على خطى فنزويلا.. هكذا يزج نظام السيسي بمصر في فخ صندوق النقد
"الجنيه انهار أمام الدولار وفقد نحو 60 بالمئة من قيمته"
خطط النظام المصري لمواجهة الأزمة الاقتصادية على مدار السنوات الماضية اعتمدت على مسارات محددة، أبرزها القروض والديون، وكلما استفحلت الأزمة فتح النظام فاهه لأخذ مزيد من القروض.
وأعلن رئيس وزراء النظام المصري مصطفى مدبولي، في 6 مارس/ آذار 2024، توقيع اتفاق تمويلي مع صندوق النقد الدولي، وبموجبه تحصل البلاد على قرض بمقدار 8 مليارات دولار، بزيادة 5 مليارات عما كان يجرى الحديث عنه سلفا، وهو 3 مليارات دولار.
وتم توقيع الاتفاق بعد خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، حيث ارتفع سعره من نحو 30.85 جنيها إلى أكثر من 50، وذلك في إطار تبني البنك المركزي المصري سعر صرف أكثر مرونة؛ "استجابة لضغوطات" برنامج صندوق النقد الدولي التي استمرت لسنوات.
وكان خبراء اقتصاديون قد حذروا من انزلاق مصر إلى تلك الدوامة، خاصة أن القاهرة تتعامل مع برامج الصندوق منذ عام 1962 ولم تحقق الرفاهية أو النهضة المطلوبة.
ووصل الأمر أن تم تشبيه مصر بتجارب بعض الدول التي "انسحقت" جراء سياسة صندوق النقد منها فنزويلا، ودفعت ثمن قروض الصندوق وغدت مضربا للأمثال.
حطموا البوليفار
وفي دراسة نشرها في 6 مارس 2024، علق الاقتصادي الأميركي، ستيف هانكي، المحاضر بجامعة "جونز هوبكينز" الأميركية، على برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي. إذ قال: "في كل عقد تشارك مصر في برنامج لصندوق النقد الدولي ولم يُجدِ ذلك نفعا، والبرنامج الجديد لن يجدي نفعا أيضا، وهو لا يعمل على تحسين الأوضاع، فالجنيه انهار أمام الدولار وفقد نحو 60 بالمئة من قيمته".
وأضاف: "برامج صندوق النقد الدولي لا تعمل، وقد أجرينا دراسة مكثفة لبرامج صندوق النقد، والحقيقة هي أن البلدان التي فيها برامج صندوق النقد تنتهي أسوأ حالا من البلدان المشابهة لها".
وأكمل: "الزعم بأنه يمكنك أن تحقق الرخاء من خلال تخفيض قيمة العملة غير ممكن، لأن صندوق النقد يحب أن يمشي مع أسعار الصرف المرنة، ولكن لنفكر في الأمر، لو كان نسخ ذلك صحيحا لكان لدينا واحد من أعظم الاقتصادات في فنزويلا".
واستطرد: "لقد حطموا (عملة) البوليفار الفنزويلي تماما خلال السنوات القليلة الماضية، حيث فقد 99 بالمئة من قيمته مقابل الدولار".
واختتم: "العملة الوحيدة التي زادت قيمتها وتكيفت مع التضخم منذ الحرب العالمية الثانية هي الفرنك السويسري، والاقتصاد السويسري يعمل بشكل جيد، ولديهم قطاع تصدير هائل واقتصاد ثابت وعملة قوية جدا، إنها أقوى عملة في العالم، إنه الفرنك السويسري، وذلك لأنهم تجنبوا تماما برامج صندوق النقد الدولي ولم يتعاملوا معه أبدا".
وفي 7 فبراير/ شباط 2016، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرها عن تاريخ التضخم في فنزويلا، وذكرت أن انكماش الاقتصاد بدأ فعليا عندما انهارت أسعار النفط العالمية في الثمانينيات وارتفعت مستويات التضخم (تضخم أسعار المستهلكين) بين 6 بالمئة و12 بالمئة منذ 1982 وحتى 1986.
وأوردت الصحيفة أن معدل التضخم بلغ ذروته في عام 1989 نحو 84 بالمئة، حيث عانت أسواق العاصمة كاراكاس في العام نفسه عقب خفض الإنفاق الحكومي وتحرير الأسواق من قبل الرئيس (آنذاك) كارلوس أندريس بيريز من النهب والشغب.
ثم ذكرت أنه في عام 1991 بدأ بيريز سياسات اقتصادية ليبرالية وحرر الأسواق الفنزويلية، واتجه بقوة للاستعانة ببرامج صندوق النقد الدولي، الذي قدم له حزمة مساعدات وقروض، ورغم ذلك ظلت الأجور منخفضة والبطالة مرتفعة بين الفنزويليين.
وفي 2006 أصدرت جامعة "جونز هوبكينز" دراسة تفصيلية عن تدهور الاقتصاد الفنزويلي، ذكرت فيه أنه بحلول منتصف التسعينيات في عهد الرئيس رافائيل كالديرا، ومع ذروة تضخم استثنائية بلغت 100 بالمئة عام 1996.
وأشارت إلى ارتفاع نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر من 36 بالمئة عام 1984 إلى 66 بالمئة في 1995، حيث عانت البلاد من أزمة مصرفية حادة عام 1994.
ثم ساءت الأزمة الاقتصادية عام 1998، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نفس مستوى عام 1963، وكانت أيضا فنزويلا ورغم كونها دولة نفطية رائدة، تعتمد على قروض وبرامج صندوق النقد "الإصلاحية".
سقوط فنزويلا
دخل القرن الجديد ووصلت فنزويلا إلى مرحلة متردية دفعت الصندوق لتقديم مساعدة وقرض جديد لها عام 2001، وكانت هذه آخر مساعدة يقدمها الصندوق للبلد اللاتيني، في حين تعود آخر زيارة للجنته الفنية إلى كراكاس عام 2004.
ثم توقف دعم الصندوق تماما، الأمر الذي أدى في 2007، لأن يهدد الرئيس الراحل هوغو تشافيز (1999- 2013) بانسحاب بلاده من صندوق النقد الدولي، لكنه لم ينفذ هذا التهديد.
بعدها دخلت فنزويلا فيما عرف بـ"التضخم المفرط" حيث بلغ معدل التضخم السنوي عام 2014 نحو 69 بالمئة وكان الأعلى في العالم.
ووصل التضخم عام 2015 إلى 181 بالمئة، وعد مرة أخرى أعلى مستوى في العالم والأعلى في تاريخ البلاد آنذاك.
وفي عام 2016 بلغ 800 بالمئة، وأكثر من 4000 بالمئة عام 2017، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
وفي عام 2018 بلغ نحو 1700 بالمئة، ومع اقتراب فنزويلا من التضخم الكبير، توقفت الحكومة تماما عن إصدار تقديرات تضخم رسمية بدءا من أوائل عام 2019.
وفي ذلك العام قدر الاقتصادي الأميركي ستيف هانكي أن المعدل بلغ 5220 بالمئة.
وقدر صندوق النقد الدولي في أبريل/ نيسان 2019 أن التضخم سيصل إلى 10.000 بالمئة بحلول نهاية عام 2019.
فيما قدر البنك المركزي الفنزويلي رسميا ارتفاع معدل التضخم إلى 53.798 بالمئة بين 2019 و2021.
ورأى هانكي في منشور عبر حسابه على منصة "إكس" عام 2022، أن صندوق النقد الدولي أصدر تنبؤات زائفة بالتضخم في فنزويلا على أساس حسابات سياسية، ما أدى إلى تدمير اقتصادها ووصوله إلى تلك الحالة المزرية.
وكان صندوق النقد الدولي قد رفض طلبا تقدّمت به فنزويلا في 18 مارس 2020 لمنحها قرضا بقيمة 5 مليارات دولار لمواجهة جائحة كورونا، معللا قراره بالشكوك المحيطة بشرعية الرئيس نيكولاس مادورو في نظر المجتمع الدولي.
نجاة تركيا
تجربة فنزويلا القاسية مع صندوق النقد الدولي، يقابلها تجربة أخرى ناجحة قادتها تركيا خلال سنوات طويلة.
فعشية جولة الحسم بالانتخابات الرئاسية التركية التي جرت في 28 مايو/ أيار 2023، وقف الرئيس رجب طيب أردوغان يلقي خطاب النصر من ساحة المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، أمام أكثر من 350 ألف مواطن، مذكرا إياهم بإنجازات الماضي وتحررهم من ديون صندوق النقد الدولي.
وتطرق الرئيس التركي إلى واقعة حدثت بينه وبين مدير صندوق النقد عام 2010، عندما حاول الأخير التدخل في شؤون تركيا السياسية.
وذكر أردوغان: "وقتها كان ديننا لصندوق النقد الدولي 23.5 مليار دولار، وقلت لمديره: ألست تأخذ أقساط القروض! قال: بلى، قلت: حسنا، لا يمكنك التدخل في حياتنا السياسية ومستقبل بلادنا".
وتابع: "رئيس وزراء تركيا هو أنا (كان آنذاك يشغل منصب رئيس الحكومة في النظام البرلماني)، وأنت دورك أن تحصل أقساط قروضك فقط".
وقال الرئيس التركي: "استمر بنا الحال هكذا وفي عام 2013 دفعنا آخر قرض من الدين، ومنذ ذلك الوقت انتهت علاقتنا مع صندوق النقد الدولي، لكن حزب الشعب الجمهوري (المعارض) كان يريد أن نعود إلى دائرة القروض مرة أخرى".
وفي 6 مارس/ آذار 2021، نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، تقريرا عن أزمة التضخم التي تمر بها تركيا ورفض أردوغان الاعتماد على قروض صندوق النقد الدولي.
وقالت الوكالة إن "أردوغان يرى أن اللجوء لصندوق النقد سيجبر الحكومة على اتباع سياسة إنفاق انكماشية ستؤدي لإيقاف عجلة النمو الاقتصادي".
وبحسب قولها، فإن "نقطة الحسم في رؤية أردوغان تتمثل في خشية استخدام جهات خارجية ورقة صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة التركية للتنازل في بعض القضايا الإقليمية السياسية".
وهو ما أكده الرئيس التركي بنفسه في 15 أغسطس/آب 2022، خلال كلمته في أنقرة أمام رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية على مستوى البلاد.
حينها أعلن أن "تركيا تدافع بلا خوف عن مصالحها الوطنية، وتحقق النتائج المرجوة على المنصات كافة، بما في ذلك الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بفضل تطبيقها دبلوماسية فعالة".
وشدد أردوغان وقتها على أن "تركيا ليست دولة تتسول الديون على أبواب صندوق النقد الدولي".
وأضاف: "نمتلك حاليا قوة عسكرية كبيرة تمكننا من تنفيذ عمليات من أجل أمننا القومي دون السعي للحصول على موافقة أي جهة داخلية كانت أو خارجية".