سلطت "جون أفريك" الضوء على أن "كل شيء كان سيبدو على ما يرام تحت شمس البحر المتوسط لولا تحقيق نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، والذي أفسد الرضا الذي تمنحه روما لتونس".
حيث يمكن القول إنه "وراء السيطرة الظاهرة على تدفقات الهجرة، تجرى مأساة تتمثل في (انتهاكات ضد المهاجرين)".
وذكرت المجلة أن "هذه الانتهاكات تحدث من قبل المهربين أو ممثلي السلطات التونسية، بمن فيهم الحرس الوطني".
وهذا التحقيق -الذي نشرته الصحيفة البريطانية- دفع المعارضين التونسيين إلى اللجوء، في 24 سبتمبر/ أيلول 2024، إلى المحكمة الجنائية الدولية لتعميق التحقيقات.
كما أنه يثير تساؤلات حول "الاتحاد الأوروبي، الذي كان يعتقد أنه قد أبعد أخيرا مسألة الهجرة من خلال الاتفاق الخاص بالهجرة واللجوء، والذي بات عليه الآن أن يبرر من جديد أساليبه مع الدول التي يبرم معها اتفاقيات".
إيطاليا الوسيطة
وعقب التحقيق الذي نشرته الصحيفة البريطانية، أكد الاتحاد الأوروبي أن "التمويلات التي يقدمها وُزعت بعد ذلك من خلال منظمات مثل المنظمة الدولية للهجرة، والتي تتولى تنفيذ (نظام مراقبة من أطراف ثالثة) قبل نهاية عام 2024".
وبالإشارة إلى كونه "دور ترغب إيطاليا في لعبه"، نقلت "جون أفريك" ما صرح به وزير الخارجية الإيطالي، بيانتيدوزي، حيث قال إن "حصولنا على وظيفة مفوض لمنطقة البحر المتوسط سيكون اعترافا بدورنا في المنطقة، وكذلك بمثابة دعم لـ(خطة ماتي)".
وتابع وزير الخارجية: "وإذا لم يحدث ذلك، فأنا واثق من أن لنا مركزية مطلقة، فنحن مركز الجاذبية في البحر المتوسط".
جدير بالذكر هنا أن خطة "ماتي" هي مبادرة دبلوماسية اقتصادية أطلقتها ميلوني عام 2022، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين إيطاليا وإفريقيا.
وبالعودة إلى موضوع نظام المراقبة من قبل أطراف ثالثة، لفتت المجلة إلى أن "إنشاء هذا النظام الرقابي سيزيد من تعقيد التعامل مع الهجرة وربما يجعلها أكثر غموضا".
وفي هذا الصدد، يقول أحد الخبراء: "أصبح من المستحيل الحصول على بيانات حول المهاجرين من تونس، كما أن المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والسلطات التونسية لا يقدمون أرقاما أو تفاصيل حول المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء".
ورغم ذلك، سلطت المجلة الفرنسية الضوء على أن "المتابعة والمراقبة عن كثب تحدث فقط من قبل الجهات المالية والمصرفية".
ففي عام 2023، عندما كانت الأرقام المتداولة تشير إلى 600 ألف مهاجر، وصف الرئيس التونسي، قيس سعيد، هذه الظاهرة بأنها "مخطط يهدف إلى تغيير تركيبة السكان في تونس".
مما أشعل حملة ضد المهاجرين بغطاء من العنصرية غير المعلنة، على حد قول "جون أفريك".
ولكن الأهم -من وجهة نظر المجلة- أن العدد المتزايد من المهاجرين العالقين في تونس، في انتظار المغادرة إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، يخلق مشكلة جديدة تتمثل في توفير احتياجاتهم الأساسية.
التردد في حل المشكلة
وبأخذ كل ما سبق ذكره في الحسبان، أكدت المجلة أن "الوضع يولد العنف من كلا الجانبين في تونس".
وعلى سبيل المثال، في منطقة العامرة، يقيم المهاجرون من جنوب الصحراء الكبرى، الذين طُردوا بالقوة من ثاني أكبر مدينة في تونس قبل نحو عام، تحت أشجار الزيتون في هذه المنطقة الزراعية.
وبحسب ما ذكرته "جون أفريك"، يشكو السكان المحليون من تعرضهم للاعتداءات والتهديدات بشكل متكرر، والأمر نفسه من جانب المهاجرين.
وفي هذا السياق، يلاحظ أحد القانونيين المقربين من "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" قائلا: "من خلال نقل المهاجرين، اعتقدت الدولة أنها تخلصت من المشكلة، لكنها فقط أخفتها تحت السجادة مؤجلة القرارات التي كان يتعين عليها اتخاذها".
وأشار المتخصص إلى أن “القوانين غير كافية لتنظيم هذه الظاهرة بما يتماشى مع حقوق الإنسان”.
ولفت إلى أن "تردد الحكومات التونسية المتعاقبة في حل هذه المشكلة يزيد من تفاقمها".
ووفق المجلة الفرنسية، كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "آلاف المهاجرين رُحلوا وتُركوا في الصحراء في الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا".
كما وُثقت العديد من الانتهاكات دون حساب حالة البؤس والفقر التي تعاني منها هذه المجتمعات التي لا تطمح للاستقرار في تونس، بل تسعى لتحقيق حلم الوصول إلى الشمال، كما ورد عن المنتدى.
وختمت "جون أفريك" تقريرها بالقول إن "البحر الأبيض المتوسط أصبح مقبرة، حيث غالبا ما توجد حطام السفن في المياه التونسية".