في خضم الانحياز الغربي.. هكذا تصدى إعلاميون أجانب للرواية الإسرائيلية عن غزة

a year ago

12

طباعة

مشاركة

أخرج العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصواتا إعلامية أجنبية تناولت القضية الفلسطينية "بطريقة مهنية" ودحضت الرواية الإسرائيلية حول تبرير الهجوم.

وأظهر عدد من الإعلاميين الأجانب المحاورين في برامجهم نفسا يصيب "عين الحقيقية" حول ما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين.

إذ لم يتردد هؤلاء في مواجهة ضيوفهم الإسرائيليين بحقيقة أن جيش الاحتلال ينتهج سياسة الأرض المحروقة في غزة ردا على عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية حماس.

أصوات استثنائية

خلال مقابلة تلفزيونية في 14 أكتوبر 2023 على قناة "سكاي نيوز" البريطانية سأل المذيع كمالي ميلبورن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت عن مصير الأطفال الفلسطينيين الخدج الذين سيتم إيقاف أجهزة دعم الحياة عنهم في الحاضنات بسبب قطع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة.

فاستشاط بينيت غاضبا بالقول: "هل أنت جدي؟ تستمر في سؤالي عن المدنيين الفلسطينيين، بينما نحن نقاتل النازيين".

وأوضح المذيع البريطاني ميلبورن أن هناك فرقا بين حركة حماس والفلسطينيين، وتوجه إلى بينيت بسؤاله عن "المسؤولية التي يتحملها الجيش الإسرائيلي للتأكد من عدم قتل عائلات بريئة من الفلسطينيين في غزة؟"

فادعى بينيت أن الجيش الإسرائيلي لا يستهدف المدنيين"، قائلا للمذيع: "إذا كنت تريد أن توفر لهم الكهرباء فلا بأس. لكنني لن أزود عدوي بالكهرباء أو الماء. إذا أراد أي شخص آخر، فلا بأس. نحن لسنا مسؤولين عنهم".

وعندما واجه المذيع بينيت بحقيقة أن جيش الاحتلال ينتهج سياسة الأرض المحروقة في غزة، رد الأخير بالقول: "عار عليكم، الآن تدعون الفضيلة".

لكن المذيع أكد أن الأمر "لا يتعلق بالعار بل بإجراء محادثة حول موقف خطير للغاية، وأنت ترفض معالجته".

وعندما اتهم بينيت المذيع بمحاولة نسج رواية متعاطفة مع الفلسطينيين، أحرجه الأخير قائلا: "أنا أطرح عليك الأسئلة وهذه مهمتي، هل ستجاوب أم ستستمر في الصراخ"، فرد عليه بينيت: "نعم، لكن هذا بلدي".

وأحرج هذا الحوار أول رئيس وزراء عام 2021 في تاريخ إسرائيل جاء من خلفية اليمين الديني المتشدد، وشغل سابقا 5 حقائب وزارية بينها وزارة الجيش.

وانتشرت المقابلة بشكل واسع على مواقع التواصل، ورأى فيها ناشطون أن موقف بينيت يجسد جليا عنصرية إسرائيل.

وفي موقف آخر، هاجمت المذيعة الهندية شريا دونديال في 22 أكتوبر 2023 أحد ضيوفها على Mirror Now وهي قناة إخبارية هندية باللغة الإنجليزية.

واستضافت القناة "فريدريك لاندوا" وهو أحد أفراد القوات الخاصة للاستخبارات الإسرائيلية، وخلال اللقاء هاجمته المذيعة بعدما اتهمها بالتحيز لصالح فلسطين.

وأوضح لاندوا للمذيعة أنه تعمد ارتداء لوني الأزرق والأبيض في المقابلة التي يتكون منها العلم الإسرائيلي، لأنها ترتدي الألوان التي يتكون منها العلم الفلسطيني، أي الأحمر والأخضر والأسود.

وقال لانداو: "رغم ارتدائك لهذه الألوان، سيظل الأزرق والأبيض متفوقين دائما"، حسب زعمه.

غير أن المذيعة دونديال ردت على لانداو، قائلة إنه يجب عدم تقسيم الألوان على أساس الدين، مشيرة إلى أن الثوب الذي ترتديه هو "ساري هندي يعود لجدتها المتوفاة التي لم تكن تعرف شيئا عن الصراع بين إسرائيل وحماس".

وأضافت دونديال أن الساري لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن دعم لأي طرف، مؤكدة أن "الصراع يحدث في غزة، وأنّ استشهاد 500 شخص في قصف المستشفى المعمداني هو ببساطة جريمة".

رد لانداو ناصحا إياها بارتدائه في مناسبات أخرى، فهاجمته دونديال بأنها لن تسمح له باختيار ملابسها ولا اختيار ما ستقول، مشددة على أنها ستقول ما عليها قوله وأنها ستتحدث بالحقيقة كما تراها.

وأسفرت غارة إسرائيلية في 17 أكتوبر 2023 استهدفت ساحة المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" بغزة عن استشهاد 471 فلسطينيا، بينهم أطفال.

تحيز ملحوظ

هذه النماذج التي اتبعت "الأخلاق المهنية"، تأتي في خضم التحيز الملحوظ في التغطية الإعلامية الغربية للعدوان الإسرائيلي على غزة، من ناحية الإعلاء من حياة الإسرائيليين، والتجاهل التام لدم الفلسطينيين الذي يسفك بدم بارد.

إذ تسير وسائل الإعلام الغربية في اتجاه واحد يسلط الضوء على عدم أخلاقية القتل الذي تعرض له 1400 إسرائيلي، خلال الهجوم على مستوطنات غلاف غزة.

ولا سيما أن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت وصف الفلسطينيين بـ "الحيوانات البشرية" وذلك خلال اجتماع في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي بتاريخ 10 أكتوبر 2023.

ويشكل تصريح غالانت عقلية الاحتلال التي تنتهج الإبادة الجماعية وطرد المدنيين من غزة، والذي يستوجب البحث عن الحقيقة وليس الانجرار وراء الدعاية الإسرائيلية.

وفي ظل تحيز الإعلام الغربي للرواية الإسرائيلية في تبرير هجماتها، هناك الكثير من التساؤلات حول عدم اهتمام سوى القليل من وسائل الإعلام الغربية بكيفية تكديس إسرائيل أكثر من مليوني شخص في قطاع صغير أو مناقشة الحصار المستمر عليهم منذ 17 عاما والذي حول غزة إلى ما يُعرف على نطاق واسع بأنه سجن في الهواء الطلق.

كما تعكس أوجه القصور والتشوهات في التغطية الإعلامية من وسائل الإعلام الأجنبية لما يجري بغزة، مدى التعتيم المتعمد من قبل تلك الوسائل ورؤية زاوية واحدة رغم تشدقها بـ "الموضوعية الصحفية".

لكن الحقيقة هي أن حرية الصحفيين في ممارسة المهنية لم تكن مطلقة على الإطلاق؛ بل كانت دائما مقيدة من قبل القنوات.

إذ فضح العدوان الإسرائيلي على غزة أخيرا والذي خلف أكثر من 8 آلاف شهيد من٫ 7 أكتوبر 2023، أن هناك رقابة صارمة على الإعلاميين الغربيين وما يطرحونه من أسئلة في برامجهم على ضيوفهم.

ازدواجية المعايير

وفي السياق، يقول الصحفي "باتريك جاثارا" في مقال له نشر بتاريخ 25 أكتوبر 2023:"تم قمع الآراء التي تقول بأنسنة الفلسطينيين أو التي تنحرف عن الخط الرسمي للدعم غير المشروط لإسرائيل".

وقد كانت هناك حملات قمع للاحتجاجات والتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، وتهديدات باعتقال الأشخاص بسبب رفعهم العلم الفلسطيني، ومحاولات شركات التكنولوجيا الكبرى لإزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين أو حظره، وفق قوله.

وقد أشار تقرير صادر عن برنامج "ليسينغ بوست" التابع لقناة الجزيرة نشر في 22 أكتوبر 2023، إلى أن "المحررين في غرف الأخبار الأميركية كانوا يثبطون أي محاولات لتوفير سياق خلفي لهجمات حماس لأن ذلك سيكون غير مستساغ للجماهير".

كما عكست تقارير وسائل الإعلام الغربية أخيرا النظرة أحادية الجانب، من ناحية التركيز على الإدانة لما وقع بحق الإسرائيليين.

بينما يجري تصوير المأساة الفلسطينية بلغة سلبية ومتماهية مع الرواية الإسرائيلية، بمعنى أن التغطية تكون مليئة بالمعايير المزدوجة.

وخاصة أنه يُطلب من العديد من الفلسطينيين الذين أجريت معهم مقابلات على شاشات التلفزيون الأميركي أو البريطاني إدانة حماس كبطاقة دخول إلى المقابلة، في حين لا يُطلب من الإسرائيليين محاسبة جرائم حكومتهم.

وقد رد رئيس البعثة الفلسطينية إلى المملكة المتحدة حسام زملط، على مذيع قناة "بي بي سي" في مقابلة معه بتاريخ 10 أكتوبر 2023 عندما طُلب منه إدانة حماس بالقول: "كم مرة ارتكبت إسرائيل جرائم حرب أمام كاميراتكم؟ هل تبدأ بمطالبتهم بإدانة أنفسهم؟ لم تكن تفعل ذلك".

وكما قال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة في نيويورك، رياض منصور بتاريخ 8 أكتوبر 2033: "التاريخ بالنسبة لبعض وسائل الإعلام والسياسيين يبدأ عندما يُقتل إسرائيليون".