فضائح الاعتداء على الأطفال.. ماذا وراء قرار الفاتيكان مباركة زواج الشواذ؟
بعد يوم من مباركة كنيسة بروتستانتية بإنجلترا، زواج كاهنتين تعملان في نفس الكنيسة، وافقت الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان رسميا على مباركة زواج الشواذ.
بابا روما "فرانسيس" وافق رسميا يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 على السماح للكهنة بمباركة الأزواج الشواذ، وهو ما كان يرفضه هو والباباوات السابقون مؤكدين "استحالة أن يبارك الرب الخطيئة".
وفي وثيقة جديدة تشرح التغيير الجذري في سياسته، قال "المكتب العقائدي" للفاتيكان إن "الأشخاص الذين يسعون إلى محبة الرب ورحمته يجب ألا يخضعوا لتحليل أخلاقي شامل"، كي يتلقوا مباركة الكنيسة.
ورغم أن الوثيقة تشير إلى أن "الزواج سر مقدس مدى الحياة، بين رجل وامرأة، فإنها تؤكد كذلك أن طلبات الحصول على مثل هذه البركات لا ينبغي رفضها تماما".
وقدم الفاتيكان تعريفا شاملا لمصطلح "البركة" في الكتاب المقدس، لافتا إلى أن "الأشخاص الذين يبحثون عن علاقة مع الرب، ويبحثون عن محبته ورحمته لا ينبغي أن يخضعوا لتحليل أخلاقي شامل" كشرط مسبق للحصول عليها.
محو تاريخ الكنيسة
في عام 2013، وحين تولى رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، سأل أحد الصحفيين البابا فرانسيس عن "القساوسة الشواذ"، فأجاب بثلاثة كلمات شهيرة: "من أنا لأحكم؟"، في إشارة لأنه لا يدينهم.
ومنذ ذلك التاريخ، وعلى مدار العشرة سنوات الأخيرة، غير البابا لهجة الكنيسة ونهجها وتاريخها الطويل تجاه الشواذ، رافضًا اتخاذ موقف ضدهم، عكس مواقف مؤسسات الكنيسة وقادتها السابقين الذين كانوا يرفضون الشذوذ بوضوح.
وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2023، دافع بابا روما عن الشواذ، ودعا لإلغاء تجريم الشذوذ، ما عُدّ توطئة للعفو عن قساوسة الفاتيكان الشواذ وسماح الكنيسة باستيعاب الشواذ في ظل نقص كبير في أعداد المؤمنين بها.
وأرسل البابا رسالة نهائية لممثلي الكنيسة الكاثوليكية في العالم بالتراجع عن عدّ الشذوذ خطأ والتخلي عن نبذ الشواذ.
وأضاف أن الأشخاص الذين يجرمون الشذوذ الجنسي "مخطئون"، في محاولة لتوضيح تعليقاته السابقة حول كون الممارسات الجنسية الشاذة "خطيئة".
وقد تُرجمت رسالة البابا من الإسبانية إلى الإنجليزية ونشرها موقع "أوتريتش"، وهو موقع ينشر مقالات ومعلومات للشواذ الكاثوليكيين.
لكن هذه المرة نقضت وثيقة "المكتب العقائدي" للفاتيكان، كل المواقف السابقة من الشواذ.
بل وجاءت مناقضة لإعلان سابق أصدرته نفس هيئة الفاتيكان عام 2021، يقول إن "البركة لن تضفي الشرعية على المواقف غير النظامية (أي الشذوذ) ولكنها ستكون علامة على أن الرب يرحب بالجميع".
حيث أوضحت الوثيقة المؤلفة من ثماني صفحات، والتي عنوانها الفرعي "في المعنى الرعوي للبركات"، مواقف محددة تقبل بالشواذ جنسيا كأزواج.
وكان القسم المكون من 11 نقطة بعنوان "بركات الأزواج في الحالات غير النظامية والأزواج من نفس الجنس"، واضحا في تبرير الشذوذ وقبول الكنيسة للشواذ.
حيث يقول الحكم الجديد إنه يفتح "إمكانية البركات للأزواج الذين هم في أوضاع غير قانونية وللأزواج من نفس الجنس"، على الرغم من أنه يقول إنه يترك القرارات "للتمييز الحكيم والأبوي للوزراء المرسومين".
وهو ما ينسف موقف البابا وتاريخ طويل لرفض الفاتيكان زواج الشواذ، رغم قول الوثيقة التي وافق عليها البابا، أنه "يمكن تنفيذ البركات بشرط ألا تكون جزءًا من طقوس الكنيسة العادية، ولا في نفس الوقت بصفتها اتحادا مدنيا (زواجا).
لماذا الآن؟
ترى صحف غربية أن سبب تغير موقف الكنيسة الكاثوليكية وبابا الفاتيكان من الشواذ، هو تزايد الضغوط على الكهنة لمباركة الأزواج الشواذ داخل الكنيسة، خاصة أن في ألمانيا بدأ العديد من الكهنة بالفعل في إقامة احتفالات لمباركة هؤلاء.
وتشير إلى أسباب أخرى تتعلق بانتشار الشذوذ بين الكهنة أنفسهم، وكاهنات الكنيسة الكاثوليكية بفعل انتشار الموبقات في العالم الغربي، ما دفع الكنيسة لمباركتها بدلا من التصدي له.
من الأسباب أيضا، محاولة استيعاب الكنيسة للشواذ، والزعم أن الرب يرحب الجميع، والتغطية على كشف فضائح شذوذ القساوسة أو دورهم في تحويل الشواذ الأطفال إلى "بضاعة جنسية"؟
ومنها محاولة الفاتيكان السيطرة على تمرد كنائس أوروبية على الكنيسة وسماحها بالفعل، قبل قرار البابا، بزواج الشواذ برعاية الكنيسة!
حيث تحدى بعض الأساقفة في ألمانيا وبلجيكا الحظر الذي فرضته الكنيسة على مباركة زيجات الشواذ في الأشهر الأخيرة، وذهبوا إلى حد إنتاج طقوس مباركة للأزواج الشواذ.
لهذا أعرب العديد من الأساقفة الألمان والأوروبيين عن امتنانهم لهذا الإعلان من البابا فرانسيس.
وكانت قد ذكرت صحيفة "الغارديان" في 22 فبراير/شباط 2013 أن بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر "استقال" بسبب الكشف عن شبكة من الأساقفة الشواذ جنسياً داخل الفاتيكان.
واستندت الصحيفة البريطانية إلى تقرير نُشر بجريدة "لا ربوبليكا" الإيطالية ذكرت فيه أن بعض الأساقفة الشواذ جنسياً تعرضوا للابتزاز من خارج الكنيسة.
ثم سُلم الملف إلى البابا الجديد (فرانسيس) فسعى لتدارك الفضيحة عبر إباحة الشذوذ رسميا بين أتباع الكنيسة الكاثوليكية بتصريحات تدريجية، ليطبق الأمر أيضا على القساوسة الشواذ.
وسبق الكشف أيضا عن 32 راهبة حاملا من أصل 50 في كنيسة واحدة، ضمن ممارسات القساوسة الشاذة في الكنيسة، ضمن أسباب أخري من أسباب العزوف عن الكنيسة ما دفعها لقبول الشواذ لزيادة الأعداد داخل الكنائس.
وقد أشار القس "ساتيش جوزيف" الذي يخدم الكاثوليك الشواذ في دايتون، أوهايو بأميركا، إلى أن تقديم الكنيسة "البركة" للأزواج الشواذ سيزيد رعايا الكنيسة لأن "البركة هي أداة رعوية"، ويأمل أن تزيد الترحيب في الكنيسة بمزيد من الأتباع.
قال لموقع "أمريكا" في 19 ديسمبر 2023 إن الأشخاص الشواذ "يهربون في كثير من الأحيان من الكنيسة لأنهم يشعرون أنه لن يتم قبولهم، وسيتم معاملتهم بشكل سيئ".
ولكن تقديم البركة للأزواج الشواذ، "يمكن أن يجعل الشباب، أو أي شخص داعم للشواذ أن يشعر أن الكنيسة لا ترفضهم تمامًا فيقبل عليها.
ووفقا لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية، لا يُسمح بممارسة الجنس إلا بين رجل وامرأة متزوجين، وتصف ممارسات الشذوذ الجنسي بأنها "أمور جوهرية مضطربة".
وعلى الرغم من أن البابا فرانسيس لم يغير هذه العقيدة رسميًا، فقد سعى مرارا وتكرارا إلى إفراغها من مضمونها، بالتركيز على أنه يجب معاملة الشواذ "باحترام ورحمة وحساسية" وتجنب كل "التمييز غير العادل"، أي قبول ما يخالف الدين.
حيث قال لشخص شاذ "الرب خلقك هكذا" وقال لشواذ: "إن الرب يحبكم بهذه الطريقة"، ووصف الأشخاص الشواذ بأنهم "أبناء الرب"، وقام بدعوة مجموعة من النساء المتحولات جنسيًا لتناول طعام الغداء في الفاتيكان.
كيف ستتعامل الكنيسة معهم؟
بحسب موقع "أميركا"، تطالب الوثيقة، الكهنة حين يباركون زيجات الشواذ ألا يفعلوها بنفس شكل لطقوس الزواج العادية بدعوى "تجنب إحداث ارتباك مع البركة الخاصة بسر الزواج".
وذكر الموقع أن البابا فرانسيس أكد على أن الكنيسة يجب أن تتجنب الإيحاء بأن "الشيء الذي ليس زواجا يتم الاعتراف به على أنه زواج".
أوضح أن وثيقة الفاتيكان بينت للقساوسة أنه "من الضروري فهم أن هذه البركات غير الطقسية ليست سوى لفتات بسيطة توفر وسيلة فعالة لزيادة الثقة في الرب من جانب الأشخاص الذين يطلبونها".
وأنه يجب على الكهنة سواء في حفلات الزواج أو الوفاة أو غيرها للشواذ جنسيا، ألا يظهر القساوسة أي طقوس كنسية منتظمة، كالتي يمارسونها في الحالات العادية، ويكتفون بقول كلمات عامة.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" في 19ديسمبر إنه فور انتشار أخبار قرار البابا قبول زواج الشواذ الكاثوليك في الكنيسة، سارعوا لحجز أماكن في الكنائس بعد عيد الميلاد المزدحم "للحصول على بركات خاصة بهم".
ونقلت عن شواذ أن بعضهم يقوم بمهنة تدريس العقيدة الكاثوليكية في المدارس أو في الصف الأول بمدارس الكنيسة أنهم طاروا فرحا بموافقة البابا واتصلوا بكهنة كنائسهم للترتيب لعقد قرانهم مجدد وفق تعاليم الكنيسة!
ونقلت عن "ماسيمو فاجيولي"، أستاذ اللاهوت في جامعة فيلانوفا قوله إن الكثير من القساوسة يعترضون على قرار البابا خاصة الكهنة الكاثوليك الشباب في الولايات المتحدة المحافظون، لكن الأساقفة القدامى منفتحون على هذا الأمر.
ونقلت الصحيفة عن القس جوزيف جوراسيك، راعي كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي في وسط المدينة، زعمه إن "الكنيسة أصبحت أخيرًا متوافقة مع تعاليم يسوع".
وكان غضب داخل الكنيسة انتشر منذ بدء البابا الحديث عن تسهيلات للشواذ داخل الكنائس، ولم يتردد الكاردينال الأميركي رايموند بورك، المعروف بمواقفه "السلبية" من البابا فرنسيس، بتوجيه انتقاد علني للحبر الأعظم بسبب قبوله بالشواذ وزواجهم.
وعلق الأسقف الأميركي توماس توبين، على تصريح البابا بأنه "يتعارض مع تعاليم الكنيسة حول اقتران أشخاص من الجنس ذاته، ولا يمكن للكنيسة أن تدعم قبول علاقات غير أخلاقية"، بحسب وصفه.
وقبل هذا حين بدأ البابا يتحدث عن "زواج" الشواذ والاعتراف بهم ولو مدنيا، استنكر الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDF) كلام فرنسيس، بحسب وكالة الأنباء الكاثوليكية في 21 أكتوبر 2020.
قال إن "الاعتراف القانوني بالزواج بين الشواذ أو وضعهم على نفس مستوى الزواج، لا يعني فقط الموافقة على السلوك المنحرف، مع ما يترتب على ذلك من جعله نموذجا في مجتمع اليوم، ولكنه أيضا يحجب القيم الأساسية التي تنتمي إلى وراثة البشرية".
وعقب قرار البابا الأخير، أصدر المؤتمر الأميركي للأساقفة الكاثوليك بيانًا في 18 ديسمبر 2023، يوافق على إعلان البابا لكنه يؤكد أن الشواذ لا يزالون "غير مؤهلين للحصول على البركات".
فيما رأى الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن دعم مثل تلك (الاتحادات) من السياسيين هو أمر خطير جدا وغير أخلاقي، مؤكدا أن "الزيجات الشاذة لا تحقق الغرض الذي يستحق الزواج والأسرة من أجله اعترافا قاطعا محددا".