أمام بأس القسام.. تصدعات حكومة نتنياهو تتعمق ونهاية العدوان تلوح بالأفق
"ما يحدث بين غانتس ونتنياهو دليل فشل الحرب الدائرة ومؤشر على هزيمة منكرة في القريب العاجل"
على وقع ما تجنيه المقاومة الفلسطينية من حصاد حافل في الأيام الأخيرة من أرواح وعتاد الاحتلال الذي يشن حربا ضروسا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتجلى بقوة مظاهر الارتباك واحتدام الخلافات بين قادة مجلس الحرب الإسرائيلي.
عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس هدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عقده في 18 مايو/أيار 2024، بالانسحاب من حكومة الطوارئ، في حال لم يحقق عدة طلبات، منها تحديد إستراتيجية واضحة للحرب وما بعدها، وأمهله حتى 8 يونيو/حزيران.
وطالب غانتس حكومة الحرب بالموافقة على خطة من 6 نقاط للصراع في غزة بحلول 8 يونيو تشمل: “إعادة المختطفين الإسرائيليين لدى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس، والقضاء على حكمها، ونزع السلاح من غزة، وضمان الوجود العسكري الإسرائيلي”.
كما طالب بـ"إقامة إدارة أوروبية أميركية فلسطينية للقطاع مدنيا، تضمن سلطة ناجحة تحكم غزة، وإعادة المواطنين في الشمال، وتطبيع العلاقات مع السعودية من خلال خطوة واسعة لإقامات علاقات مع العالم العربي، وتجنيد طلاب المعاهد الدينية في إسرائيل، لضمان قوة الجيش".
وقال إن "المعركة الكبيرة التي نخوضها كشفت المعاناة التي يعيشها الإسرائيليون.. منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023) وحتى اليوم نعيش حربا وجودية.. لم يتم اتخاذ أي قرارات حيوية بعد سيطرة أقلية صغيرة على سفينة إسرائيل وقيادتها نحو هوة سحيقة".
بدوره، رفض نتنياهو طلبات غانتس، ورأى أنها تعني إنهاء الحرب وهزيمة إسرائيل والتضحية بالأسرى والإبقاء على حماس وإقامة دولة فلسطينية.
ومباشرة رد عليه مكتب غانتس بالقول إنه لو كان يستمع إليه لدخل الجيش الإسرائيلي رفح قبل شهرين وأنهى المهمة، مضيفا: "إذا كان نتنياهو يهتم بحكومة الطوارئ فعليه اتخاذ القرارات لا أن يجر رجليه خوفا من المتطرفين".
وطالب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عضوي مجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت بالخروج الفوري من الحكومة، قائلا إنه “لا داعي لمؤتمرات صحفية وإنذارات فارغة. نتنياهو يواصل خداعه وكذبه”.
وهاجم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتيرتش ووزراء آخرون، غانتس، ووصفوه بأنه مخادع ويحاول تفكيك الحكومة.
يأتي ذلك في خضم توالي إنجازات المقاومة ميدانيا، إذ قصفت مدينة عسقلان المحتلة وغلاف غزة بالصواريخ، وأعلنت إلحاق خسائر فادحة جديدة في صفوف قوات الاحتلال خلال المعارك الضارية في مخيم جباليا وشرق رفح وغيرها من المناطق.
وفي محاولة من الاحتلال للتثبيط من عزيمة المقاومة خصوصا والفلسطينيين عموما، نشر جيش الاحتلال مقطع فيديو يظهر لحظة اشتباك مقاوم فلسطيني من سطح منزل مع قوة إسرائيلية حتى استشهاده، فيحمل رفيقه البندقية ويكمل الاشتباك حتى يلحق به شهيدا.
الناشطون على منصة إكس، تداولوا مقطع الفيديو بقوة وعدّوه بمثابة برهان ودليل دامغ على بأس المقاومة الفلسطينية في مقابل جبن الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه، مؤكدين أن ثبات المقاومة أودى بحياة الاحتلال وأنتج الخلافات التي تجلب بين قادة مجلس الحرب وأخرجها للعلن.
وتحدثوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #غانتس، عن دلالات خروج الخلافات بين قادة الحرب للعلن، وظهور الصدام السياسي بينهم، خاصة أنها تأتي بعد أيام من خروج وزير الجيش الإسرائيلي يواف غالانت عن صمته ومهاجمته لنتنياهو.
دلالات وقراءات
وفي قراءة لمؤتمر غانتس ودلالات خطابه، عد الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، تصريحاته دليلا على مزيد من التصدّع في مجلس حرب "الكيان".
وأكد الزعاترة، أن التصدّع نتج عن الفشل وسيعزّزه في آن، قائلا: "أبطالنا يسطّرون الملاحم، وشعبنا يُذهل العالم بصموده".
وأكد الصحفي أحمد منصور، أن مجلس الحرب في دولة الاحتلال الإسرائيلي يدخل حربا داخلية، والتلاسن بين غانتس ونتنياهو يدخل مرحلة الصراع المعلن حيث تطغى ظلال الهزيمة على الجميع.
ورأى أستاذ الدراسات الفلسطينية محسن صالح، أن غانتس يسوق للوهم، ويقدم رؤى أقرب للتمنيات وغير قابلة للنجاح، لكنها تعبر عن الأزمة العميقة التي يعيشها الكيان.
وعد استشاري الاستثمار والإستراتيجيات مراد علي، ما يحدث بين غانتس ونتنياهو دليل فشل الحرب الدائرة ومؤشر على هزيمة منكرة في القريب العاجل بمشيئة الله، مؤكدا أنه لا يمكن لدولة يتقاتل سياسيوها أن تنتصر.
وتساءل: "لو كانت إسرائيل منتصرة حقاً كما تردد بعض وسائل الإعلام العربية، هل كان هذا المشهد من التلاسن والخلافات العميقة بين قياداتها؟".
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد رواش، إن خطاب غانتس يؤشر بشكل واضح للتفكك الإسرائيلي والداخلي في ظل المأزق الإستراتيجي بصمود المقاومة في غزة وجنوب لبنان.
ورأى أن أخطر ما جاء في خطاب غانتس أن المنقذ الوحيد للهزيمة الإسرائيلية هي الدول العربية التي يسميها المعتدلة.
ورأى الصحفي سمير العركي، أن تصريحات غانتس، لا تخرج عن مسارين: الأول: مسار انقلابي يقوده بالتنسيق ربما مع الأمريكان حيث أتت التصريحات قبل يوم من زيارة مرتقبة لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، مذكرا بأن لغة المدد المحددة من المرؤوس للرئيس لم نسمعها إلا في سياقات انقلابية واضحة.
وأوضح أن المسار الثاني هو "طائش وخاطئ وضع غانتس نفسه فيه وسيدفع كلفته السياسية"، قائلا إن من غير المقبول سياسيا تهديد رئيس حكومة علنا بهذا الشكل وفي وقت حرب، فآثار هذا الشقاق السياسي العلني لابد وأن تنعكس على أداء الجنود في الميدان.
وجهان متطابقان
وتحت عنوان "نتنياهو لن يلتزم بشروط غانتس.. ثلاثة اسابيع من المناورات والمزاودات"، أشارت الصحفية منى العمري، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم ينتظر دقائق حتى وصل رده مستخفا مستهزئا به وشروطه.
وقالت إن غانتس يتفق مع نتنياهو بشأن حركتي فتح وحماس لكنه يقترح وجودا أميركيا أوروبيا عربيا فلسطينيا، مضيفة أن هذا مقترح يبدو عبثيا وفضفاضا.
وقال الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، إن ما يجرى يدل على تعمق الخلافات الداخلية الإسرائيلية بسبب فشل العدوان، ولكن الخطاب والأهداف الستة التي وردت فيه يدل على أنه لا يختلف عن نتنياهو في تطرفه العنصري ولا في عدم واقعية أهدافه.
وأكد أن ما قاله غانتس عن مستقبل قطاع غزة مرفوض جملة وتفصيلا ويدل على عنصرية استعلائية ولا يحق له ولا لإسرائيل التي ترتكب الإبادة الجماعية أو أي طرف آخر أن يقرر كيف يدير الشعب الفلسطيني قطاع غزة فهو حق محصور به نفسه.
وقال الباحث صادق أبو عامر: "صحيح أن مجرم الحرب نتنياهو هو الشخصية الأخطر في إسرائيل حيث إننا أمام زعيم عصابة نفوذه يتعدّى (تل أبيب) نحو دوائر إقليمية ودولية لكن إسقاطه وحده لن ينهي العدوان على غزة، فأي مراجعة لشروط غانتس للبقاء في حكومة العدو يدرك عدم وجود فرق جوهري يمكن أن تغير مسار الحرب والعدوان".
وقال أحمد بشابشة، إن غانتس عاجز عن اتخاذ قرارات جريئة، وإدانة نتنياهو بأنه هو من يعيق تمرير صفقة كان بالإمكان تطويرها، ولم يجرؤ على أخذ زمام الأمور ويأخذ بالاستقالة وينادي إلى انتخابات.
إشادة بالمقاومة
وإشادة بثبات المقاومة وتعاضدها وتسببها في إشعال حالة الصدام بين أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي، سلط الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين، الضوء على الحصاد الحافل لها في الأيام الأخيرة.
وأشار في تغريدة أرفق فيها انفوجراف يوثق حصاد القسام في الأيام الثلاثة الأخيرة، إلى اعتراف الاحتلال بمقتل جنديين وإصابة 3 آخرين بجراح خطيرة في معارك الأمس في رفح، لافتا إلى سقوط قتلى في صفوف الجيش بشكل يومي حسب اعترافاتهم.
وقال الكاتب إسلام الغمري، إن الخلافات تعصف بحكومة الاحتلال تحت وقع ضربات المقاومة.
وحث الكاتب السياسي إبراهيم المدهون، على المقارنة بين الاحتلال والمقاومة، قائلا إن الأخيرة تتصرف كوحدة صلبة واحدة، تنفذ العمليات المشتركة على أساس يومي، وتتصرف في المفاوضات كوحدة واحدة دون أدنى تلميح للاختلاف حول أي من المبادئ المتفق عليها.
وأضاف: "حتى الآن تسمعون أهالي غزة يهتفون بلا تحفظ عندما يرون صواريخ المقاومة في سماء القطاع".
وأشار المدهون، إلى أن في الوقت نفسه، نشهد انقساما عميقا في الكيان، حيث يقدم ساستهم إنذارات نهائية لبعضهم البعض، ويتبادلون الاتهامات بالخيانة، بينما تعم احتجاجات الصهاينة شوارع فلسطين المحتلة ويقارن فيها المتظاهرون رئيس وزرائهم بمهربي المخدرات والمجرمين.
وعرض الصحفي الفلسطيني محمد أمين، صورة تجمع نتنياهو وغانتس، معلقا عليها بالقول: “وجهان لفشل واحد.. خطاب المقاومة الفلسطينية موحد وثابت، بمقابل اقتتال داخل مجلس الاحتلال”.
ووصف غانتس بأنه سياسي ضعيف ومتردد لكن تصريحاته تعكس عمق الخلافات في مجلس الحرب، مؤكدا أن هذا خطاب دولة مهزومة وليست منتصرة، خطاب كيان تائه متخبط.
وأكد الباحث في الشؤون السياسية حلمي الكمالي، أن صمود غزة وجبهات المقاومة يعصف بالداخل الصهيوني، ولن نستغرب إذا شهدت "إسرائيل" انقلابا واسعا أو حربا أهلية.
حماقة وغباء
وتعقيبا على مقطع الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال لحظة اشتباك مع مقاومين أعلى منزل حتى استشهادهم، قال الباحث السياسي سعيد زياد، إن هذا العدو أحمق، ينشر هذه المشاهد بغرض تعزيز الردع، وبث الخوف من جيشه، فإذا به يتحول إلى مادة لتعزيز البطولة والرمزية لمقاتلي المقاومة الأبطال.
وأكد محمد حامد العيلة، أن المقاطع المرئية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، أثبتت أن أجهزته التخصصية لا تعرف شيئًا عن نفسية الفلسطيني، رغم إيهامنا لعقود بأن ضباط إسرائيل يعرفون الفلسطيني أكثر من نفسه.
وقال إن "في الواقع، بدلا من ردعنا وكسر معنوياتنا بهذه المقاطع، فإنها تعزز فينا روح القتال، كهذا المقطع الذي يقفز فيه المقاتلان في معركة مخيم جباليا الثانية نحو الموت بثبات وكأنهم لم يعرفا معنى للخوف من قبل".
وقالت الكاتبة المصرية شيرين عرفة، إن هذا الإقبال على الموت، لدى المجاهدين المسلمين، هو اللغز الذي لا تستوعبه بقية الأمم، وعامل القوة التي تُرعب، كل أعداء الإسلام، فإن لم تكن تخاف من الموت، فما الذي سيوقفك في الحروب، أو يمنعك من القتال؟!.
وأضافت: "مع هذا، نجد العدو بذاته، هو من يدفعه غباؤه، لينشر ذلك المشهد الأسطوري، والجهاد البطولي، ليصبح أيقونة للمقاومة الفلسطينية، سيخلدها التاريخ، ويتشرف بها الزمان".
وأعرب أحمد محمد الكندري، عن ثقته في المقاومة، وأشعر قائلا: "فإذا توعدَ قائد القسام فاعلم.. قد غدا للموتِ جندٌ مُرسلون فرجالنا قد عاهدوا الرحمن عهداً خالصا إنا على عهد الإلهِ لصادقون، فرجالنا.. الموت أمنيةٌ لهم، هم يعشقون الموت عشق مثلما.. أنتم من الموت المهيب لتهربون، رهبان ليل في محاريبِ التبتل ساجدون، فرسانُ نصرٍ في الوغى لمجربون".
وعقب المغرد تامر، على المشهد، قائلا: "في غزة رجال لم يشهد التاريخ مثيلا لهم، مقاوم فلسطيني أطلق النار من سطح منزل على قوة إسرائيلية مدججة بالسلاح، اصيب بقدمة ولم يتوقف واكمل الاشتباك حتى استشهد، ثم أتى رفيقه وحمل سلاحه وأكمل الاشتباك حتى استشهد هو الآخر".