فريسة للقوى المتنافسة.. كيف يهدد عدم الاستقرار القرن الإفريقي في 2024؟
شهد عام 2023 تباطؤ عجلة التنمية في منطقة القرن الإفريقي بسبب تأثيرات أزمة المناخ والأزمة الاقتصادية، إلى جانب الصراعات الداخلية، فضلا عن تداعيات الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
وقال معهد بحثي إيطالي إن "هذا العام كان صعبا بالنسبة لبلدان المنطقة الأربعة"، إريتريا، وجيبوتي، وخاصة الصومال وإثيوبيا، واصفا بأنه كان باختصار "عاما مروعا".
وأوضح معهد "تحليل العلاقات الدولية" أن هذا العام تميز بوقوع أحداث مأساوية وصراعات عرقية وتداعيات سلبية للحروب الخارجية كالحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة.
وأضاف أن بلدان القرن الإفريقي عانت جميعها من الظروف المناخية القاسية مثل الجفاف المطول أو الفيضانات المدمرة، ناهيك عن ظواهر الإرهاب والاتجار غير المشروع والهجرة القسرية بالإضافة إلى الصراعات والقرصنة.
ونقل المعهد ما تنبأ به خبراء في شؤون القرن الإفريقي في تحليلات منشورة في بداية عام 2023 من إمكانية معاناة الدول الأربع من سلسلة من الانتكاسات في برامجها التنموية خلال نفس العام.
غير مستقرة
وبحسب المعهد الإيطالي تعيش إثيوبيا، البالغ عدد سكانها 120 مليونا، الوضع الأكثر خطورة من ناحية عدم الاستقرار، خصوصا بعد فشلها في دفع عوائد سندات بقيمة 33 مليون دولار كانت مستحقة في 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، لتصبح أحدث المتخلفين عن السداد في إفريقيا.
كما لم تتمكن من حل النزاعات الداخلية المتواصلة، رغم توقيع اتفاق السلام بين الحكومة المركزية وإقليم تيغراي نهاية عام 2022 والتي كان من المأمول أن يساهم في حل نزاعات أخرى.
على النقيض من ذلك، اندلعت اشتباكات بين المتمردين والجيش الفيدرالي في ولاية أمهرة، بالإضافة إلى استمرار الحرب بين أديس أبابا وجيش تحرير الأورومو.
وذكر المعهد أن "رئيس الوزراء آبي أحمد حول خلال الأشهر الأخيرة، انتباه الحكومة والرأي العام عن مشاكل الأمن الداخلي، وذلك بإصراره على ضرورة الحصول على منفذ على البحر الأحمر، إما من خلال المفاوضات أو باستخدام القوة، وهو ما أثار ردود فعل سلبية من جميع الدول المجاورة".
التحدي الآخر الذي تواجهه إثيوبيا يتعلق بعلاقتها مع إريتريا التي تدهورت خصوصا مع عدم انسحاب القوات الإريترية من إقليم تيغراي وكذلك احتمال دعم أسمرة لمتمردي أمهرة.
وهو ما يجعل معاهدة السلام الموقعة بين آبي أحمد وأسياس أفورقي في مدينة جدة السعودية في 16 سبتمبر/ أيلول 2018، والتي منحت رئيس الوزراء الإثيوبي جائزة نوبل للسلام "مجرد ذكرى"، على حد تعبير المعهد.
وجاء في الاتفاقية أن البلدين "سيعملان على تطوير مشاريع استثمارية مشتركة بما في ذلك إنشاء مناطق اقتصادية خاصة مشتركة".
وفي هذا الصدد، يبدو أن إثيوبيا خططت لتطوير ميناء جديد تديره على الساحل الإريتري على البحر الأحمر كبديل لمينائي عصب ومصوع.
من جانبهم، يرى بعض المحللين أن تدهور العلاقات قد حال دون التفاوض على الخطة المعدة مسبقا.
حصان طروادة
فيما يتعلق بالصومال، فقد انضمت رسميا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إلى مجموعة شرق إفريقيا التي تضم بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا.
ويوحي هذا الانضمام، بحسب المعهد الإيطالي، باتخاذ مسافة معينة عن كتلة دول القرن الإفريقي التي تعد على المستوى الجيوسياسي جزءا لا يتجزأ منها.
ويقول منتقدو هذه العملية إن انضمام الصومال إلى مجموعة شرق إفريقيا مجرد "حصان طروادة" الذي يمهد الطريق للتدخل الأجنبي في المنطقة برمتها.
من جهتهم، ينتقد المحللون هذه الخطوة بأن الحكومة الفيدرالية بالكاد تفرض سيطرتها على البلاد ولا تزال مؤسساتها، خاصة الأجهزة الأمنية، غير مستقرة تماما وسيئة الأداء.
وتوشك بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال على الانتهاء من نقل العديد من القواعد العسكرية والقوات التي تحمي البنى التحتية الحيوية إلى قوات الأمن الصومالية بموجب خطة تنص على الانسحاب الكامل بحلول 31 ديسمبر 2024.
في هذا الإطار، شكك المعهد الإيطالي في قدرة قوات الأمن الصومالية على مواجهة تهديد حركة "الشباب" بمفردها.
وذكر في نفس السياق الأمني، رفع حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على البلاد عام 1992.
على المستوى المالي، قال المعهد إن "الصومال لا تزال تشكو وضعا اقتصاديا هشا للغاية متفاقما بسبب تفشي الفساد رغم تخفيض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للديون بمقدار 4.5 مليارات دولار".
البحر الأحمر وخليج عدن
ونوه المعهد بأن الصومال وجيبوتي تحافظان على علاقات وثيقة لم تطغ عليها بعد أي نزاعات ثنائية.
لكنه يصف المنطقة بأنها "حرجة" نظرا لأنها مطلة على أحد أهم الممرات المائية في العالم، سواء على المستوى التجاري أو العسكري، وهو مضيق باب المندب الذي يصل بين البحر الأحمر وخليج عدن المطل على المحيط الهندي.
ويقع أقصى جنوب البحر الأحمر، بين الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، ويحده من الجانب الآسيوي اليمن ومن الجانب الإفريقي جيبوتي.
وتُفسر أهميته بتواجد قواعد عسكرية في المنطقة لفرنسا والولايات المتحدة والصين واليابان وتركيا والإمارات وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وقطر وغيرها.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 60 بالمئة من ناقلات النفط تبحر عبره ومن شأن توقفه أن يجبر السفن، كما حدث في ديسمبر 2023، على تغيير مسارها والإبحار حول القارة، مما يزيد من تكلفة النقل والبضائع.
لذلك، أكد المعهد الإيطالي أن "الصراعات المستمرة، وخاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما يترتب عنه من تهديدات موجهة للتجارة البحرية نحو قناة السويس بسبب الهجمات التي شنها الحوثيون من اليمن، تظهر أهمية الهيمنة على البحر الأحمر".
وخلص إلى القول إن "سيناريو عدم الاستقرار الكبير هو المهيمن على القرن الإفريقي مع حلول عام 2024 ما يجعله فريسة لألعاب الهيمنة التي تمارسها القوى المتنافسة على النفوذ في المنطقة الإستراتيجية".