فلسطينيون يوثقون "حكايا غزة" تنفيذا لوصية رفعت العرعير.. ما القصة؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

"إذا كان لا بد أن أموت، فليأت موتي بالأمل، فليصبح حكاية"، جزء من قصيدة كتبها الأكاديمي الفلسطيني رفعت العرعير باللغة الإنجليزية، ولقيت رواجا كبيرا لاحقا في أرجاء العالم. 

وجاء انتشار القصيدة بعد استشهاد العرعير رفقة شقيقه وشقيقته وأولادها الأربعة في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2023 جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي على غزة.

رحيل العرعير أستاذ الأدب الإنجليزي الشهير في غزة، ترك حزنا كبيرا لدى الآلاف من طلابه وأصدقائه ومحبيه، لكنه دفعهم للإصرار على تنفيذ وصاياه بالتدوين ورواية القصص.

حكايا غزة 

بعد استشهاده، أطلق أصدقاؤه في أوائل يناير/ كانون الثاني 2023، مدونة "حكايا غزة"، وهي نافذة للتدوين "للذين تعرضوا لإبادة جماعية على أيدي الاحتلال الإسرائيلي".

وعرّف مطلقو المدونة بأنها "فضاء نحفظ فيه روايتنا من طي النسيان وذاكرة المكان من سلب الاحتلال وتقاريرنا التي وثقنا بها جرائمهم وأدبنا المقهور، والذي كتبناه بماء العيون.. إلى روح الملهم الشهيد الدكتور رفعت العرعير". 

حكايا غزة، نافذة الذين تعرضوا لإبادةٍ جماعية على أيدي الاحتلال الصهيوني، هنا فضاؤنا الذي نحفظ فيه روايتنا من طي النسيان وذاكرة المكان من سلب الاحتلال وتقاريرنا التي وثقنا بها جرائمهم وأدبنا المقهور.. إلى روح الملهم الشهيد الدكتور رفعت العرعير https://t.co/JO4kjxG1bv

— Yasser (@Yasser_Gaza) January 3, 2024

يقول مدير المدونة الصحفي ياسر عاشور إن "الفكرة بدأت بعد استشهاد رفعت العرعير، لسبب أساسي وهو أنه كان دائما يحكي روايتنا ويهتم بها".

وأضاف لـ"الاستقلال": "كان العرعير يحث أهل غزة وليس أحدا غيرهم على رواية قصصهم بتفاصيلها التي عايشوها خلال العدوان المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وما قبله". 

وأردف أنه "كان لزاما علينا أن نوثق ما يحدث من جرائم حتى لا تتبخر مع الأيام، خاصة أن الكثير من القصص لم تأخذ حقها في الانتشار بسبب كثافة العدوان وتسارع الجرائم".

وتابع أنهم يحثون على التدوين، أهالي غزة في الداخل والخارج وغيرهم من العرب الذين يريدون الكتابة عما يجرى، "وهناك كثيرون استجابوا وبدأوا برواية قصصهم".

وانضم لاحقا عدد من المتطوعين لتحرير وتطوير المواد وآخرين يعملون على ترجمة القصص إلى اللغة الإنجليزية التي سيصدر نسخة منها قريبا للموقع، كما تطوع فريق آخر لتسجيل القصص وقراءتها وإصدارها صوتيا، وفق عاشور.

ولفت إلى أن هذه المدونة هي تخليد لذكرى الشهيد العرعير وتنفيذ لوصاياه بأهمية نقل ما يجرى في غزة إلى العالم وترجمته إلى جميع اللغات.

وكان العرعير حريصا على إيصال صوت غزة وأطلق عدة مبادرات سابقة من أجل ذلك، كما حرر كتابين بالإنجليزية الأول عام 2014 بعنوان "غزة تعود للكتابة" وكتاب "غزة تخرج عن صمتها" في العام التالي.

كما نشر العديد من المقالات بالإنجليزية في صحف غربية مثل افتتاحية لنيويورك تايمز سنة 2021.

وكان الشهيد الراحل يعد اللغة الإنجليزية وسيلة للتحرر من حصار غزة الطويل، وجهاز نقل فوري يتحدى الحصار الفكري والأكاديمي والثقافي.

وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، أسهم العرعير في تأسيس موقع "نحن لسنا أرقاما" من أجل توثيق حكايات وقصص شهداء العدوان.

وبعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة ردا على عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسهم العرعير في تأسيس حساب "شهداء غزّة" الذي يوثق صورهم وقصصهم ويبث باللغتين العربية والإنجليزية.

ويعرف الهدف من إنشائها بالقول "لأنهم ليسوا أرقاما، هُنا نحكي قصة الشهداء، حياتهم، ذكرياتهم، أحلامهم.. اكتبوا لنا وأرسلوا، لنحكي لكل العالم عن شهداء غزة".

من هو؟

ولد العرعير في حي الشجاعية شرق غزة في 23 سبتمبر/أيلول 1979، ودرس مراحله الابتدائية والإعدادية والثانوية في القطاع المحاصر.

وكان له شقيق يدعى حمادة استشهد في غارة جوية إسرائيلية عام 2014،  وقد كان متزوجا وأبا لـ3 أبناء.

ويعد العرعير أحد أعمدة القسم الإنجليزي في موقع المركز الفلسطيني للإعلام العريق الذي يبث بعدة لغات.

حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 2001 من الجامعة الإسلامية في غزة، والتي تعرضت للتدمير خلال العدوان الجاري.

وبعد ذلك، حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي عام 2007، من جامعة "يونيفرستي كوليدج" في العاصمة البريطانية.

وبعدها، واصل العرعير مشواره التعليمي ليحصل على درجة الدكتوراه في نفس التخصص من جامعة بوترا في ماليزيا عام 2017.

وفي نفس العام الذي حصل فيه على الماجستير، بدأ العرعير في تدريس الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة وأصبح أحد أشهر الأكاديميين فيها.

ويعود ذلك إلى قرب العرعير من طلابه وتدريسه المبكر لهم، حيث لم يكن هناك فارق كبير في العمر بينه وبينهم.

كما يعود ذلك إلى أسلوبه التدريسي الشيق، حيث كان يطلب من طلابه إنشاء مدونات والكتابة والتدوين في سبيل الحصول على درجات دراسية إضافية، كما يروي ياسر عاشور.

تقول رنا الشوربجي إحدى طالباته سابقا: "كنت أرغب دائما في الالتحاق بدورة جامعية أخرى مع الدكتور رفعت العرعير، كان أستاذي والقوة التوجيهية وراء دراستي المتقدمة للغة الإنجليزية، كما أثار شغفي بالأدب وبالأخص الشعر".

وتابعت في مقال كتبته على موقع إلكترونيك انتفاضة الناطق بالإنجليزية: "كان العرعير مختلفا عن باقي الأساتذة، منذ البداية، أستطيع أن أقول إنه تعامل مع التدريس باهتمام وإبداع حقيقيين، لقد غرس في نفسي أهمية البحث والقراءة والكتابة دون قيود".

وتابع أنه خلال إحدى الدورات حيث تعلمنا كتابة القصص المميزة، قال لنا: "قصصكم مهمة، أنتم تعيشون هنا (في غزة)، أنتم تعرفون ما يحدث، اقرأوا واكتبوا واحكوا".

ومن المؤسف أن حياة الدكتور رفعت انتهت، قتلته إسرائيل مع أفراد من عائلته في غارة جوية مما ترك فراغا في مجتمعنا الأدبي.

لكن رغم ألم فقدانه فإن أثره باقٍ، لقد دافع عن فكرة أن قصصنا مهمة، وأن حياتنا لها أهمية، ويتردد صدى كلماته في ذهني: "اقرأ، اكتب، ارو (قصتك)"، بحسب تعبيرها.

شجاع الشجاعية

وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في الساعات التي أعقبت عملية حماس في مستوطنات غلاف غزة، وصف العرعير الهجوم بأنه "مشروع وأخلاقي" وشبهه بـ "انتفاضة غيتو وارسو".

وانتفاضة الحي اليهودي في وارسو "غيتو وارسو"، هي ثورة حدثت في بولندا التي احتلتها ألمانيا عام 1943، وشهدت استخدام اليهود للأسلحة المهربة إلى الحي اليهودي في محاولة لمقاومة الجهود النازية لنقل اليهود إلى معسكرات الإبادة.

وخلال العدوان المستمر، ظهر العرعير على العديد من القنوات التليفزيونية الناطقة بالإنجليزية متحدثا عن حق الفلسطينيين في مقاومة عدوهم بكل الأشكال والأساليب.

كما حرص على فضح جرائم الاحتلال بحق غزة وإيصال صوتها إلى العالم الخارجي، كما أعلن عن رفضه مغادرة شمال غزة رغم القصف الإسرائيلي حتى سمي بشجاع الشجاعية (الحي الذي ينحدر منه).

ففي مقابلاته الأخيرة، عبّر عن رفضه الخروج من غزة، قائلا: نعلم جيدا أن الوضع مُظلم جدا، ولكن سنبقى هنا، وليس لدينا شيء نخسره".

ومن المقولات التي بقيت خالدة وتناقلها ناشطون بقوة على وسائل التواصل قوله: "أنا أكاديمي وقلم السبورة أصلَبُ ما في بيتي، وإذا هاجم جنود الاحتلال بيتي، فإنني سأُلقي عليهم القلم ولو كان آخر شيء أفعله".

يقول عنه صديقه رامي عبده وهو رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: "إن كان للشجاعة اسم فاسمها رفعت العرعير، وإن كان لفلسطين صوت فصوتها رفعت العرعير، وإن كان للإعلام سيف فاسمه رفعت العرعير".

وتابع في تغريدة على منصة إكس: "وإن كان في الأكاديمية معلم فاسمه رفعت العرعير، وإن كان للشباب نبراس فاسمه رفعت العرعير، وإن كان للعدو قاهر فاسمه رفعت العرعير".

أما بعد، فإن كان للشجاعة اسم فاسمها رفعت العرعير، وإن كان لفلسطين صوت فصوتها رفعت العرعير، وإن كان للإعلام سيف فاسمه رفعت العرعير، وإن كان في الأكاديميا معلم فاسمه رفعت العرعير، وإن كان للشباب نبراس فاسمه رفعت العرعير، وإن كان للعدو قاهر فاسمه رفعت العرعير.
وإنا على الدرب سائرون pic.twitter.com/yU3GUEAbUq

— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) December 8, 2023

فيما غرد شادي منصور بالقول: "اغتيال الأستاذ الجامعي رفعت العرعير بسبب التقارير التي كان ينشرها باللغة الانجليزية عن الانتهاكات والمجازر والإبادة التي تحصل في غزة، حيث كانت تتداولها المنظمات الغربية، وهذا ما سبب قلقا لحكومة (بنيامين) نتنياهو، التي تريد أن تخفي جرائمها عن العالم".

اغتيال الاستاذ الجامعي #رفعت_العرعير بسبب التقارير التي كان ينشرها باللغة الانجليزية عن الانتهاكات والمجازر والإبادة
التي تحصل في غزة، حيث كانت تتداولها المنظمات الغربية، وهذا ما سبب قلقًا لحكومة نتنياهو، التي تريد أن تخفي جرائمها عن العالم..#لبنان #صباح_الخير #الأردن #السعوديةpic.twitter.com/eHqSMJmTRW

— Chadi Mansour (@chadiman) December 8, 2023

وواصل ناشطون بعد استشهاده نشر قصيدته التي يقول فيها: "إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيش أنت لتروي حكايتي، لتبيع أشيائي وتشتري قطعة قماش وخيوطا (فلتكن بيضاء وبذيل طويل)".

ويتابع في القصيدة: "كي يبصر طفل في مكان ما من غزّة وهو يحدّق في السماء منتظرا أباه الذي رحل فجأة دون أن يودع أحدا ولا حتى لحمه أو ذاته، يبصر الطائرة الورقية، طائرتي الورقية التي صنعتَها أنت، تحلّق في الأعالي ويظن للحظة أن هناك ملاكا يعيد الحب. إذا كان لا بد أن أموت فليأتِ موتي بالأمل، فليصبح حكاية".

If I Must Die poem by the martyr Refaat Alareer went viral and was translated into various languages after he was killed in #Gaza by Israeli airstrikes.

In collaboration w/@Tanwenmedia, the poem was recited to you by Youssuf Moussa @yusufmousa01 and Ilham Ibrahim @maqadishaah. pic.twitter.com/0OznrZc2LO

— Tanween Podcast EN (@tanwenmediaen) January 5, 2024

الكلمات المفتاحية