إجراء عقابي.. ماذا تعني العودة إلى مستوطنات مُخلاة بالضفة الغربية؟

حسن عبود | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد وقت قصير من إعلان 3 دول أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، ردت إسرائيل بخطوة جديدة تُمعن في قتل حلم الدولة الفلسطينية عبر فتح المجال للمستوطنين لالتهام المزيد من الأراضي.

ففي 22 مايو/أيار 2024، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت إلغاء قانون فك الارتباط في شمال الضفة الغربية تنفيذا لقرار اتخذه للكنيست (البرلمان) في 21 مارس/ آذار من نفس العام.

وهو ما يسمح للإسرائيليين بالعودة إلى المستوطنات التي أخليت بموجب إلغاء قانون الانفصال الأحادي أو خطة فك الارتباط التي نفذتها حكومة أرئيل شارون عام 2005.

وجاء القرار بعد وقت قصير من إعلان أيرلندا وإسبانيا والنرويج اعترافها بدولة فلسطين والذي دخل حيز التنفيذ بدءا من 28 مايو.

ماذا يعني؟

قرار غالانت يعني عودة المستوطنين إلى 4 مستوطنات كانت قد أخليت وجرى تفكيكها في شمال الضفة هي "غانيم" و"كاديم" و"حوميش" و"سانور".

و"سانور" و"غانيم" و"كاديم" سبق ونص قانون الانفصال على عدم السماح للمستوطنين بدخولها، بينما عاد المستوطنون إلى مستوطنة حوميش، عام 2023، وفق قرار إسرائيلي.

وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون، وتحت وقع الخسائر العسكرية المتلاحقة، انسحبت إسرائيل من مستوطنات قطاع غزة عام 2005، ضمن خطة أحادية الجانب عرفت آنذاك باسم "فك الارتباط".

ولا يعني فك الارتباط أن غزة والضفة أرض فلسطينية، حيث تزعم إسرائيل أحقيتها فيهما “من النهر إلى البحر” وهو الشعار الذي يرفعه الفلسطينيون للمطالبة بكامل أراضيهم المحتلة منذ عام 1948.

ولذلك، بعد الانسحاب، لم تسلم إسرائيل المناطق التي توجد فيها المستوطنات المخلاة بالضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية رغم أنها تقع ضمن تصنيف (أ).

وصنفت اتفاقية "أوسلو 2" لعام 1995 أراضي الضفة ثلاث مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.

وتقول تل أبيب إنها لجأت للخطة سابقا بسبب الواقع الديمغرافي الذي يقتضي فك الارتباط للمحافظة على “نقاء الدولة” وتقليل الاحتكاك بالفلسطينيين.

ووقتها أُجلي آلاف المستوطنين من جميع مستوطنات قطاع غزة، ومن المستوطنات الأربع شمالي الضفة الغربية، وذلك بهدف حماية المستوطنين مما وصف بالمخاطر الأمنية.

ونص القانون على أن تكون المستوطنات الأربع مناطق عسكرية مغلقة يُحظر على المستوطنين دخولها إلا بإذن من جيش الاحتلال.

كما جاءت الخطة وقتها تزامنا مع الضغوط الدولية التي تطالب إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 بما فيها شرقي القدس.

وبحسب ما قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في 22 مايو، فإن إلغاء القانون سيعني دخول المستوطنين إليها بشكل قانوني، على الرغم من أن أي نشاط استيطاني يجب أن يكون مرخصا من قِبل الحكومة.

إجراء عقابي

ويبدو أن قرار غالانت يأتي كإجراء عقابي للسلطة الفلسطينية؛ عقب اعتراف إسبانيا والنرويج وأيرلندا بالتزامن بدولة فلسطين؛ ما رفع عدد الدول التي تعترف بها إلى 147 من أصل 193 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما يأتي بالتزامن مع عدوان مدمر تشنه ضد قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول خلف أكثر من 116 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وتواصل إسرائيل العدوان رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورا، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.

وهناك مؤشرات أخرى أظهرت إصدار غالانت القرار متسرعا وكرد فعل على موجة الاعتراف الجديدة بالدولة الفلسطينية التي تقول تل أبيب إنها مكافأة لحركة المقاومة الإسلامية حماس التي نفذت عملية طوفان الأقصى.

فبعد إعلان غالانت سارع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، يهودا فوكس، على توقيع أمر يصنف هذه المستوطنات على أنها مناطق عسكرية مغلقة مرة أخرى.

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الأخير اتخذ هذا الإجراء الاحترازي لمنع المستوطنين من التدفق الفوري إلى المواقع وإقامة المستوطنات.

كما نقلت عن مصدر عسكري لم تسمه قوله: "هناك حاجة إلى ترتيب أمني مختلف تماما في هذه المنطقة"، وهو ما يشير إلى إصدار غالانت القرار دون حماية تلك المستوطنات التي تقع بالقرب من مدينتي جنين ونابلس “المضطربتين”.

وأضاف المصدر العسكري أن السماح بعودة الإسرائيليين "لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، سيتعين علينا أيضا جلب العديد من القوات الإضافية إلى المنطقة، وسيستغرق الأمر وقتا".

ويستنفد الجيش الإسرائيلي بالفعل قوى بشرية كبيرة في حماية المستوطنين المتطرفين الذين يديرون مدرسة دينية في مستوطنة حومش بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.

ويقول أمين عام حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي إن القرار الجنوني عمل انتقامي ورد فعل حاد من حكومة تتلقى اللطمات واحدة تلو الأخرى.

فقد جاء خلال أقل من 48 ساعة على توجيه مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان الاتهام لغالانت ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم حرب وهذا أمر كبير جدا، وفق ما قال البرغوثي في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية.

وتابع: “هم في حالة ارتباك ونوع من الجنون ويتخذون ردود أفعال متسرعة لا تدل على تفكير علمي مخطط ولكن على روح انتقامية مثل التي نراها في غزة منذ شهور”.

الاستيطان والدولة

وعبر القرار، يعمل الاحتلال على ضمان عدم تحول شمال الضفة الغربية إلى غزة جديدة، من خلال زرع المستوطنات وزيادة المستوطنين فيها.

وانتشرت خلال السنوات القليلة الأخيرة في شمال الضفة، العديد من المجموعات العسكرية التابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى، والتي تنفذ بين حين وآخر عمليات تفجير عبوات وإطلاق نار تجاه قوات الاحتلال ومستوطناته.

وهو ما صعب من تنفيذ اقتحامات واسعة في المناطق الأكثر خطرا على قوات الاحتلال مثل مخيمات اللاجئين ودفعها أخيرا لاستخدام سلاح الطيران بالتزامن مع الاجتياحات البرية.

وفي تعليقها على الخطوة الأخيرة، قالت حركة حماس إن القرار يسمح "بإعادة بناء مستوطنات صهيونية تم إخلاؤها"، وهو "استمرار لسياسة الاحتلال الاستيطانية والعدوانية، وتنكره لحقوق شعبنا الفلسطيني في أرضه".

ودعت الحركة الفلسطينيين في الضفة إلى "تكثيف التصدي لسياسات الاحتلال الاستيطانية، وتفعيل المقاومة بأشكالها وأدواتها كافة، حتى دحر الاحتلال ومستوطنيه عن أرضنا".

وكان لافتا أن السلطة الفلسطينية، المسؤولة الأولى عما يحدث بالضفة الغربية، لم تعلق على الخطوة التصعيدية، ما يشير إلى مدى عدم انخراطها مع التطورات الوجودية التي تتعلق بمستقبل الدولة الفلسطينية ومواطنيها.

ويوجد 451 ألف مستوطن في 132 مستوطنة و147 بؤرة استيطانية بالضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى 230 ألفا في شرق القدس المحتلة، حسب حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية.

وتعد الأمم المتحدة الاستيطان في الأراضي المحتلة غير قانوني، وتدعو دون جدوى منذ سنوات إلى وقفه، وتحذر من أنه يقوض فرص معالجة الصراع على أساس حل الدولتين.

وتعني زيادة الاستيطان، تشديد السيطرة الأمنية لتسهيل القضاء على جذوة المقاومة في الضفة، وكذلك إنهاء أي فرصة لإنشاء دولة فلسطينية مستقبلية عبر التهام المزيد من الأراضي.

ويقول المحلل السياسي أيمن الرقب إنه بعد القرار “سنشهد مرحلة أخرى من إضعاف السلطة الفلسطينية لأن الاحتلال سيتوسع في تلك المناطق المخلاة والضفة الغربية عموما”.

وبين في مقابلة تلفزيونية أن الاحتلال يريد ضم المزيد من الأراضي تحت سيادته الأمنية، و"نحن على أبواب توسع كبير جدا في الاستيطان".

وتابع: “يحشر الاحتلال قرابة 2 مليون ونصف المليون فلسطيني في المناطق المصنفة ضمن تصنيف أ، والتي تمثل نحو 16 بالمئة من الضفة الغربية، ومع ذلك يريد أن يضمها ويطرد الفلسطينيين منها”.

وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسئليل سموترتيش طالب نتنياهو باتخاذ إجراءات ضد السلطة الفلسطينية بسبب "إجراءاتها الأحادية الجانب ضد إسرائيل".

وفي رسالة وجهها لنتنياهو قبل موجة الاعترافات الأخيرة، طلب سموترتيش المصادقة على آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات وإقامة مستوطنة مقابل كل اعتراف أحادي بالدولة الفلسطينية.