"فضيحة سياسية".. لماذا قرر رئيس وزراء اليابان الامتناع عن خوض الانتخابات؟
"قرر فوميو كيشيدا الاستقالة لتفادي المهانة وانتقادات الجمهور"
تنتظر اليابان تغييرا في القيادة السياسية للبلاد، مع انتخابات رئاسة "الحزب الليبرالي الديمقراطي" الحاكم (LDP)، المقرر إجراؤها أواخر سبتمبر/أيلول 2024.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، في 14 أغسطس/آب 2024، أنه لن يشارك في السباق الانتخابي لرئاسة الحزب.
والحزب الديمقراطي الليبرالي هو الحزب الأغلبية في الهيئة الحاكمة (البرلمان)، ويقود كيشيدا الحكومة مع شريكه الأصغر، حزب كوميتو.
وتقليديا، يصبح زعيم الحزب الأكثرية رئيسا للوزراء، ولكن مع إعلان كيشيدا عن عدم مشاركته في السباق الانتخابي، فإن البلاد سيكون لها زعيم جديد في سبتمبر.
فضيحة التبرعات
وأوضح موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي أن هناك سببين دفعا كيشيدا لهذا الإعلان المفاجئ.
وهما، تعامله مع فضيحة جمع الأموال السياسية التي تورط فيها بعض نواب الحزب، وانخفاض معدل شعبيته في الأشهر الأخيرة نتيجة للسبب الأول.
أولا، كانت فضيحة جمع التبرعات السياسية بحاجة إلى التدقيق، بحسب الموقع.
وكان كيشيدا مدركا أن المعارضة ضد إدارته تتزايد خلال الأشهر الماضية؛ بسبب قضايا الفساد.
ومنذ أواخر عام 2023، يواجه الحزب الليبرالي الديمقراطي ردود فعل عنيفة بسبب فضيحة الأموال السياسية.
ووُجهت للحزب اتهامات بعدم الإبلاغ عن أمواله، وإخفائها في حسابات سرية غير معلنة للسلطات الضريبية، وسرعان ما تفاقمت هذه الفضيحة السياسية.
وتابع الموقع: "بعد أن تفاقمت الفضيحة، عهد كيشيدا إلى لجنة الأخلاقيات (الانضباط) في الحزب بالتحقيق في القضية".
وعقدت اللجنة اجتماعا في 4 أبريل/نيسان 2024 وفرضت عقوبات على العشرات من الساسة في الحزب، الذين لم يبلغوا عن هذا الدخل من أنشطة الحزب، كما أصدر كيشيدا تشريعا جديدا لمنع تكرار المشكلة.
وبحسب الموقع، فقد أدى ذلك إلى تفكيك فعلي لنظام الفصائل داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، مفرقا بذلك عملية بناء التوافق التقليدية.
ونظام الفصائل داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي في اليابان هو شبكة من الجماعات السياسية غير رسمية، حيث يتجمع الأعضاء حول قادة سياسيين معينين.
هذه الفصائل تمثل تحالفات سياسية داخل الحزب، وتلعب دورا في توزيع السلطة، والتأثير في القرارات السياسية، ودعم المرشحين لشغل المناصب القيادية.
كما أن هذه الفصائل ليست مجرد مجموعات مشتتة، بل هي كيانات سياسية لها رؤساء واجتماعات منتظمة وعضوية معروفة.
وقررت لجنة الأخلاقيات معاقبة 39 عضوا في البرلمان من فصيلي رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، والأمين العام السابق للحزب توشيهيرو نيكاي، وحملتهم المسؤولية عن تورطهم في فضيحة الدخل غير المسجل.
أزمة الثقة
وكما اتضح، فإن هذا لم يكن كافيا لكشف الحقيقة -وفق موقع “يوراسيا ريفيو”- ولم تَصدر هذه العقوبات إلا بعد شهرين ونصف الشهر من انتهاء التحقيقات.
ومن فصيل "آبي" داخل الحزب، تلقى عضوان في البرلمان العقوبة الثانية الأكثر خطورة وطلب منهما مغادرة الحزب.
وكان من بينهم وزير التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا السابق ريو شيونويا، والأمين العام السابق للحزب الليبرالي الديمقراطي في مجلس المستشارين ورئيس فصيل "آبي"، هيروشيغي سيكو.
وعُلقت عضوية بعض الأعضاء الآخرين في البرلمان، ورأى آخرون أنهم غير مؤهلين لشغل مناصب حزبية، أو وُبخوا علنا.
وأضاف الموقع أن "الرأي العام الياباني فوجئ بنجاة كيشيدا والأمين العام السابق للحزب، توشيهيرو نيكاي، من العقاب تماما".
وتابع: "ربما بُرّئ نيكاي لأنه كان قد أعلن بالفعل عدم ترشحه في الانتخابات المرتقبة في سبتمبر".
ورغم اعتذار كيشيدا عن أزمة الثقة التي سببتها هذه القضايا في الساحة السياسية، وتعهده بالسعي للإصلاح السياسي، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات شخصية لتحمل المسؤولية فعليا.
ومع ذلك، أصبح التمييز بين الاعتذار الشخصي والعقوبات الرسمية للحزب غير واضح، وربما يكون كيشيدا -بحسب الموقع- قد استشعر المزاج العام وقرر الاستقالة لتفادي المهانة وانتقادات الجمهور.
أما السبب الرئيس الثاني الذي دفع كيشيدا إلى التراجع عن السباق الرئاسي هو إدراكه أن معدلات الرضا العام عن حكومته، التي تسلمت السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، انخفضت بشكل كبير، حتى وصلت إلى 20 بالمئة في أعقاب الفضيحة.
وقال الموقع: "رغم أن كيشيدا بدا في البداية ميالا إلى السعي لإعادة انتخابه، إلا أنه سرعان ما أدرك الموقف أنه لن يكون في مصلحة الحزب إذا بقي في السباق".
وفي استطلاع رأي مشترك أجرته صحيفة "سانكي شيمبون" وشبكة "أخبار فوجي"، في 20-21 يوليو/تموز 2024، بلغت نسبة الموافقة على حكومة كيشيدا 25.1 بالمئة.
وذلك بانخفاض 6.1 بالمئة عن الاستطلاع السابق في 15-16 يونيو/حزيران 2024، حيث انخفضت إلى أقل من 30 بالمئة لأول مرة منذ شهرين، وبالتالي دخلت "مرحلة خطرة"، وفق وصف الموقع.
انخفاض الشعبية
وكان معدل الرضا على حكومة كيشيدا في انخفاض مستمر على مدى أربعة أشهر متتالية؛ حيث فاق عدد الأشخاص الذين اختاروا التغيير على عدد أولئك الذين فضلوا استمرار القيادة.
وفي الاستطلاع، بينما أراد 59.5 بالمئة أن يظل كيشيدا في منصبه حتى نهاية ولايته في سبتمبر/أيلول، كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي، أراد 26.7 بالمئة استبداله فورا.
بينما أراد 10.9 بالمئة فقط أن يستمر كيشيدا في منصبه حتى بعد سبتمبر.
وفي ضوء هذه السيولة في الموقف -وفق تعبير الموقع الأميركي- شعر كيشيدا أن من الأفضل الانسحاب من السباق.
وفي استطلاع رأي آخر أجرته صحيفة "ماينيتشي شيمبون" اليابانية في 20-21 يوليو، قال 70 بالمئة إن كيشيدا يجب أن يُستبدل في انتخابات سبتمبر.
وقال 11 بالمئة فقط إن كيشيدا "يجب أن يستمر" كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي، بينما لم يحسم 18 بالمئة أمرهم بعد.
وأظهر استطلاع مماثل أجري في مايو/أيار 2024 أن هذه الأرقام ظلت دون تغيير تقريبا.
وأكد الموقع أن "كيشيدا كان محقا في فهمه للمزاج العام، وإعلانه عدم الترشح للانتخابات".
والجدير بالذكر أن كيشيدا ظل في منصبه لأكثر من 1000 يوم، مما جعله ثامن أطول زعيم ياباني خدمة بعد الحرب.
وبحسب الوضع الحالي، سيكون لليابان رئيس وزراء جديد في سبتمبر 2024.
ورغم أن الانتخابات العامة المقبلة مقررة في أكتوبر 2025، فقد يختار رئيس الوزراء الجديد الدعوة إلى تصويت وطني مبكر، كما فعل كيشيدا.
ومع ذلك، يتسم الوضع بالسيولة، فنظرا لتفكك الفصائل داخل الحزب الحاكم في أعقاب فضيحة التمويل، فمن الصعب تحديد كيفية تصويت المشرعين في اختيار الزعيم الجديد.
وأفاد الموقع بأنه "حتى الآن، يفوز الحزب الليبرالي الديمقراطي بغض النظر عمن يخوض الانتخابات ويشكل الحكومة، حيث لا تزال المعارضة ضعيفة ومجزأة".
وأردف: "إذا نظرنا إلى الأمر بإيجابية، فإن مثل هذا الوضع يوفر الاستقرار السياسي واستمرار السياسات".
وختم الموقع بالإشارة إلى أنه "رغم كل الجهود المخلصة التي بذلها وإنجازاته، فقد بدا أن كيشيدا يفتقر إلى القدرة على التواصل مع الجمهور الياباني".