هجوم مشترك.. كيف تراجع الدعم الخليجي لنظام السيسي مع قرب الانتخابات الرئاسية؟

دلالة الزمان والمكان لا تنفك عن الأحداث السياسية، حيث يكون لها رمزيتها التي تكشف طبيعة العلاقات بين الدول والزعماء، ومن ضمنها ما يحدث من تطورات بين النظام المصري وحلفائه من دول الخليج.
وتتأهب مصر للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2023، فيما يستعد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي لتدشين فترة حكم ثالثة، عقب فترتين بنيت قواعدهما على أنقاض انقلاب عسكري غاشم وقع عام 2013.
لكن انتخابات 2023 تختلف شكلا ومضمونا من حيث خريطة التحالفات السياسية الخارجية للنظام، وكذلك الأزمات الاقتصادية العاصفة التي تضرب أركان الدولة، من تفاقم الديون وارتفاع معدلات التضخم ولجوء الحكومة المستمر للقروض الدولية.
لكن التحدي الأصعب الذي يواجه منظومة حكم السيسي، هو بروز شواهد متعددة على تراجع دعم الحلفاء الخليجيين، خاصة السعودية والإمارات، ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل السياسي والإعلامي أيضا.
منصة سعودية
البداية كانت من صحيفة "إندبندنت عربية" وهي مملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، ويرأس تحريرها عضوان الأحمري، الكاتب الصحفي السعودي المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان.
واستضافت الصحيفة الكاتب المصري عبد الله السناوي، رئيس تحرير جريدة "العربي" المحلية المحسوبة على الاتجاه الناصري.
السناوي في حواره مع "إندبندنت عربية"، الذي نشر في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وللمفارقة كان هو ذاته اليوم الذي أعلن فيه السيسي بشكل رسمي ترشحه للانتخابات الرئاسية، قد فتح النار على النظام المصري من جميع الأوجه.
وقال السناوي للمنصة "السعودية" إن "محاولة هندسة الانتخابات الرئاسية قد تذهب بالبلد إلى حافة المجهول، والخطر الأكبر في مصر هو الضجر الاقتصادي والاجتماعي".
واعتبر الكاتب المصري أن "التحديات الأساسية التي تواجه البلد هي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، ثم يتبعها الأزمة السياسية".
ووجه السناوي سهام نقده للسيسي حين استحضر تصريحه الشهير "أنا مش (لست) سياسي"، وعقّب "هذا تصريح بحاجة إلى مراجعة، لأن وظيفة رئيس الجمهورية هي منصب سياسي في المقام الأول والأخير".
ولفت إلى أن "مصر تعاني حاليا جفافا سياسيا وضجرا اقتصاديا واجتماعيا، خاصة أن النظام الحاكم وصل إلى منحدر خطير جدا يستحق الالتفات إليه".
واستخدم السناوي مصطلح "عام الغيوم" وهو يتحدث عن المشهد المصري الراهن، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما توقع "انفجارا اجتماعيا"، وسيناريو "عنف جنائي عام" نتيجة الفقر والجوع.
وشدد على أن السيسي استخدم تعبيرا غير مقبول عندما قال إن "مصر شبه دولة" وهو ما لا يليق بها كدولة عريقة.
وأردف: "لكن الواقع يبرهن أننا بعد 10 سنوات من حكم السيسي أصبحنا شبه دولة بالفعل".
منصة إماراتية
هجوم السناوي عبر المنصة السعودية، تزامن مع هجوم حاد آخر على رئيس النظام المصري، لكنه جاء هذه المرة من منصة إماراتية.
وفي 4 أكتوبر 2023، نشرت صحيفة "العرب" اللندنية، الممولة إماراتيا ولها مكتب في العاصمة أبو ظبي، مقالا تحت عنوان "عبد الفتاح السيسي.. مهندس الجمهورية الجديدة المنهكة اقتصاديا".
وتضمن المقال نقدا شديدا عندما ذكر أنه من الواضح أن "القاعدة الشعبية للمشير السيسي لم تعد كما كانت، كذلك موقعه على الصعيد الدولي، خصوصا مع توجيه اتهامات له بالتنكيل بمعارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان".
ثم تطرق إلى الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر البالغ عدد سكانها 105 ملايين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر.
وقال إنها واحدة "من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها"، بعدما سجل معدل التضخم مستوى قياسيا عند نحو 40 بالمئة.
المثير أن المقال المنشور على منصة ممولة إماراتيا، تناول علاقة السيسي بداعميه الخليجيين بشيء من السلبية.
فذكر أنه اعتمد لسنوات طويلة على تمويل صندوق النقد الدولي، وكذلك قروض وودائع الحلفاء الخليجيين.
ثم علق على وجود مؤشرات كثيرة أن المستثمرين الخليجيين، باتوا يطلبون عوائد استثماراتهم، ويرفضون تقديم مساعدات مالية غير مشروطة.
وعبر بوضوح أن بلدان الخليج "لم تعد تعتقد أن هناك إرادة سياسية داخل القيادة المصرية الحالية، وأن عواصم الخليج تحديدا الرياض وأبو ظبي، تعاني إحباطا حقيقيا، إن لم يكن غضبا".

رسائل أديب
المشهد الآخر الذي حمل بين طياته تغير الموقف الخليجي من السيسي، تمثل في رسائل الإعلامي عمرو أديب إلى رئيس النظام المصري عبر قناة "MBC" السعودية.
وفي الثاني من أكتوبر 2023 قال أديب عبر برنامجه "الحكاية"، موجها حديثه للسيسي: "كنت دائما في كلام حضرتك تحسد الرئيس جمال عبدالناصر على إعلامه.. في وقت الرئيس جمال كان هناك إعلام واحد، وكان هناك صحفي واحد، رحمه الله، الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل".
وأضاف: "ومع ذلك احترمنا أن فيه ظروف في البلد، وأن المسألة مش ناقصة نكد وشعللة، إنما أيضا نحن محتاجين نتكلم ونعبر أكثر".
ثم أكمل: "لو عايز إعلام جيد يا سيادة الرئيس اتركنا نشتغل وحاسبنا والناس تسمع وتقول، وكل الشخصيات ميبقاش عليها أي حاجة، ومبقاش قلقان لو قلت أي شيء".
لكن النقطة الأهم في حديث أديب تلك المتعلقة بتوكيلات الانتخابات الرئاسية، حيث أومأ الإعلامي المصري المقرب من الرياض، إلى حدوث "قلاقل ومناكفات".
وقال: "الموضوع مش محتاج، أنا بتكلم بصدق وبحب، الموضوع لا يحتاج ذلك، خلو (اتركوا) الناس تعمل التوكيلات، مش (ليس) اختراع دول 25 ألف توكيل من 15 محافظة".
ومعروف أن عمرو أديب هو ابن الإعلام السعودي منذ البداية، وجاءت فرصة ظهوره كمقدم برامج عام 1998، من خلال قنوات "الأوربت" السعودية المشفرة آنذاك.
وبدأ بتقديم برنامج "ليلة أوربت"، وكان من اكتشاف المخرج والمنتج الشهير طارق الكاشف الذي استشعر في "عمرو" مادة خام لإعلامي ناجح.
وكان أديب بطل المشهد الأكثر جدلا مع المستشار بالديوان الملكي السعودي، تركي آل الشيخ، وذلك خلال توقيعه عقدا مع مجموعة "إم بي سي" عام 2018.
وقال آل الشيخ عقب التوقيع: "نحب أن نقول.. بهاي (هذا) العقد، يصبح عمرو أغلى مذيع في الشرق الأوسط" قبل أن يضرب بقوة على كتفه، في حركة اعتبرت إهانة ودلالة على شراء الذمم.
لعنة السيسي
وعلى مدار الفترة التي سبقت أجواء الانتخابات الرئاسية، كانت هناك إشارات واضحة على توتر في العلاقات بين السيسي وقادة الخليج.
فمثلا أورد الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قائلا: "لقد غدت مصر لعنة على السعودية، بدلا من أن تكون حليفة لها".
وأضاف في 14 أغسطس 2023 أن "ابن سلمان يعلم جيدا أن مصر تحت سيطرة الجيش عبارة عن حفرة بلا قاع، لكن ما يجعله مستمرا في الدعم أنه لو توقف سينجم عن ذلك انهيارها، وستكون خطرا وبيلا على بلاده".
وفي 7 أبريل/ نيسان 2023، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، تقريرها عن زيارة السيسي إلى السعودية، وطبيعة العلاقات الاقتصادية بينه وبين دول الخليج.
وقالت إن "السعودية ودول الخليج العربي الأخرى حذروا مصر من أن أي خطة إنقاذ مالية ستعتمد على خفض القاهرة لقيمة عملتها وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها، وهو الأمر الذي يزيد من صعوبة الشروط المفروضة على جارتهم المأزومة بالديون بعد سنوات من المساعدات السهلة".
وذكرت الصحيفة أن دول الخليج "طلبت بشكل مباشر من الجيش المصري تقليص مشاركته في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، وهي خطوة من شأنها أن تسمح للشركات الخليجية بالاستحواذ على حصص في قطاعات النمو المصرية".
وذهبت إلى القول بأن "الخليج يريد قيادة مصرية أكثر فاعلية لإدارة شؤونها المالية، وسط سنوات من المخاوف بشأن سوء الإدارة والفساد".
وختمت "وول ستريت جورنال" التقرير بالقول إن "دول الخليج تتفق مع صندوق النقد الدولي على أن مصر بحاجة إلى كبح جماح الإنفاق المالي وتقليص دور جيشها في الاقتصاد".
ولعل تلك الجزئيات إذا تراصت سترسم صورة المشهد كاملا، أن الهجوم الخليجي غير المباشر على السيسي خلال موسم الانتخابات الرئاسية، هو رسالة بأن السياسات القديمة لم تعد ممكنة، وعلى النظام "أن يكون أكثر انصياعا لمطالبهم".
مراوغ فاشل
وعن شواهد التراجع الخليجي لدعم السيسي، قال الباحث السياسي المصري محمد ماهر: "لم يبدأ حاليا بل منذ سنوات، مع تراجع فكرة الدعم غير المشروط التي كان يعتمد عليها السيسي ونظامه ويتعامل مع الممولين الخليجيين من منطق (عندهم رز كثير) وأنهم كما قال سابقا (رئيس الإمارات) محمد بن زايد ماكينة صراف آلي لاستخراج الأموال".
وقال ماهر لـ"لاستقلال" إن "ما يحدث الآن هو تصعيد مستمر لا يمكن إغفاله أو التهاون به، فلا شك أن العلاقات المصرية السعودية على وجه الخصوص تشهد أسوأ مراحلها منذ عام 2016، وأن الرياض تحديدا هي التي تقود موجة الضغط على السيسي عبر منصات إعلامية وشخصيات سياسية".
وأوضح أن "السبب الرئيس لذلك يرجع إلى أن مصر باتت تشكل عبئا حقيقيا غير مفيد للأنظمة الخليجية، فمن جهة تستنزف أموالا ضخمة لصمود نظامها الحاكم، ومن جهة أخرى أنفقت مليارات الدولارات في مشروعات فاشلة دمرت ميزانيتها، وحولتها إلى دولة مثقلة بالديون والأزمات".
وذهب إلى العامل الثالث والأكثر أهمية أن "السيسي يراوغهم فيما يتعلق بالخصخصة وبيع الأصول وتقليل دور الجيش في الاقتصاد".
واعتبر ماهر أن "السيسي مراوغ فاشل لأن حكام الخليج يعرفون ما يريدون، ولو وصل الأمر إلى تغييره تماما سيفعلون كل السبل لذلك، فهم لن يتراجعوا عن الاستحواذ على أكبر وأهم أصول مصر، مهما كلفهم من ثمن".
وتابع: "صحيح أن مصر أكبر من أن تسقط كقاعدة سياسية ثابتة في الشرق الأوسط، لكن السيسي ليس أكبر من أن يتم استبداله وتغييره".