غادة عقيل لـ"الاستقلال": الحرية الأكاديمية بالغرب تتقلص عندما تصطدم بقضية فلسطين
انتقدت الأستاذة الزائرة في قسم العلوم السياسية بجامعة "ألبرتا" الكندية، غادة عقيل، الممارسات العنصرية من طرف اللوبيات الصهيونية والغربية المتطرفة ضد الأكاديميين الفلسطينيين والمؤيدين لقضيتهم.
وقالت عقيل في حوار مع "الاستقلال" إن "هذه الممارسات العنصرية ضدنا ومن يتضامن معنا لن تنجح في كسر إرادتنا أو إرهابنا أو حجب أصواتنا، والرد سيكون بمزيد من إعلاء الصوت ومزيد من الكتابة من أجل الوعي".
ووصفت هذه الحملات بـ"القديمة الجديدة" التي تهدف إلى إسكات وتهديد وتشويه واستبعاد وإضعاف ومحاصرة كل من يجرؤ أن يتحدث خارج الصندوق أو يخالف الرواية الصهيونية فيما يتعلق بفلسطين وحقوق الفلسطينيين.
وحملت عقيل الساسة الغربيين والإعلام الصهيوني والموالي له المسؤولية عن استهداف الطلاب والمؤيدين للقضية الفلسطينية.
والدكتورة غادة عقيل، لاجئة فلسطينية من الجيل الثالث بعد النكبة، ولدت في مخيم خان يونس للاجئين بقطاع غزة، وتعمل أستاذة زائرة في قسم العلوم السياسية في جامعة ألبرتا الكندية.
ولها العديد من الأبحاث والمؤلفات، منها مساهمتها في كتاب "الفصل العنصري في فلسطين: قوانين صعبة وتجارب أصعب".
حملة ممنهجة
بعد عملية "طوفان الأقصى" زاد التضييق والطرد والفصل من قبل المؤسسات الأكاديمية الغربية وبالتحديد في الولايات المتحدة وكندا ضد الفلسطينيين أو المتعاطفين مع قضيتهم، ما أسباب ذلك؟
هذا جزء من الحملة الممنهجة لإسكات ومحو واستبعاد الصوت الفلسطيني والذي يسلط الضوء على المشروع الصهيوني والذي هو مشروع استعماري استيطاني احتلالي يهدف لاستكمال الإبادة العرقية الجماعية التي حدثت في فلسطين وللفلسطينيين عام 1948.
ولذلك هم يسعون لاستخدام هذا الأسلوب لإسكات الصوت الفلسطيني أو تلك الأصوات المتعاطفة معهم والتي تدعو إلى إنصاف الفلسطينيين وتفكيك الاستعمار وتحقيق العدل والعدالة والمساواة في فلسطين.
ما تفاصيل الحملة التي تواجهينها في جامعة "ألبرتا" بعد توقيعك على بيان يتحدث عن التشكيك في الرواية الصهيونية؟
ما حدث معي أن الجماعات الصهيونية الفاعلة في مدينة إدمونتون عاصمة مقاطعة ألبرتا استخدمت نفس الأسلوب القديم الحديث، بالضغط على مجلس إدارة "جمعية التعليم مدى الحياة" في إدمونتون والتي تندرج تحته الكلية في جامعة ألبرتا، من أجل إيقاف تدريس مساق عن فلسطين كنت قد وافقت على تدريسه في يناير/كانون الثاني 2023.
حيث اتصل بي أحد الموظفين بالجمعية نهاية أكتوبر/تشرين الأول يسألني إذا ما كنت أرغب في مواصلة تدريس المساق عن فلسطين بسبب الأحداث في غزة والتي قد تكون أثرت علي أو على معنوياتي، فقلت لهم بالمطلق إنه إذا كان هناك وقت لتدريس المساق عن فلسطين فهو الآن وهو شيء ملح لتفسير النكبة الجديدة.
فما كان من المتحدث إلا أن أخبرني بأن هناك أعضاء في مجلس الإدارة بالجمعية وهم قلة أو فئة قليلة، ولكنها قوية ومؤثرة تمارس ضغوطا كبيرة من أجل إلغاء مساق فلسطين، فقلت له أنا ملتزمة بتدريسه، ووعد بأن يحاول أن يُقنع مجلس الإدارة.
ولكن كانت حجتهم أنهم وصفوني بأنني "راديكالية" في الطرح، وهذا طبعا غير صحيح وافتراء وكذب لأن من يقرأ كتاباتي وإنتاجي العلمي فسيجدوها بحوثا أكاديمية موضوعية حازت على الكثير من الدعم والاهتمام وتدرس في الجامعات.
وبعدها بأسبوع اتصل موظف الكلية، وقال أنا آسف لم أستطع أو لم نستطع أن نقف في وجه هذه الجماعة وعليه جرى إلغاء المساق وقدم اعتذاره.
ويجب التنويه إلى أن هذه الممارسات العنصرية ضد أصوات الفلسطينيين ومن يتضامن معهم لن تنجح في كسر إرادتنا أو إرهابنا أو حجب أصواتنا، والرد سيكون بمزيد من إعلاء الصوت ومزيد من الكتابة من أجل الحق والوعي وحقوق الإنسان وقضايا المهمشين والقضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
أيضا جامعة ألبرتا قامت بفصل مديرة "مركز أزمات التحرش الجنسي" بسبب توقيعها على بيان يقول إنه لا يوجد حاليا دليل على أن المقاومة الفلسطينية قامت باغتصاب الرهائن، ما الذي حدث معها؟
كانت إقالة مديرة "مركز أزمات التحرش الجنسي"، استجابة لحملة ضغط منظمة شرسة قوية أطلقها الاتحاد اليهودي في إدمونتون، وكذلك مركز إسرائيل للشؤون اليهودية، وكلتاهما منظمتان صهيونيتان مارستا الضغط ونجحت بإقالة مديرة المركز.
مع العلم أن الرسالة التي وقعتها باسم المركز وكنت أنا من ضمن الموقعين مع ثلاثة من الزملاء، هي رسالة لا تشكل في أي نص من نصوصها معاداة للسامية، وهذه التهمة التي عادة ما يصفون بها أي إنسان أو مؤسسة تتعاطف أو تتحدث عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني بالحرية والكرامة.
وهذا خلق شعورا كبيرا بالاستياء وعدم الأمان ضمن عدد كبير، وكثير من أعضاء هيئة التدريس والطلبة والإداريين، وكذلك شعور بالقلق والخطر الذي يهدد الإنسان إذا تحدث عما يحدث في غزة وعن جرائم الحرب والإبادة الجماعية الممنهجة.
لكن رغم كل ما يَعملونه ويُمارسونه من وسائل الضغط التي باتت مكشوفة، إلا أن هناك ثورة كبيرة في وعي المواطن ووعي الطلاب لما يحدث، وكذلك هناك حملات تضامن كبيرة ومؤثرة لإفشال حملات إسكات الصوت.
كشف الستار
المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد والذي سرق الاحتلال بيته في القدس، تم التقاط صورة له وهو يرمي بالحجارة على برج مراقبة إسرائيلي بعد تحرير جنوب لبنان. وقد بدأت بعدها حملة مشابهة تهدف إلى طرده من جامعة كولومبيا، هل كانت بدايات الضغط على الأكاديميين الفلسطينيين من إدوارد سعيد؟
نعم هذه الحملات قديمة جديدة وهي منظمة وممنهجة وتهدف إلى إسكات وتهديد وتشويه واستبعاد وإضعاف ومحاصرة كل من يجرؤ أن يتحدث خارج الصندوق أو يخالف الرواية الصهيونية فيما يتعلق بفلسطين وحقوق الفلسطينيين.
وقد هاجموا إدوارد سعيد وأطلقوا عليه لقب "رئيس الإرهاب" بسبب مواقفه وكتاباته عمّا يحدث في فلسطين، وهاجموا المصطلحات التي يستخدمها في وصف إسرائيل كاحتلال عسكري.
ولكن انظر بعد 20 عاما من رحيل إدوارد سعيد ونحن الآن في المجتمع الأكاديمي قد تخطينا مصطلحا مثل الاحتلال العسكري وأصبحنا نستخدم مصطلحات وتوصيفات كالإبادة الجماعية والتطهير العرقي ونظام الأبارتايد والنكبة، وغزة كمعسكر اعتقال، وربط فلسطين مع كل مشاريع التحرر العالمي، والمشروع الصهيوني كمشروع احتلالي استيطاني.
وما أعني أنه رغم ضراوة هذه الحملات من إسكات ونفي واستبعاد الكلمة أو الصوت، يبقى صوت فلسطين يصدح وبقوة رغم التحديات.
منظمة فلسطين القانونية تقول بأنها تعاملت مع 1707 حوادث ما بين 2014 و2020 فقط، شهدت حالات من التحيز والتحقيق التأديبي والرقابة على النشر للمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، أين حرية التعبير والبحث العلمي في المجتمع الأكاديمي الغربي؟
حرية التعبير في المجتمعات الغربية هو حق أصيل كفله الدستور وحق ناضلت من أجله الشعوب الغربية.
وتعد الحرية الأكاديمية أمرا أساسيا في الجامعات، وتشمل حق البحث عن الحقيقة وتطوير ونشر المعرفة وتشمل حق المعلم في التدريس وحق الطالب في التعلم وهي جزء أصيل في بنية المجتمع الديمقراطي.
حيث تلتزم الجامعات بأن يكون لأعضاء هيئة التدريس الحرية الكاملة في إجراء البحوث ومناقشة كل الموضوعات المثيرة للجدل في التدريس والبحث العلمي القائم على النزاهة والمعايير الأكاديمية ومشاركة المعرفة مع المجتمع
وقد كان لهذه الحريات الفضل في كشف الستار عن كثير من القضايا أو الانتهاكات لمبادئ العدالة والحرية والمساواة.
ولكن هذا الحق يصطدم بمعوقات أو يتقلص عندما يتعلق الأمر بالقضايا أو المواضيع التي تهدد بالكشف عن نفوذ مراكز القوى والسياسات الإمبريالية والبنية الجيوسياسية لها أو البنية الليبرالية القائمة على العنصرية ومشاريع النيوليبرالية المدمرة.
الحرية الأكاديمية التي كفلت في الغرب تتقلص عندما تصطدم أو يتعلق الأمر بالقضايا التي لا ترغب مراكز القوة أن تكشف أو أن تفتح للمساءلة ومنها قضية فلسطين، لذلك يشعر الكثير من داخل وخارج عالم الأكاديمية أن الحرية الأكاديمية وحرية التعبير بشكل عام تتوقف عند أو لا تنطبق على فلسطين.
حملات التحريض
لماذا أيضا لم يسلم حتى الأكاديميون اليهود المعارضين للاحتلال والصهيونية من الفصل أو التشويه من الحياة الأكاديمية الغربية؟
للأسف هذا واقع يلمسه ويعيشه بل ودفعَ ثمنه الكثير من المدافعين عن الحق الفلسطيني مثل العلماء الذين يتحدون إسرائيل، مثل الدكتور اليهودي نورمان فينكلشتاين الذي فقد عمله، وبالنظر لما يكتبه عن فلسطين وعن إسرائيل كمشروع استعماري استيطاني لا يختلف كثيرا عن مشاريع الاستعمار في العالم.
جماعات الضغط السياسية ومراكز النفوذ والقوى تحاول بضراوة وبشراسة قمع أي صوت أو أي محاولة لتغيير الرواية والسردية المشوهة للفلسطينيين والداعمة للمشروع الصهيوني الاستعماري في منطقة الشرق الأوسط، والذي يخدم الإمبريالية العالمية.
لذلك يستهدفون الأكاديميين والباحثين والنشطاء الذين يعملون من أجل إرساء قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ومن أجل ذلك يستهدف أي نشاط فلسطيني في الحرم الجامعي أو خارجه حتى لو قام به يهود.
وترصد كثير من الأموال لمراقبة هذه النشاطات ومن يقوم بها ومحاولة قمعها وإسكاتها أو تشويهها أو ممارسة التهديدات على المؤسسات التي تستضيفها من خلال التهديد بقطع الدعم أو التمويل أو ما حدث أخيرا استدعاء مديري الجامعات للكونغرس للتحقيق معهم بشأن ما يحدث في الحرم الجامعي.
هذه الضغوط والمحاولات اليائسة لإسكات الصوت الفلسطيني والأصوات المتضامنة مع الحق الفلسطيني ومهاجمتها غالبا ما تتخذ من أو تستند إلى حجة "معادة السامية" أو الدعوة لإبادة اليهود.
إن تحريف الرواية بأن الفلسطينيين يقاتلون من أجل القضاء على اليهود لكونهم يهودا وليس ضد احتلال عسكري هو الأطول في تاريخ العالم إنما يعبر عن إفلاس صهيوني وإفلاس أخلاقي غربي الذي يتبنى ويدعم هذه الرواية خاصة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
إدارة بايدن تدعم هذه المجازر التي ارتكبها ويرتكبها نظام الفصل العنصري من خلال تسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة وأكثرها فتكا وفي الوقت الذي يقتل فيه عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بهذا السلاح.
تعرض 3 طلاب من أصل فلسطيني لهجوم مسلح بولاية فيرمونت بسبب ارتدائهم للكوفية الفلسطينية، من المسؤول عن حملات التحريض التي تمارس ضد الطلاب في الجامعات الأميركية؟
الهجوم المسلح الذي تعرض له الطلبة الفلسطينيون من الضفة الغربية في ولاية فيرمونت (في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023)، لهو دليل قاطع على أن حملات التحريض والعنصرية ضد الفلسطينيين والتي يتبناها السياسيون الأميركيون وعلى رأسهم بايدن وأجهزة الإعلام الرسمية، أسهمت في خلق بيئة حاضنة مشجعة لهذا الإجرام.
هذه الحملات المنظمة والخطابات السياسية والإعلامية التي تتبنى السردية اليمينية الفاشية لحكومة بنيامين نتنياهو بالتوازي مع شن حملات تحريضية ممنهجة ضد الفلسطينيين، والقائمة على تجريدهم من إنسانيتهم وتشويه نضالهم وصورتهم في عين المجتمع الغربي وإقصاء صوتهم تلعب دورا في تأجيج التوترات وخلق بيئة غير آمنة للفلسطينيين.